(1): ﴿اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانشَقَّ الْقَمَرُ﴾: ذكر سبحانه انشقاق القمر
مقرونًا بذكر الساعة، ومعنى هذا أن الإنشقاق يحدث يوم القيامة، وفي سورة الإنشقاق
(إذا السماء انشقت) وسورة الإنفطار (إذا السماء انفطرت وإذا الكواكب انتثرت) وفي
سورة القيامة (وخسف القمر وجمع الشمس والقمر) والقرآن يفسِّر بعضه بعضًا.
(2): ﴿وَإِن يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُو﴾: القرآن معجزة المعجزات وحافل بالنبوآت
والبينات ، ومع ذلك أعرضوا عنه وقالوا سحر وكهانة مكابرة وعنادًا.
(3): ﴿وَكَذَّبُو﴾: محمدًا لا لشيء إلا الهوى والغرض ﴿وَكُلُّ أَمْرٍ
مُّسْتَقِرٌّ﴾: ثابت علمه تعالى، ومنه إعراض من أعرض عن الحق، وسوف يحاسب حسابًا
عسيرًا.
(4): ﴿وَلَقَدْ جَاءهُم مِّنَ الْأَنبَاء﴾: كقصص الأُمم الماضية والإنتقام من
الجبابرة الطغاة ﴿مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ﴾: عن كل جريمة ورذيلة (ولقد يسرنا القرآن
للذكر فهل من مذكر).
(5): ﴿حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ﴾: بلغت آيات القرآن المدى الأقصى في بيان الحجج والمواعظ
﴿فَمَا تُغْنِ النُّذُرُ﴾: إلا من سعى وراء معرفة الحق والهداية، وفي نهج البلاغة:
(من لم يعن على نفسه حتى يكون له منها واعظ وزاجر لم يكن له من غيرها لا زاجر ولا
واعظ .
(6): ﴿فَتَوَلَّ عَنْهُمْ﴾: يا محمد عن المعاندين وانتظر ﴿يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ
إِلَى شَيْءٍ نُّكُرٍ﴾: المراد باليوم هنا يوم القيامة، والنكر: الشديد الفظيع.
(7): ﴿خُشَّعًا أَبْصَارُهُمْ﴾: أذلاء خاضعين، يخرجون من القبور ﴿كَأَنَّهُمْ
جَرَادٌ مُّنتَشِر﴾: ملأ الأجواء والأرجاء.
(8): ﴿مُّهْطِعِينَ﴾: مسرعين ﴿يَقُولُ الْكَافِرُونَ هَذَا يَوْمٌ عَسِرٌ﴾: شديد
المخاطر والأهوال.
(9): ﴿كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ... ﴾: كان شأن محمد (ص) مع قومه تمامًا
كشأن نوح كذبه قومه ونسبوه إلى الجنون وزجروه عن تبليغ رسالة ربه.
(10): ﴿فَدَعَ﴾: نوح وقال: ربي أنا ضعيف، فانتصر أنت لدينك من أعدائك...
(11) - (12): ﴿فَفَتَحْنَا... ﴾: تدفق الماء عليهم من السماء وتفجر من الأرض،
فالتقى الماءان، وتكوم منه بحر عظيم، هكذا قضى الله وقدر.
(13): ﴿وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ﴾: ألواح: أخشاب ودسر: مسامير،
صنع نوح منهما السفينة.
(14): ﴿تَجْرِي﴾: السفينة ﴿بِأَعْيُنِنَ﴾: بحفظ الله ورعايته ﴿جَزَاء لِّمَن كَانَ
كُفِرَ﴾: كان الطوفان للكافرين جزاء، ولنوح انتصارًا.
(15) - (16): ﴿وَلَقَد تَّرَكْنَاهَا آيَة﴾: أي ترك سبحانه أخبار السفينة عظة لمن
يعتبر، وعبرة لمن يتعظ ﴿فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ﴾: هل يتذكر عاقل، فيلجأ إلى ربه،
ويتوب من ذنبه.
(17): ﴿وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ﴾: الهدف الأساس من الإرشاد هو
الإقناع والعمل وإلقاء الحجة على من تمرد أو تردد، ومحال أن يتحقق شيء من ذلك إن يك
الإرشاد مطلسمًا، ولا بد أن يتوافر فيه أمران: الأول أن يكون واضحًا في بيانه
ومعانيه، والثاني أن يكون حكيمًا في أُسلوبه ورفيقًا في دعوته يتحرك لها الإحساس
والوجدان، ويستيقظ بها الفكر والعقل، وهذا هو بالذات أُسلوب القرآن الذي أشار إليه
بقوله: (ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة-125 النحل).
(18) - (19): ﴿كَذَّبَتْ عَادٌ﴾: قوم هود بآيات الله ورسله، فلاقت جزاء التكذيب
﴿رِيحًا صَرْصَرً﴾: باردة عنيفة، وقد استمرت هذه الريح حتى أتت على آخرهم.
(20) - (21): ﴿تَنزِعُ النَّاسَ﴾: تقتلعهم من أماكنهم ﴿كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ
نَخْلٍ مُّنقَعِر﴾: أعجاز النخل: أُصولها، ومنقعر: منقطع أو منقلع.
(22): ﴿وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ... ﴾: أُنظر تفسير الآية 17 من هذه السورة.
(23): ﴿كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِالنُّذُرِ: قوم صالح.
(24): ﴿فَقَالُوا أَبَشَرًا مِّنَّا وَاحِدًا نَّتَّبِعُهُ﴾: كيف نتبع واحدًا من
عامة الناس لا من ساداتهم؟.
