(1): ﴿الم﴾: تقدم في أول البقرة.
(2): ﴿غُلِبَتِ الرُّومُ﴾: غلب كسرى ملك الفرس جيش قيصر ملك الروم.
(3): ﴿فِي أَدْنَى الْأَرْضِ﴾: والمراد بها أرض الأردن وفلسطين، وهي أقرب البلاد
إلى جزيرة العرب، وحدث ذلك في عهد رسول الله (ص) وكان المسلمون يحبون أن تظهر الروم
على فارس لأنهم مثل أصحاب كتاب، والمشركون يودون أن تظهر فارس على الروم لأنهم
مثلهم أصحاب أصنام، ولما جاءت الأخبار بانتصار الفرس شق ذلك على المسلمين، وفرح
المشركون، فنزلت هذه الآيات تبشر المسلمين بأن الروم ستنتصر على الفرس في جولة
ثانية، وإلى هذا أشار سبحانه بقوله: ﴿وَهُم﴾: أي الروم ﴿مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ
سَيَغْلِبُونَ﴾: الفرس.
(4): ﴿فِي بِضْعِ سِنِينَ﴾: والبضع أقل من عشرة وأكثر من ثلاثة، وقد حدث ذلك
بالفعل. وهنا يكمن سر الإعجاز حيث أخبر القرآن على سبيل اليقين باستئناف الحرب،
وحدد وقتها وبأن الدائرة تدور على فارس، فكان كما قال علام الغيوب. وفرحت قلوب
المسلمين، وزُلزلت قلوب المشركين.
(5): ﴿بِنَصْرِ اللَّهِ يَنصُرُ مَن يَشَاء﴾: الذين يعدون العدة للنصر، ولو كانت
هذه العدة هي الروح المستميتة وحدها فقط.
(6): ﴿وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ﴾: وهو أن يجري المسببات على
أسبابها والنتائج على مقدماتها، ولا شيء عنده يحدث صدفة وجزافًا وإلا لصدق قول
الجاحدين بأن الكون وجد صدفة.
(7): ﴿يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِّنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَ﴾: كالتجارة والصناعة
والزراعة وكل ما يتصل بمصالحهم ومنافعهم﴿وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ﴾:
ولكن غير مغفول عنهم، حلت الدنيا في أعينهم فأعمتهم عن الآخرة.
(8): ﴿أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنفُسِهِمْ مَا خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ
وَالْأَرْضَ... ﴾: كيف يستبعد الإنسان المعاد، ويكفر به وهو يملك عقلاً مفكرًا لو
استعمله في النظر إلى هذا الكون ونظامه ونواميسه لأدرك أن الذي أبدع الكون قادر على
فنائه وإعادته.
(9) – (10): ﴿أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ ... ﴾: تقدم في الآية 137 من آل
عمران ﴿وَأَثَارُوا الْأَرْضَ وَعَمَرُوهَا أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَ﴾: كانت
الأمم السابقة أكثر حضارة من العرب، ولما ظلموا أنفسهم بتكذيب الأنبياء والمصلحين
أخذهم الله بعذاب... ألا يخشى الذين كذّبوا محمدًا أن يصيبهم ما أصاب الذين أقوى
وأرقى؟؟ ﴿ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاؤُوا السُّوأَى﴾: أي الحالة السيئة
تأنيث الأسوأ، والسوأى اسم كان مؤخر وعاقبة خبر مقدم، والمعنى كانت السوأى عاقبة
المسيئين لأنهم كذبوا بآيات الله وكانوا بها يستهزئون.
(11): ﴿اللَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ... ﴾: تقدم مرات، منها في الآية
4 من يونس ﴿وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُبْلِسُ الْمُجْرِمُونَ﴾: يسكتون وييأسون
من الخلاص والنجاة.
(12) – (16): ﴿وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ - يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ﴾: العلاقات
بين الناس في الحياة الدنيا متنوعة وكثيرة: رحمية واقتصادية، وسياسية وثقافية وغير
ذلك، أما في الآخرة فلا شيء على الإطلاق حيث يذهب كل إنسان بعد الحساب إلى مقره،
إما إلى الجنة، وإما إلى النار.
(17): ﴿فَسُبْحَانَ اللَّهِ﴾: يرشدنا، عظمت كلمته، إلى العبادة في الأوقات الآتية:
﴿حِينَ تُمْسُونَ﴾: إشارة إلى صلاة المغرب والعشاء ﴿وَحِينَ تُصْبِحُونَ﴾: إشارة
إلى صلاة الصبح.
