(1): ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ﴾: ليس هذا أمرًا بالتقوى وإلا يكون
المعنى يا أيها التقي اتق الله حيث لا نبوة بلا تقوى، وإنما هو إخبار بصيغة الإنشاء
والأمر، والمعنى نحن نريد ما أنت عليه من التقوى ونحبه منك، وقال المفسرون: تعلق
الأمر هنا بالبقاء والاستمرار على التقوى لا بأصلها وإيجادها ﴿وَلَا تُطِعِ
الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ﴾: لا تساعدهم على شيء ولا تقبل منهم رأيًا ومشورة،
وفي الآية73 من التوبة: (يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم).
(2) - (3): ﴿وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ﴾: بلغ ما أُنزل إليك من
ربك، واصبر في سبيل دعوتك، واستعن بالله على مهمتك.
(4): ﴿مَّا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِّن قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ﴾: يتقي الله
ويطيعه في قلب، ويُرضي قوى الشر وأعداء الله في قلب، ومعنى هذا أن الذي لا ينصر
الحق ويجاهد في سبيله فهو مع الباطل، ولذا قال الرسول الأعظم (ص): الساكت عن الحق
شيطان أخرس ﴿وَمَا جَعَلَ أَزْوَاجَكُمُ اللَّائِي تُظَاهِرُونَ مِنْهُنَّ
أُمَّهَاتِكُمْ﴾: كان الرجل في الجاهلية يطلق زوجته بقوله: أنت عليَّ كظهر أُمي،
فنهى الإسلام عن ذلك، ويأتي الكلام عن حكم الظهار في سورة المجادلة إن شاء الله
﴿وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءكُمْ أَبْنَاءكُمْ﴾: كان الرجل في الجاهلية يتبنى المولود
من غيره، ويلحقه بنسبه، فحرم الإسلام التبني، وقال من جملة ما قال: ﴿ذَلِكُمْ
قَوْلُكُم بِأَفْوَاهِكُمْ﴾: والأقوال لا تجعل الباطل حقًا، وغير الوالد والدًا.
(5): ﴿ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ﴾: الذين ولدوهم لا للذين تبنوهم ﴿هُوَ أَقْسَطُ
عِندَ اللَّهِ﴾: أي نسبة الولد إلى والده الأصيل أعدل حكمًا وأصدق قولًا من نسبته
إلى الدخيل ﴿فَإِن لَّمْ تَعْلَمُوا آبَاءهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ
وَمَوَالِيكُمْ﴾:إن جهلتم أبا المتنبي واسمه فقولوا: هذا أخي في الدين أو مولاي
إشارة إلى المودة أو مولى إن كان رقًا وأعتقه ﴿وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا
أَخْطَأْتُم بِهِ... ﴾: كلنا يخطئ لسبب واضح وبسيط، وهو ان الإنسان غير معصوم، ولكن
الخطأ أنواع، منها خطأ الغرور والجهل بالجهل، ومنها خطأ الحب أو البغض الذي يصوَّر
الشيء لصاحبه كما يحب هو أن يتصوره عن ذلك الشيء المحبوب أو المبغوض، لا كما هو في
واقعه، ومنها الخطأ الناشئ عن التهاون والتقصير بحيث ينتهي الخطأ إلى إرادة المخطئ،
ومنها الخطأ بعد التحفظ واستفراغ الوسع. وكل أنواع الخطأ تستحق المؤاخذة ما عدا
الأخير.
(6): ﴿النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ﴾: للولاية معان تختلف
تبعا إلى من تنسب إليه، فولاية الله سبحانه معناها السلطة التي لا تُغلَب، ومعنى
ولاية النبي الطاعة من غير اعتراض، وما من شك أن تصرفات النبي بكاملها هي لخير
الفرد والجماعة (لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين
رؤوف رحيم-128 التوبة) ﴿وَأَزْوَاجُهٌ أُمَّهَاتُهُمْ﴾: في الاحترام والمبرة وتحريم
الزواج، ولا يسري هذا التحريم وينتشر إلى أرحامهن ﴿أُوْلُو الْأَرْحَامِ
بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ﴾: في الميراث ﴿فِي كِتَابِ اللَّهِ﴾: في حكمه تعالى
وشريعته، وتقدم في الآية 75 من الأنفال ﴿إِلَّا أَن تَفْعَلُوا إِلَى
أَوْلِيَائِكُم مَّعْرُوفً﴾: وهم الأصدقاء والمعتقون آنذاك والأرحام غير الوارثين
والمراد بالمعروف هنا أن تبروا هؤلاء بصدقة أو هبة أو وصية ﴿كَانَ ذَلكَ﴾: أي إرث
أُولي الأرحام والمعروف لغيرهم ﴿فيِ الْكِتَابِ مَسْطُورً﴾: ثابتًا في حكم الله
وشريعته.
