(1): ﴿وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى﴾: المراد بالنجم هنا كل نجم في أرجح الأقوال، لأن
الألف واللام للجنس، وقد أقسم سبحانه بتناثر الكواكب في الفضاء يوم القيامة كما في
الآية 2 من الإنفطار: (وإذا الكواكب انتثرت).
(2): ﴿مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ﴾: محمد، والخطاب لمن أنكر رسالته، والجملة جواب القسم،
وهي شهادة من الله سبحانه على أن محمدًا أبعد الخلق عن الضلالة والغواية وأن من ظن
شيئًا من هذا فهو الغوي المبين.
(3): ﴿وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى﴾: لا خطأ ولا خطيئة في أقوال محمد، وكذلك في
أفعاله للملازمة بين العصمة في الأقوال والعصمة في الأفعال.
(4): ﴿إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى﴾: ضمير هو للقرآن لأن محمدًا (ص) ليس بوحي بل
موحى إليه.
(5): ﴿عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى﴾: أخذ النبي (ص) القرآن من جبريل عن الله، وجبريل
شديد القوى في الصفات التي تؤهله لأمانة الوحي وأدائها لأنبياء الله ورسله.
(6): ﴿ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى﴾: المِرة بكسر الميم: الهيئة والصورة، واستوى: استقام،
والمعنى أن جبريل ظهر للنبي (ص) مستويًا كما خلقه الله.
(7): ﴿وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى﴾: أي أن جبريل حين ظهر للنبي على صورته امتد
مرتفعًا في الجو.
(8): ﴿ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى﴾: في الكلام تقديم وتأخير، والأصل بعد أن ارتفع جبريل
بقامته في الفضاء، تدلى ونزل بها حتى أصبح قريبًا من النبي (ص).
(9): ﴿فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى﴾: القاب: المقدار، أي بعد أن تدلى
ونزل جبريل قرب من النبي حتى لم يكن بينهما سوى مقدار قوسين، بل أقل من ذلك.
(10): ﴿فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى﴾: أوحى سبحانه إلى عبده محمد بواسطة
الروح الأمين شيئًا مهمًا، وقد يكون الشيء الموحى به آية من آي الذكر الحكيم، وقد
يكون غير ذلك.
(11): ﴿مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى﴾: رأى محمد جبريل بقلبه وبصره، فلا العين
أخطأت فيما رأت، ولا القلب شك في رؤية العين.
(12): ﴿أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى﴾: أتكذبون وتجادلون محمدًا أيها المشركون
فيما رأت عيناه، وآمن به قلبه وعقله.
(13): ﴿وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى﴾: أيضًا رأى محمدًا (ص) جبريل في هيئته
وخلقته الأصيلة مرة ثانية حين حمل النبي ليلة المعراج، وطاف في السموات العلى حتى
انتهى إلى الحد الأقصى الذي أشار إليه سبحانه بقوله:
(14): ﴿عِندَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى﴾: فوقف في هذا المكان، ولم يتجاوز إلى غيره
لجهة العلو.
(15): ﴿عِندَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى﴾: وهي جنة الخلد التي جعلها سبحانه ثوابًا
للمتقين كما في جوامع الجامع.
(16): ﴿إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى﴾: يوجد عند سدرة المنتهى من آثار
قدرته تعالى ما لا يبلغه وصف، ولا يحده عقل.
(17): ﴿مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى﴾: ما حاد بصر محمد عن الواقع، ولا تجاوز
عنه.
(18): ﴿لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى﴾: محمد (ص) ما رأى الله في
رحلته هذه التي بلغ فيها سدرة المنتهى، لأن النواظر لا ترى العلي الأعلى، ولكن
محمدًا شاهد من عجائب قدرته تعالى ما يستحيل أن يراه الإنسان أو يعرف عنه شيئًا
مهما تقدمت العلوم، وتطورت سفن الفضاء إلا أن يشاء الله.
(19) - (20): ﴿أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ
الْأُخْرَى﴾: هذه أصنام كان العرب يعبدونها من دون الله، فوبخهم سبحانه على عبادتها
وقولهم: الملائكة وهذه الأوثان بنات الله، ولذا قال سبحانه:
(21) - (22): ﴿أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنثَى تِلْكَ إِذًا قِسْمَةٌ ضِيزَى﴾:
ظالمة جائرة، لا يرتضيها مخلوق من مثله، فكيف فضلتم العبد على سيده والمخلوق على
خالقه؟.