(18): ﴿وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾: جملة معترضة
﴿وَعَشِيًّ﴾: إشارة إلى صلاة العصر ﴿وَحِينَ تُظْهِرُونَ﴾: إشارة إلى صلاة الظهر،
وهذا التفسير نقله الشيخ الطبرسي عن ابن عباس.
(19) – (20): ﴿يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ
الْحَيِّ﴾: يشير بهذا إلى أن الحياة من عنده تعالى لا من التركيب والتأليف بين
عناصر مادية معينة كما يزعم الماديون. قال توفيق الحكيم في كتابة فن الأدب ص101:
انكب العلماء في معاملهم يجربون كي يأتوا بخلية حية، فاستنبطوا من الأملاح ونظائرها
شيئًا يشبه الأحياء، وبعدئذ اتضح لهم أنه لا يدخل في نطاق الكائنات الحية بمعناها
الحقيقي ﴿وَيُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَكَذَلِكَ تُخْرَجُونَ﴾: جاء
أعرابي إلى رسول الله (ص) وسأله كيف يحيي الله الموتى.؟ قال له: أما مررت بوادي
قومك ممحلاً أي جدبًا مقفرًا. قال الأعرابي: بلى. قال (ص): فكذلك يحيي الله الموتى.
وهذه معرفة حسية لواقع مشهود بالعيان، ومنه ننتقل إلى تقرير مبدأ عام وهو أن إحياء
الميت ممكن في ذاته.
(21): ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا
لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً﴾: من أنفسكم أي
من جنسكم تبادلكم عطفًا بعطف، والمراد بالرحمة والمودة التعاون قلبًا واحدًا على
خير الأسرة لتحيا حياة طيبة صالحة لا مشكلات فيها ولا مشاحنات. وعلى أية حال فإن
الحياة الزوجية لا تكون مرضية عند الزوجين إلا إذا نظر كل منهما إلى الآخر على أنه
شيء يذكر.
(22): ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾: الدال على وجود الخالق
وعظمته ﴿وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ﴾: اختلاف القوميات باللغة،
وأهل الأقطار بالألوان، والأفراد بالملامح والأصوات وبصمة الأصابع ﴿إِنَّ فِي
ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّلْعَالِمِينَ﴾: على وجود المقدر والمدبر.
(23): ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ مَنَامُكُم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَابْتِغَاؤُكُم مِّن
فَضْلِهِ﴾: وتقدير الكلام هكذا: منامكم ليلاً ونهارًا، لأن الإنسان قد ينام في
النهار للراحة، وابتغاؤكم من فضله تعالى أيضًا ليلاً ونهارًا، لأن الإنسان قد يسعى
لرزقه في الليل.
(24): ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا... ﴾: قد يكون البرق
منذرًا بالصاعقة، وقد يكون مبشرًا بالغيث، تقدم في الآية 12 من الرعد.
(25): ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَن تَقُومَ السَّمَاء وَالْأَرْضُ بِأَمْرِهِ﴾: والمراد
بأمره هنا قوانين الطبيعة ونواميسها لأنه هو الذي طبَّعها وقوننها، ومثله تمامًا
قوله في الآية 71 من يس: (مما عملت أيدينا أنعامًا) حيث أطلق أيديه تعالى على
الأسباب الطبيعية التي تنتهي إليه ﴿ثُمَّ إِذَا دَعَاكُمْ دَعْوَةً مِّنَ الْأَرْضِ
إِذَا أَنتُمْ تَخْرُجُونَ﴾: إن دعوة الله للإنسان في الحياة الدنيا هي مجرد نصح
وتشريع، وللإنسان الخيار في أن يعصي أو يطيع، أما دعوته في الآخرة فهي تكوين وتنفيذ
لا مفر منها بحال، وتقدم في الإسراء الآية 52.
(26): ﴿وَلَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَّهُ قَانِتُونَ﴾: طائعون
منقادون، يعرفنا سبحانه بعظمته لنقدسه ونخلص له في التوحيد والعبادة.