(7): ﴿وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ﴾: كل النبيين ﴿مِيثَاقَهُمْ وَمِنكَ﴾:
أن تقيموا الدين، وتبلَّغوا رسالة الحق إلى الخلق، وهذا هو المراد بالميثاق الغليظ
وذكر سبحانه محمدًا بالخطاب، وبالإسم نوحًا وإبراهيم وموسى وعيسى، لأنهم أُولوا
العزم أي لكل شريعة خاصة، ويأتي البيان في تفسير الآية 35 من الأحقاف.
(8): ﴿لِيَسْأَلَ الصَّادِقِينَ عَن صِدْقِهِمْ﴾: أي عن مقاصدهم بأعمالهم هل كان
القصد وجه الله الكريم أو شيئًا آخر.
(9): ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ﴾:
الخطاب للصحابة، ونزلت هذه الآية 27 في وقعة الخندق، وقصتها مدونة بالتفصيل في
التفاسير المطولة وكتب السيرة والتاريخ ويضيق عنها هذا الوجيز، لذا نقتصر على تفسير
الجملة والكلمة المفردة ﴿إِذْ جَاءتْكُمْ جُنُود﴾: من قبائل شتى بقيادة أبي سفيان،
إلى المدينة المنورة ﴿فأَرْسَلْنَا عَلَيِهْم رِيحًا وَجُنُودًا لَّمْ تَرَوْهَ﴾:
قال المفسرون: هم ملائكة أما الريح فكانت عاتية أطفأت نيرانهم، وأكفأت قدورهم،
واقتلعت خيامهم، وأفسدت كل شيء حتى عجزوا معها على الفرار فولوا مخذولين.
(10): ﴿إِذْ جَاؤُوكُم مِّن فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ﴾: حاصر جيش الأحزاب
المدينة وعسكر المسلمين من كل جهة، ولم يدع منفدًا ﴿وَإِذْ زَاغَتْ الْأَبْصَارُ
وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ﴾: كناية عن شدة الخوف ﴿وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ
الظُّنُونَ﴾: ضن بعض الصحابة أن الله لن ينصر دينه ونبيّه.
(11): ﴿هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ﴾: امتحنوا بالشدائد والمكاره
﴿وَزُلْزِلُواْ زِلْزَالًا شَدِيدً﴾: ارتعدوا واضطربوا.
(12): ﴿وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ﴾: الذين أبطنوا الكفر، وأظهروا الإيمان
﴿وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ﴾: أي ضعف العقل والإيمان ولذا يتأثرون
بالدعايات الكاذبة المضللة.
(13): ﴿وَإِذْ قَالَت طَّائِفَةٌ مِّنْهُمْ﴾: من المنافقين ﴿يَا أَهْل يَثْرِبَ﴾:
اسم المدينة ﴿لاَ مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُو﴾: قيل: كان جيش الشرك ما يقرب من عشرة
آلاف، ومع النبي سبعمائة مقاتل، وقيل: بل أكثر. فقال بعض المنافقين لجيش الإسلام:
لا طاقة لكم بهذا الجيش الجرار، ولا نجاة منه إلا بالفرار ﴿وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ
مِنّهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ﴾: أي منكشفة للصوص، كان
بعض المنافقين يطلبون الإذن من النبي بالإنصراف، ويتعللون بهذه الأعذار، فأكذبهم
سبحانه بقوله: ﴿وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِن يُرِيدُونَ إِلاَّ فِرَارً﴾: من الجهاد
ونصرة الحق.
