(1): ﴿كهيعص﴾: تقدم في أول البقرة.
(2): ﴿ذِكْرُ رَحْمَةِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّ﴾: يقص سبحانه على نبيه محمد (ص)
في هذه الآيات كيف رحم عبده ونبيه زكريا.
(3): ﴿إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاء خَفِيًّ﴾: دعا الله سبحانه بينه وبينه حيث لا
تسمعه أُذن سامع.
(4): ﴿قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي﴾: ضعفت وخارت قواي ﴿وَاشْتَعَلَ
الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُن بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّ﴾:ما طردتني قبل اليوم
عن بابك، ولا منعتني من فضلك وثوابك.
(5): ﴿وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِن وَرَائِي﴾: الموالي: العمومة وبنو العم،
ومن ورائي: بعد موتي، وخاف زكريا إذا ورثوه أن يسيئوا إلى الناس، ويفسدوا عليهم
دينهم ودنياهم ﴿وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرً﴾: عقيمًا ﴿فَهَبْ لِي مِن لَّدُنكَ
وَلِيًّ﴾: وارثًا.
(6): ﴿يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ﴾: العلم والنبوة ﴿وَاجْعَلْهُ رَبِّ
رَضِيًّ﴾: مرضيًا عندك وعند خلقك.
(7): ﴿يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَى﴾: في قاموس
الكتاب المقدس:( يوحنا المعمدان: مهيء طريق المسيح وابن زكريا الشيخ وزوجته
إليصابات.. ولد قبل المسيح بستة أشهر).
(8): ﴿قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرً﴾: ليس
هذا استبعادًا بل تعظيمًا لقدرة الله ﴿وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّ﴾:
تجاوزت عمر من يولد له.
(9): ﴿قَالَ كَذَلِكَ قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ﴾: يخلق الشيء من لا شيء.
(10) – (11): ﴿قَالَ رَبِّ اجْعَل لِّي آيَةً﴾: علامة تدل على وجود الحمل، وتقدم في
آل عمران من الآية 38 إلى 41.
(12) – (14): ﴿يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ﴾: اعمل بالتوراة مخلصًا
ومجاهدًا ﴿وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ﴾: التفقه في الدين ﴿صَبِيًّا وَحَنَانًا مِّن
لَّدُنَّ﴾: رحمة بعباد الله ﴿وَزَكَاةً﴾: طهارة وقداسة.
(15): ﴿وَسَلَامٌ عَلَيْهِ﴾: هو في رعاية الله وعنايته وأمنه وأمانه في كل المواطن،
وهي ثلاثة: ﴿يَوْمَ وُلِدَ﴾: حيث انتقل من العدم إلى الوجود ﴿وَيَوْمَ يَمُوتُ﴾:
حيث ينتقل إلى حياة ثانية ﴿وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّ﴾: للحساب والجزاء.
(16): ﴿وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا
شَرْقِيًّ﴾: اعتزلت للعبادة في مكان شرقي بيت المقدس أو شرقي دار أهلها، ولذلك
يصلي النصارى إلى المشرق.
(17): ﴿فَاتَّخَذَتْ مِن دُونِهِمْ حِجَابً﴾: استترت عن الأعين وتوارت
﴿فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَ﴾: وهو جبرائيل بدليل قوله تعالى في الآية 193 من
الشعراء: (نزل به الروح الأمين على قلبك) ﴿فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّ﴾:
فزعت منه.
(18): ﴿قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَن مِنكَ إِن كُنتَ تَقِيًّ﴾: خوَّفته من
الله إن يك من المؤمنين به حيث لا تملك أي وسيلة لردعه سوى التوكل عليه تعالى،
فهدَّأ جبرائيل من روعها.
(19): و﴿قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ﴾: لا تخافي، أنا ملاك لا إنسان وقديس
لا شيطان. جئت ﴿لِأَهَبَ لَكِ﴾: لأقول لك إن الله سبحانه قد وهبك ﴿غُلَامًا
زَكِيًّ﴾: طاهرًا مطهرًا.
(20): ﴿قَالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ
بَغِيًّ﴾: كيف؟ ومن أين الغلام؟ ولا زوج لي، أما السفاح فكل شيء دونه حتى الموت.