(27): ﴿وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ﴾: من لا شيء ﴿ثُمَّ يُعِيدُهُ﴾: بعد أن
يصبح هبابًا ويبابًا ﴿وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ﴾: لا تفضيل في كلمة أهون لأن خلق
الكون والذرة سواء في قدرته تعالى كل شيء يكون بكلمة (كن) ﴿وَلَهُ الْمَثَلُ
الْأَعْلَى﴾: أي الصفة العليا التي لا يشاركه فيها شيء.
(28): ﴿ضَرَبَ لَكُم مَّثَلًا مِنْ أَنفُسِكُمْ هَل لَّكُم مِّن مَّا مَلَكَتْ
أَيْمَانُكُم مِّن شُرَكَاء فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ﴾: أنتم أيها المشركون تأنفون
وترفضون أن يكون العبد الذي تملكون شريكًا لكم فيما رزقكم الله من مال وعقار، فكيف
تجعلون لله شركاء وأندادًا من مخلوقاته؟ تكرهون الشريك وهو مخلوق مثلكم وترضونه
للخالق والمحيي والمميت؟ ﴿فَأَنتُمْ فِيهِ سَوَاء﴾: أي تكرهون المساواة في الأموال
بينكم وبين العبيد ﴿تَخَافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنفُسَكُمْ﴾: المراد بأنفسكم
الشركاء الأحرار من أمثالكم، والمعنى هل تهابون الأحرار لو كانوا شركاء معكم في
الأموال؟.
(29): ﴿بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَهْوَاءهُم بِغَيْرِ عِلْمٍ﴾: حيث خيَّل
إليهم أن الحق فيما يهوون، والعدل فيما يشتهون! وهذا هو الجهل بالجهل ﴿فَمَن
يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ﴾: أي من رآه الله ضالاً في واقعه وحقيقته لا من رآه
الناس ضالاًّ من ظاهر تصرفاته وهو في واقعه من المهتدين.
(30): ﴿فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ
النَّاسَ عَلَيْهَ﴾: حنيفًا: مائلاً لإلى الحق، أما تحديد الدين بالفطرة فيتضح
بهذا البيان: كل إنسان حتى أكثر الخلق شرًا وفجورًا يود تلقائيًا ويدافع من أعماقه
أن يصون دمه وماله وعرضه، ولا يمسه أحد بسوء، وأيضًا يحب بغريزته أن يحسنوا إليه
ويتعاونوا معه على خيره وصلاحه، ومعنى هذا أنه يطلب من جميع الناس أن يكونون
متدينين من حيث لا يشعر، لأن مهمة الدين القويم أن يحمل كل فرد من أفراد الإنسان
على أن يستجيب لهذه الفطرة في معاملاته وتصرفاته: يحسن ولا يسيء ويتعاون مع الآخرين
ولا يتهاون في شيء من حقوقهم تمامًا كما يريد هو أن لا يتهاون أحد في حقوقه. ﴿لَا
تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ﴾: خلق سبحانه الإنسان على هذه الفطرة، ولا يمكن زوالها
من الأساس، أجل للإنسان أهواء غير مشروعة وكثيرًا ما تصطدم مع الفطرة، وتتغلب
عليها، ولكن لا تمحوها ولا تستأصلها من الجذور ﴿ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ﴾: أي
الذي ينسجم مع الفطرة، وكل ما ينفصل عنها، ويصطدم معها فما هو من الدين القيِّم في
شيء.
(31) – (32): ﴿مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ﴾: ارجعوا إلى هذا الدين الإنساني
الفطري، واعملوا بجميع أحكامه ﴿مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا... ﴾: تقدم في الآية 159
من الأنعام.
(33): ﴿وَإِذَا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ... ﴾: تقدم في الآية 12 من يونس.
(34): ﴿لِيَكْفُرُوا بِمَا آتَيْنَاهُمْ... ﴾: تقدم في الآية 66 من العنكبوت.
(35): ﴿أَمْ أَنزَلْنَا عَلَيْهِمْ سُلْطَانً﴾: برهانًا يشهد للمشركين والمجرمين
بأن الذي عليه هو حق وصواب.
(36): ﴿وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً فَرِحُوا بِهَ﴾: ولا بأس، شريطة أن لا
ينجم عن الفرح أي مكروه ﴿وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ
إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ﴾: بعض الناس يلقي بنفسه إلى التهلكة، ويصيح: لو كان في
الدنيا وأهلها شيء من الخير ما مسني السوء، وتقدم في الآية 9 من هود.
(37): ﴿أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ... ﴾: تقدم في العديد من
الآيات، منها الآية 26 من الرعد و62 من العنكبوت.
