يتم التحميل...

سورة الزمر

تفسير الكتاب المبين

سورة الزمر

عدد الزوار: 89

(1): ﴿تَنزِيلُ الْكِتَابِ: مبتدأ، وخبره ﴿مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ: القرآن من عند الله الذي ليس كمثله شيء ذاتًا وصفاتًا.

(2): ﴿إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ: يا محمد ﴿الْكِتَابَ بِالْحَقِّ: لأنه من عند الحق، وكل ما فيه على طبق الواقع ﴿فَاعْبُدِ اللَّهَ: في الدعوة إليه أيضًا ﴿مُخْلِصًا لَّهُ الدِّينَ: حيث لا دين بلا إخلاص.

(3): ﴿أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ: أما المشوب بالأهواء والأغراض فهو للشيطان ﴿وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء: وقالوا ﴿مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى: ليشفعوا لهم عند الله، وتقدم في الآية 18 من يونس﴿إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ: بين أهل الأديان في يوم القيامة، أما في الدنيا فعليهم أن يعيشوا بسلام بلا إراقة دماء وسلب ونهب، وتقدم في الآية 113 من البقرة وغيرها ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ: الهداية من الله لعبده أو من الوالد لولده أو من العالم للجاهل لا تكون وتتحقق إلا لنفس ترضى بالهداية تمام الرضا، وعلى هذا يكون معنى الآية أن الله سبحانه لا يلجئ إلى الهداية من يصر على الكفر والضلال والكذب والنفاق حيث لا هداية مع الجبر والإكراه.

(4): ﴿لَوْ أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا لَّاصْطَفَى مِمَّا يَخْلُقُ مَا يَشَاء: هذا من باب فرض المحال، وفرض المحال ليس بمحال، والوجه في منعه واستحالته أن اتخاذ الولد يستدعي الإفتقار إليه، والله الغني عن كل شيء﴿سُبْحَانَهُ هُوَ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ: يقهر كل شيء بالقدرة عليه والخضوع له.

(5): ﴿خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ: أي بنظام محكم ومستقر، وما من شك أن مثل هذا النظام لا يحدث إلا من قادر عليم ومدبِّر حكيم ﴿يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ: وكلمة (يكور) تشير إلى أن الأرض كروية، وأن جانبها الذي يحاذي الشمس حين دوران الأرض يكون نهارًا، وغير المحاذي يكون ليلً﴿وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ... : تقدم في الآية2 من الرعد وغيرها.

(6): ﴿خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ... : فأنتم أخوان لأب وأم على اختلاف ألسنتكم وألوانكم، وعليكم أن تتواصلوا وتتعاونوا وأن يرجو كل واحد منكم الخير لأخيه، ويكف الأذى عنه، وتقدم في الآية1 من النساء وغيره﴿وَأَنزَلَ لَكُم مِّنْ الْأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ: تقدم في الآية 143 من الأنعام ﴿يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقًا مِن بَعْدِ خَلْقٍ: من نطفة، ثم علقة، ثم مضغة، ثم لحم وعظم وعروق ﴿فِي ظُلُمَاتٍ ثَلَاثٍ: وهي ظلمة البطن والرحم والمشيمة ﴿ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ: الذي خلفكم وخلق كل شيء ولا شريك له في ملكه وخلقه ﴿فَأَنَّى تُصْرَفُونَ: وتتحولون عن عبادة الخالق إلى عبادة المخلوق؟.

(7): ﴿إِن تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنكُمْ: لا تضره معصية من عصى، ولا تنفعه طاعة من أطاع ﴿وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْر: كيف وقد نهاهم عنه، ويعاقبهم عليه، وما هو بظلام للعبيدَ ﴿وَإِن تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ: ويزدكم من فضله ﴿وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى: لا تجزي نفس عن نفس شيئًا، وتقدم بالنص الحرفي في الآية164 من الأنعام وغيرها.