(23): ﴿إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاء سَمَّيْتُمُوهَا... ﴾: تقدم في الآية 71 من
الأعراف ﴿إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ﴾: تدلنا هذه وغيرها من الآيات الناهية
عن العمل بالظن. أن القرآن لا يثق إلا بالعلم، وان الظن لا يكشف عن الواقع المجهول،
ولا يسوغ بحال أن يكون طريقًا إلى المعرفة، وهذا من أهم الفوارق بين الإسلام وسائر
الأديان أبعد هذا يقال بأن الدين كله غيب في غيب؟ وهل يثبت الغيب بالغيب؟ ﴿وَمَا
تَهْوَى الْأَنفُسُ﴾: عطف على ما قبله أي ولا يتبعون إلا ما تهوى أنفسهم، يشير
سبحانه بهذا إلى ما عليه الكثرة الكاثرة في كل زمان ومكان حتى العديد من رؤساء
الأديان، حيث لا ينجذبون إلى الشيء ويفعلونه لأنه حق وخير، بل يُطفون صفة الحق
والخير على الشيء الذي يرتاحون إليه، ويوافق هوى في نفوسهم، ومن هذا النوع عبدة
الأوثان، نعتوا الأحجار بالآلهة لا لشيء إلا تعصبًا لدين الآباء، وإلى هذا أشار
سبحانه بقوله:
(24): ﴿أَمْ لِلْإِنسَانِ مَا تَمَنَّى﴾: الأمنيات والرغبات لا تغِّير الواقع عما
هو عليه، وفي نهج البلاغة: الأماني تُعمي أعين البصائر.
(25): ﴿فَلِلَّهِ الْآخِرَةُ وَالْأُولَى﴾: الأمر والملك لله وحده دنيا وآخرة.
(26): ﴿وَكَم مِّن مَّلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئً﴾:
الملائكة المقربون لا يشفعون لأحد إلا بإذنه، فكيف تشفع الأحجار لكم أيها المشركون
الجاهلون بجهلهم؟.
(27)-(28): ﴿إِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ لَيُسَمُّونَ
الْمَلَائِكَةَ تَسْمِيَةَ الْأُنثَى﴾: أي يقولون: الملائكة بنات الله لمكان، التاء
في كلمة ملائكة، ولو كانوا ذكورًا لقيل ملائك لا ملائكة! وهذا هو الجهل بكمال الله
وجلاله، وباللغة لأن التاء تأتي لغير التأنيث مثل عبدة الأصنام جمع عبد ﴿إِن
يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ... ﴾: اُنظر تفسير الآية 23 من هذه السورة.
(29): ﴿فَأَعْرِضْ﴾: يا محمد عمن أعرض عن الله والحق ﴿وَلَمْ يُرِدْ إِلَّا
الْحَيَاةَ الدُّنْيَ﴾: أما الدين فسلم لجاهه، وحرفة يأكل منها، ويكنز للأولاد
والأصهار، وتلك حياتهم وملذاتهم تدل عليهم.
(30): ﴿ذَلِكَ مَبْلَغُهُم مِّنَ الْعِلْمِ﴾: ذلك إشارة إلى لذيذ العيش، وأنه الهدف
الوحيد لكل ما يعملون ويتعلمون﴿إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ﴾: يتخذ من
الدين والعلم أداة للصوصية، وعنده حسابه وعقابه.
(31): ﴿وَلِلَّهِ مَا فِي
السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ﴾: هو سبحانه القوي الذي لا يفتقر إلى شيء، وإليه
يفتقر كل شيء، وهو الحق والعدل يجزي ﴿لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاؤُوا بِمَا
عَمِلُو﴾: بلا زيادة، وقد يعفو ﴿وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى﴾:
يوفيهم أُجورهم، ويزيدهم من فضله، ثم بيَّن سبحانه من هم المحسنون بقوله:
(32): ﴿الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ﴾: كالظلم
والزنا وكل ما تجاوز الحد في القبح ﴿إِلَّا اللَّمَمَ﴾:وهي صغائر الذنوب التي لا
يكاد يخلو منها إنسان إلا من عصم الله كالنظرة والجلوس على مائدة الخمر، وتقدم في
الآية 31 من النساء.
﴿هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ... ﴾: من أبينا آدم الذي خلقه من تراب إلى كل جنين ورضيع
وشاب وكهل وشيخ يدب على العصا... إلى النفس الأخير، وإذن علام تزكي نفسك ما دام ربك
﴿هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى﴾: وقال لك ولغيرك: فلا تزكوا أنفسكم.
(33): ﴿أَفَرَأَيْتَ الَّذِي تَوَلَّى﴾: عن الحق ودعوته.
(34): ﴿وَأَعْطَى قَلِيلًا وَأَكْدَى﴾: بذل القليل من ماله ثم أمسك.
(35): ﴿أَعِندَهُ عِلْمُ الْغَيْبِ﴾: هل عنده هذا الذي تولى عن الحق، وأمسك عن
البذل- علم من الله سبحانه بأنه في أمن وأمان من عذابه؟.
(36) - (37): ﴿أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَى وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي
وَفَّى﴾: ألم يسمع هذا الذي أعرض وبخل، بما قال الله في توراة موسى وصحف إبراهيم
الذي وفى بعهد الله وميثاقه؟.
(38): ﴿أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى﴾: كل إنسان مسؤول عن ذنبه لا عن ذنب
سواه، وتقدم مرات، ومنها الآية 164 من الأنعام.
