(1): ﴿الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ أَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ﴾:
من أعرض عن الإسلام، ومنع الناس أن يسلموا فلا يقبل الله من عمله شيئًا.
(2): ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾: اطمأنت قلوبهم بالإيمان،
وانقادت إلى العمل بموجبه طوعًا لا كرهً﴿وَآمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ﴾:
هذا شرط لازم لصحة القرآن، ودليل واضح على أن الله لا يقبل الإيمان به إلا مقرونًا
مع الإيمان بالقرآن (لا إله إلا الله محمد رسول الله) وأكد سبحانه ذلك بقوله:
﴿وَهُوَ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ﴾:والذين آمنوا بهذا الحق- أي القرآن- وعملوا به ﴿كَفَّرَ﴾:
الله ﴿عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ﴾: شأنهم، أما إذا آمنوا
بالقرآن قولَا لا عملا واستولى عليهم الجهل والذل والفساد، فالذنب ذنبهم لا ذنب
القرآن والإسلام.
(3): ﴿ذَلِكَ﴾: إشارة إلى ثواب الصالحين، وعقاب المجرمين ﴿بِأَنَّ الَّذِينَ
كَفَرُوا اتَّبَعُوا الْبَاطِلَ﴾: فخذلهم سبحانه، وأبعدهم عن رحمته ﴿وَأَنَّ
الَّذِينَ آمَنُوا اتَّبَعُوا الْحَقَّ مِن رَّبِّهِمْ﴾: قولا وعملا، وشملهم
بعنايته وحراسته﴿كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ لِلنَّاسِ أَمْثَالَهُمْ﴾: يبين سبحانه
مصير من أحسن، ومن أساء بضرب الأمثال ترهيبًا وترغيبًا.
(4) - (6): ﴿فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُو﴾: هذه الآية من آيات الجهاد وقتال
المعتدين الطغاة بدليل قوله تعالى: (فإن انتهوا فلا عدوان إلا على الظالمين-193
البقرة) ﴿فَضَرْبَ الرِّقَابِ﴾: احصدوا أعداء الإنسان الكافرين بقيمة الإنسانية،
ولا تأخذكم في دين الله وحق الإنسان رأفة ولا هوادة ﴿حَتَّى إِذَا أَثْخَنتُمُوهُمْ
فَشُدُّوا الْوَثَاقَ﴾: إذا أكثرتم فيهم القتل والأسر، وظفرتم بهم فأحكموا وثاق
الأسير كيلا يفر ﴿فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاء﴾: أما إطلاق الأسير بعوض
أو بدونه فتقديره إليكم تبعًا للحكمة والمصلحة ﴿حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ
أَوْزَارَهَ﴾: حتى يستسلم العدو ويلقي السلاح ﴿ذَلِكَ﴾: إشارة إلى جهاد قوى البغي
والشر ﴿وَلَوْ يَشَاء اللَّهُ لَانتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِن لِّيَبْلُوَ بَعْضَكُم
بِبَعْضٍ﴾: ولو أراد سبحانه لانتقم من الأشرار بلا جهاد وقتال، ولكنه شرع الجهاد
بالأنفس والأموال ليميز بين أنصار الخير والحق وأهل الباطل والضلال، واقرأ معي هذه
الآية: (قالوا وما لنا الا نقاتل في سبيل الله... فلما كتب عليهم القتال تولوا إلا
قليلًا منهم-246 البقرة).
(7) - (8): ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ
وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ﴾: قال الإمام عليّ (ع): القرآن حمال ذو وجوه. وعليه يسوغ
لنا أن نفسِّر هذه الآية بأن الجزاء من جنس العمل، على وجه العموم، فيكون المعنى من
يعمل مثقال ذرة خيرًا يره، وهل من احد يشك في أن تعاضد المسلمين قولا وعملا،
وتعاونهم على ما فيه النفع والصلاح للجميع هو خير وانتصار لدين الله؟ وأيضًا هل من
شك في أنهم لو فعلوا ذلك لكان لهم واسع الملك وقوة السلطان؟ وهل تقاس هيبة الدين
وسلطته إلا بقوة أهله وتقدمهم؟ ﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْسًا لَّهُمْ﴾:هلاكًا
لهم يوم القيامة ﴿وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ﴾: لا تعود عليهم بخير.
(9): ﴿ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ﴾: انحرفوا عن جادة الحق
﴿فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ﴾: لا خير فيها ولا جدوى من ورائها.