(8): ﴿وَإِذَا مَسَّ الْإِنسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيبًا إِلَيْهِ: يتضرع ويستغيث في ساعة العسرة ﴿ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِّنْهُ نَسِيَ مَا كَانَ يَدْعُو إِلَيْهِ مِن قَبْلُ: ينسى تضرعه إلى خالقه ساعة اليسرة، وتقدم الآية12 من يونس﴿وَجَعَلَ لِلَّهِ أَندَادًا لِّيُضِلَّ عَن سَبِيلِهِ: أي كانت نتيجة جعله لله أندادًا الضلال عن سبيل الله والحق ﴿قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلًا إِنَّكَ مِنْ أَصْحَابِ النَّار: هذا تهديد شديد لكل كافر، وبالخصوص من يؤمن عند الشدة والضراء، ويكفر ساعة اليسر والرخاء.

(9): ﴿أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاء اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمً: من مبتدأ وخبره محذوف أي كغيره، وهو قانت مبتدأ وخبر والجملة صلة ﴿من يَحْذَرُ الْآخِرَةَ: بترك الحرام خوفًا من العقاب ﴿وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ: بفعل الواجب رغبة في الثواب ونفهم من مجموع هذا الكلام أن العبادة بالقيام ليلا والصيام نهارًا، لا وزن لها إلا منضمة إلى فعل الواجبات وترك المحرمات بالكامل، ويؤكد هذا قول الإمام أمير المؤمنين (ع): نوم على يقين خير من صلاة في شك. ومعناه أن نوم من يطيع الله في جميع أحكامه أحب إلى الله من صلاة من يعصيه في بعض أحكامه﴿قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ: إذا أثنى القرآن أو أي إنسان على العلم والعلماء فهم العالم والجاهل من هذا الثناء أن المراد به العلم النافع وبهم العلماء العاملون في طاعة الله وخدمة عباده وعياله أيًا كان نوع العلم والمعرفة. هذا إضافة إلى سياق الآية حيث قال سبحانه بلا فاصل:

(10): ﴿قُلْ يَا عِبَادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ: في العمل الصالح النافع وكف الأذى عن عباده وعياله ﴿لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ: والمحسن هو الذي يتعاطف مع الناس ويعمل من أجلهم ولخدمتهم، وما من شك أن إشباع الجائع وإيواء المشرد وما إلى هذه الأعمال الجزئية الفردية- من الإحسان، ولكن أفضل من ذلك وأعظم العمل من أجل الإنسانية بوجه العموم كالحرص على كرامة الناس وحريتهم وصيانة حقوقهم الكاملة العادلة، وكل ما يحل مشكلة إجتماعية ويحقق غاية إنسانية ﴿وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ: فمن ضاق عليه بلده، وعجز عن القيام فيه بواجبه الديني أو الدنيوي، فليهاجر إلى أرض الله الواسعة ﴿إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ: وهم الذين صبروا على الجهاد والكفاح لنصرة الحق وطلب الرزق الحلال للأهل والعيال، أما الذين قعدوا ورضوا بالفقر والهوان، فما لهم عند الله سبحانه إلا ما اختاروه لأنفسهم.

(11) - (13): ﴿قُلْ: يا محمد ﴿إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا... : هذا هو الإسلام في حقيقته، يضع محمدًا وأهل بيته وسائر الناس على مستوى واحد في العبودية لله ووجوب الإخلاص له والعمل بأمره ونهيه، ونقل الشيعة الإمامية عن الإمام جعفر الصادق (ع) أنه قال: (ما نحن إلا عبيد الذي خلقنا واصطفانا، والله ما لنا على الله حجة، ولا معنا من الله براءة، وإنا لميتون وموقوفون ومسئولون، من أحب الغلاة فقد أبغضنا، ومن أبغضهم فقد أحبنا، الغلاة الكفار).