(14): ﴿وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِم مِّنْ أَقْطَارِهَا ثُمَّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ
لَآتَوْهَا وَمَا تَلَبَّثُوا بِهَا إِلَّا يَسِير﴾: لو دخلت جيوش الشرك المدينة
منتصرة، وأحاطت بها من كل جانب، وقال المشركون للمنافقين وضعاف الإيمان: أعلنوا
العداء لمحمد والإرتداد عن الإسلام- لاستجابوا فورًا من غير تردد، أو ترددوا قليلا
ثم خنعوا وخضعوا.
(15): ﴿وَلَقَدْ كَانُوا عَاهَدُوا اللَّهَ مِن قَبْلُ﴾: هذا الخوف أن يثبتوا مع
الرسول حتى الموت، ولكنهم تركوه من النظرة الأولى إلى جيش الأحزاب.
(16): ﴿قُل﴾: للمنافقين يا محمد: ﴿لَّن يَنفَعَكُمُ الْفِرَارُ﴾: من الموت فإنه
ملاقيكم لا محالة.
(17): ﴿قُلْ مَن ذَا الَّذِي يَعْصِمُكُم مِّنَ اللهِ﴾: أبدًا لا عاصم من أمره، ولا
ناصر من دونه.
(18): ﴿قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنكُمْ﴾: المثبطين ﴿وَالْقَائِلِينَ
لِإِخْوَانِهِمْ﴾: أي أصحابهم وعشرائهم ﴿هَلُمَّ إِلَيْنَ﴾:تعالوا إلى ما نحن فيه
من الضلال والثمار ﴿وَلَا يَأْتُونَ الْبَأْسَ﴾: القتال ﴿إِلَّا قَلِيلً﴾: إذا
اضطر المنافقون إلى القتال قاتلوا رياء وبلا جدوى.
(19): ﴿أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ﴾: بأموالهم وأنفسهم وقت الحرب وساعة العسرة ﴿فَإِذَا
جَاء الْخَوْفُ﴾: ساعة القتال نظر المنافقون إلى رسول الله (ص) نظر المغشي عليه من
سكرات الموت خوفًا وجبنًا، ولاذوا به ليحرسهم ويذود عنهم ﴿فَإِذَا ذَهَبَ
الْخَوْفُ﴾: وكفى الله المؤمنين القتال ملأوا الدنيا بشجاعتهم ونجدتهم و
﴿سَلَقُوكُم بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ﴾: يزرون بمواقف الأبطال وشجاعة الشجعان! وما أشبه
هؤلاء بأهل الشعارات الدينية المزيفة والوطنية المزخرفة في هذا العهد! ولكن للناس
الطيبين حاسة خفية في أعماقهم لا تخفي عليها هذه الأغشية الكاذبة ﴿أَشِحَّةً عَلَى
الْخَيْرِ﴾: المراد بهذا الخير الغنيمة، أي أن المنافقين جبناء عند الحرب، وأهل
جرأة وصلافة عند تقسيم الغنائم ﴿أُوْلَئِكَ لَمْ يُؤْمِنُو﴾: منذ البداية بل
نافقوا ﴿فَأَحْبَطَ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ﴾: لم يقبل منها شيئًا لأنها لغير الله.
وفي الحديث: من كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله ومن كانت هجرته
إلى دنيا يصيبها أو امرأة يتزوجها فهجرته إلى ما هاجر إليه.
(20): ﴿يَحْسَبُونَ الْأَحْزَابَ لَمْ يَذْهَبُو﴾: سيطر الهلع والفزع على
المنافقين الجبناء حتى خيَّل إليهم أن جيش الأحزاب لن يجلوا عنها وينسحب منها
إطلاقًا علمًا بأنه هزم وولى الدبر ﴿وَإِن يَأْتِ الْأَحْزَابُ﴾: لغزو المدينة مرة
ثانية ﴿يَوَدُّو﴾: أي المنافقون الجبناء ﴿لَوْ أَنَّهُم بَادُونَ﴾: قائمون في
البادية مع الأعراب بعيدون عن المدينة ﴿يَسْأَلُونَ عَنْ أَنبَائِكُمْ﴾: من ورد
عليهم: ماذا حلَّ بالمدينة وأهلها من جيش الأحزاب؟.
(21): ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ﴾: عليكم أن
تقتدوا برسول الله(ص)، في الصبر عند الجهاد﴿لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ
وَالْيَوْمَ الْآخِرَ﴾: يأمل ثواب الله ونعيم الآخرة ﴿وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرً﴾:
كناية عن إقامة الفرائض الخمس.