(39) - (41): ﴿وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَى... ﴾: هذا هو دين
القرآن والإسلام: ليس للإنسان إلا ما سعى وفعل ونوى، ولا يقاس بشيء على الإطلاق إلا
بمقاصده وأفعاله، فهي وحدها التي ترفعه أو تضعه، تقدسه أو تدنسه، حتى كلمة التوحيد
والشهادة لمحمد بالرسالة تؤكد هذه الحقيقة كفريضة لازمة لأن تكوينها يبطل بدلالته
كل المزاعم بأن الإنسان يوزن بشيء سوى سعيه وجهده وعرقه وعمل يده. فهل من إشكال
وقيل وقال؟.
(42): ﴿وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنتَهَى﴾: منه تعالى البداية، وإليه النهاية، ولا
حيلة ووسيلة، ومن جحد فأمامه ما يجيء به الغد.
(43) - (46): ﴿وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى﴾: الضحك إشارة إلى فرح أهل الجنة،
والبكاء إشارة إلى ترح أهل النار،قال سبحانه: (وجوه يومئذ مسفرة ضاحكة مستبشرة
ووجوه يومئذ عليها غبرة ترهقها قترة- آخر عبس)﴿وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ
الذَّكَرَ وَالْأُنثَى... ﴾: قال جاهل أو ذاهل عن هذه الآية وغيرها من آية الذكر
الحكيم: إن نظرية دارون لا تناقض الإسلام والقرآن لأن نظرية التطور علم والإسلام
دين العلم! وما من شك أن الإسلام دين العلم، ولكن هذا شيء، وأصل الإنسان قرد شيء
آخر، والقرآن صريح في أن الله خلق آدم من طين لا من قرد دارون، وانه تعالى هو الذي
صورنا في الأرحام كيف يشاء بنص الآية 6 من آل عمران، وعليه يكون القول بان نظرية
دارون لا تناقض القرآن - نقضًا لليقين بالشك والجهل.
(47): ﴿وَأَنَّ عَلَيْهِ النَّشْأَةَ الْأُخْرَى﴾: وأية حكمة في النشأة الأولى إذا
لم تكن مطية للثانية؟.
(48): ﴿وَأَنَّهُ هُوَ أَغْنَى وَأَقْنَى﴾: أغنى: أعطى جميع العباد ما يكفيهم من
الرزق أما أقنى فغير بعيد أن تكون إشارة إلى وسائل الإنتاج، وأن الكل منه تعالى،
لأنه خالق كل شيء.
(49): ﴿وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشِّعْرَى﴾: نجم مضيء وخصها سبحانه بالذكر لأن بعض
أهل الجاهلية كانوا يعبدونها.
(50): ﴿وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَادًا الْأُولَى﴾: وهم قوم هود، وتقدم الكلام عنهم
مرات.
(51) - (52): ﴿وَثَمُودَ فَمَا أَبْقَى﴾: أحدًا منهم وهم قوم صالح، وأيضًا سبق عنهم
الكلام مرارًا.
(53): ﴿وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوَى﴾: قرى قوم لوط، جعل عاليها أسفلها.
(54): ﴿فَغَشَّاهَ﴾: غطاها العذاب.
(55): ﴿فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكَ تَتَمَارَى﴾: بأية نعمة من نعم الله تشك وتجادل
أيها الجاحد المعاند. وبالمناسبة قال الفيلسوف المسلم والشاعر الكبير اقبال في
تعريف المؤمن: انه من يستقبل الموت وعلى شفتيه ابتسامة التوحيد.
(56): ﴿هَذَ﴾: الذي تلوناه وسجلناه في هذه السورة هو ﴿نَذِيرٌ مِّنَ النُّذُرِ
الْأُولَى﴾: فيما تضمنه من حقائق جديرة بالتفكير والإهتمام كنزول الوحي على محمد
(ص) وما أشرنا إليه من أن الظن لا يكون طريقًا للمعرفة، وأن الإنسان بكد يمينه وعرق
جبينه...
(57): ﴿أَزِفَتْ الْآزِفَةُ﴾: الساعة آتية لا ريب فيها، وكل آت قريب.
(58): ﴿لَيْسَ لَهَا مِن دُونِ اللَّهِ كَاشِفَةٌ﴾: لا أحد يعلم وقتها والكشف عنه
إلا الله: (يسألك الناس عن الساعة قل إنما علمها عند الله- 63 الأحزاب).
(59): ﴿أَفَمِنْ هَذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ﴾: المراد بالحديث هنا القرآن، وأهل
الإيمان والمعرفة يعجبون به إكبارًا لعظمته كما قال سبحانه: (قرآنًا عجبًا- الجن)
والكفرة الفجرة يعجبون منه منكرين وساخرين كما قالوا: (أجعل الآلهة إلهًا واحدًا إن
هذا لشيء عجاب- 5 ص).
(60): ﴿وَتَضْحَكُونَ وَلَا تَبْكُونَ﴾: الأوْلى بكم أن تبكوا على أنفسكم التي
أوردتموها مناهل الوبال والهلاك.
(61): ﴿وَأَنتُمْ سَامِدُونَ﴾: لاهون لاعبون.
(62): ﴿فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُو﴾: يجب السجود عند تلاوة هذه الآية أو
الإستماع إليها، أُنظر تفسير الآية 37 من فصلت.
* التفسير المبين / العلامة الشيخ محمد جواد مغنية.
2015-12-10