(1): ﴿الرَّحْمَنُ﴾: الذي وسعت رحمته كل شيء، ومنها النعم الآتية التي أنعم بها على
الإنسان.
(2): ﴿عَلَّمَ الْقُرْآنَ﴾: أنزله ويسره للذكر والتعليم.
(3) - (4): ﴿خَلَقَ الْإِنسَانَ عَلَّمَهُ الْبَيَانَ﴾: بالكلام، وهو من أعظم النعم
وأتمها، إن استعمل في الصدق لا في الكذب، ولنصرة الحق وإبطال الباطل، قال إمام
المتقين والساجدين علي بن الحسين (ع): لكل من الكلام والسكوت آفات، فإذا سلما من
الآفات فالكلام أفضل، لأن الله بعث الأنبياء بالكلام لا بالسكوت، ولا استحقت الجنة
بالسكوت، ولا استوجبت ولاية الله بالسكوت، ولا توقيت النار بالسكوت ونعت الرسول
الأعظم (ص) الساكت عن الحق، بالشيطان الأخرس.
(5): ﴿الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ﴾: يجريان بنظام.
(6): ﴿وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ﴾: ينقادان لأمره تعالى.
(7): ﴿وَالسَّمَاء رَفَعَهَ﴾: رفع الكواكب إلى أفلاكها الطبيعية بدقة أحكام يربط
أجزاء الكون بعضها ببعض وإلا ذهبت الجاذبية، واختل نظام الكون ﴿وَوَضَعَ
الْمِيزَانَ﴾: إشارة إلى العدل حيث لا تستقيم الحياة الإجتماعية إلا به تمامًا كما
لا ينتظم الكون إلا بالمعادلة الدقيقة المحكمة بين كواكبه وجباله وبحاره وكل ما
فيه، وكذلك أعضاء الإنسان والحيوان.
(8) - (9): ﴿أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ﴾: لا تدعوا أنكم حماة العدل، وأيديكم
مخضوبة بدماء الأبرياء، وخزائنكم متخمة بأقوات الضعفاء.
(10): ﴿وَالْأَرْضَ وَضَعَهَا لِلْأَنَامِ﴾: فراشًا ومعاشًا لكل من عليها إنسانًا
كان أو حيوانًا.
(11): ﴿فِيهَا فَاكِهَةٌ﴾: وحبوب ولحم وشراب وغير ذلك ﴿وَالنَّخْلُ ذَاتُ
الْأَكْمَامِ﴾: هي أوعية الطلع تنشق وتخرج منها الثمار.
(12): ﴿وَالْحَبُّ ذُو الْعَصْفِ وَالرَّيْحَانُ﴾: الحب لقوت الإنسان، والعصف ورق
ونحوه لقوت الحيوان، والريحان للشم والزينة.
(13): ﴿فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَ﴾: بأي نعمه تعالى ﴿تُكَذِّبَانِ﴾: والخطاب للأنس
والجان.
(14): ﴿خَلَقَ الْإِنسَانَ مِن صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ﴾: المراد بالإنسان هنا آدم
أبو البشر، والصلصال: الطين اليابس غير المطبوخ، فإذا طبخ فهو فخار، وتقدم في الآية
26 من الحجر وغيرها.
(15): ﴿وَخَلَقَ الْجَانَّ مِن مَّارِجٍ مِّن نَّارٍ﴾: تقدم ونعيد: نحن نؤمن بوجود
الجن لأن الوحي أثبته، والعقل لا ينفيه، ولا شيء لدينا نقوله عن علم أكثر من ذلك.
(16): ﴿فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ﴾: أبخلق الإنسان من طين أم بخلق
الجان من نار؟.
(17): ﴿رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ﴾: في كل 24 ساعة يوجد في
الكوكب الأرضي ليلان ونهاران: أحدهما في شرق الأرض والآخر في غربها، ولكن على
التعاقب بمعنى الغرب الآن تشرق عليه الشمس والشرق في ظلام دامس، وبعد ساعات تنعكس
الآية، حتى إذا مضت ال24 ساعة عاد الشروق إلى الغرب، والغروب إلى الشرق، وهكذا
دواليك وغير بعيد أن يكون المشرقان والمغربان في الآية إشارة إلى هذا المعنى.
(18): ﴿فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ﴾: بنعمة الشروق أم الغروب؟.
(19): ﴿مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ﴾: أرسلهما، والمراد بهما النهر العذب والبحر الملح
﴿يَلْتَقِيَانِ﴾: يلتقي طرفاهما.
(20) - (21): ﴿بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَّا يَبْغِيَانِ﴾: البرزخ: الحاجز. ولا
يبغيان: لا يطغى أحدهما على الآخر، وتقدم في الآية 53 من الفرقان ﴿فَبِأَيِّ آلَاء
رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ﴾: بنعمة البحار أم الأنهار.
(22) - (23): ﴿يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ﴾: جاء في تفسير
المراغي: (ثبت في الكشف الحديث أن اللؤلؤ يستخرج من البحر العذب كما يستخرج الملح،
وكذلك المرجان، وإن كان الغالب استخراجه من الماء الملح).
(24) - (25): ﴿وَلَهُ الْجَوَارِ الْمُنشَآتُ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلَامِ﴾:
الجواري: السفن، والمنشآت: المصنوعات، والأعلام: الجبال، وتقدم في الآية 23 من
الشورى.
(26) - (28): ﴿كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ﴾: أي ذاته
القدسية، لأنه الأول بلا أول كان قبله، والآخر بلا آخر يكون بعده.