(14): ﴿قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصًا لَّهُ دِينِي: وقد يسأل سائل: لماذا كل هذا الترديد والتوكيد الشديد على أن محمدًا عبد من عباد الله مخلص في دينه وعقيدته؟ الجواب لأمرين: الأول أن يفهم الناس والأجيال، وبالخصوص أعداء محمد الذين حاولوا أن يثنوه عن دعوته بكل وسيلة- أن محمدًا هو رجل الحق والإيمان الراسخ، وأن غايته من حياته أبعد الغايات وأسماها، وهي هداية الخلق إلى الحق واحترام الناس وتحريره من العبودية لغير الله، وخلاص الإنسانية من كل ما تعانيه وتقاسيه. الأمر الثاني أن لا يقول المسلمون في محمد ما قاله النصارى في السيد المسيح.

(15): ﴿فَاعْبُدُوا مَا شِئْتُم مِّن دُونِهِ: انه لكم بالمرصاد ﴿قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ: لأنها إلى جهنم وبئس المصير ﴿وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: لأنهم إن كانوا من أهل النار فالخسارة مشتركة وإن كانوا من أهل الجنة تنقطع كل الصلات والعلائق.

(16): ﴿لَهُم مِّن فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ: جمع ظلة أي ما يستظل به من حَرّ أو برد ﴿مِّنَ النَّارِ وَمِن تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ:ينزل العذاب من فوقهم إلى أسفلهم، ويصعد من أسفلهم إلى فوقهم ﴿ذَلِكَ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ: يعلن سبحانه نقمته على المجرمين عسى أن يكفوا ويعفوا.

(17) - (18): ﴿وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ: مصدر بمعنى الطغيان، ويطلق على رأس الضلال، والمراد به هنا الأصنام، ولذا عاد الضمير مؤنثًا في ﴿أَن يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرَى: أي النجاة لمن نبذ الشر وعمل صالحًا وإن بدرت منه خطيئة تاب إلى الله ﴿فَبَشِّرْ عِبَادِ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ: هذا هو الإسلام في مبادئه وشريعته، لا يمين ويسار، ولا شيوعية ورأسمالية، ولا ماضي وحاضر، بل الأحسن والأفضل والأقوم والأكمل عقلًا وإنسانية لحياة الفرد والمجتمع، وفي الحديث الشريف: (الحكمة ضالة المؤمن، أنى وجدها فهو أحق بها) تمامًا كالمريض يفتك به الداء، ويريد له الدواء الشافي سواء أجاء من موسكو أو من واشنطن، وقد حدد القرآن الكريم رسالة النبي العظم بهذه الآية: (يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم-157 الأعراف).

(19): ﴿أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذَابِ: كمن أنجاه الله منه ﴿أَفَأَنتَ: يا محمد ﴿تُنقِذُ مَن فِي النَّار: كلا، لا خلاص منها إلا بالعمل الصالح.

(20): ﴿لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ... : هذا على المألوف من كتاب الله، يقرن الوعد بالوعيد، فللمجرمين عذاب الجحيم، وللمتقين جنات النعيم.

(21): ﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء... : نفذ في جوف الأرض، ثم خرج عيونًا صغارًا وكبارًا، يسقي الزرع المختلف لونًا وطعمًا، كل ذلك وغير ذلك يجري على سنن الله الكونية التي لا تتغير ولا تتبدل ﴿ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّ: يذهب شبابه ونضارته ﴿ثُمَّ يَجْعَلُهُ حُطَامً: هشيمًا تذروه الرياح ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِأُوْلِي الْأَلْبَابِ: بأنه لا بد من صانع قدير وحكيم، يقدر ويدبر.

(22): ﴿أَفَمَن شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ: من مبتدأ وخبره محذوف أي كالقاسي قلبه، والمعنى أن الله سبحانه إذا علم من عبده الإخلاص وصدق النية في طلب الهداية- هداه إلى الخير، وأخذ بيده إلى بغيته ﴿فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِّن رَّبِّهِ: أي على بينة من دينه وإيمانه ﴿فَوَيْلٌ لِّلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُم مِّن ذِكْرِ اللَّهِ: كل من عاند وتمرد على الحق فهو كالصخور القاسية والأنعام السائمة.