(22): ﴿وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا
اللَّهُ وَرَسُولُهُ﴾: كان الرسول الأعظم (ص) قد وعد المسلمين من قبل بأنهم سيلاقون
ألوانًا من المحن والشدائد من أعداء الله والدين، وحين رأوا جيش الأحزاب يحاصرهم من
كل جانب، قالوا صدق الله العليّ العظيم وصدق رسوله النبي الكريم.
(23): ﴿مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ﴾:
الأيمان عهد وميثاق ورابطة متينة بين الله وعبده على الطاعة، والشرط الأساس في هذه
الطاعة أن لا يتساهل المؤمن الحق مع نفسه ولا مع أولاده وذويه في أي شيء لا يرضي
الله سبحانه، ومتى تحقق هذا الشرط لم يقم في وجه المؤمن أي حاجز يصده عن مرضاته
تعالى، وبدون هذا الشرط فلا إيمان إلا في اللون والشكل، وكان لرسول الله (ص) رجال
كثر على الإيمان الحق، يفدونه بالمهج والأرواح، وكان الآباء يبارزون الأبناء كما
كان الولد يتربص بأبيه وأخيه وكانت المرأة تفتدي زوجها وولدها وأباها وأخاها، وهي
تحمد الله على نجاة رسول الله (ص) وهذه الآية نزلت في هؤلاء الصفوة ﴿فَمِنْهُم مَّن
قَضَى نَحْبَهُ﴾: استشهد يوم بدر وأُحد ﴿وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ﴾: الشهادة أو
النصر.
(24): ﴿لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ﴾: أي بوفائهم للعهد جنات
تجري من تحتها الأنهار ﴿وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ﴾: لأنهم نقضوا العهد والميثاق
﴿إِن شَاء﴾: وهذا التعليق على المشيئة هو استثناء، والمعنى يعذب الله المنافقين إلا
من تاب ﴿أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ﴾: أي ومع توبتهم يتوب عليهم.
(25): ﴿وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ﴾: وهم أحزاب الشرك بقيادة
أبي سفيان ردهم سبحانه وصدهم عن مدينة الرسول حانقين من الفشل والخذلان ﴿لَمْ
يَنَالُوا خَيْرً﴾: أي لم ينالوا النبي والمسلمين بسوء وشر تراه أحزاب الشرك نصرًا
لها وخيرًا ﴿وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ﴾: قال ابن كثير عند تفسير
(وزلزلوا زلزالا شديدا) : (إن عمرو بن ود اقتحم الخندق ومعه فوارس، فندب رسول الله
خيل المسلمين إليه، فيقال: أنه لم يبرز إليه أحد. فأمر النبي (ص) عليًا (رض) فخرج
إليه، فتجاولا ساعة، فقتله عليّ، فكان علامة النصر).
(26)-(27): ﴿وَأَنزَلَ﴾: الله سبحانه ﴿الَّذِينَ ظَاهَرُوهُم﴾: وهذا الضمير يعود
لأحزاب الشرك ﴿مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِن صَيَاصِيهِمْ﴾: أي من حصونهم، نزلت هذه
الآية في يهود بني قريظة، وكانوا قد عاهدوا رسول الله (ص) وهم يساكنونه بالمدينة أو
بضواحيها- أن لا يعينوا عليه عدوًا، ولما حاصرت الأحزاب المدينة نقضوا عهد رسول
الله، وأعلنوا عليه الحرب وحين انصرفت الأحزاب عن المدينة حاصرهم رسول الله، وعرض
عليهم الإسلام على أن يكون لهم ما للمسلمين، فأشار عليهم رئيسهم كعب بن أسد أن
يسلموا، فأبوا، وطلبوا من النبي بملء إرادتهم أن ينزلوا على حكم بن معاذ، فاستجاب
النبي لطلبهم، فحكم عليهم بنص توراتهم الذي جاءفي إصحاح عشرين من سفر التثنية،
وخلاصته أن تقتل رجالهم المقاتلون، وتقسم أموالهم، وتسبى نساؤهم وذراريهم.