(21): ﴿قَالَ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ﴾: وقوله الفصل ﴿هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ
وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ﴾: على عظمة الله وقدرته حيث خلقه من أُنثى بلا ذكر
﴿وَرَحْمَةً مِّنَّ﴾: للعالمين، وتقدم في الآية 45 وما بعدها من آل عمران.
(22): ﴿فَحَمَلَتْهُ فَانتَبَذَتْ بِهِ مَكَانًا قَصِيًّ﴾: أحست مريم بالحمل،
فاستسلمت لأمره تعالى، وابتعدت بحملها عن الناس.
(23): ﴿فَأَجَاءهَا الْمَخَاضُ﴾: الطلق، وأصل الفعل جاءها، فدخلت همزة التعدية
فصارت أجاءها، مثل أقامه وأقعده، والمعنى ألجأها الطلق ﴿إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ
قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنتُ نَسْيًا مَّنسِيًّ﴾: كلمة تقال،
يُنفَّس بها المهموم عن كربه، وما عليه من غضاضة ما لم يكن شاكًا في دينه ولا
مرتابًا بيقينه.
(24): ﴿فَنَادَاهَا مِن تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ
سَرِيًّ﴾: جدولاً من ماء.
(25): ﴿وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا
جَنِيًّ﴾: لم يسقط سبحانه الرطب على مريم تلقائيًا، بل أمرها بالحركة والأخذ
بالجذع للتنبيه إلى أنه يبسط الرزق بالسعي والعمل.
(26): ﴿فَكُلِي﴾: من الرطب ﴿وَاشْرَبِي﴾: من الجدول ﴿وَقَرِّي عَيْنً﴾: طيبي نفسًا
بالمولود المبارك ﴿فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدً﴾: وسألك عن المولود
﴿فَقُولِي﴾: بالإيماء والإشارة: ﴿إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمً﴾: بالسكوت،
وكل ما تقدم، ويأتي أيضًا، في غاية الوضوح، وإذن علامَ طول الشرح وتوضيح الواضحات.
(27): ﴿فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ﴾: وضعت مريم وليدها. وحملته إلى أهلها،
ورأسها في السماء تجر ذيول العز والكرامة، وقلبها عامر بالأمان والإيمان، وعلى يدها
روح الله ورحمته، وكل بريء هو في ثقته وشجاعته كمريم، وإن تراكمت عليه الافتراءات
والتهم ﴿قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّ﴾: بدعواك الحمل بلا
دنس، إنها محض الافتراء.
(28): ﴿يَا أُخْتَ هَارُونَ﴾: أي هي من بيت النبوة والشرف وفي التوراة سفر المزامير
الإصحاح 106 فقرة 16 (هرون قدوس الرب) ﴿مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا
كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّ﴾: خرجت من أفضل المعادن منبتًا. وفي الحديث: إياكم وخضراء
الدُّمَّن. قالوا: يا رسول الله، ومَنْ خضراء الدمن؟ قال: المرأة الحسناء في منبت
السوء.
(29): ﴿فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ﴾: تشهد به على براءتها، وهي أصدق الشاهدين ﴿قَالُوا
كَيْفَ نُكَلِّمُ مَن كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّ﴾: ما هذا الهزؤ والاستخفاف؟
ولكن الذي في المهد كلمهم قبل أن يكلِّموه.
(30): ﴿قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ﴾: أول كلمة نطق بها عيسى تنزيه الخالق عن
الولد، وإثبات العبودية لله وحده لا شريك له ﴿آتَانِيَ الْكِتَابَ﴾: الإنجيل
﴿وَجَعَلَنِي نَبِيًّ﴾: أي سيجعلني في المستقبل بدليل أن الإنجيل لم ينزل عليه وهو
في المهد، وكيف يكون الرضيع حجة على الناس وهو غير مكلَّف ومسئول عن شيء، وكنا في
غنى عن هذه الإشارة الواضحة لولا تمويه مجرم آثم بان عيسى بُعث وهو في المهد، ولم
يُبعث محمد (ص) إلا بعد الأربعين أنظر التفسير الكاشف ج3 ص144.
(31) – (33): ﴿وَجَعَلَنِي مُبَارَكً﴾: وكل من ينفع الناس بجهة من الجهات فهو
مبارك، وكل من يضار بواحد منهم فهو شؤم ورجس.
