(1): ﴿طسم﴾: انظر أول سورة البقرة.
(2): ﴿تِلْكَ آيَاتُ﴾: إشارة إلى آيات هذه السورة ﴿الْكِتَابِ الْمُبِينِ﴾: القرآن
الجلي الواضح في الدعوة إلى الحق والفاصل بينه وبين الباطل.
(3): ﴿لَعَلَّكَ﴾: يامحمد ﴿بَاخِعٌ﴾: مهلك ﴿نَّفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا
مُؤْمِنِينَ﴾: بالهدى والحق، وتقدم في الآية 6 من الكهف وغيرها.
(4): ﴿إِن نَّشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِم مِّن السَّمَاء آيَةً فَظَلَّتْ
أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ﴾: نريد أن يسلك الناس الطريق القويم عن رضا وبقلب
ملؤه الإيمان لا بقوة سماوية، وهل يلجأ إلى القوة والغلبة من يدعو إلى الحرية؟.
(5): ﴿وَمَا يَأْتِيهِم مِّن ذِكْرٍ مِّنَ الرَّحْمَنِ مُحْدَثٍ إِلَّا كَانُوا
عَنْهُ مُعْرِضِينَ﴾: كلما نزلت آية جديدة من السماء أدبروا واستكبروا.
(6): ﴿فَقَدْ كَذَّبُو﴾: واستهزؤوا بما جاءهم من الحق فسيأتيهم نبأ هذا التكذيب
بعد حين.
(7) - (9): ﴿أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الْأَرْضِ... ﴾ : كفروا بالله وهم يرون عجائب
قدرته في النبات أشكالًا وألوانًا، وتقدم في الآية99 من الأنعام وغيرها.
(10) - (12): ﴿وَإِذْ نَادَى رَبُّكَ مُوسَى... ﴾ : ورد اسم موسى (ع) في القرآن
الكريم أكثر من 125 مرة، وعند تفسير الآية 9 من طه أشرنا إلى سبب هذا التكرار كما
نظن ونتصور (والله يعلم وأنتم لا تعلمون) وسنتخطى هنا بعض الآيات لوضوحها وتقدم
الكلام عنها، ونوجز في بعضها الآخر.
(13): ﴿وَيَضِيقُ صَدْرِي﴾: ولكن محمد (ص) لم يعتذر ويتعلل بهذا ومثيله، بل وسع
صدره للناس، كل الناس وصمد أمام العتاة والجبابرة من المشركين، وأمام اليهود
الغادرين وأهل النفاق الماكرين.
(14) - (18): ﴿وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنبٌ﴾: وهو قتل الفرعوني الذي كان السبب الموجب
لخروجه من مصر، وقد عيَّره فرعون بذلك حيث قال له:
(19): ﴿وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ وَأَنتَ مِنَ الْكَافِرِينَ﴾:
بفضلنا عليك وتربيتنا لك، أبهذا تقابل الإحسان؟.
(20): ﴿قَالَ﴾: موسى لفرعون ﴿فَعَلْتُهَا إِذًا وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ﴾: أي
الجاهلين بأن وكزتي تؤدي إلى القتل، لأني قصدت بها الردع والتأديب فأخطأت القصد...
وبالمناسبة نشير إلى أن العمد ركن من أركان الجناية عند أهل التشريع.
(21): ﴿فَفَرَرْتُ مِنكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ﴾: ما فررت من العدالة بل من الظلم
﴿فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْمً﴾: أي علمًا بدينه وأحكامه ﴿وَجَعَلَنِي مِنَ
الْمُرْسَلِينَ﴾: حيث وجدني أهلا لرسالته، ذكَّره فرعون بالفقر والتشريد فقال له
موسى: تقاس الكرامة والفضيلة بالعلم والعمل الصالح لا بالجاه والمال.
(22): ﴿وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَيَّ أَنْ عَبَّدتَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ﴾:
أتمن عليّ يا فرعون بالتربية وليدًا، وتنسى أنك أنت السبب الموجب لوصولي إليك حيث
كنت تذبح أبناء بني إسرائيل، وتستعبد الكبار أرقاء لك؟ وأي وزن لتربيتي بالنسبة إلى
ما فعلت وأسأت؟.
(23): ﴿قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ﴾: زعمت يا موسى أنك رسول رب
العالمين، فمن هو هذا الذي زعمت؟ وما هو جنسه وفصله؟.
(24): ﴿قَالَ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾: أجاب موسى بأن الله لا يعرف بالذات
بل بالآثار والأفعال، والكون بمن فيه وما فيه من صنعه وإبداعه وحده لا شريك له ﴿إن
كُنتُم مُّوقِنِينَ﴾: إن كان لكم عقول تدرك الحق وتؤمن به.