(23): ﴿اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ: القرآن العليم الحكيم في عقيدته وشريعته ومواعظه وحكمه وجميع تعاليمه ومبادئه ﴿كِتَابًا مُّتَشَابِهً: مبنى ومحتوى، لا تهافت وتنافر بين معانيه لأنها من لدن حكيم خبير ﴿مَّثَانِيَ:أي تُثنى أحكامه ومواعظه فيجمع بين الأمر والنهي، والوعد والوعيد، والكفر والإيمان، والجنة والنار ﴿تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ: إذا تليت عليهم آية العذاب ﴿ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ: إذا سمعوا آية الثواب، وأوضح تفسير لهذه الآية قول الإمام عليّ (ع) في وصف المتقين: (فهم والجنة كمن قد رآها فهم فيه منعمون، وهم والنار كمن قد رآها فهم فيها معذبون) ﴿ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ: علم سبحانه فيهم خيرًا فأسمعهم وهداهم كما جاء في الآية 23 من الأنفال ﴿يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاء وَمَن يُضْلِلْ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ:الله سبحانه يدع الإنسان وما يختار حيث لا دين وإيمان مع الجبر والإكراه، فإن اختار لنفسه الهدى شمله بعنايته، ومن أراد الضلال تخلى عنه بعد البيان والإنذار.

(24): ﴿أَفَمَن يَتَّقِي بِوَجْهِهِ سُوءَ الْعَذَابِ: قال الشيخ الطبرسي: المراد بيتقي هنا يستقبل، والمعنى أن الإنسان يتقي الضرر بيده، ولكن الذي في النار مغلول اليدين، فيضطر أن يتقي النار بوجهه ﴿وَقِيلَ لِلظَّالِمِينَ ذُوقُوا مَا كُنتُمْ تَكْسِبُونَ: تمامًا كما تزرع تحصد.

(25) - (26): ﴿كَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ... : يهدد سبحانه الذين كذبوا محمدًا (ص) أن يصيبهم من الهلاك ما أصاب الأمم الماضية لأنهم كذبوا الرسل، وتقدم مرات، منها في الآية11 من آل عمران.

(27): ﴿وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ... : بيَّن سبحانه معاني القرآن بآيات واضحات، وزيادة في التوضيح ضرب لها العديد من الأمثال، لنعلم ونعمل، وتقدم في الآية 54 من الكهف.

(28): ﴿قُرآنًا عَرَبِيًّ: في ألفاظه، إنسانيًا في معانيه، وعليه فلا يحق لأحد أن يقول: القرآن لقوم دون قوم أو لقرن دون قرن ﴿غَيْرَ ذِي عِوَجٍ: مستقيمًا بكل ما في هذه الكلمة من معنى، وبكل ما في القرآن من حقائق وتوجيهات ومعلومات.

(29): ﴿ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَّجُلًا فِيهِ شُرَكَاء مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلًا سَلَمًا لِّرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلً: هذا المثل ضربه سبحانه للفرق بين المشرك والمؤمن، فالمشرك يشبه رجلا مستعبدًا لرجال لا يتفقون على رأي، واحد يأمره بهذا الفعل، والثاني ينهاه عنه، والثالث يريده لفعل آخر، والعبد المأمور حائر في أمره، ومثل المؤمن الموحد كالعبد المملوك لواحد حكيم فيما يأمره وينهاه، فلا يستوي هذا وذاك، أيضًا لا يستوي من يعبد الواحد الأحد، ومن يعبد أربابًا أشكالًا وألوانًا ﴿الْحَمْدُ لِلَّه: الذي هدى المؤمنين به إلى أدلة التوحيد.

(30) - (31): ﴿إِنَّكَ: يا محمد ﴿مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ: الكل إلى ربهم منقلبون، ويحكم فيما كانوا فيه يختلفون من الجحود والإيمان، والشرك والتوحيد، والبعث والنشر.

