(1) -(2): ﴿حم تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ﴾: نزل
القرآن الكريم على قلب الصادق الأمين من عزة الجلال وحكمة الكمال.
(3): ﴿مَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا
بِالْحَقِّ﴾: الكون من لدن حكيم خبير لا من الصدفة العشوائية ﴿وَأَجَلٍ مُّسَمًّى﴾:
أمد معين لزواله وفنائه.
(4): ﴿قُلْ أَرَأَيْتُم مَّا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ﴾: الكون بمن وما فيه من
خلق الله، فأروني ماذا خلق الذين من دونه واعبدوا ما شئتم ﴿أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ﴾: هل
للأصنام أو لغيرهم نصيب في خلق السموات والأرض؟ ﴿اِئْتُونِي بِكِتَابٍ مِّن قَبْلِ
هَذَ﴾: القرآن يقول: الأصنام يشاركون الله في خلقه ﴿أَوْ أَثَارَةٍ مِّنْ عِلْمٍ﴾:
المراد بالأثارة البقية أو الشيء، وبالعلم الدليل، والمعنى إذا لم ينزل الوحي بأن
لله شريكًا فهل في الكون دليل واحد على وجوده؟ وتقدم في الآية 40 من فاطر.
(5): ﴿وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّن يَدْعُو مِن دُونِ اللَّهِ... ﴾: لا أحد أكثر جهالة و
ضلالة من الذي لا يعبد ما لا يسمع ولا يبصر ولا ينفع شيئًا.
(6): ﴿وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ﴾: يوم القيامة للحساب تبرأ المعبود المزعوم ممن كان
يعبده والمضل مما كان يضله، وتقدم في الآية 28 من يونس.
(7): ﴿وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا... ﴾: إذا قرئ القرآن على الكافرين
بالحق والمعاندين له – نعتوه بالسحر وتقدم في الآية 7 من الأنعام وغيرها.
(8): ﴿أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَلَا تَمْلِكُونَ لِي
مِنَ اللَّهِ شَيْئً﴾: قال المعاندون: محمد يفتري على الله بقرآنه، فأمره سبحانه
أن يقول لهم: كيف أفتري على الله وأنا على علم اليقين بأنه لا أحد يجيرني من غضبه
وعذابه إن كذبت عليه وافتريت ﴿هُوَ أَعْلَمُ بِمَا تُفِيضُونَ فِيهِ﴾: لا تخفى على
الله خافية من أقوالكم وأفعالكم، وأنتم عنها مسئولون، وعليها معاقبون.
(9): ﴿قُلْ مَا كُنتُ بِدْعًا مِّنْ الرُّسُلِ﴾: لست بأول رسول للحق إلى الخلق حتى
قامت قيامتكم ولم تقعد ﴿وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ﴾: في الحياة
الدنيا، لأن النصر بيد الله العزيز الحكيم، وقد نصر الله عبده محمدًا، وأظهر دينه
على الشرك كله.
(10): ﴿قُلْ أَرَأَيْتُمْ﴾: أيها الكافرون بالقرآن ﴿إِن كَانَ مِنْ عِندِ اللَّهِ
وَكَفَرْتُم بِهِ﴾: ماذا تظنون أن يصنع الله بكم إن كان القرآن حقًا وصدقًا؟ ولماذا
تظلمون أنفسكم؟ ﴿وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ
فَآمَنَ﴾: ضمير مثله للقرآن، والمعنى أن عالمًا من بني إسرائيل شهد بأن تعاليم
القرآن تمامًا مثل تعاليم التوراة التي أنزلها الله على موسى، ولذا آمن بالقرآن
ونبوة محمد (ص) هذا العالم المنصف ﴿وَاسْتَكْبَرْتُمْ﴾: أيها المشركون عن الإيمان
والحق.