(25): ﴿قَالَ﴾: فرعون ﴿لِمَنْ حَوْلَهُ أَلَا تَسْتَمِعُونَ﴾: ألا تعجبون من هذا؟
يزعم أن غيري خلق الكون وأنا موجود؟... ولا تعجب أيها القارئ من هذا العجب، فكم
واحد يقول: أنا ربكم الأعلى إذا وجد من يسمع له ويقبل منه إلا من شذ كما أشار
سبحانه في الآية54 من الزخرف (فاستخف قومه فأطاعوه).
(26): ﴿قَالَ﴾: موسى الله ﴿رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ﴾: الذين
خلقوا ووجدوا قبل أن يخلق فرعون ويوجد، فهل خلقهم وهو عدم في عدم!.
(27): ﴿قَالَ: فرعون ﴿إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ﴾:
تمامًا كما يقول اليوم حكام البغي والضلال للحر الأمين: أنت مخرب وهدام، ولا فرق في
الشكل والكلام.
(28): ﴿قَالَ﴾: موسى مُصّرًا ومؤكَّدًا: الله ﴿رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ﴾:
ذكر موسى شروق الشمس وغروبها حيث لا يجرأ فرعون أن يقول: أنا الذي أسيرها من المشرق
إلى المغرب، ولذا بُهت وأُفحم تمامًا كما بهت نمرود حين تحداه إبراهيم الخليل (ع)
بقوله: (فإن الله يأتي بالشمس من المشرق فات بها من المغرب-258 البقرة).
(29): ﴿قَالَ﴾: فرعون لموسى: ﴿لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهًا غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ
مِنَ الْمَسْجُونِينَ﴾: لما انقطعت حجة فرعون أخد يهدد بسلاح الجور والإعتساف...
ولكن هذا سلاح لا تراه الأعين. وأقواه وأمضاه على الإطلاق الصمود والإخلاص مهما
كانت النتائج وتكون.
(30): ﴿قَالَ﴾: موسى مخاطبًا فرعون: ﴿أَوَلَوْ جِئْتُكَ﴾: أتجعلني من المسجونين حتى
ولو أتيتك بالدليل القاطع على نبوتي.
(31) - (33): ﴿قَالَ فَأْتِ بِهِ﴾: أرنا دليلك، فتحولت العصا إلى ثعبان واليد
السمراء إلى كهرباء، فأصر فرعون على التكذيب. إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ
(34)-37: ﴿قَالَ لِلْمَلَإِ حَوْلَهُ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ﴾: عجيب السحر،
بارع فيه؟.
(38): ﴿فَجُمِعَ السَّحَرَةُ لِمِيقَاتِ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ... ﴾: هو يوم العيد بنص
الاية59 من طه.
(39): ﴿وَقِيلَ لِلنَّاسِ هَلْ أَنتُم مُّجْتَمِعُونَ﴾: لتشهدوا هذه المباراة.
(40): ﴿لَعَلَّنَا نَتَّبِعُ السَّحَرَةَ إِن كَانُوا هُمُ الْغَالِبِينَ﴾: أي
لعلنا نغلب موسى ولو بالتدجيل والتهويل.
(41) - (45): ﴿فَلَمَّا جَاء السَّحَرَةُ﴾: ساوموا فرعون فوعدهم بأكثر مما طلبوا
ورغبوا، فألقوا ما عندهم، وألقى موسى العصا.
(46) - (49): ﴿فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ﴾: مؤمنين برب العالمين، فثارت
ثائرة فرعون وازداد عتوًا وعنادًا، وشرع يبرق ويرعد ويتوعد ويهدد السحرة بقوله:
﴿لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ... ﴾: ولكنهم لم يكترثوا بفرعون وسلطانه وتنكيله
وطغيانه.
(50) - (51): ﴿قَالُوا لَا ضَيْر﴾: ألسنا على الحق، إذن لا نبالي بالموت... وهكذا
شهداء العقيدة لا يبالون بسيف الجلاد، بل يشتدون صلابة في صمودهم وإخلاصهم، ورسوخًا
في دينهم وإيمانهم، أما الذين ينهارون ويستسلمون باللمحة والنظرة، بل وبمجرد الوهم،
فما هم من الدين والإيمان في شيء، وإن انتحلوه وانتسبوا إليه... أللهم ما أحكمك،
وأحلمك، وأمهلك على من يعيش بالرياء والنفاق.
(52): ﴿وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي إِنَّكُم
مُّتَّبَعُونَ﴾: أمر سبحانه موسى أن يخرج ليلا مع بني إسرائيل وأخبره أن فرعون
وجنوده لاحقون بهم، فامتثل موسى ما أُمر به.