(25): ﴿أَؤُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِن بَيْنِنَ﴾: كيف هبط الوحي على صالح،
وفينا من هو أكثر مالًا وأعز نفرًا ﴿بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ﴾: بطر يتطفل
ويتطاول.
(26): ﴿سَيَعْلَمُونَ غَدً﴾: أنهم هم المفترون والمتطاولون.
(27): ﴿إِنَّا مُرْسِلُو النَّاقَةِ﴾: ابتلاء وامتحانًا يتميز به الخبيث من الطيب.
(28): ﴿وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْمَاء قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ﴾: لهم يوم، وللناقة يوم
﴿كُلُّ شِرْبٍ مُّحْتَضَرٌ﴾: إذا حضرت الناقة للشرب غابوا عن الماء، وإذا غابت
الناقة حضروا للشرب.
(29) - (30): ﴿فَنَادَوْا صَاحِبَهُمْ فَتَعَاطَى﴾: لبّى النداء مسرعًا ﴿فَعَقَرَ﴾:
غير مكترث بعاقبة الجريمة وشناعتها.
(31) - (32): ﴿إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ صَيْحَةً وَاحِدَةً﴾: من السماء فعلت
بهم فعل القنابل النووية أو أشد، وجعلتهم ﴿كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ﴾: أي كالحشيش
اليابس الذي يجمعه صاحب الماشية، ويدخره لها حتى يأتي الشتاء.
(33): ﴿كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ﴾: تمامًا كما كذبت قوم نوح وعاد وثمود
﴿بِالنُّذُرِ﴾: جمع نذير.
(34) - (35): ﴿إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ حَاصِبً﴾: رماهم سبحانه بالحصباء
مضافة إلى الخسف.
(36): ﴿وَلَقَدْ أَنذَرَهُم بَطْشَتَنَ﴾: خوِّفهم لوط من عذاب الله فقهقهوا
ساخرين، وشكوا وجادلوا مهدين.
(37): ﴿وَلَقَدْ رَاوَدُوهُ عَن ضَيْفِهِ﴾: قالوا له: أعطنا أضيافك نفْجُر بهم
ونفحش! هذا هو الإنسان إذا تحرر من قيود الدين والإنسانية، لا يلتد بشيء إلا
بالجرائم والرذائل ﴿فَطَمَسْنَا أَعْيُنَهُمْ﴾: أعمى الله أبصارهم عن الأضياف.
(38) - (40): ﴿وَلَقَدْ صَبَّحَهُم بُكْرَةً عَذَابٌ مُّسْتَقِرٌّ﴾: أتاهم العذاب
صباحًا، واستمر حتى أفناهم عن آخرهم.
(41) - (42): ﴿وَلَقَدْ جَاء آلَ فِرْعَوْنَ النُّذُرُ﴾: أيضًا كذبوا، فأخذهم الله
أخذ عزيز مقتدر، أما السر لهذا التكذيب وتتابعه فهو أن الأنبياء يدعون الناس بطريق
العقل، والإنسان يقاد ببطنه لا بعقله إلا من يسعى وراء الحق ومعرفته ليعمل به لوجه
الحق، وقليل ما هم.
(43): ﴿أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِّنْ أُوْلَئِكُمْ﴾: الخطاب للذين كذبوا محمدًا(ص)
وأُولئكم إشارة إلى قوم نوح وعاد وثمود وغيرهم من الهالكين الذين سبقت إليهم
الإشارة، والمعنى لستم خيرًا ممن هلك، فالذي انتقم منهم أيضًا ينتقممنكم ﴿أَمْ
لَكُم بَرَاءةٌ فِي الزُّبُرِ﴾: أي الكتب، والمعنى هل انزل سبحانه في كتاب من كتبه
أن لا ينالكم بعذابه ونكاله؟.
(44): ﴿أَمْ يَقُولُونَ نَحْنُ جَمِيعٌ مُّنتَصِرٌ﴾: أم تدعون أنكم جمع لا يقهر؟.
(45): ﴿سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ﴾: لا محالة، وهذه الآية من آيات الإخبار بالغيب، لأنها
نزلت يوم كان المسلمون ضعافًا وقلة، والمشركون في كثرة وقوة، وما مضت الأيام حتى
ظهر الإسلام على الدين كله، وهزم الشرك وأعوانه.
(46) - (48): ﴿بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ﴾: هذا عذابهم في الدنيا، أما عذاب
الآخرة فلا يعادله شيء.
(49): ﴿إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ﴾: ما من شيء في الكون وجد عبثًا
وباطلا، بل بأصول وتقدير، وحدود وتدبير تبعًا لعالمه وهويته، قال الإمام عليّ (ع)
في وصفه تعالى: (المقدر لجميع الأمور بلا روية) أي بلا جولة فكر.
(50): ﴿وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ﴾: وهي كلمة (كن) أما قوله تعالى:
﴿كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ﴾: فالمراد به سرعة التكوين.
(51): ﴿وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا أَشْيَاعَكُمْ﴾: سلفكم وأمثالكم لما كذبوا الرسل،
فاتعظوا بهم قبل أن يتعظ بكم.
(52) - (53): ﴿وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ﴾: صغيرًا كان أو كبيرًا فهو مكتوب ومسطور
﴿فِي الزُّبُرِ﴾: صحيفة الأعمال.
(54): ﴿إِنَّ الْمُتَّقِينَ﴾: الذين لا يسيئون لمخلوق بقول أو فعل، ولا يتكالبون
على دنيا الحرام ليتركوها للأصهار والأرحام ﴿فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ﴾.
(55): ﴿فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ﴾: لأنهم ما نطقوا في الدنيا إلا بالصدق، وما فعلوا أو
تركوا إلا بالحق.
* التفسير المبين / العلامة الشيخ محمد جواد مغنية.
2015-12-10