(11): ﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا لَوْ كَانَ خَيْرًا مَّا
سَبَقُونَا إِلَيْهِ﴾: آمن بمحمد والقرآن الفقراء والمساكين كبلال وعمار وصهيب
وخباب، ومعنى هذا في منطق عتاة البغي أن القرآن لا خير فيه، ولم تمض أيام حتى داس
هؤلاء المستضعفون الأصنام بالأقدام، واعتلى العبد الحبشي بلال ظهر الكعبة ينادي:لا
إله إلا الله محمد رسول الله ﴿وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ﴾: ولم يؤمنوا بالقرآن
﴿فَسَيَقُولُونَ هَذَا إِفْكٌ قَدِيمٌ﴾: خرافة وأساطير الأولين، ولماذا القرآن
خرافة وأساطير الأولين، ولماذا القرآن الخرافة عند هؤلاء؟ أبدًا لا لشيء إلا لأنه
لا ينطق عن جهلهم وأهوائهم.
(12): ﴿وَمِن قَبْلِهِ﴾: من قبل القرآن ﴿كِتَابُ مُوسَى إِمَامًا وَرَحْمَةً
وَهَذَ﴾: القرآن ﴿كِتَابٌ مُّصَدِّقٌ لِّسَانًا عَرَبِيًّا لِّيُنذِرَ الَّذِينَ
ظَلَمُوا وَبُشْرَى لِلْمُحْسِنِينَ﴾: القرآن كالتوراة التي نزلت على موسى، كل
منهما إمام يهدي للتي هي أقوم، ورحمة لمن آمن به وعمل بموجبه.
(13) – (14): ﴿إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُو﴾: تحدد
هذه الآية المتقين حقًا وواقعًا، بالإيمان والعمل بموجبه، بالخوف من الله، وانعكاس
هذا الخوف في شيء محسوس وملموس، أما جزاء هذا الخوف في الدنيا فهو الأمن من الخوف
في الآخرة كما قال سبحانه: ﴿فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ ... ﴾:وتقدم في الآية 30 من
فصلت.
(15): ﴿وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانً﴾: المراد بالإحسان هنا
ضد الإساءة بما يجرح النفس ويزعجه﴿حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ
كُرْهً﴾: قاست الكثير من التعب والمشقة والكرب والحرج في حمله ووضعه وحضانته،
وتقدم في الآية 23 الإسراء وغيرها ﴿وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرً﴾:
قال ابن كثير في تفسيره والشيخ المراغي: إن علي بن أبي طالب (ع) أول من استنبط من
القرآن أن أقل مدة الحمل ستة أشهر، فقد شكا رجل لعثمان بن عفان أن زوجته ولدت لستة
أشهر، فأمر برجمها فرجمت حتى الموت. فأتاه الإمام علي (ع) وقال له: أما تقرأ
القرآن؟ قال: بلى. قال علي (ع): إن الله يقول: (وحمله وفصاله ثلاثون شهرًا)
ويقول:(والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين – 233 البقرة) فلم يبق بعد الحولين
إلا ستة أشهر. قال عثمان:والله ما فطنت لهذا. ﴿حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ﴾:
منتهى القوة، وهو جمع بلا واحد أو واحد بصيغة الجمع كما في كتب الفقه ﴿وَبَلَغَ
أَرْبَعِينَ سَنَةً﴾: وفي هذا السن تكتمل قوة الإدراك، وتنمو بالتعلم والتجارب
﴿قَالَ﴾: كل من بلغ سن الأربعين بلسان المقال أو الحال إن يك من أهل الخير والصلاح
﴿رَبِّ أَوْزِعْنِي﴾: ألهمني ووفقني ﴿أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ﴾: وأهمها نعمة الدين
والهداية إلى الحق، وهذه الآية واضحة، وتقدمت في النمل رقم 19.