(28) - (29): ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ... ﴾: شكا أزواج النبي
(ص) له من قلة النفقة، وطلبن التوسعة، فنزلت هذه الآيات، وخلاصتها أن يخيِّر النبي
نساءه بين الطلاق أو الصبر على ضيق الحال، ولهن جزاء ذلك الثواب الجزيل، فاخترن رضا
الله والرسول وثواب الآخرة.
(30): ﴿يَا نِسَاء النَّبِيِّ مَن يَأْتِ مِنكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ﴾: أي
بمعصية واضحة ثابتة من أي نوع تكون﴿يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ﴾: أي
يكون عذابها في الآخرة مثلي عذاب غيرها لعلو مكانتها.
(31): ﴿وَمَن يَقْنُتْ مِنكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ﴾: من تطع الله والرسول
﴿وَتَعْمَلْ صَالِحًا نُّؤْتِهَا أَجْرَهَ﴾: غدًا ﴿مَرَّتَيْنِ﴾:من كان عليه الغرم
فله الغنم، وأيضًا إذا كانت عقوبة الكبير أعظم كانت مثوبته أجزل.
(32): ﴿يَا نِسَاء النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاء إِنِ
اتَّقَيْتُنَّ﴾: أنتن فوق النساء شرفًا برسول الله (ص) بشرط التقوى وإلا انقطعت
الصلة بينكن وبين الرسول ﴿فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ﴾: لا يسوغ لأية امرأة أن
تخاطب الأجنبي بالأسلوب الذي تخاطب به زوجها، أو تنظر إليه نظرة توحي بالريبة وإلا
طمع فيها الشباب العاهر الفاسد.
(33) - (35): ﴿وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ... ﴾: حثَّ سبحانه كل النساء على
الإستقرار في المنزل وتدبيره، وتربية الأطفال وعدم التبرج والتهتك، وعلى تلاوة
القرآن، والتفقه في أحكام الصلاة والصيام والطهارة والحيض ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ
اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ
تَطْهِيرً﴾: المراد بالرجس هنا الذنوب وأن الله سبحانه قد طهر أهل البيت من كل ذنب
وخطيئة، ولكن لا بإرادته التكوينية حيث لا فضل مع الجبر، ولا بإرادته التشريعية لأن
العصمة موضوع كالعدالة ونحوها، وليست حكمًا كالوجوب وغيره من الأحكام الخمسة، وعليه
يكون معنى الآية أن أهل البيت عند الله هم صديقون مطهرون من كل ذنب، وجاء في صحيح
مسلم القسم الثاني من الجزء ص 116 طبعة سنة 1348: أن الآية نزلت وعليّ وفاطمة
والحسن والحسين، ومثله في صحيح الترمذي ومسند الإمام أحمد وغيرها من كتب الحديث عند
السنة ﴿إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ... ﴾: جاء في التفاسير أن بعض النساء
قلن: ذكر سبحانه في كتابه الرجال ولم يذكرنا فنزلت هذه الآية لتقرر وتؤكد أن الناس
سواء في الحقوق والواجبات وفي الحساب والجزاء، وانه لن يفوز بالخير إلا عامله، ولا
يجزى جزاء الشر إلا فاعله ذكرًا كان أم أُنثى، أسود أم أبيض، غنيًا أم فقيرًا.
(36): ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ... ﴾: خطب رسول الله (ص) بنت عمته
أُميمة، وهي زينب بنت جحش لزيد ابن حارثة الذي أعتقه رسول الله (ص) فاستنكفت وقالت:
أنا خير منه، فنزلت هذه الآية والمعنى واضح، ويتلخص بأنه لا أحد من أهل الإيمان
يملك مع الله ورسوله رأيًا ولا قولا، بل عليه أن تكون إرادته تبعًالأمرهما. فقالت
زينب: طوعًا لأمر الله ورسوله. تم الزواج وتبعته ذيول منها.