(32): ﴿فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن كَذَبَ عَلَى اللَّهِ: فجعل له أندادًا أو صاحبة أو ولدًا أو ابتدع أحكامًا ونسبها إليه تعالى ﴿وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ إِذْ جَاءه: من الله مدعومًا بالحجج والبينات.

(33): ﴿وَالَّذِي جَاء بِالصِّدْقِ: المراد (بالذي) محمد (ص) وبالصدق القرآن ﴿وَصَدَّقَ بِهِ: أي ومن صدق به بدليل قوله تعالى ﴿أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ: قال سبحانه المتقون ولم يقل المسلمون للإشارة إلى أن مجرد التسليم بالقرآن لا يجدي، بل لا بد من العمل بموجبه، ويعزز ذلك قوله تعالى بلا فاصل:


(34): ﴿لَهُم مَّا يَشَاءونَ عِندَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ جَزَاء الْمُحْسِنِينَ: للمحسن عند الله كل ما يشتهي ويريد بلا عد وحد.

(35): ﴿لِيُكَفِّرَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي عَمِلُو: من تاب من الذنب كمن لا ذنب له حتى ولو كان من المشركين.

(36) – (37): ﴿أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ: المراد به هنا رسول الله بالخصوص تقوية لقلبه كيلا يهتم بعتاة الشرك وحزبه ﴿وَيُخَوِّفُونَكَ: يا محمد ﴿بِالَّذِينَ مِن دُونِهِ: هددوه بالأصنام وأنها سوف تقتص منه لا محالة﴿وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ... : المراد بالضلال هنا الهلاك، وبالهدى النصر، والمعنى أن الله سبحانه سينصر محمدًا، ويهلك أعداءه، والدليل على أن هذا هو المقصود بالذات سياق الكلام وقوله تعالى: ﴿أَلَيْسَ اللَّهُ بِعَزِيزٍ ذِي انتِقَامٍ: ممن كفر به وعاند المرسلين.

(38): ﴿وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ: يعترفون بأن الله خالق كل شيء، ومع ذلك يعبدون سواه، ولا بدع فإن الجاهل بجهله يدين بالتنافر والتناقض ﴿قُلْ أَفَرَأَيْتُم مَّا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ: أي الأصنام ﴿كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ: قل يا محمد للمشركين: أصنامكم هذه ليست بشيء، لأن الله لو أراد بعبد شرًا فلا تدفعه عنه أصنامكم، وإن أراد به خيرًا لا تسلبه منه ﴿قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ: عن كل ما عداه.

(39) - (40): ﴿يَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ: منهجكم وطريقتكم ﴿إِنِّي عَامِلٌ: بما أنا عليه مدى حياتي، ولن أحيد عنه ولو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري ﴿فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ: إلى أي خزي تنتهون، وبأية عاقبة تؤخذون، وتقدم في الآية 135 من الأنعام.

(41): ﴿إِنَّا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ: يا محمد ﴿الْكِتَابَ لِلنَّاسِ بِالْحَقِّ: وبلغت الرسالة على أكمل وجه ﴿فَمَنِ اهْتَدَى فَلِنَفْسِهِ: أجر الهداية لا لك ولا لغيرك ﴿وَمَن ضَلَّ: فعليها وزر الضلالة لا عليك ولا على غيرك، وتقدم في الآية 104 من الأنعام.

(42): ﴿اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ: للوفاة نوعان: الموت الذي يترك الجسم جثة هامدة، والنوم الذي يسلب الإدراك واليقظة فقط، وأشار سبحانه إلى النوع الأول بقوله: ﴿حِينَ مَوْتِهَ: أي يقبض الروح حين يأتي الأجل، وأشار إلى الثاني بقوله: ﴿وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَ: أي ويقبض هذه أيضًا حين النوم ﴿فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ: ولا يردها إلى الجسم إلى يوم يبعثون ﴿وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى: يردها إلى الجسم، ولكن على أمد معيَّن وفي تفسير المراغي أن الإمام عليّ (ع) قال: الله يتوفى النفس كلها، فما رأته وهي عنده فهي صادقة، وما تراه بعد إرسالها فهي كاذبة فعجب عمر من قول الإمام.