(53): ﴿فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ﴾: لما علم فرعون بخروج
موسى وبني إسرائيل حشد لهم لكي يرغمهم على الرجوع إلى سلطانه، وقال فيما قال:
(54): ﴿إِنَّ هَؤُلَاء لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ﴾: وظريف جدًا ما قاله هنا بعض
المفسرين: كان مع موسى ستمائة وسبعون ألفًا، وكان جيش فرعون ألف ألف ملك أي قائد مع
كل ملك ألف ومعنى هذا أن جيش فرعون كان ألف مليون، وكلهم غرقوا في البحر!.
(55): ﴿وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَائِظُونَ﴾: يخلقون لنا المزعجات والمشكلات.
(56): ﴿وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَاذِرُونَ﴾: مستعدون لاستئصالهم وإبادتهم.
(57): ﴿فَأَخْرَجْنَاهُم﴾: من جنات وعيون.
(58): ﴿وَكُنُوزٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ﴾: خرج فرعون وجنوده للانتقام من موسى ومن معه،
فانتقم الله منهم، ودارت عليهم دائرة السوء! فرعون الذي قال بالأمس: (أليس لي ملك
مصر وهذه الأنهار تجري من تحتي أفلا تبصرون-51 الزخرف) فرعون الذي طغى وبغى وقال:
(أنا ربكم الأعلى-24 النازعات) أخده الله في لحظة بنكال الغرق في الدنيا وعذاب
الحريق في الآخرة... فهل يتعظ الجبابرة الطغاة والمتعالون العتاة؟ وعلى كل عاقل أن
ينتفع بهذا الدرس، وأن لا يدخل في شيء حتى يهيئ الخروج منه. دخل فرعون البحر ليقتل
موسى فغرق فيه.
(59): ﴿كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا بَنِي إِسْرَائِيلَ﴾: وظاهر الكلام وسياقه يدل أن
الله سبحانه أورث بني إسرائيل ديار فرعون وقومه، ومهما يكن فإن محل الشاهد أن الظلم
لا يدوم، وأن الأشياء تتغير شئنا أم أبينا.
(60): ﴿فَأَتْبَعُوهُم مُّشْرِقِينَ﴾: أدرك فرعون بني إسرائيل عند شروق الشمس.
(61) - (62): ﴿فَلَمَّا تَرَاءى الْجَمْعَانِ﴾: جمْع موسى وجَمْع فرعون، عند ذلك
﴿قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ﴾: لحق العدو بنا ولا طاقة لنا به
﴿قَالَ﴾: موسى لأصحابه: ﴿كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ﴾: وعدني ربي وهو
لا يخلف الميعاد.
(63): ﴿فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِب بِّعَصَاكَ الْبَحْر﴾: فضربه بها
﴿فَانفَلَقَ﴾: انشق ﴿فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ﴾: انشق البحر
اثنى عشر طريقًا، وقام الماء بين طريق وطريق كالجبل المرتفع، وتجاوز موسى وقومه إلى
الشاطئ الثاني. وتجدر الإشارة أن القوانين الطبيعية يمكن نقضها عقلا باتفاق علماء
الطبيعة- قانون الطبيعة يستدعي أن تحترق هذه الورقة إذا أُلقيت في النار، ومع ذلك
لا مانع في حكم العقل أن تكون في النار ولا تحترق.
(64): ﴿وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الْآخَرِينَ﴾: قربنا فرعون وقومه من البحر لنغرقهم فيه.
(65): ﴿وَأَنجَيْنَا مُوسَى وَمَن مَّعَهُ أَجْمَعِينَ﴾: وما هلك منهم واحد.
(66) - (68): ﴿ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ﴾: فرعون وقومه وما سلم منهم واحد.
(69): ﴿وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ إِبْرَاهِيمَ﴾: الخطاب لرسول الله (ص) وضمير
عليهم يعود لقريش الذين زعموا أنهم من نسل إبراهيم وعلى دينه.
(70): ﴿إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا تَعْبُدُونَ﴾: كان لسقراط منهج خاص في
الجدال والحوار، كان يتظاهر بالجهل والتسليم بأقوال الخصم، ثم يلقي عليه سؤالا بهدف
أن يعرفه بجهله وأخطائه، فإذا أجاب وجَّه إليه سؤالا آخر لازمًا لنفس الجواب...
وهكذا حتى يوقعه في التناقض، ويحمله على الإقرار بالجهل، وسؤال إبراهيم (ع) لأبيه
وقومه من هذا الباب.
(71): ﴿قَالُوا نَعْبُدُ... ﴾ هذه الأصنام التي ترى.
(72) - (77): ﴿قَالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ﴾: من شأن المعبود أن يرى ويسمع، ويضر
وينفع، وهذه الأصنام صم بكم! فكيف ترجون منها الخير؟ قالوا: نحن نحيا ونموت على دين
الآباء والأجداد. فقال لهم إبراهيم: أنتم وآلهتكم وآباؤكم وأجدادكم ﴿عَدُوٌّ لَّي
إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ﴾: لا أُؤمن بسواه ولا أخاف غيره.
