يتم التحميل...

سورة الذاريات

تفسير الكتاب المبين

سورة الذاريات

عدد الزوار: 104

(1) - (4): ﴿وَالذَّارِيَاتِ ذَرْوًا فَالْحَامِلَاتِ وِقْرًا فَالْجَارِيَاتِ يُسْرًا فَالْمُقَسِّمَاتِ أَمْرً: الوِقر بكسر الواو: الحمل، والمراد به هنا السحاب المثقل بالماء، وفي تفسير هذه الأوصاف آراء وأقوال، وفي رأينا أنها بالكامل للرياح، فهي تذرو الغبار وما أشبه، وتحمل السحاب الممطر، وتجري بيسر وسهولة، وتقسم أو توزع السحاب على البلاد (سقناه لبلد ميت- 57 الأعراف) وأقسم سبحانه بالرياح، لأن له أن يقسم بما يشاء من خلقه، ولا يسوغ لأحد أن يقسم إلاَّ بالله.

(5) - (6): ﴿إِنَّمَا تُوعَدُونَ: من النشر والحشر ﴿لَصَادِقٌ وَإِنَّ الدِّينَ لَوَاقِعٌ: المراد بالدين هنا الحساب والجزاء.

(7): ﴿وَالسَّمَاء ذَاتِ الْحُبُكِ: والحبك: الإحكام، تقول: حبكه أي أحكمه، وفي الكواكب حسن وجمال إضافة إلى النظام والإحكام.

(8): ﴿إِنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُّخْتَلِفٍ: الخطاب لمن كذَّب الصادق الأمين (ص) وأقوالهم فيه متنافرة لا تلتئم ولا تنسجم.

(9): ﴿يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ: يُصرف عن القرآن والهدى من صرفه الجهل والهوى.

(10): ﴿قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ: لُعن المرتابون في الحق والبعث.

(11): ﴿الَّذِينَ هُمْ فِي غَمْرَةٍ سَاهُونَ: غمرهم الجهل والضلال، فسهوا عن الحق وأهله.

(12): ﴿يَسْأَلُونَ: يسأل منكروا البعث ساخرين: ﴿أَيَّانَ يَوْمُ الدِّينِ: يوم القيامة، فأجابهم سبحانه بقوله:

(13): ﴿يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ: يعذبون.

(14) - (15): ﴿ذُوقُوا فِتْنَتَكُمْ: عذابكم ﴿الَّذِي كُنتُم بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ: ومنه تسخرون، فكيف رأيتم مذاقه ومحاقه.

(16): ﴿آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ: المجرمون يعصون الله سبحانه، ومع ذلك يرجون خيره، ولا يخشون أن يكونوا مردودين عنده، أما المتقون فقد أطاعوا الله، وأعطوه الكثير من أنفسهم وأعمالهم، وهم خائفون من غضبه لأنهم- كما يشعرون- مقصرون عن طاعته ولا يستحقون شيئًا من رحمته، ولما رأى سبحانه منهم هذا الخوف والإخلاص، أفاض عليهم من فضله، ومدحهم بقوله: ﴿إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ: أحسنوا من قبل فأحسن الله إليهم من بعد، وهكذا يتعامل سبحانه مع عباده، يعملون صالحًا، ثم يدخلون الجنة، يدفعون الثمن سلفًا، ثم يقبضون المثمن، ولا نسيئة.

(17): ﴿كَانُوا قَلِيلًا مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ: الهجوع: النوم، والمعنى أن شعورهم بالمسؤولية كان يمنعهم من النوم ليلا إلا لحظات خوفًا أن يبيتوا والله عليهم غاضب وناقم لتقصيرهم، على العكس من المجرمين الذين لا همَّ لهم ولا شاغل إلا الشهوات والملذات.

(18): ﴿وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ: الله من التقصير، ويسألونه الهداية والعون على العمل بطاعته ومرضاته، فلا ينطقون إلا بالحق والصدق، ولا يتعاطون أي عمل يسيء إلى مخلوق.