(38): ﴿فَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ﴾: العطف والصلة ﴿وَالْمِسْكِينَ﴾: أحد
المستحقين للزكاة ومثله ﴿وَابْنَ السَّبِيلِ﴾: وهو المسافر المحتاج إلى نفقة، أُنظر
تفسير الآية 60 من التوبة.
(39): ﴿وَمَا آتَيْتُم مِّن رِّبًا لِّيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلَا
يَرْبُو عِندَ اللَّهِ﴾: تقصدون بالربا زيادة المال، وهو عند الله خسران ونيران
﴿وَمَا آتَيْتُم مِّن زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ
الْمُضْعِفُونَ﴾: أي الذين يضاعف لهم الثواب والجزاء.
(40): ﴿اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ... ﴾: الله سبحانه هو الذي خلق
وأعطى، وأمات وأحيا، وهو الخافض والرافع والضار والنافع، وما من أحد سواه يقدر على
ذلك، فكيف تُقبلون على غيره، وتتذللون لمخلوق مثلكم.
(41): ﴿ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي
النَّاسِ﴾: قال بعض المفسرين: المراد بالفساد في البحر قلة صيد الأسماك وكساد
التجارة. وقال آخر: بل المراد أخذ السفينة غصبًا، وإذا كان كل إنسان يفسِّر ويعبِّر
عما يقع في حياته، ويستوحي من ظروفه ومحيطه، يسوغ لنا أن نفسر الفساد في البحر
بالأساطيل الحربية، وشاحنات الجيوش وأسلحة الدمار والإبادة ﴿لِيُذِيقَهُم بَعْضَ
الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾: كلمة (بعض) إشارة إلى عذاب الدنيا، وأن
الله سبحانه يوقعه على بعض العصاة كسوط يؤدبه ويوقظه من غفلته.
(42): ﴿قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ﴾: أو اقرأوا التاريخ ﴿فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ
عَاقِبَةُ﴾: الطغاة ومصير الجبابرة العتاة، وتقدمت هذه الموعظة مرات.
(43): ﴿فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ الْقَيِّمِ﴾: أقبل وتوجه بكلك على الدين السليم
واعمل به وجاهد في سبيله قبل أن تقف بين يديه تعالى لنقاش الحساب ﴿يَوْمَئِذٍ
يَصَّدَّعُونَ﴾: يفترق الناس إلى فريقين: فريق في الجنة، وفريق في السعير.
(44) – (45): ﴿مَن كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ﴾: ولا أحد يحمل وزره ﴿وَمَنْ عَمِلَ
صَالِحًا فَلِأَنفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ﴾: قال الإمام جعفر الصادق (ع): إن العمل
الصالح يسبق صاحبه ليمهد له كما يمهد الخادم لسيده، وتقدم في الآية 62 من البقرة
وغيرها.
(46): ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَن يُرْسِلَ الرِّيَاحَ مُبَشِّرَاتٍ﴾: بنزول الغيث
﴿وَلِيُذِيقَكُم مِّن رَّحْمَتِهِ﴾: كل ما في الطبيعة رحمة ونعمة لخلق الله وعباده،
يستعملونها في متطلبات الحياة، وبالخصوص الماء ﴿وَلِتَجْرِيَ الْفُلْكُ
بِأَمْرِهِ﴾: والمراد بأمره هنا الريح والطاقة وكل دافع ومحرك، لأنه تعالى خالق كل
شيء.
(47): ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ﴾: يا محمد ﴿رُسُلًا إِلَى قَوْمِهِمْ﴾:
بالبينات والدلائل على صدقهم ونبوتهم،
(48): ﴿اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ﴾: فتحرك السحاب، وتنشره في السماء، ثم
تقسمه إلى قطع، وتدفع بكل قطعة إلى بلد، فإذا وصلت إليه تساقط الماء على البلد
المقصود فيهتز ويربو ويفرح أهله بعد اليأس والقنوط، وتقدم في الآية 57 من الأعراف
و43 من النور.