(78): ﴿الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ﴾: وهبني عقلًا أهتد به، فلا أُقلَّد
أبًا وجدًا.
(79): ﴿وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ﴾: بتيسير الأسباب لي ولجميع خلقه.
(80): ﴿وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ﴾: بما خلق من الدواء قال رسول الله (ص):
(لكل داء دواء، فإذا أصاب الدواء الداء بريء بإذن الله).
(81): ﴿وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ﴾: لا أحد يقدر على ذلك سواه.
(82): ﴿وَالَّذِي أَطْمَعُ أَن يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ﴾: وإبراهيم
معصوم عن الخطأ والخطيئة، ومن عصمته أن يعظم خوفه من الله، هذا إلى أنه لا نجاة من
عذاب الله إلا لمن خاف من عذابه.
(83): ﴿رَبِّ هَبْ لِي حُكْمً﴾: علمًا بالأحكام ﴿وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ﴾:
عملا وثوابًا.
(84): ﴿وَاجْعَل لِّي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ﴾: جميل الأحدوثة إلى يوم
الدين.
(85): ﴿وَاجْعَلْنِي مِن وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ﴾: إبراهيم هو خليل الرحمن،
وملَّته هي الدين الحنيف بنص من القرآن الكريم ومن خرج عنها فهو من الكافرين، ومع
هذا يخضع ويتضرع ويتذلل ويتوسل أن يمن عليه سبحانه بالجنة، وأن يغفر له خطيئته كما
في الآية 82 و87 من هذه السورة. تذكرت وأنا أُفسَّر هذه الآية جملة كتبها قائلها
على جلد كتابه، وهذا نصها: (وإيماني جعلني سعيدًا في الدارين معًا، وبقراءتك لهذا
الكتاب يمكنك أن تصبح سعيدًا مثلي من غير ارتياب) ! ولا أدري: ما هو الدليل والمصدر
على أن قراءة الكتاب المشار إليه تدخل قارئه الجنة علمًا بأن تلاوة القرآن الكريم
لا تكفي وحدها لدخول الجنَّة، والهدف من هذه الإشارة التحذير من زلة القدم بعد
ثبوتها.
(86): ﴿وَاغْفِرْ لِأَبِي إِنَّهُ كَانَ مِنَ الضَّالِّينَ﴾: ويبتني هذا الإستغفار
على وعد منه لإبراهيم (ع) بأن يؤمن بالتوحيد كما جاء في الآية114 من التوبة.
(87): ﴿وَلَا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ﴾: هذا هو منطق المعصومين والمنزهين من
العجب والغرور.
(88): ﴿يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ﴾: أبدًا لا أحد ينجو من غضب الله
وعذابه غدًا.
(89): ﴿إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ﴾: لا دين ولا إيمان ولا أخلاق
بل ولا إنسانية إلا بسلامة القلب من الحقد والحسد والنفاق وكل دنية ورذيلة، وتقدم
الكلام حول إبراهيم (ع) في سورة البقرة والأنعام والتوبة وإبراهيم والحجر ومريم
والأنبياء.
(90): ﴿وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ﴾: دنت وقربت من الذين يجاهدون في
سبيل الله، ولا يخافون لومة لائم.
(91): ﴿وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِلْغَاوِينَ﴾: استعدت لاستقبال كل طاغ وباغ، وكل
حسود حقود، ومشرك عنود.
(92) - (93): ﴿وَقِيلَ لَهُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ تَعْبُدُونَ﴾: ومنه تقبضون وله
تهتفون وتصفقون؟.
(94) - (95): ﴿فَكُبْكِبُو﴾: تكرار لكب، ومعناه الطرح والإلقاء ﴿هُمْ﴾: أي آلهتهم
﴿وَالْغَاوُونَ وَجُنُودُ إِبْلِيسَ أَجْمَعُونَ﴾: هووا بالكامل في جهنم بعضهم فوق
بعض.
(96) - (99): ﴿قَالُوا وَهُمْ فِيهَا يَخْتَصِمُونَ تَاللهِ إِن كُنَّا لَفِي
ضَلَالٍ مُّبِينٍ إِذْ نُسَوِّيكُم بِربِّ الْعَالَمِينَ وَمَا أَضَلَّنَا إِلَّا
الْمُجْرِمُونَ﴾: يقولون الغاوون غدًا لآلهتهم وشياطينهم: كان دليلنا العمى حين
عبدناكم، وجعلناكم سواء مع رب العالمين، وما صدنا عن الحق إلا الطغاة المجرمون
أرباب المصالح والمنافع.
(100): ﴿فَمَا لَنَا مِن شَافِعِينَ﴾: كلا، إلا العمل الصالح.