(10): ﴿أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ... ﴾: تقدم مرارًا منها في الآية 109 من
يوسف.
(11) - (12): ﴿ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ
الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَى لَهُمْ﴾: المولى: الناصر، ونادى أبو سفيان وهو يحارب
المسلمين: لنا العزى ولا عزى لكم. فقال النبي (ص) للصحابة قولوا له: الله مولانا
ولا مولى لكم، وتقدم في الآية 257 من البقرة ﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ﴾:
في الحياة الدنيا ﴿وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ﴾:هي في غفلة عن الذبح،
وهم في غفلة عن النار التي هي مثواهم وبئس القرار.
(13): ﴿وَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِّن قَرْيَتِكَ الَّتِي
أَخْرَجَتْكَ أَهْلَكْنَاهُمْ﴾: هذا تهديد للذين تآمروا على اغتيال الرسول الأعظم
(ص) واضطروه إلى الهجرة، وتقدم في الآية 30 من الأنفال.
(14): ﴿أَفَمَن كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ... ﴾: ليس سواء من أخذ الحق من
معدنه، ويصدر عنه في جميع تصرفاته، ومن قاس كل ما في الوجود بالملذات والنقود.
(15): ﴿مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ﴾: وهم الذين يتركون معاصي
الله في الخلوات ﴿فِيهَا أَنْهَارٌ مِّن مَّاء غَيْرِ آسِنٍ﴾: باق على طبيعته
وصفائه بلا تغيير وتلويث وتكدير ﴿وَأَنْهَارٌ مِن لَّبَنٍ لَّمْ يَتَغَيَّرْ
طَعْمُهُ﴾: وأيضًا لم تستخرج دسومته كاللبن الذي نشتريه من الأسواق ﴿وَأَنْهَارٌ
مِّنْ خَمْرٍ لَّذَّةٍ لِّلشَّارِبِينَ﴾: هي خمر بالإسم فقط، لأنها لا تُسكر، وفي
كتب اللغة الخمر: كل شراب مسكر، وفي الحديث النبوي (كل مسكر حرام، وكل مسكر خمر)
ومعنى هذا أن غير المسكر ليس بخمر ﴿وَأَنْهَارٌ مِّنْ عَسَلٍ مُّصَفًّى﴾: صاف وخال
من الشمع وغيره﴿وَلَهُمْ فِيهَا مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ﴾: وكل الملذات الروحية
والمادية، وفوق ذلك لا ألم أي لا خوف وقتال، ولا همّ وعيال، وشغل الفكر والبال، ومن
هنا قال كثير من الفلاسفة: لا معنى للذة إلا عدم الألم ﴿كَمَنْ هُوَ خَالِدٌ فِي
النَّارِ﴾: في الكلام حذف دلَّ عليه السياق، والتقدير أفمن هو خالد في النار لا
يستوون.
(16): ﴿وَمِنْهُم مَّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ﴾: يا محمد، كان المنافقون يحضرون مجلس
النبي (ص) ويستمعون منه حتى إذا خرجوا قالوا، ساخرين لبعض من كان حاضرًا من علماء
أهل الكتاب: نحن لم نفهم ماذا قال محمد، فهل فهمتم أنتم شيئًا ﴿أُوْلَئِكَ الَّذِينَ
طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءهُمْ﴾: يأمر سبحانه العبد
بالخير، وينهاه عن الشر، ويدعه وما يختار هو لنفسه، فإن اختار الشر عامله بما
يستحق، وما ختم سبحانه على قلوب المنافقين إلا لأنهم تركوا الهدى واتبعوا الهوى بنص
الآية (واتبعوا أهوائهم) وإذا اختار العبد الخير أخذ الله بيده كما قال سبحانه بلا
فاصل:
(17): ﴿وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى﴾: زادهم سبحانه من الهدى وثبتهم
عليه بعد علمه تعالى بالإخلاص وصدق النية. قال الإمام أمير المؤمنين (ع): لو أن
السموات والأرض كانتا على عبد رتقًا، ثم اتقى الله لجعل الله له منهما مخرجًا
﴿وَآتَاهُمْ تَقْواهُمْ﴾: أجر تقواهم وثوابها.
(18) - (19): ﴿فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ﴾: أبدًا لا مفّر من يومها
وهمومها ﴿فَقَدْ جَاء أَشْرَاطُهَ﴾: قامت العلامات والإمارات على أن الساعة آتية
لا ريب فيها تمامًا كالحياة والموت ﴿فَأَنَّى لَهُمْ إِذَا جَاءتْهُمْ
ذِكْرَاهُمْ﴾: لا شك أنهم حين يرون الساعة قائمة يتذكرون ويتعظون ويندمون، ولكن حيث
لا توبة تنفع، ولا معذرة تدفع.