(34): ﴿ذَلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ﴾: خبر لمبتدأ محذوف أي هو قول
الحق ﴿الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ﴾: أي يشكّون ويختلفون، هذي هي كلمة الحق في عيسى:
لا هو جبار ومحتال كما قال اليهود، ولا هو ابن الله وشريكه في الخلق كما قال
النصارى، إنه نبي يبلِّغ رسالات ربه وعبد من عباده الصالحين.
(35): ﴿مَا كَانَ لِلَّهِ أَن يَتَّخِذَ مِن وَلَدٍ سُبْحَانَهُ﴾: ولماذا الولد؟
وهو الغني ﴿إِذَا قَضَى أَمْرًا... ﴾: تقدم في البقرة 117 وفي آل عمران 47.
(36): ﴿وَإِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ
مُّسْتَقِيمٌ﴾: هذا من كلام عيسى (ع) يأمر فيه بدين التوحيد لأنه الدين القويم من
سلكه نجا، ومن ضلَّ عنه هوى.
(37): ﴿فَاخْتَلَفَ الْأَحْزَابُ مِن بَيْنِهِمْ﴾: وهم المنتمون إلى عيسى وديانته،
قالت طائفة منهم: هو الله هبط إلى الأرض ثم صعد إلى السماء، وذهبت ثانية إلى أنه
ابن الله، وثالثة أنه عبد الله، ورابعة يجمع بين اللاهوت والناسوت. كان هذا الخلاف
في العصور الخالية، واليوم الكل على وفاق بأن عيسى أحد الأقانيم الثلاثة.
(38): ﴿أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ يَوْمَ يَأْتُونَنَ﴾: يخبِّر سبحانه عن حال
الكافرين والمجرمين يوم القيامة، وأنه لا أحد أسمع منهم وأبصر للحق آنذاك، وكانوا
في الدنيا الصم البكم العمي.
(39): ﴿وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ﴾: وهو يوم القيامة، وانتصب على المفعول به
لا على الظرفية، لأن التخويف منه لا فيه، وسمي بذلك لأن المجرم يقول غدًا: يا حسرتي
على ما فرطت في جنب الله - 56 الزمر ﴿إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ﴾:
الآن، وعليهم أن يستيقظوا منها بالتوبة والإنابة ﴿وَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ﴾: أي لا
يستيقظون من غفلتهم.
(40): ﴿إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا وَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ﴾:
ابتدع سبحانه الخلق من العدم المحض، ثم يفنيه ويبقى وحده، ثم يعيده إليه بلا حرية
ولا قدرة وإرادة.
(41): ﴿وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ﴾: اقرأ يا محمد القرآن الذي ذكرنا
فيه إبراهيم الخليل، واتل ذكره على قومك الذين يزعمون أنهم على ملَّته، كلا إنهم
يعبدون الأصنام وإبراهيم يتبرأ منها ﴿إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَّبِيًّ﴾: صادقًا
في عقيدته ومقاصده وفي أقواله وأفعاله، وفوق ذلك اختاره الله لنبوته ورسالته.
(42): ﴿إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ... ﴾: تقدم في الآية 74 من الأنعام.
(43) – (45): ﴿يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ﴾:
أتستصغر سنِّي بالقياس إلى سنك – إني أعلم من الله ما لم تعلم ﴿فَاتَّبِعْنِي﴾:
أقودك إلى سبيل الخير والهداية.
(46): ﴿قَالَ﴾: أبوه الحقيقي أو المجازي على الخلاف كما سبقت الإشارة ﴿أَرَاغِبٌ
أَنتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إِبْراهِيمُ﴾: بعد كل الحجج البيِّنة والمحاولات الجادة كي
يترك عبادة الأصنام، يفاجئه بهذا الجواب: كأنك لا تريد أن تعبد الأصنام! ﴿لَئِن
لَّمْ تَنتَهِ﴾: عن التوحيد والدعوة إليه ﴿لَأَرْجُمَنَّكَ﴾: بالحجارة
﴿وَاهْجُرْنِي مَلِيًّ﴾: أبدًا أو طويلاً.
(47): ﴿قَالَ﴾: إبراهيم مجيبًا عن التهديد والوعيد: ﴿سَلَامٌ عَلَيْكَ﴾: افعل ما
شئت، أما أنا فلا ينالك مني مكروه ولا أذى ﴿سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي﴾: أسأل الله
فيك أن يهديك ﴿إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّ﴾: عودني سبحانه على فضله وإحسانه.