(101): ﴿وَلَا صَدِيقٍ حَمِيمٍ﴾: أبدًا، إلا القلب السليم.
(102): ﴿فَلَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً﴾: رجعة. هيهات قد فات ما فات.
(103) - (104): ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً﴾: لمن أبصر وفكر في العاقبة والنهاية.
(105): ﴿كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ﴾: المرسل إليهم واحد وهو نوح، ولكن
من كذب رسولًا واحدًا لله فقد كذب جميع رسله لأن الرسالة واحدة من واحد.
(106): ﴿إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ نُوحٌ أَلَا تَتَّقُونَ﴾: غضب الله وعذابه؟.
(107) - (108): ﴿إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ﴾: كان معروفًا بين قومه بالصدق
والأمانة كسائر الأنبياء دون استثناء.
(109): ﴿وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ﴾: كل رسول أجره على المرسل لا على
المرسل إليه.
(110): ﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ﴾: كرر الأمر بالتقوى لا لأنها الأصل وكفى،
بل لأن طبيعة الدعوة تقتضي التكرار.
(111): ﴿قَالُوا أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ﴾: ولماذا؟ أرذلون؟
لأنهم يُظلمون ولا يَظلمون، ولأنهم يأكلون من كد اليمين ولا ينهبون... وكان أرسطو
واستاذه أفلاطون على ملة قوم نوح ومنطقهم حيث أكدا على نظام الرق، وقالا: إن العمل
اليدوي لا يليق بالأحرار، وإنما ينبغي أن ينصرف هؤلاء إلى التأمل العقلي الصرف! وما
أبعد هذه الفلسفة الذاتية الأنانية عن الإسلام ونبيه الذي قال: (ما أكل أحد طعامًا
قط خيرًا من عمل يده... ان الله يحب المؤمن المحترف) وصافح النبي يدًا خشنة من أثر
المسحاة فقال: هذه يد محرمة على النار، هذه يد يحبها الله ورسوله.
(112): ﴿قَالَ﴾: نوح للمترفين الذين عيّرَوه بالأرذلين ﴿وَمَا عِلْمِي بِمَا
كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾: ما عليَّ سوى العمل بالظاهر ولست مسؤولا عن فحص القلوب
والسرائر.
(113): ﴿إِنْ حِسَابُهُمْ إِلَّا عَلَى رَبِّي﴾: فهو وحده يعلم السر وأخفى، وعليه
يحاسب، فيثيب أو يعاقب.
(114) - (115): ﴿وَمَا أَنَا بِطَارِدِ الْمُؤْمِنِينَ﴾: لأن هذا ليس من شيمتي ولا
هو من وظيفتي، وما عليّ إلا البلاغ.
(116): ﴿قَالُوا لَئِن لَّمْ تَنتَهِ يَا نُوحُ لَتَكُونَنَّ مِنَ
الْمَرْجُومِينَ﴾: عجزوا عن دحض الحجة بالحجة، فلجأوا إلى عرض العضلات.
(117)- (122): ﴿قَالَ﴾: نوح: ﴿رَبِّ إِنَّ قَوْمِي كَذَّبُونِ فَافْتَحْ... ﴾:
فاحكم بيني وبينهم، وأيضًا عجز نوح ردع القوة بالقوة، فاستعان بخالقه، فاستجاب له،
ونجاه وأهله، وأغرق القوم الظالمين أجمعين، وهنا تبرز شخصية محمد (ص) التي تنعكس
منها الفضائل عمليًا بكاملها، تألب عليه قومه، وأذاقوه ألوانًا من الأذى، نعتوه
بالكذب والجنون وقاطعوه وحاصروه وشردوه، ثم جمعوا الجيوش لحربه مرات فلم يدع عليهم
بل دعا لهم وقال: اللهم اهد قومي إنهم لا يعلمون، وتقدم الحديث حول نوح وقومه في
سورة الأعراف وهود وغيرهما.
(123) - (127): ﴿كَذَّبَتْ عَادٌ الْمُرْسَلِينَ... إِلَّا عَلَى رَبَّ
الْعَالَمِينَ﴾: قبل لحظة ذكرت هذه الآيات الخمس بالكامل وبالنص الحرفي بلا تقليم
وتطعيم أو تغيير إلا في الإسم، هناك قوم نوح، وهنا عاد وثمود، والسر أن رسالة
الأنبياء واحدة والمرسل واحد.
(128): ﴿أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ﴾: الريع: المكان المرتفع،
ومعنى الآية هنا: البناء، وكل بناء لسد الحاجة فهو من صميم الدين، أما البناء
للتضاهي والتباهي فهو من وحي الشيطان. وبالمناسبة نشير أن أعلى بناية اليوم على وجه
الأرض هي ناطحة سحاب شيكاغو الجديدة، وتعرف باسم سيرزروبك، وتبلغ من الإرتفاع نحو
550 مترًا.