(20): ﴿وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُو﴾: وأخلصوا: ﴿لَوْلَا نُزِّلَتْ سُورَةٌ﴾:
بالقتال لنجاهد في سبيل الله ﴿فَإِذَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ مُّحْكَمَةٌ﴾: واضحة
﴿وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتَالُ رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ﴾: وهم
المنافقون ﴿يَنظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ﴾:
انهارت أعصابهم، ونظروا إلى النبي (ص) نظرة الحنق والهلع، ومعنى الآية بمجموعها أن
المؤمنين حقًا يتمنون الجهاد ليفتدوا الإسلام بالمهج والأرواح، أما المنافقون
فيرونه كالموت﴿فَأَوْلَى لَهُمْ﴾: الويل لهم.
(21): ﴿طَاعَةٌ وَقَوْلٌ مَّعْرُوفٌ﴾: هذه جملة مستأنفة، ومعناها طاعة الله وقول
يقبله الرسول(ص) خير من النفاق والروغان ﴿فَإِذَا عَزَمَ الْأَمْرُ﴾: على الجهاد
﴿فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ﴾: ضمير الجماعة في صدقوا
للمنافقين، والمعنى لو أن المنافقين تابوا إلى الله، واستجابوا لدعوة الجهاد بإخلاص
لكان خيرٍا لهم دنيا وآخرة.
(22): ﴿فَهَلْ عَسَيْتُمْ﴾: هل يتوقع منكم أيها المنافقون ﴿إِن تَوَلَّيْتُمْ﴾: إن
تسلطتم وملكتم القيادة إلا ﴿أَن تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا
أَرْحَامَكُمْ﴾: هذا هو دأب الأشرار إذا حكموا، يملأون الدنيا بغيًا وفسادًا
وأهوالا شدادًا، وتاريخ البشرية أصدق شاهد.
(23): ﴿أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ﴾: وملائكته ورسله والناس أجمعون.
(24): ﴿أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَ﴾:
استدلَّ بهذه الآية علماء أُصول الفقه، على أن ظواهر القرآن أصل من أُصول الشريعة
ومصدر من مصادر الفقه، وقال المفسرون: تأمرنا هذه الآية أن نتأمل معاني القرآن
بروية، ونتفهم ما يرمي إليه من أهداف، ونتعظ بها ونعتبر، وما من شك أن لهذه الآية
العديد من الجوانب، وقد اتجه كل فريق إلى الجانب الذي يخصه ويهتم به، ونشير نحن إلى
جانب آخر، وهو أن من تدبر القرآن على حقيقته فإنه يؤمن به ويستجيب له، لأنه يؤاخي
العقل والفطرة، ويدعو إلى حياة، أكمل وأفضل، ومن أعرض عنه أو استمع إليه دون أن
ينتهي إلى هذا الإيمان فهو من المغلفة قلوبهم.
(25): ﴿إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِم... ﴾: من يتقلب في إيمانه
وعقيدته تبعًا لمطامعه ومصلحته فهو من حزب الشيطان، وهذه الآية نزلت في المنافقين.
(26): ﴿ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ﴾: الضمير للمنافقين ﴿قَالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا مَا
نَزَّلَ اللَّهُ﴾: وهم اليهود لأنهم أشد الناس كراهية للقرآن وأهله: ﴿سَنُطِيعُكُمْ
فِي بَعْضِ الْأَمْرِ﴾: وخلاصة المعنى أن المنافقين قالوا لليهود: نحن معكم ضد
محمد، ونطيعكم، في الكيد له والتآمر عليه.
(27) - (28): ﴿فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمْ﴾: قبضت أرواحهم ﴿الْمَلَائِكَةُ
يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ﴾: وهذا الضرب أقل من القليل بالنسبة إلى
نار الجحيم.
(29): ﴿أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ... ﴾: أيظن المنافقون أن الله
لن يكشف أمرهم ويفضحهم على رؤوس الأشهاد.
(30): ﴿وَلَوْ نَشَاء﴾: يا محمد ﴿لَأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُم بِسِيمَاهُمْ﴾:
لو شاء لأراك المنافقين بعلاماتهم الفارقة الواضحة، ولكن الله ستر عليهم لحكمة هو
أدرى بها ﴿وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ﴾: فيما يبدو من فحوى كلامهم
ويوحي به من خبث ولؤم.