(48): ﴿وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ... ﴾: هجر إبراهيم قومه
وأهله في الله، وزهد فيها وفي الدنيا لوجه الله، فأبدله سبحانه في الدنيا خيرًا
منهم حيث وهبه إسماعيل وإسحق ومن بعده يعقوب، وشرَّفهم بالنبوة.
(49) – (50): ﴿فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ
وَهَبْنَا لَهُ إِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَكُلًّا جَعَلْنَا نَبِيًّ﴾: وفي الآية 163
من النساء: (وأوحينا إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحق ويعقوب) وهل من نعمة أجلّ من هذه
وأعظم؟: الوالد وولدان للصلب والحفيد كلهم أنبياء، بل أحفاد الأحفاد، ومن هنا كُني
إبراهيم الخليل أبو الأنبياء.
(51): ﴿وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ﴾: في القرآن ﴿مُوسَى إِنَّهُ كَانَ مُخْلَصً﴾:
بمعنى المختار والمصطفى.
(52): ﴿وَنَادَيْنَاهُ مِن جَانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ﴾: الطور هو الجبل الذي كلم
الله موسى عليه، والمراد بالأيمن يمين موسى لأن الجبل لا يمين له وشمال
﴿وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّ﴾: خاطبه الله مباشرة وبلا واسطة.
(53): ﴿وَوَهَبْنَا لَهُ مِن رَّحْمَتِنَا أَخَاهُ هَارُونَ نَبِيًّ﴾: المراد
بوهبنا هنا أن الله سبحانه شدَّ عضد موسى بأخيه هرون كما في الآية 35 من القصص،
وكان هرون أكبر من موسى بثلاث سنوات، ويمينه في جميع أعماله. وتقدم الحديث عن موسى
مرات ومرات.
(54)- (55): ﴿وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ
الْوَعْدِ... ﴾: كان وفيًا بطبعه، يفعل ما يقول، ولا يقول ما لا يفعل، وأيضًا كان
وفيًا لدينه وللإنسانية جمعاء دون أي مقابل إلا مرضاة الله سبحانه، ومن أجل هذا كان
رسولاً نبيًا وعند ربه مرضيًّا.
(56): ﴿وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِدْرِيسَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَّبِيًّا
وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّ﴾: هذا كل ما نعرفه ونؤمن به عن إدريس، أما ما جاء
في التفاسير من أنه رفع إلى السماء وأول من خط بالقلم وتعلم الحساب وما يشبه ذلك –
فهو من الإسرائيليات.
(58): ﴿أُوْلَئِكَ﴾: إشارة إلى كل من ذُكر في هذه السورة من زكريا إلى إدريس
﴿وَمِمَّنْ حَمَلْنَ﴾: في السفينة﴿مَعَ نُوحٍ﴾: وقد حمل معه من جملة من حمل ابنه
سام، ومن ذريته إبراهيم، أما إسماعيل وإسحاق ويعقوب فهم من ذرية إبراهيم، وإليهم
الإشارة بقوله سبحانه: ﴿وَمِن ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ﴾: أما
إسرائيل – أي يعقوب – فمن ذريته موسى وهرون وزكريا ويحيى وعيسى من جهة الأم
﴿وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَ﴾: كل هؤلاء وغيرهم من المؤمنين الأتقياء
﴿إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَن خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّ﴾: إذا
ذكر الله سبحانه خروا ساجدين باكين خوفًا من العقاب ورجاء الثواب.
(59): ﴿فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ﴾: بسكون اللام، والمراد به النسل الطالح كما
قال سبحانه: ﴿أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ﴾: ذكر سبحانه
الأنبياء ومن اتبعهم من الصالحين، وأثنى عليهم، وعقب بمن جاء بعدهم كاليهود
والنصارى، ونعتهم بالضلال والفساد... وعين الشيء يقال في المسلمين بنص القرآن
الكريم: (وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفئن مات أو قتل انقلبتم على
أعقابكم – 144 آل عمران) وفي الحديث: بدأ الإسلام غريبًا، وسيعود كما بدأ غريبًا...