(129): ﴿وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ﴾: والمصانع التي تنتج
الغذاء والكساء والدواء والتركتورات والسيارات والطائرات وسائر الأدوات التي تسهل
الحياة الاجتماعية- هي تمامًا كالمساجد والمعابد، أما مصانع الأسلحة الحديثة
المدمرة فجريمتها تفوق الجرائم مجتمعة، ولا حد لأسوائها وأدوائها، لأنها تنتج الموت
والفناء بالجملة ومصدر البؤس والفساد والشقاء في شرق الأرض وغربها.
(130): ﴿وَإِذَا بَطَشْتُم بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ﴾: متعاظمين متسلطين بسلطان السوء
والبغي، ونزلت هذه الآية حيث كان البطش باليد، وأقصاه بالسيف والرمح، فكيف لو نزلت
اليوم والأسلحة الجهنمية النووية تدمر الأرض ومن عليها في ساعة أو بعض ساعة؟.
(131): ﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ﴾: في البطش بعباده وعياله، والتحكم في دمائهم وبلادهم
وأرزاقهم، والتلاعب بعقولهم وتضليلها عن نهج الخير والهدى.
(132) - (134): ﴿وَاتَّقُوا الَّذِي أَمَدَّكُم بِمَا تَعْلَمُونَ﴾: من أنعام وبنين
وجنات وعيون.
(135): ﴿إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ﴾: إن كذبتم وخالفتم.
(136): ﴿قَالُوا سَوَاء عَلَيْنَا أَوَعَظْتَ أَمْ لَمْ تَكُن مِّنَ
الْوَاعِظِينَ﴾: فما نحن لك بمؤمنين، ولا لوعظك بسامعين.
(137) - (138): ﴿إِنْ هَذَ﴾: الذي نحن عليه من عبادة الأصنام ﴿إِلَّا خُلُقُ
الْأَوَّلِينَ﴾: وكفى به حجة ودليلًا.
(139) - (140): ﴿فَكَذَّبُوهُ فَأَهْلَكْنَاهُمْ﴾: بريح صرصر أي شديدة الصوت عاتية
سخرها عليهم سبع ليال وثمانية أيام كما جاء في الآية 6 من الحاقة، وتقدم الكلام عن
هود وعاد في سورة الأعراف وهود.
(141) - (145): ﴿كَذَّبَتْ ثَمُودُ الْمُرْسَلِينَ...إِلًَّا عَلَى رَبِّ
الْعَالَمِينَ﴾: تقدمت هذه الآيات الخمس، بحروفها في الكلام عن نوح وهود قبل أسطر.
(146) - (148): ﴿أَتُتْرَكُونَ فِي مَا هَاهُنَا آمِنِينَ﴾: من جنان وعيون وزرع
ونخل ﴿طَلْعُهَ﴾: عنقود التمر في أول تكوينه وطلوعه ﴿هَضِيمٌ﴾: يافع ناضج بعد أمد.
(149) - (150): ﴿وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا فَارِهِينَ﴾: بطرين، وفي
نهج البلاغة: إن استغنى بطر وفتن، وان افتقر قنط ووهن.
(151): ﴿وَلَا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ﴾: وهم.
(152): ﴿الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ﴾: بإثارة الحروب والفتن، وبالدعايات
الكاذبة، وبالتجسس والمؤامرات، وبالسلب والنهب.
(153): ﴿قَالُوا إِنَّمَا أَنتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ﴾: لقد سحرك ساحر فأفسد عقلك.
(154) - (159): ﴿مَا أَنتَ إِلَّا بَشَرٌ مِّثْلُنَ﴾: فلا فضل لك علينا حتى نخضع
لأمرك ونهيك، ومع هذا ﴿فَأْتِ بِآيَةٍ إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ﴾: فأتاهم
بالناقة فعقروها، فأخذهم سبحانه أخدًا وبيلا، وتقدم كل ذلك في سورة الأعراف وهود.
(160) - (164): ﴿كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ الْمُرْسَلِينَ... إِلَّا عَلَى رَبِّ
الْعَالَمِينَ﴾: قال لوط ما قاله من قبله نوح وهود وصالح، وقلنا نحن ونكرر: ان
الأنبياء سفراء ووكلاء لواحد أحد يحمل كل منهم مثل ما يحمله الآخر.
(165) - (166): ﴿أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ﴾: وتتركون النسوان ﴿بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ
عَادُونَ﴾: تجاوزتم بذلك حدود الفطرة والطبيعة والشريعة.
(167): ﴿قَالُوا لَئِن لَّمْ تَنتَهِ يَا لُوطُ﴾: عن نصحك وإرشادك أقصيناك وأبعدنا
نواك.