(37): ﴿وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ﴾: وهو زيد بن حارثة،
والنعمة المشار إليها هي صحبة زيد لرسول الله وخدمته إياه قبل الإسلام وبعده
﴿وَأَنْعَمْتَ﴾: أنت يا محمد ﴿عَلَيْهِ﴾: بالحب والعتق ﴿أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ
وَاتَّقِ اللَّهَ﴾: كانت زينب تفخر على زيد بأنها أكرم منه نسبًا، ولما تكرر ذلك،
فترت العلاقة بين الزوجين، وعزم زيد على الفراق والطلاق، فأمره النبي بالصبر، وكان
الله سبحانه قد أبلغ نبيه الكريم أنها ستكون من جملة أزواجه بعد طلاقها من زيد،
ليبطل بالفعل لا بالقول فقط آثار التبنِّي وانفة الزواج بمطلقة المولى المعتق لرسوخ
هذه العادة في الجاهلية الجهلاء، ولكن النبي أخفى ذلك حشمة وحياء، فقال سبحانه
لنبيه: لا حياة في دين الله وحلاله، هذا إلى أن زواجك من زينب سيظهر ويعلن لا محالة
كما قال، عظمت كلمته: ﴿وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ﴾: وهو زواج
النبي من زينب بعد طلاقها من زيد ﴿وَتَخْشَى النَّاسَ﴾: أي أمرت زيدًا بإمساك زينب
كيلا يقال: أرادها النبي لنفسه، وأنت تعلم أن الله أراد ذلك لا أنت لحكمة بالغة
أشرنا إليها قبل لحظة ﴿فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَ﴾:
أسند سبحانه تزويجها إليه لا إلى محمد كيلا يتشدق ويتحذلق الذين في قلوبهم مرض،
وأيضًا ﴿لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ
أَدْعِيَائِهِمْ﴾: تبنى رسول الله زيدًا قبل النبوة، ودعاه الناس بابن محمد، ثم
ألغى سبحانه هذه السنة بعد بعثة محمد وزوَّجه بمطلقة زيد مَحْقًا لهذه السنَّة
وآثارها ﴿وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولً﴾: كان زواج زيد وطلاقه وزواج النبي (ص)
واقعًا لا محالة والهدف إجتماعي وإنساني محض.
(38): ﴿مَّا كَانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ اللَّهُ لَهُ﴾: أي
فيما أمره به من تزويجه بزينب بع طلاقها من زيد، وفي هذا رد على من تكلم وطعن
﴿سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلُ﴾: هذا هو دأبه تعالى وحكمه في
الأنبياء السابقين، هو يأمر، وهم بأمره يعملون، فعلام الإنكار وإثارة الغبار حول
هذه القصة؟.
(39): ﴿الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ﴾: إلى عباده، ويؤذونها بأمانة
وإخلاص، ويتحملون في سبيلها ألوانًا من الأذى، ومع ذلك يمضون ولا يكترثون ﴿وَلَا
يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ﴾: ولك يا محمد بإخوانك الأنبياء أسوة وعزاء.
(40): ﴿مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ﴾: بالنسب والولادة كي
تحرم مطلقة زيد عليه ﴿وَلَكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ﴾: فلا نبي
بعد محمد (ص) ولا شريعة لله بعد شريعة الإسلام، وفي تفسير البيان لإسماعيل حقي: (لو
جاء بعد رسول الله(ص) نبي لجاء عليّ بن أبي طالب، لأنه كان منه بمنزلة هارون من
موسى).
(41) - (42): ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ﴾: في كف الأذى عن
عباده وعياله أولًا وقبل كل شيء، ثم التعبد والتضرع له وحده.
(43): ﴿هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ﴾: بالتوفيق والرحمة ﴿وَمَلَائِكَتُه﴾:
تصلي عليكم بالدعاء ﴿لِيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ﴾: الجحيم ﴿إِلَى النُّورِ﴾:
النعيم.
(44): ﴿تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلَامٌ... ﴾: تقدم في الآية10 من يونس
وغيرها.
(45) - (46): ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ﴾: داعيًا إلى الحق،
وشاهدًا على الخلق.
(47): ﴿وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ﴾: بالمثوبة، وأنذر الكافرين بالعقوبة.
(48): ﴿وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ﴾: لا تصغ لأحد منهم فيما يقول
ويشير ﴿وَدَعْ أَذَاهُمْ﴾: أعرض وتجاوز عنهم، فإن الله يكفيك شر كل ذي شر.
(49): ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ﴾: أجريتم
عليهن عقد زواج ﴿ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ﴾: بالدخول
فلا عدة للمطلقة غير المدخول بها، ولها أن تتزوج إن شاءت من فورها ﴿فَمَتِّعُوهُنَّ
وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلً﴾: والمتعة في الشرع عبارة عن منحة يقدمها المطلق
لمطلقته تبعًا ليسره وعسره، ولا تجب عليه إلا بشرطين: الأول أن يجري العقد مجردًا
عن ذكر المهر. والثاني أن يقع الطلاق قبل الدخول، ونطقت بهذين الشرطين الآية236 من
البقرة. أنظر تفسيرها.