(43) - (44): ﴿أَمِ اتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ شُفَعَاء... : ينحتون بأيديهم أحجارًا، ويقولون: هذه تشفع وتنفع عند الله، وأُقسم مرتين أن هؤلاء الجاهلين بجهلهم هم أفضل عند الله من الذين ائتمنوا على طعام الجياع، وكساء العراة وأُجرة المأوى للمشردين، فخانوا الأمانة، واغتصبوا أرزاق المساكين وهم متخمون، وتركوا المعذبين في الأرض يموتون من الجوع والبد، وتقدم في الآية18 من يونس.

(45): ﴿وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ: انقبضت ونفرت ﴿قُلُوبُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ: يوحشهم الحق لأنهم ليسوا من أهله ﴿وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِن دُونِهِ: الأصنام ﴿إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ: يأخذ الباطل موخذه في كل مجتمع يفقد الوعي ويسوده الجهل، وأي فرق بين هؤلاء وبين الذين يختارون الآن من اللصوص والقراصنة نوابًا وحكامًا؟.

(46): ﴿قُلِ اللَّهُمَّ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ: ابتدعهما من غير مثال سابق ﴿عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ: السر والعلانية ﴿أَنتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ: وحكمك الفصل.

(47): ﴿وَلَوْ أَنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُو: وهم عتاة الشرك وطغاة الجور ﴿مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لَافْتَدَوْ: لا يُفادي أسير جهنم إطلاقًا، كان ذلك على ربك حتمًا مقضيًا، وتقدم في الآية91 من آل عمران وغيرها ﴿وَبَدَا لَهُم مِّنَ اللَّهِ: أي من عذابه ما لم يخطر لهم على بال، ونعوذ بالله من المخبآت والمفاجآت.

(48): ﴿وَبَدَا لَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُو: من آثام وعدوان ﴿وَحَاقَ: نزل وأحاق ﴿بِهِم مَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُون:ما كفاهم الجحود بالبعث حتى يسخروا منه، فكان جزاؤهم مقطعات النيران وسرابيل القطران.

(49): ﴿فَإِذَا مَسَّ الْإِنسَانَ ضُرٌّ دَعَانَ: خاضعًا متضرعًا، وتقدم في الآية6 من هذه السورة ﴿ثُمَّ إِذَا خَوَّلْنَاهُ نِعْمَةً مِّنَّ: كالمال وما أشبه ﴿قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ: مني، هذا هو الغرور واللغو والجهل والسهو عن الخالق والرازق! أبدًا ما من شيء جليل أو حقير إلا ولله فيه قدرة فاعلة، ونعمة ظاهرة من الإبرة إلى سفينة القضاء، أو من عود الثقاب إلى العقل الإلكتروني، وهل في مقدور قادر من الناس بالغًا ما بلغ من العلم أن يوجد شيئًا من لا شيء مستغنيًا عن الله وخلقه؟ ولو سلمنا- جدلا- أنه قادر على ذلك فهل أوجد هو نفسه بنفسه؟ ﴿بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ: أي انه تعالى أنعم عليه بما هو فيه لتظهر مقاصده وأفعاله التي يستحق عليها المدح أو الذم والعقاب والثواب.

(50) - (51): ﴿قَدْ قَالَهَ: أي تلك المقالة أو الدعوى بأن نعمته من علمه لا من فضل الله ﴿الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ... : فكان مآلهم إلى الهلاك والوبال، وتقدم في الآية 72 من القصص ﴿وَالَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ هَؤُلَاء:الذين كذبوا محمدًا (ص) ﴿سَيُصِيبُهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُو: كما أصاب قوم نوح وعاد وثمود ﴿وَمَا هُم بِمُعْجِزِينَ: كيف وكل الخلائق رهن بمشيئته تعالى.

(52): ﴿أَوَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ... : تكرر في العديد من الآيات، منها الآية 26 من الرعد.