(168): ﴿قَالَ إِنِّي لِعَمَلِكُم مِّنَ الْقَالِينَ﴾: أكرهه، وأبرأ إلى الله منه.
(169) - (175): ﴿رَبِّ نَجِّنِي... ﴾: فنجاه، وحاق بقومه سوء العذاب، وتقدمت قصة
لوط، في سورة الأعراف وهود والحجر.
(176): ﴿كَذَّبَ أَصْحَابُ الْأَيْكَةِ الْمُرْسَلِينَ﴾: الأيكة: الشجر الكثيف
الملتف.
(177) - (180): ﴿إِذْ قَالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ﴾: ما قاله نوح لقومه، وهود لعاد، وصالح
لثمود ولوط لجماعته.
(181): ﴿أَوْفُوا الْكَيْلَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُخْسِرِينَ﴾: بضم الميم وكسر
السين والراء، جمع المُخْسر، وهو الذي يبخس الناس أشياءهم وحقوقهم.
(182) - (191): ﴿وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ﴾: الميزان ﴿الْمُسْتَقِيمِ﴾: العدل
﴿وَالْجِبِلَّةَ﴾: الطبيعة ﴿الْاَوَّلِينَ﴾: أي أن الله سبحانه خلقكم وخلق آباءكم
الأولين فاعبدوه واشكروه ﴿مِنَ الْمُسَحَّرِينَ﴾: المسحورين ﴿كِسَفًا مَّنَ
السَّمَاء﴾: الكسف: جمع الكسفة، وهي القطعة ﴿فَأخَذَهُم عَذَابُ يَوْمِ
الظُّلَّةِ﴾: وهي سحابة من نار أحرقتهم كما قال المفسرون، وتقدمت قصة شعيب في سورة
الأعراف وهود.
(192): ﴿وَإِنَّهُ﴾: القرآن ﴿لَتَنزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾: لا من قرائح البشر
وأفكارهم، ونوره تعالى يتجلى فيه، قال الإمام الصادق (ع) يظهر الله للناس في كلامه:
(193): ﴿نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ﴾: وهو جبريل، وسمي بالروح لأنه نزل
بالقرآن وهو شفاء للأرواح، ونعت بالأمين لأنه مطيع لله، حريص على تأدية رسالاته إلى
أنبيائه.
(194): ﴿عَلَى قَلْبِكَ﴾: يا محمد بلا تزييف وتحريف وتقليم وتطعيم، نزل كذلك على
قلبك أنت يا محمد، وليس على قلب أهل بيتك ولا على قلب أحد من الصحابة والتابعين وفي
قاموس الكتاب المقدس: إن الإنجيل نزل على قلب متى ومرقس ولوقا ويوحنا. (انظر مادة و
ح ي ص 1021 من هذا الكتاب، وأيضًا إقرء ما جاء فيه عن هؤلاء الأربعة أصحاب
الأناجيل).
(195): ﴿بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ﴾: قال الشيخ الطبرسي: الذين أُنذروا بلسان
عربي خمسة أنبياء هود وصالح وشعيب وإسماعيل ومحمد وتقدم في الآية 2 من يوسف.
(196): ﴿وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ﴾: زُبُر: كتب، والمعنى أن الكتب
السماوية المنزلة قبل القرآن، والأنبياء القدامى قد ذكروا القرآن، ونوهوا به.
(197): ﴿أَوَلَمْ يَكُن لَّهُمْ﴾: للجاحدين ﴿آيَةً أَن يَعْلَمَهُ عُلَمَاء بَنِي
إِسْرَائِيلَ﴾: الموثوقون والمعرفون بالصدق، والمعنى أي شيء أصدق في الدلالة وأوضح
على نبوة محمد (ص) ورسالته الثقة بالقرآن وأصالته- من شهادة علماء اليهود كعبد الله
ابن سلام وأصحابه، أن محمدًا مذكور في التوراة بصفاته.
(198) - (199): ﴿وَلَوْ نَزَّلْنَاهُ عَلَى بَعْضِ الْأَعْجَمِينَ فَقَرَأهُ
عَلَيْهِم مَّا كَانُوا بِهِ مُؤْمِنِينَ﴾: لو نطق بهذا القرآن العربي أخرس أو جماد
أو جاهل باللغة العربية كمعجزة خارقة على صدقة- لأبي المعاندون إلا كفورًا.
(200): ﴿كَذَلِكَ سَلَكْنَاهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ﴾: أي هكذا تسرب ودخل
التكذيب بالقرآن والجحود بنبوة محمد إلى القلوب المتحجرة العمياء، والدليل على
إرادة هذا المعنى قوله تعالى بلا فاصل.