(50): ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ﴾: ذكر سبحانه
في هذه الآية وما بعدها الأزواج الحلال على التفصيل الآتي: 1) ﴿اللَّاتِي آتَيْتَ
أُجُورَهُنَّ﴾: المراد بالأجور هنا المهور، والأفضل تعجيل المهر كما توحي كلمة
(آتيت) والمعنى كل امرأة لا زوج لها فلك أن تتزوجها متى أديت المهر 2): ﴿وَمَا
مَلَكَتْ يَمِينُكَ﴾:كالسراري من غنائم الحرب مع المشركين، ولا موضوع لهذا الحكم في
العصر الراهن 3) ﴿وَبَنَاتِ عَمِّكَ﴾:وعماتك وخالك وخالاتك ﴿اللَّاتِي هَاجَرْنَ
مَعَكَ﴾: وإنما خصَّهنَّ بالذكر علمًا بأنهن من القسم الأول- لمجرد الإشارة أن
المهاجرات من القرابة افضل من غير المهاجرات 4) ﴿وَامْرَأَةً مُّؤْمِنَةً إِن
وَهَبَتْ نَفْسَهَ﴾: بلا مهر﴿أَن يَسْتَنكِحَهَا خَالِصَةً لَّكَ مِن دُونِ
الْمُؤْمِنِينَ﴾: أي لا يسوغ لغير النبي أن يتزوج امرأة بلا مهر إطلاقًا، أجل
للزوجة أن تهب مهرها لزوجها بعد ثبوته في ذمته ﴿قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا
عَلَيْهِمْ﴾: أي غيرك من المسلمين﴿فِي أَزْوَاجِهِمْ وَمَا مَلَكَتْ
أَيْمَانُهُمْ﴾: يقول سبحانه لنبيه: حدد الله للمسلمين الزواج بأربع حرائر، والتمتع
بما يشاءون من الإماء، أما أنت يا محمد فقد رخص الله لك أن تتزوج بأكثر من أربع
حرائر لئلا يكون عليك حرج وضيق فيما أردت من النساء مكافأة لجهادك وجهودك، ولما
قاسيت وعانيت في سبيل الدين وإعلاء كلمته.
(51): ﴿تُرْجِي مَن تَشَاء مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَن تَشَاء﴾: ترجى: تؤخر،
وتؤوي: تضم، والمعنى لا يجب عليك أن توزع لياليك يا محمد بين أزواجك بالسوية، بل
الخيار لمشيئتك ﴿وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكَ﴾:
ابتغيت: عاشرت، وعزلت: هجرت أي لك أن تعود إلى معاشرة من هجرت، وهجر من عاشرت، وفي
تفسير ابن كثير نقلا عن البخاري: أن عائشة قالت لرسول الله (ص): أرى ربك يسارع لك
في هواك ﴿ذَلِكَ أَدْنَى أَن تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ وَلَا يَحْزَنَّ وَيَرْضَيْنَ
بِمَا آتَيْتَهُنَّ كُلُّهُنَّ﴾: متى علمت أزواجك يا محمد ان الأمر بيدك، وليس
القسم والتوزيع بالسوية فرض عليك، ولا يحق لواحدة منهن أن تعترض- رضيت منك بما
تشاءه أنت، وتراه تفضلًا وليس حقًا لازمًا... ومع هذا فقد كان النبي يساوي بين
أزواجه.
(52): ﴿لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاء مِن بَعْدُ وَلَا أَن تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ
أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ﴾: بعد أن أباح سبحانه لنبيه أنواعًا من
النساء كما سبقت الإشارة، أوجب عليه في هذه الآية الإكتفاء بمن في عصمته فعلا،
وكنَّ تسعًا، وحرم عليه أن يطلق واحدة منهن، ويتزوج مكانها أخرى حتى ولو أعجبته،
وذلك مجازاة لأزواج النبي على حسن صنيعهن مع رسول الله واختيارهن الله ورسوله حين
خيرن بين الطلاق أو الصبر على الضيق مع الرسول ﴿إِلَّا مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ﴾: من
الإماء والسراري، فتمتع بهن ما شئت، ولا وجود لهن في هذا العصر.