(16): ﴿أُوْلَئِكَ﴾: إشارة إلى ﴿الَّذِينَ﴾: يقولون هذا القول ﴿نَتَقَبَّلُ
عَنْهُمْ﴾: أي منهم ﴿أَحْسَنَ مَا عَمِلُو﴾: كل عمل لا يسيء به عامله إلى نفسه ولا
إلى غيره فهو من أحسن أعماله ﴿وَنَتَجاوَزُ عَن سَيِّئَاتِهِمْ﴾: إن تابوا وأخلصوا
﴿فِي أَصْحَابِ الْجَنَّةِ﴾: في بمعنى من، والمجرور متعلق بمحذوف في محل نصب على
الحال أي كائنين من أصحاب الجنة ﴿وَعْدَ الصِّدْقِ﴾: منصوب على المصدر، والمعنى
وعدَ اللهُ وعد الصدق.
(17): ﴿وَالَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لَّكُمَا... ﴾: لما ذكر سبحانه الولد
المؤمن الصالح البار بوالديه الداعي لهما بالخير حيث أرشداه إلى الدين والإيمان –
أشار إلى الولد الكافر الفاسد العاق بأبويه لا لشيء إلا لأنهما أرادا له الخير
والهداية إلى سبيل النجاة وقالا له: آمن بالله وبالبعث وحسابه. فقال:
﴿أَتَعِدَانِنِي أَنْ أُخْرَجَ﴾: من قبري وأنا تراب ويباب ﴿وَقَدْ خَلَتْ
الْقُرُونُ مِن قَبْلِي﴾: هل حدث ذلك لغيري في عصر من العصور الخالية؟ وتصدق هذه
الآية على كثير من شباب الجيل المؤمن بالحرية الراقية المتفرنجة التي لا يحدها دين
أو عقل أو خلق كريم؟ وهنا يكمن السبب الموجب للتصادم بين الآباء و الأبناء – في
الغالب - ﴿وَهُمَا يَسْتَغِيثَانِ اللَّهَ﴾:يسألانه الهداية لولدهما ﴿وَيْلَكَ﴾:
الهلاك لك ﴿آمِنْ﴾: أن البعث والحساب حق لا ريب فيه ﴿فَيَقُولُ مَا هَذَا إِلَّا
أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ﴾: ومع الأيام تطورت هذه الكلمة إلى كلمة (رجعية). ويقال:
إن الطب الحديث في مقدوره أن يجعل المولود ذكرًا أو أنثى تبعًا لاختيار الزوجين.
وأتمنى لو أن في مقدور الطب أو علم آخر أن يجعل المولود كريمًا في أخلاقه، كاملاً
في سلوكه ذكرًا كان أم أنثى... أبدًا لا وسيلة ولا الإيمان والالتزام بدين من أرسله
ليتمم مكارم الأخلاق.
(18): ﴿أُوْلَئِكَ﴾: إشارة إلى من عاند الحق، وأعرض عن دعوته ﴿الَّذِينَ حَقَّ
عَلَيْهِمُ﴾: ولهم العذاب الأليم.
(19): ﴿وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِّمَّا عَمِلُو﴾: لا مما لهم من جاه ومال، ولا من لون
ونسب، ولا من لغة ومذهب، بل مما عملوا بهذا النص القاطع. وقال بعض من ينتسب إلى
الدين: إن الدرجات بمشيئة الله وكفى، والاعتراض عليها زندقة وهرطقة. ونجيب: كل شيء
بمشيئته تعالى، ولكن هذه المشيئة القدسية قد تتعلق بشيء مطلق مثل آمنوا بالله
واليوم الآخر، وقد تتعلق بشيء مشروط ومقيد مثل حجوا إن استطعتم، والرفع مقيد بالعمل
الصالح بل هو تمام الموضوع بدليل قوله تعالى: (والعمل الصالح يرفعه).
(20): ﴿وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ﴾: أي يعذبون فيها،
وتقول لهم ملائكة العذاب: ﴿أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا
وَاسْتَمْتَعْتُم بِهَ﴾: تقلبتم في كل لذة وشهوة على حساب الفقراء والمساكين،
واستوفيتم الحظ الأوفر من متاع الحياة الدنيا ﴿فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ
الْهُونِ بِمَا كُنتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ﴾: وهذا الخطاب للمتزعمين والمترفين وحدهم
لأن غيرهم لا يملك جاهًا ولا مالاً كي يتمتع به ويتعالى ﴿وَبِمَا كُنتُمْ
تَفْسُقُونَ﴾: وهذا يطرد ويشمل كل من يعبث بالقيم، ويتلاعب بالشعارات، ويتستر
بالنفاق والرياء.