(50) – (51): ﴿فَانظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَتِ اللَّهِ﴾: قال أينشتين: (أشد الأمور
غموضًا في الكون أنه غير غامض) وهكذا رحمة الله ونعمته لما وسعت كل شيء ذهل الناس
عنها. ويدور على كل لسان: لا تعرف النعمة إلا بعد فقدها. وإذا استمرت اللذة فلا
تبقى لذة. والطحّان لا يفيق من جعجعة رحاه بل من انقطاعه﴿وَلَئِنْ أَرْسَلْنَا
رِيحًا فَرَأَوْهُ مُصْفَرًّ﴾: الهاء تعود إلى الزرع المفهوم من سياق الكلام،
ومصفرًا صفة له ﴿لَّظَلُّوا مِن بَعْدِهِ يَكْفُرُونَ﴾: يعبدون الله على أساس
الربح، فإذا محِّصوا بالبلاء ارتابوا بالخالق وحكمته.
(52): ﴿فَإِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى...﴾: واضح، وتقدم بالحرف الواحد في سورة
النمل الآية 80 – 81.
(53): ﴿وَمَا أَنتَ بِهَادِي الْعُمْيِ﴾: عن الحق وردعهم عن الضلال ﴿إِن تُسْمِعُ
إِلَّا مَن يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَ﴾: أي من يريد الإيمان بالحق لوجه الله والحق، أما
الانتهازيون فدينهم في بطونهم وجيوبهم لا في رؤوسهم وقلوبهم.
(54): ﴿اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن ضَعْفٍ﴾: وهو ضعف الإدراك والجسم في الأطفال
﴿ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً﴾: وهي قوة الشباب وزهرة الحياة ﴿ثُمَّ
جَعَلَ مِن بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفً﴾: وهو ضعف الهرم والشيخوخة، والغرض من هذه
الإشارة أن الإنسان يمر بالعديد من الأطوار والأدوار، وكلها تذهب بسرعة مع الريح،
والعاقل ينتهز فرص الخير والعمل الصالح ليوم الخوف الأكبر وحسابه وجزاؤه.
(55): ﴿وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ﴾: القيامة ﴿يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا
لَبِثُو﴾: في الدنيا أو في القبور ﴿غَيْرَ سَاعَةٍ﴾: تقدم في الآية 113 من
(المؤمنون).
(56): ﴿وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْإِيمَانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي
كِتَابِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ الْبَعْثِ﴾: يرد آنذاك العلماء المؤمنون على المجرمين
بأنكم لبثتم على وجه الأرض وفي بطنها منذ ولدتم إلى هذا اليوم الذي بعثتم فيه.
(57): ﴿فَيَوْمَئِذٍ لَّا يَنفَعُ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَعْذِرَتُهُمْ﴾: لا عذر
يدفع، ولا حميم ينفع لا شيء إلا العمل الصالح ﴿وَلَا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ﴾: المراد
بالإستعتاب هنا الإقالة، أي أن المجرمين يستقيلون ربهم فلا يقيلهم.
(58): ﴿وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ...﴾: تقدم في الآية 54
من الكهف ﴿وَلَئِن جِئْتَهُم﴾: يا محمد﴿بِآيَةٍ﴾: معجزة ﴿لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ
كَفَرُوا إِنْ أَنتُمْ إِلَّا مُبْطِلُونَ﴾: ولماذا الأنبياء والمصلحون مبطلون؟
لأنهم يقطعون سبيل البغي على الطغاة والسيطرة على الضعاف المعذبين.
(59): ﴿كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ﴾: بأن
جميع الناس على مستوى واحد في الحقوق والواجبات, وأنه لا استعلاء وسيطرة على
الإطلاق، بل ولا فضل وامتياز لأحد إلا بما يقدم من عمل صالح ومفيد لأخيه الإنسان.
(60): ﴿فَاصْبِرْ﴾: يا محمد ﴿إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ﴾: ما هي إلا أيام حتى
تنتشر رسالة الإسلام في شرق الأرض وغربها ويقترن اسمك باسم الله تعالى وبالصلوات
والتحيات. جاء في تفسير ابن كثير: أن الإمام عليّ (ع) كان يصلي صلاة الفجر، فناداه
خارجي (لئن أشركت ليحبطن عملك) فأجابه الإمام وهو في الصلاة (فاصبر إن وعد الله حق
ولا يستخفنك الذين لا يوقنون) أي أعرض ولا تكترث بسفاهة البهائم والأراذل. والحمد
لله الذي هدانا بنبيه الكريم، وأتم نعمته علينا بالولاء له ولأهل بيته الطاهرين،
صلوات الله عليهم أجمعين.
* التفسير المبين / العلامة الشيخ محمد جواد مغنية.
2015-12-10