(19): ﴿وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ: لا أحد يستطيع أن يتصور مجتمعًا قويًا وسعيدًا، وفيه فريق يقاسون ألوانًا من البؤس والحرمان، وآخرون أكثر مما يحتاجون، وأكد الرسول الأعظم (ص) هذه الحقيقة بقوله: (المؤمنون كرجل واحد، إذا اشتكت عينه اشتكى كله، وإذا اشتكى رأسه اشتكى كله) وعلى هذا الأساس جعل سبحانه للفقراء في أموال الأغنياء ما يكفيهم، على سبيل الحق الذي لا يقبل الإبطاء والتأخير ولا التهاون والتسويف لا على سبيل المنحة والإحسان من الأعلى إلى الأدنى.

(20) - (21): ﴿وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِّلْمُوقِنِينَ: تربط هذه الآية وما بعدها بين الإيمان من جهة والحس والعقل من جهة ثانية، إذ تقول بصراحة: انظر بعينك، واستنبط بعقلك، وآمن بما يوحي عقلك.

(22): ﴿وَفِي السَّمَاء رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ: لا أحد يعلم بالضبط واليقين ماذا يأتيه غدًا من دخل ورزق مهما كانت مهنته، وأيضًا لا يدري صاحب النعمة أتدوم له أو تزول، ولا البائس هل يزداد بؤسًا أو يتحول إلى غني وثري؟.

(23) - (25): ﴿فَوَرَبِّ السَّمَاء وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِّثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنطِقُونَ: أقسم سبحانه بعزته وجلاله، وعظمته وكماله إن الله حق، والبعث حق، والقرآن حق، والنبوة حق تمامًا كقول القائل: أنا أتكلم وأفكر فأنا موجود. و(قاتل الله أقوامًا أقسم لهم ربهم ثم لم يصدقوا) كما قال سيد الكونين (ص) وروي أن اعرابيًا قال حين سمع هذه الآية: من الذي أغضب الجليل حتى ألجأه إلى اليمين، وتسأل: هل تثبت الدعوى بمجرد اليمين؟ ونجيب: تُفصل الدعوى بالبينات والإيمان، والُأولى على المدعي والثانية على المنكر، وعلم القاضي بواقع الحال يغني عنهما معًا- كما نرى- فكيف بعلام الغيوب؟ وأثبت سبحانه قوله، عز من قائل، بالبينات القاطعة من الأنفس والآفاق، ثم أقسم توكيدًا لهذا الإثبات، إضافة إلى علمه تعالى، وإلى أنه هو الذي خلق اللسان وأنطقه، فجمع بين وسائل الإثبات وفصل الخصومات بالكامل، فالويل لمن أنكر الخالق القادر ﴿قَوْمٌ مُّنكَرُونَ:مجهولون.

(26) - (30): ﴿فَرَاغَ: انسل خفية ﴿فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ: صيحة، وتقدم أكثر من مرة من ذلك في الآية 70 من هود، ومن دأبنا أن نمسك في هذا التفسير الصغير إلاَّ عما هو غامض أو مفيد.

(31): ﴿قَالَ: إبراهيم (ع) للملائكة: ﴿فَمَا خَطْبُكُمْ: ما شأنكم؟ وفيم جئتم؟.

(32): ﴿قَالُوا إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمٍ: لوط. قال: ولِمَ قالوا:

(33) - (35): ﴿لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِّن طِينٍ مُسَوَّمَةً: عليها علامة، أعدها سبحانه لمن تجاوز الحد في البغي والفساد.

(36) - (38): ﴿فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِّنَ الْمُسْلِمِينَ: حتى هذا البيت الطاهر المقدس فيه جرثومة فاسدة حاقدة، وهي امرأة لوط.

(39) - (42): ﴿فَتَوَلَّى بِرُكْنِهِ: أي اعرض فرعون عن موسى واثقًا بقوته وسلطانه ﴿وَهُوَ مُلِيمٌ: فعل ما كان به ملومًا.

(43) - (46): ﴿وَفيِ عَادٍٍ: قوم هود ﴿الّرِيحَ الْعَقيِمَ: لا شيء فيها إلا العذاب، لا تمر بشيء ﴿إِلاَّ جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ: هباء ويبابًا ﴿وَفِي ثَمُودَ: قوم صالح، وتقدمت هود وصالح ونوح مرارًا وتكرارًا.