(53): ﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعً: تفتح هذه الآية باب التوبة على مصراعيه لكل مذنب مهما عظم الذْنب وقبح، ولا تدع له من عذر وكذلك آيات التخويف والتحذير فإنها تتضمن الدعوة إلى التوبة، وقد وصف سبحانه نفسه بالتواب- بمعنى يقبل التوبة ويهيئ أسبابها- في أكثر من عشر آيات معطوفًا على كل ذلك قوله تعالى: (انه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون-87 يوسف... ومن يقنط من رحمة ربه إلا الضالون-56 الحجر).

(54): ﴿وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ... : بعدما دعا سبحانه المذنبين إلى التوبة ردد وأكد الأمر بها والإخلاص فيها عملا لا قولا، فإنها الدرع الواقية من غضب الله يوم الحساب والجزاء.

(55): ﴿وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ العَذَابُ بَغْتَةً: مازال الكلام مع المذنبين وعنهم وكل الآيات التي نزلت في حقهم نهي وذم وتهديد، وأحسنها بالنسبة إليهم آيات التوبة والبشارة بقبولها وإلا فلا شيء مما أنزل الله أحسن من شيء بالنسبة إليه تعالى.

(56): ﴿أَن تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَى... : من أهمل التوبة في دنياه يشعر غدًا بالخسران، وتذهب نفسه حسرات على ما فات.

(57): ﴿أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ: وهكذا المهمل الفاشل يلقي التبعة على الله أو الحظ أو الزمن أو على الناس والمجتمع.

(58): ﴿أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً: رجعة على الدنيا لاتقيت وأحسنت. هيهات أن يرجع ما قد فات.

(59): ﴿بَلَى قَدْ جَاءتْكَ آيَاتِي... : لو أن الله هداني! لقد دعاك سبحانه إلى الهداية، فأبيت عن إرادتها بإرادتك، وعليه فأنت المسيء إلى نفسك بنفسك.

(60): ﴿وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُو: من أشرك بالله أو حلل وحرم من غير علم أو تولى منصبًا عامًا بلا أهلية وكفاءة أو ادعى العلم بدين الله من غير حق- فقد كذب على الله بلا شك، وجهنم مقامه ومثواه.

(61) - (62): ﴿وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوا بِمَفَازَتِهِمْ: أي بسبب فوزهم في طاعة الله ورضوانه ﴿لَا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ: يوم القيامة ﴿اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ: كل الأمور موكولة إليه تعالى وهو قائم عليها.

(63): ﴿لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ: بيد الله خزائن الكون ومفاتيحها.

(64): ﴿قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ: دعاهم إلى الإيمان بالله بالحجة والبرهان القاطع، فدعوه إلى الكفر جهلا وحمقًا، فقال: أخطأتم القصد أيها الجاهلون.

(65): ﴿وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ: أي وإلى كل نبي من الأنبياء السابقين وقيل له مثل ما قيل لك ﴿لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ: الإحباط: بطلان العمل وسقوط حكمه حتى كأنه لم يكن، والقضية هنا شرطية، تصح وإن كان فعل الشرط محالًا تمامًا كقوله تعالى: (إن كان للرحمن ولد فأنا أول العابدين-81الزخرف).

(66): ﴿بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ: أيها الإنسان أو يا محمد بمعنى امض على ما أنت عليه من عبادة الله وشكره والدعوة إليه، والله يحفظك من الناس.

(67): ﴿وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ: ما أطاعوه وشكروه كما يجب، ولا نزهوه عما لا يليق، فبعضهم صوره في شكل إنسان، وآخرون في هيئة كوكب... إلى أمثال هذه الخرافات وقال الإمام عليّ (ع): كيف يصف الخالق من يعجز عن وصف المخلوق؟ ﴿وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ... : المقصود من هذا مجرد تعظيم الذات القدسية وصفاتها، وإنها فوق التصور والأوهام وأنها لا تعرف إلا بالآثار البارزة للعيان.