لتتبعن سنن من كان قبلكم ﴿فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّ﴾: شرًا وعذابًا جزاءًَ على
تمردهم وضلالهم.
(60) – (61): ﴿إِلَّا مَن تَابَ... ﴾: لأن التائب من الذنب كمن لا ذنب له.
(62): ﴿لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا... ﴾: لا حقد ولا حسد ولا كذب ولا خداع في الجنة،
ومن أجل هذا لا يدخلها حاسد وحاقد وكاذب ومخادع، كما قال سبحانه:
(63): ﴿تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَن كَانَ تَقِيًّ﴾:
والتقي هو الذي يراعي الله والحق في سلوكه وتصرفاته وحتى في حال الغيب قال سبحانه:
(إن الذين يخشون ربهم بالغيب لهم مغفرة وأجر كبير – 12 الملك) والمراد بالغيب هنا
أن تتقي الله، وأنت في أمن وأمان من سوء العاقبة في الحياة الدنيا.
(64): ﴿وَمَا نَتَنَزَّلُ﴾: الوحي من السماء ﴿إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ﴾: استبطأ
رسول الله (ص) نزول الوحي عليه، ولما جاء به جبريل قال له: ما منعك أن تزورنا أكثر
مما تزورنا؟ فنزلت هذه الآية، والمعنى الأمر لله وحده ﴿وَمَا كَانَ رَبُّكَ
نَسِيًّ﴾: بل يفعل أو يترك بحكمة وعلم.
(65): ﴿رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَ﴾: ومن كان للكون ربًا
يستحيل النسيان في حقه ﴿فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ﴾: الأمر لرسول الله
(ص) بأن يصدع بما يؤمر، ويصبر على الأذى في سبيل مهمته ﴿هَلْ تَعْلَمُ لَهُ
سَمِيًّ﴾: مثيلاً وشبيهًا.
(66) – (67): ﴿وَيَقُولُ الْإِنسَانُ أَئِذَا مَا مِتُّ﴾: الإشكال هو الإشكال
والجواب هو الجواب من يحيي العظام وهي رميم؟ يحييها الذي أنشأها أول مرة، ويقول من
لا يؤمن إلا بالمشاهدة والتجربة: لقد شاهدنا وجربنا النشأة الأولى، أما الثانية فلا
يمكن فيها التجربة والمشاهدة. ولا جواب لهؤلاء الجاحدين المعاندين إلا قوله تعالى:
(فانتظروا إني معكم من المنتظرين – 71 الأعراف).
(68): ﴿فَوَرَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّيَاطِينَ﴾: الذين كانوا يعبدونهم من
دون الله، ويومئ هذ القسم إلى أشد الغضب منه تعالى من أنكر النشر والحشر ﴿ثُمَّ
لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّ﴾: يخرجون من القبور على أسوأ حال، ثم
يساقون إلى جهنم، وقبل دخولها يتحلَّقون حولها جاثين على الركب ينظرون إليها، وتنظر
إليهم.
(69): ﴿ثُمَّ لَنَنزِعَنَّ مِن كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمَنِ
عِتِيًّ﴾: يبدأ سبحانه بالقادة العتاة، يلقي بهم في جهنم الأعتى فالأعتى، ويأخذ كل
واحد منهم المكان اللائق من عذاب الحريق.
(70): ﴿ثُمَّ لَنَحْنُ أَعْلَمُ بِالَّذِينَ هُمْ أَوْلَى بِهَا صِلِيًّ﴾: يعلم
سبحانه ما يجترح الإنسان من سيئات في سره وعلنه، ويجازيه بما يستحق.
(71): ﴿وَإِن مِّنكُمْ إِلَّا وَارِدُهَ﴾: المراد بالورود هنا مجرد الرؤية
والمشاهدة لأن المؤمنين عن النار مبعدون عقلاً ونقلاً.
(72): ﴿ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَو﴾: من عذاب النار ﴿وَّنَذَرُ
الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّ﴾: ولا يظلم ربك أحدًا أما الحكمة في مشاهدة المؤمن
الصالح نار جهنم فهي أن يفرح ويغتبط حامدًا شاكرًا نعمة النجاة والخلاص من لهبها
وكلبها.