(201): ﴿لَا يُؤْمِنُونَ بِهِ حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ﴾: فإنه تمامًا
كقوله سبحانه: (لا يؤمنون ولو جاءتهم كل آية حتى يروا العذاب الأليم96 – يونس) أما
نسبة السلوك إليه عظمت كلمته، وتكرر ذلك مرارًا (ولو علم الله فيهم خيرًا لأسمعهم-
23 الأنفال).
(202): ﴿فَيَأْتِيَهُم﴾: العذاب ﴿بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ﴾: أُنذروا من قبل
بالعذاب، فأعرضوا وسخروا، فأتاهم فجأة بلا إنذار.
(203): ﴿فَيَقُولُو﴾: حين يرون العذاب: ﴿هَلْ نَحْنُ مُنظَرُونَ﴾: أمهلونا ولو
قليلا.
(204): ﴿أَفَبِعَذَابِنَا يَسْتَعْجِلُونَ﴾: عند رؤية العذاب عيانًا طلبتم الإمهال،
ومن قبل كنتم به تستعجلون! فما أغناكم عن الحالين.
(205) - (206): ﴿أَفَرَأَيْتَ﴾: أخبرني ﴿إِن مَّتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ... ﴾: طلبوا
الإمهال حين رأوا العذاب، فلو استجبنا وأمهلنا أمدًا طويلا، يتمتعون ويتنعمون.
(207): ﴿مَا أَغْنَى عَنْهُم﴾: الإمهال والتمتع بالنعم شيئًا لأن العذاب نازل بهم
لا محالة.
(208): ﴿وَمَا أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ إِلَّا لَهَا مُنذِرُونَ﴾: كيلا يقول
أهلها: (ربنا لولا أرسلت إلينا رسولًا فنتبع آياتك ونكون من المؤمنين- 47 القصص).
(209): ﴿ذِكْرَى﴾: عسى أن يتذكر متذكر ويزدجر مزدجر.
(210): ﴿وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ﴾: بالقرآن ﴿الشَّيَاطِينُ﴾: بل نزل به الروح الأمين
من رب العالمين، وهذا رد على من قال: انه كهانة من وحي الشيطان.
(211): ﴿وَمَا يَنبَغِي لَهُمْ﴾: أي للشياطين، لأن القرآن نور وهداية لا سحر وخرافة
﴿وَمَا يَسْتَطِيعُونَ﴾: بل هم أصغر وأحقر.
(212): ﴿إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ﴾: أي عن سماع الغيب والعلم به
(فلا يظهر على غيبه أحدًا إلا من ارتضى من رسول- 27 الجن).
(213): ﴿فَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ﴾:
هذا مجرد إخبار بأن من يشرك بالله فهو من الهالكين.
(214): ﴿وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ﴾: في كتاب فضائل الخمسة من الصحاح
الستة ج2 ص19 وما بعدها نقلا عن تاريخ الطبري ج2 ص62 طبعة سنة 1357: (انه حين نزلت
هذه الآية دعا النبي (ص) بني عبد المطلب وقال لهم: جئتكم بخير الدنيا والآخرة،
وأمرني الله أن أدعوكم إليه، فأيكم يؤازرني على هذا الأمر على أن يكون أخي ووصيي
وخليفتي فيكم؟ فأحجم القوم جميعًا إلا عليًا قال: أنا يا نبي الله أكون وزيرك عليه.
فأخذ النبي برقبة علي ثم قال: إن هذا أخي ووصيي وخليفتي فيكم فاسمعوا له وأطيعوا).
وأيضًا نقل صاحب فضائل الخمسة من الصحاح الستة عن كنز العمال ج6 ص392 طبعة سنة1312
– الحديث المذكور باختلاف يسير، وأسنده صاحب الكنز إلى ابن إسحق وابن جرير وابن أبي
حاتم وأبي نعيم والبيهقي وأنا قرأت هذا الحديث في تفسير ابن كثير. وقال المرحوم
العقاد في كتاب عبقرية الإمام: (لو كان يرتاع لارتاع يومئذ بين أولئك الشيوخ الذين
رفعتهم الوجاهة، ولكنه كان عليًا في السن الباكرة كما كان وهو في الخمسين أو
الستين، فما تردد وهم صامتون أن يصيح صيحة الواثق الغضوب: أنا نصيرك... وعلم القدر
وحده أن تأييد ذلك أعظم وأقوم من حرب أولئك القروم. عليّ هذا هو الذي نام في فراش
النبي ليلة الهجرة، وقد علم من تأتمر به مكة كلها من قتل النائم على الفراش. وعليّ
هذا تصدى لعمروا بن ود...كأنه لا يعرف من يخاف ولا كيف يخاف).
(215): ﴿وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾: الغرض من هذا
الأمر التنويه بحرمة المؤمن وانها عظيمة عند الله ورسوله، وإلا فإن محمدًا (ص)
متواضع بطبعه، ورءوف رحيم بكل المخلوقات حتى ب
2015-12-10