(31): ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنكُمْ﴾: الله سبحانه
يعلم الأتقياء والأشقياء ولكنه يعامل الناس معاملة المختبر بالأمر والنهي، لتظهر
الأفعال التي يُستحق عليها الثواب والعقاب.
(32): ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ... ﴾: كفروا بالحق
وهو أظهر من وجودهم، وأفسدوا في الأرض عن قصد وعمد، وحاربوا الرسول بغيًا وطغيانًا
كي يقضوا على رسالته، ويصدوا الناس عن دعوته، ولكن الله سبحانه أبطل أعمالهم وخيَّب
آمالهم.
(33): ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ﴾:
طاعة الرسول هي عين طاعة الله طردًا وعكسًا، أما الطرد فلأنه متى وجدت إحدى
الطاعتين وجدت الثانية، وأما العكس فلأنه إذا انتفت هذه انتفت تلك، ويجري هذا الطرد
والعكس في الإيمان بالله والإيمان بالرسول ﴿وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ﴾:
بالكفر بالله وبالرسول أو بالنفاق والرياء أو بالمن والأذى.
(34): ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وصدوا... ﴾: تقدم في الآية 161 من البقرة وغيرها.
(35): ﴿فَلَا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ﴾: أثبتت الحوادث والتجارب أن من
وهن أمام عدوه فقد زوده بالسلاح الذي يقتله به ﴿وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ﴾: إذا كنتم
قلبًا واحدًا ويدًا واحدة على عدو الحق وعدوكم ﴿وَاللَّهُ مَعَكُمْ﴾: إذا أطعتموه
ولبيتم دعوته إلى الجهاد بالنفس والنفيس ﴿وَلَن يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ﴾: يتركم:
من وتر إذا نقص، والمعنى أية خسارة تلحق بكم في الجهاد فإن الله يعوضها أضعافًا.
(36): ﴿إِنَّمَا الحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ﴾: والويل لمن انصرف إليها
بكله وتورط في الشبهات والمحرمات وإلا فدين الله ودنياه شيء واحد ﴿وَإِن تُؤْمِنُوا
وَتَتَّقُوا يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ﴾: الغرض من الإيمان بالله أن نطيعه ونتقي
معاصيه، وبهذه التقوى نستحق الأجر والثواب وإلا فلا شيء للعصاة عند الله سبحانه إلا
العذاب والنكبات ﴿وَلَا يَسْأَلْكُمْ أَمْوَالَكُمْ﴾: بالكامل أيها الأغنياء، وإنما
يسألكم أن تؤدوا الحق المفروض، للفقراء، وهو يسير وخفيف.
(37): ﴿إِن يَسْأَلْكُمُوهَا فَيُحْفِكُمْ﴾: من الأحفاء، وهو أشد الإلحاح في السؤال
﴿تَبْخَلُوا وَيُخْرِجْ أَضْغَانَكُمْ﴾: لو أن الله، عظمت حكمته، سأل الأغنياء أكثر
من النصيب المفروض، وألحَّ عليهم في بذله لأمسكوا وحقدوا على الإسلام ونبيه.
(38): ﴿هَاأَنتُمْ هَؤُلَاء﴾: إشارة إلى الأغنياء ﴿تُدْعَوْنَ لِتُنفِقُوا فِي
سَبِيلِ اللَّهِ﴾: قال سبحانه (تُدعون) ولم يقل نأمركم، وكأنه يروّض من نفوس
الأغنياء، ويبعثهم على البذل عن طيب نفس، وأوضح من هذه الآية في ذلك آيات الاستقراض
الحسن ﴿وَمَن يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَن نَّفْسِهِ﴾: لأن البذل وقاية من
النار وغضب الجبار، وفي الحديث: حصنوا أموالكم بالزكاة ﴿وَاللَّهُ الْغَنِيُّ
وَأَنتُمُ الْفُقَرَاء﴾: إن ملكت أيه الإنسان الكون بأرضه وسمائه، فأنت مفتقر إلى
عنايته وتدبيره ﴿وَإِن تَتَوَلَّوْ﴾: تبخلوا بالمال وبذله في سبيل الله
﴿يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ﴾:يسبَّحون بحمده وبأمره يعملون، وتقدم في الآية
19 من إبراهيم وغيرها.
* التفسير المبين / العلامة الشيخ محمد جواد مغنية.
2015-12-10