(68): ﴿وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ: أي مات، وعليه يكون النفخ هنا كناية عن سبب الموت الشامل لكلمخلوق حي ﴿مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَن شَاء اللَّهُ: قال المفسرون: هذا استثناء لبعض الملائكة كجبريل ﴿ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُم قِيَامٌ يَنظُرُونَ: هذه الصيحة الثانية كناية عن قيام القيامة حيث يحي سبحانه الأموات وهي رميم، فتنظر زلزال هذا اليوم وأهواله.

(69): ﴿وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَ: المراد أرض المحشر، وهي مشرقة بالحق والعدل، وطاهرة مطهرة من الظلم والعدوان ﴿وَوُضِعَ الْكِتَابُ: كتاب الأعمال وصفحاته ﴿وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاء: وهم نواب الأنبياء في البيان والتبليغ، فيشهد النبي على نائبه أنه أخذ العلم منه ليعمل به ويبلغه إلى الناس، ثم يشهد العالم النائب بدوره عليهم أنه علم وبلغ، فيقضي الله بين الخلق بالحق.

(70): ﴿وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ: لا ينقص من ثواب المطيع بل يزيد، ولا يزيد في عقاب العاصي وقد يعفو، وتقدم في الآية 25 من آل عمران وغيرها.

(71) - (72): ﴿وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُو: وأيضًا الذين نهبوا أقوات المستضعفين، والذين كذبوا واعتدوا وحسدوا وكل آثم ومجرم ﴿إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرً: جمع زمرة وهي الجماعة ﴿حَتَّى إِذَا جَاؤُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَ: أبواب جهنم مفتوحة للداخلين على مصراعيها ليل نهار لا حاجب عنها ولا مانع، على العكس من أبواب الجنة ﴿وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَ: الذين يقدمون لها الوقود: ماذا فعلتم بأنفسكم؟ ولماذا عن رسل الله أعرضتم؟ قال أهل النار:﴿حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ: ندموا واعترفوا حيث لا جدوى، والعاقل يحذر ولا يسلك الطريق إلا على بينة ﴿فَبِئْسَ مَثْوَى: مقام ﴿الْمُتَكَبِّرِينَ: المتمردين على الحق والعدل.

(73): ﴿وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ: المجرمون إلى عذاب الجحيم، والطيبون إلى جنات النعيم. وبعد فإن الجنة محرمة إلا على من ضحّى في سبيل الحق، ولا تنحصر هذه التضحية بالقتال وحمل السلاح، فكل مكروه يتحمله الإنسان ويصبر دفاعًا عن الحق والعدل فهو تضحية في سبيل الله والحق حتى ولو كان الدفاع بكلمة يجابه بها مبطلا، ويناصر محقًّا، وفي الحديث: حفت الجنة بالمكاره، والنار بالشهوات.

(74): ﴿وَقَالُو: أي أهل الجنة: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ: لما رأوا الجنة فرحوا وشكروا الله، وتذكروا ما قرأوه في الدنيا من آيات الجنة وحورها وقصورها وأنهارها وثمارها وأمنها وأمانها، فعاينوا أكثر مما سمعوا. قال الإمام أمير المؤمنين (ع): (كل شيء في الدنيا سماعه أعظم من عيانه، وكل شيء في الآخرة عيانه أعظم من سماعه).

(75): ﴿وَتَرَى الْمَلَائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ: المراد بالعرش أن الأمر كله بيد الله ﴿يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ: يقدسونه وينزهونه عن الظلم والجور ﴿وَقُضِيَ بَيْنَهُم: بين أهل الجنة وأهل النار ﴿بِالْحَقِّ: حيث حلَّ كل فريق منهما المكان اللائق به والصالح له ﴿وَقَيِلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ: الكون بأكمله من أعلى ملكوت السماء إلى منتهى الثرى يحمد الله على عدله الذي أعطى كل شيء خلقه، ثم هدى.


* التفسير المبين / العلامة الشيخ محمد جواد مغنية.

2015-12-10