(21): ﴿وَاذْكُرْ أَخَا عَادٍ﴾: هودًا ﴿إِذْ أَنذَرَ قَوْمَهُ بِالْأَحْقَافِ﴾: جمع
حقف وهو الرمل المستطيل المرتفع وفيه انحناء، وكانت عاد بين رمال مشرفة على البحر
بالشجر من بلاد اليمن كما في جوامع الجامع ﴿وَقَدْ خَلَتْ النُّذُرُ مِن بَيْنِ
يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ﴾: جاءت الرسل من قبل هود ومن بعده، والدليل على أن المراد
بخلت هنا جاءت قوله تعالى: (عاد وثمود إذ جاءتهم الرسل من بين أيديهم ومن خلفهم –
14 فصلت).
(22): ﴿قَالُوا أَجِئْتَنَا لِتَأْفِكَنَ﴾: لتصدنا عن عبادة الأصنام، إن هذا لشيء
عجاب، وهكذا تطغى العادة على كل تفكير، ومن هنا قيل: العادة طبيعة ثانية بخاصة إذا
كانت موروثة أبًا عن جد ﴿فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ﴾:
عجَِّل بعذابك الموعود إن كان حقًا وصدقًا.
(23): ﴿قَالَ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِندَ اللَّهِ﴾: لا أعلم أمد العذاب ولا نوعه،
إنما الغيب لله وحده.
(24) – (25): ﴿فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُّسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ﴾: نزل
عليهم العذاب من السماء، فظنوه غيثًا وفرحوا به، فقال لهم هود: ﴿بَلْ هُوَ مَا
اسْتَعْجَلْتُم بِهِ﴾: قلتم: فأتنا بما تعدنا، فجاءتكم ريح لا تبقي ولا تذر
﴿فَأَصْبَحُوا لَا يُرَى إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ﴾: خالية لا سميع فيها ولا بصير،
ونعوذ بالله من المخبآت والمفاجآت.
(26): ﴿وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيمَا إِن مَّكَّنَّاكُمْ فِيهِ﴾: الخطاب لعتاة
قريش، والمعنى أعطينا عادًا ما لم نعطكم مثله من الأموال والأولاد، ثم أهلكناهم
بذنوبهم، ألا تخشون أن يصيبكم ما أصابهم؟ ﴿وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعًا... ﴾: كانت
الأُمم الماضية أيها المجرمون المعاندون لمحمد، لهم سمع وبصر وعقل تمامًا كما لكم،
ولما عموا وصموا عن دعوة الحق أخذهم الله بما كسبوا، وما أغنى عنهم بصر وبصيرة،
فاتعظوا بالعبر واعتبروا بالغير.
(27): ﴿وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا مَا حَوْلَكُم مِّنَ الْقُرَى﴾: الخطاب لمشركي مكة،
والمراد بالقرى أهلها، وهم عاد وثمود ومن جاورهم ﴿وَصَرَّفْنَا الْآيَاتِ
لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾: بيَّنا و كررنا ألوانًا من الدلائل والعظات، عسى أن
يتعظوا، فأبوا إلا كفورًا، فحقت كلمة العذاب على الكافرين.
(28): ﴿فَلَوْلَا نَصَرَهُمُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ... ﴾: عبدوا
الأصنام يبتغون بها الوسيلة إلى الله! فإذا بها لا شيء ﴿وَذَلِكَ﴾: إشارة إلى ضعف
الأصنام وعدم جدواها ﴿إِفْكُهُمْ﴾: وافتراؤهم على الله، وكل ذلك تقدم وتكرر.