(53): ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا
أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ﴾: كل بيت لا يسوغ دخوله إلاَّ بإذن من أهله سواء
أكان البيت لنبي أم لشقي، كما في الآية 27 من النور، ولكن لهذه الآية سببها الخاص،
وهو أن قومًا من الطفيليين كانوا يتحينَّون وقت الطعام، ويدخلون بيت النبي (ص)
وينتظرون، فإذا جاء أكلواولم ينصرفوا، فنزلت الآية بالنهي عن ذلك ﴿غَيْرَ
نَاظِرِينَ﴾: أي منتظرين الطعام ﴿إِنَاهُ﴾: بكسر الهمزة بمعنى وعاء الطعام، وبفتحها
بمعنى وقت الطعام ﴿وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُو﴾: أما من غير دعوة فلا
تدخلوا ﴿فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانتَشِرُو﴾: انصرفوا إلى شأنكم ﴿وَلَا
مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ﴾: يدخلون قبل الطعام بلا استئذان ويمكثون، فإذا آن
الأوان أكلوا، وإذا انتهوا من الأكل جلسوا للحديث والسمر ﴿إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ
يُؤْذِي النَّبِيَّ﴾: الله والملائكة والناس أجمعين ﴿فَيَسْتَحْيِي مِنكُمْ﴾: النبي
يكره وجودكم، ولا يصارحكم بذلك حياء منكم، ولكن أنتم لا تستحون ولا تعقلون، وفي
الحديث: من لا حياء له لا إيمان له ﴿وَاللَّهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ﴾: أي
من النهي عن الأذى والتطفل. ﴿وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعً﴾: إن يك لأحد حاجة
في بيت النبي فليسأل عنها ويتناولها ﴿فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاء حِجَابٍ﴾: ولا
يختص هذا ببيت النبي وحده، بل يعم ويشمل كل البيوت، وإنما ذكر بيت النبي، لأنه
السبب الموجب لنزول الآية، والدليل على الشمول قوله تعالى في بيان علة الحكم:
﴿ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ﴾:وأبعد عن الفساد والفتنة
والأفكار السوداء عند الرجال والنساء ﴿وَمَا كَانَ لَكُمْ أَن تُؤْذُوا رَسُولَ
اللَّهِ وَلَا أَن تَنكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِن بَعْدِهِ أَبَدً﴾: لأنهن بمنزلة
أمهات المؤمنين وفي تفسير الرازي وروح البيان: (أن هذه الآية نزلت حين قال طلحة بن
عبيد التميمي: لئن مات محمد لأتزوجن عائشة) ويؤيد ذلك قوله تعالى بلا فاصل:
(54): ﴿إِن تُبْدُوا شَيْئًا أَوْ تُخْفُوهُ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ
عَلِيمً﴾: هذا تهديد ووعيد لمن أعلن أو أبطن الزواج بنساء النبي من بعده.
(55): ﴿لَّا جُنَاحَ عَلَيْهِنَّ فِي آبَائِهِنَّ... ﴾: لما أوجب سبحانه الحجاب على
النساء أباح لهن السفور والظهور لذوي المحارم المذكورين في الآية31 من النور بتفصيل
أشمل.
(56): ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ﴾: سئل الإمام
الرضا عليه السلام عن معنى صلاة الله والملائكة والمؤمنين على النبي فقال: (الصلاة
من الله الرحمة، ومن الملائكة التزكية، ومن المؤمنين الدعاء). وفي صحيح البخاري ج8
باب الصلاة على محمد قيل: يا رسول الله كيف نصلي عليك؟ قال: قولوا اللهم صلِّ على
محمد وعلى آل محمد... والشيعة يقرنون بين النبي وآله في الصلاة عليه عملًا بهذا
الحديث، والسنة يجمعون على صحة الحديث هذا، ولكن لا يقرنون بين النبي والآل- في
الغالب- وعلى أية حال فإن أفضل الصلوات على محمد وآله هو أن نتعلم سنته ونعمل بها،
ونعلمها للناس.
(57): ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ﴾: والناس، كل الناس
﴿لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ﴾<
2015-12-10