(47): ﴿وَالسَّمَاء بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ: نلخص هنا ما قاله أحمد أمين العراقي حول هذه الآية في كتاب التكامل في الإسلام: حاول آينشتين أن يحسب وزن العالم بكامله، ثم عدل لما تبين له أن الكون لا حد له ولا نهاية حيث دلت البحوث العلمية الدقيقة أن المجرات يبعد بعضها عن بعض ملايين السنين الضوئية، وكذلك الأنظمة الشمسية، وأن هذا البعد يزداد ويستمر يومًا بعد يوم، مما يكشف عن أن الفضاء الرحب يتسع آنًا بعد آن، وقد نزلت هذه الآية حيث لا علم يومئ إلى هذه الحقيقة من قريب أو بعيد.

(48): ﴿وَالْأَرْضَ فَرَشْنَاهَ: بسطها سبحانه لمخلوقاته من أجل العيش والحياة لا للأسلحة الجهنمية والمشكلات.

(49): ﴿وَمِن كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ: ذكرًا وأُنثى في الإنسان والحيوان والنبات وفي مجلة عالم الفكر الكويتية العدد الثالث من المجلد الأول ص114: (مما يستوقف الذهن إشارة القرآن أن أصل الكائنات جميعًا تتكون من زوجين اثنين... وقد اكتشف العلم الحديث وحده التركيب الذري للكائنات على اختلافها وأن الذرة الواحدة تتكون من إلكترون أو بروتون. أي من زوجين اثنين ﴿لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ: بأن الخالق قادر عليم ومدبر حكيم.

(50): ﴿فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ: بكف الأذى عن عباده وعياله ﴿إِنِّي لَكُم مِّنْهُ نَذِيرٌ: لكل من أساء إلى الآخرين، قال نبي الرحمة (ص): (شر الناس عند الله الذين يتقي الناس شرهم... أعجل الشر عقوبة البغي).

(51): روَلَا تَجْعَلُوا مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ: ومن الكفر والشرك بالله أن يزيف المرء ويحرف حكمًا من أحكام الله، فيحلل حرامه أو يحرم حلاله.

(52): ﴿كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِن قَبْلِهِم مِّن رَّسُولٍ إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ: كما قال لك يا محمد المشركون: إنك ساحر أو مجنون أيضًا قال الأولون من أمثال هؤلاء لرسلهم: أنتم سحرة ومجانين.

(53): ﴿أَتَوَاصَوْا بِهِ: هذا التشابه بين أهل العصور السابقة واللاحقة، في موقفهم ضد الدعاة الهداة؟ هل أوصى الجيل الأول للثاني أن يخلفه في معاندة الحق وأهله.

(54): ﴿فَتَوَلَّ عَنْهُمْ فَمَا أَنتَ بِمَلُومٍ: أعرض عنهم يا محمد فما أنت بملوم على عنادهم ولا بمأثوم لأنك بلَّغت وبالغت في النصيحة.

(55): ﴿وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ: إمض في دعوتك وموعظتك، فسيهتدي بها وينتفع من يسأل عن الحق ويسعى إليه ليؤمن به، ويعمل بموجبه.

(56): ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ: إلا ليطيعوا الله بفعل الخير وترك الشر، لا ليعبدوا الأهواء والموال والأنساب.

(57) - (58): ﴿مَا أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ: وكأنه- تعالى علوًا كبيرًا- يقول: ما خلقت الخلق لأستغلهم في المعامل والمصانع أو لتصريف السلع والبضائع، ولا لأضاهي بهم الأنداد والأضداد، وفي الخطبة 107 من نهج البلاغة (لم تخلق الخلق لوحشة، ولا استعملتهم لمنفعة).

(59): ﴿فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذَنُوبًا مِّثْلَ ذَنُوبِ أَصْحَابِهِمْ: المراد بالذنوب هنا العذاب على الذنوب من باب إطلاق السبب على المسبب، والمعنى سيعذب الله الذين كذبوا محمدًا كما يعذب الأولين الذين كذبوا الرسل كقوم نوح وعاد.

(60): ﴿فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ كَفَرُوا مِن يَوْمِهِمُ الَّذِي يُوعَدُونَ
: وبه يستعجلون، فكم من مستعجل أمرًا ودَّ أنه لم يكن.


* التفسير المبين / العلامة الشيخ محمد جواد مغنية.

2015-12-10