(29): ﴿وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ﴾: يا محمد، ومعنى انصرف إليك أقبل وتوجه نحوك،
وانصرف عنك انحرف وذهب﴿نَفَرًا مِّنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ﴾: فكرة
وجود الجن لا يرفضها العقل، وقد نزل بها الوحي فوجب التصديق، وما أكثر ما نجهل من
عوالم هذا الكون. وعلى أية حال فإن الله سبحانه قد دفع بنفر من الجن إلى الرسول
الأعظم ليستمعوا إليه وهو يتلو القرآن ﴿فَلَمَّا حَضَرُوهُ﴾: قال بعضهم لبعض:
اسكتوا وتدبروا معانيه وأهدافه﴿فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِم
مُّنذِرِينَ﴾: لما فرغ النبي (ص) من القراءة سارعوا إلى قومهم مبشرين بالإسلام.
(30): و ﴿قَالُو﴾: لهم من جملة ما قالوا: ﴿يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا
كِتَابًا أُنزِلَ مِن بَعْدِ﴾: التوراة يصدِّق كل ما جاء به الأنبياء الأولون،
ويرشد إلى الحق والخير.
(31): ﴿يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ﴾: ترشدون وتؤجرون، ولا يبقى عليكم
من ذنب.
(32): ﴿وَمَن لَّا يُجِبْ دَاعِيَ اللَّهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الْأَرْضِ﴾: ولا
في السماء، أبدًا لا يفوته من طلب، ولا يعجزه من هرب ﴿أُوْلَئِكَ فِي ضَلَالٍ
مُّبِينٍ﴾: أولئك إشارة إلى الذين لم يستجيبوا لله، وإنهم ناكبون عن سواء السبيل.
(33): ﴿أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ
وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى﴾: لم يعي،
لم يعجز، والمعنى لا أحد يشك في وجود الكون اللهم إلا من يشك في أنه يشك، ومثله
تمامًا من يشك في إحياء الموتى، لأن من خلق الكون بقدرته قادر على أن يخلق الحياة
فيمن مات، وتقدم مرات.
(34): ﴿وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ﴾: أي يعذبون فيها،
فيقال توبيخًا: ﴿أَلَيْسَ هَذَا بِالْحَقِّ﴾: متحقق وثابت بالفعل ﴿قَالُوا بَلَى
وَرَبِّنَ﴾: أنكروا حيث يضربهم الإنكار، وأقروا حيث لا ينفعهم الإقرار، والعاقل لا
يجزم سلبًا ولا إيجابًا إلا على أساس، وتقدم في الآية 30 من الأنعام وغيرها.
(35): ﴿فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ﴾: المعروف أن
أولي العزم من الأنبياء خمسة: نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد، عليهم أفضل الصلوات،
وأطلق عليهم هذا الوصف، لأن لكل واحد منهم شريعة، يستمر العمل بها إلى الشريعة
اللاحقة، فتنسخ هذه السابقة حتى جاء النبي الذي لا نبي بعده ولا شريعة إلا شريعته
التي لا انفصام لعروتها، ولا انقطاع لمدتها ﴿وَلَا تَسْتَعْجِل لَّهُمْ﴾: العذاب يا
محمد للذين كذبوا برسالتك﴿كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ﴾: نهايتهم
إلى العذاب لا محالة، وإن طال الزمن حتى إذا رأوه ظنوا أنهم ﴿لَمْ يَلْبَثُو﴾: في
الحياة الدنيا ﴿إِلَّا سَاعَةً مِّن نَّهَارٍ﴾: من شدة الفزع وهول المطلع
﴿بَلَاغٌ﴾: هذا الذي حدثكم القرآن عنه، ووعظكم به هو بلاغ كافٍ وافٍ لمن طلب الرشد
والهداية، وعليه فلا يهلك إلا من ألقى بنفسه وسوء اختياره إلى التهلكة
* التفسير المبين / العلامة الشيخ محمد جواد مغنية.
2015-12-10