(73): ﴿وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ﴾: عليهم يعود إلى مشركي
قريش، وآيات الله هي حجَّته البالغة، ودلائله القاطعة ﴿قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا
لِلَّذِينَ آمَنُوا أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ﴾: المؤمنين أو الجاحدين ﴿خَيْرٌ
مَّقَامً﴾: حالاً ووضعً﴿وَأَحْسَنُ نَدِيًّ﴾: ناديًا يكثر رواده ورجاله، وخلاصة
المعنى أن الجبابرة الأشرار يجابهون دعوة الله والحق بقولهم لمن سمع لها وأطاع: نحن
نعيش في المال والجاه، وتعيشون أنتم فقراء مساكين، فكيف تزعمون أنكم المحقون ونحن
المبطلون؟ ومن قبل قال فرعون عن موسى: فلولا أُلقي عليه أسورة من ذهب معتبرًا الحق
بالغنى والباطل بالفقر!.
(74): ﴿وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُم مِّن قَرْنٍ﴾: أهل عصر، كانوا أكثر مالاً،
وأشد قوة، وأعز نفرًا ﴿هُمْ أَحْسَنُ أَثَاثً﴾: متاع البيت وأدواته الضرورية
والكمالية ﴿وَرِئْيً﴾: صورة ومنظرًا.
(75): ﴿قُلْ﴾: يا محمد لمن يتخذ من الترف مقياسًا للحق: ﴿مَن كَانَ فِي
الضَّلَالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمَنُ مَدًّ﴾: إن الله سبحانه يمتحن عباده
بالدنيا وزينتها، ويمهلهم حتى تظهر الأفعال التي يستحقون بها الثواب والعقاب﴿حَتَّى
إِذَا رَأَوْ﴾: أي المترفون الطغاة ﴿مَا يُوعَدُونَ﴾: الشيء الموعود به وهو
﴿إِمَّا الْعَذَابَ﴾: في الدنيا ولو بالقتل والأسر ﴿وَإِمَّا السَّاعَةَ﴾: الحشر
والحساب. وعندئذ ﴿فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ شَرٌّ مَّكَانًا وَأَضْعَفُ جُندً﴾:
الكافرون الأغنياء أو المؤمنون الفقراء؟ إن الغنى والترف ليس مقياسًا للخير والفضل،
والفقر والخصاصة ميزانًا للشر والضعة، وإنما العمل وحده هو الميزان والقياس.
(76): ﴿وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى﴾: المسببات تجري على أسبابها،
فمن أخذ بسبب الخير أو الهداية أخذ الله بيده، وشمله بعنايته، ومن أخذ بسبب الشر
والضلالة يعامله جلت حكمته، بما اختار لنفسه ﴿وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ
عِندَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ مَّرَدًّ﴾: أي عاقبة، وليست الجمعيات والأحزاب من
الباقيات الصالحات في شيء إلا أن تعمل لخير الأجيال، لا للهتاف والتصفيق لرئيس
الجمعية أو الحزب.
(77): ﴿أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا وَقَالَ لَأُوتَيَنَّ مَالًا
وَوَلَدً﴾: جاء في الأحاديث النبوية والتفاسير القرآنية: أن العاص بن وائل والد
عمرو بن العاص، لما سمع بذكر البعث قال ساخرًا: لأوتين في الآخرة مالاً وولدًا،
وظاهر الآية يدل على أن زنديقًا قال هذا.
(78): ﴿أَطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِندَ الرَّحْمَنِ عَهْدً﴾: من أين جاءه
هذا العلم؟ هل عنده مفاتيح الغيب أم أخذ ميثاقًا من الله بذلك؟.
(79): ﴿كَلَّ﴾: لا هذا ولا ذاك ﴿سَنَكْتُبُ مَا يَقُولُ وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ
الْعَذَابِ مَدًّ﴾: حفظنا أقواله، وسنزيده من أجلها عذابًا فوق عذاب.
(80): ﴿وَنَرِثُهُ مَا يَقُولُ﴾: نسلبه أمواله وأولاده بموته وهلاكه ﴿وَيَأْتِينَا
فَرْدًار﴾: بلا مال ولا بنين، وتمثل ابن كثير عند تفسير هذه الآية بقول الشاعر:
فليت فلانًا مات في بطن أُمه وليت فلان كان ابن حماره.
(81): ﴿وَاتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لِّيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّ﴾:
يعتزون و
2015-12-10