(29) - (30): ﴿يَسْأَلُهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾: جميع الكائنات تفتقر
إلى الله في وجودها وبقائها وشتى أحوالها، ولو تخلى عنها طرفة عين لم تكن شيئًا
مذكورًا ﴿كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ﴾: ضمير هو يعود إلى اليوم، والمراد باليوم
هنا كل شيء يفنى، والمعنى ما من شيء فان في هذا الكون إلا ويتغير في كل يوم بل في
كل لحظة شئنا أم أبينا، ويقال: ان هذه الحقيقة كانت طي الكتمان حتى اكتشفها العلم
الحديث ولكن القرآن أعلنها بصراحة قبل 14 قرنًا، وذكرها أهل بيت الوحي والنبوة في
كلامهم أكثر من مرة، فقد روى الكليني في الجزء الأول من أُصول الكافي ص 141 طبعة
سنة 1388هـ- أن الإمام أمير المؤمنين (ع) خطب خطبة في تعظيم الله، ابتدأها بقوله:
(الحمد لله الذي لا يموت، ولا تنقضي عجائبه لأن كل يوم في شأن من احداث بديع- أي
جديد- لم يكن) وفي ص 225 أن الإمام جعفر الصادق (ع) قال: العلم لا ينتهي لما يحدث
بالليل والنهار يومًا بيوم وساعة بساعة.
(31) - (32): ﴿سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَا الثَّقَلَانِ﴾: أي سنحاسبكم، وهو تهديد
لمن أذنب وتمرد، وفي تفسير البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي: سمي الإنس والجان
بالثقلين لثقلهما على وجه الأرض، وفي الحديث إني تارك فيكم الثقلين: كتاب الله
وعترتي أهل بيتي، سميا بذلك لعظمهما وشرفهما.
(33) - (34): ﴿يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَن تَنفُذُوا
مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانفُذُوا لَا تَنفُذُونَ إِلَّا
بِسُلْطَانٍ﴾: حين وصل الإنسان إلى القمر اتخذ منه الصهاينة وغيرهم من أعداء
الإسلام وسيلة للطعن بالقرآن، لأن هذه الآية تقول: لا ينفد الإنسان من أقطار
السموات والأرض، وقد نفذ! وهذا عين التدليس والتبليس... فقد ثبت بالحس والعيان أن
آيات القرآن تزداد قوة ووضوحًا كلما تقدم الزمن والعلم، ومنها هذه الآية، ولعلها
أوضح الآيات في الدلالة على هذه الحقيقة لأن المراد بأقطار السموات والأرض الكون
بكامله لا خصوص القمر أو المريخ أو أي كوكب من الكواكب، وقد أثبت العلم الحديث أن
الكون لا حد له ولا نهاية، كما في الآية 47 من الذاريات، وأن هناك كواكب وموجودات
لا يستطيع الإنسان الوصول إليها حتى ولو سافر بسرعة الضوء، بل ولا العلم بها حتى
بالأجهزة العلمية المتقدمة لأن بين الأرض وبين بعض النجوم ملايين السنين الضوئية،
ومعنى هذا أن الإنسان إذا وصل إلى ألف كوكب من الكواكب المعروفة فهو أعجز من ان
ينفذ إلى الكون بكامله، هذا إلى أن المقصود الأول من الآية أن المجرم لا يستطيع
الفرار من عذاب الله وعقابه إلا بالتوبة والإقلاع عن الذنب، وعليه يكون المراد
بالسلطان هنا التوبة أي الفرار من عذاب الله إلى رحمة الله.
(35) - (36): ﴿يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ مِّن نَّارٍ وَنُحَاسٌ فَلَا
تَنتَصِرَانِ﴾: قالوا: الشواظ لهب بلا دخان كالغاز والمراد بالنحاس هنا دخان بلا
لهب، ومهما يكن فإن القصد الإشارة إلى أهوال الساعة وآلامها.
(37) - (38): ﴿فَإِذَا انشَقَّتِ السَّمَاء فَكَانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهَانِ﴾: تذوب
كواكب السماء يوم القيامة كما يذوب الدهن على النار، ويصبح لون هذا السائل كحمرة
الورد.
(39) - (40): ﴿فَيَوْمَئِذٍ لَّا يُسْأَلُ عَن ذَنبِهِ إِنسٌ وَلَا جَانٌّ﴾: وفي
الآية 24 من الصافات: (وقفوهم أنهم مسئولون) ووجه الجمع أن في يوم القيامة مواقف
يُسأل الناس في بعضها عما كانوا يفعلون، وفي بعضها لا سؤال، بل انتظارًا للسؤال، أو
انتهاءً منه.
(41) - (42): ﴿يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ﴾: بعلامات تدل عليهم
﴿فَيُؤْخَذُ﴾: مبني للمجهول ﴿بِالنَّوَاصِي﴾: مفعول نائب عن الفاعل وهم ملائكة
العذاب، والنواصي جمع ناصية وهي مقدم الرأس ﴿وَالْأَقْدَامِ﴾: أي ان ملائكة العذاب
تجمع ناصية المجرم مع قدميه، ويلقون به في جهنم.
(43): ﴿هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي يُكَذِّبُ بِهَا الْمُجْرِمُونَ﴾: يقال غدًا لمن
كذب بجهنم: تفضل هذا ما ادخرته ليوم تُذخر له الذخائر.
(44) - (45): ﴿يَطُوفُونَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ﴾: لا عمل للمجرمين غدًا
إلا التطواف بين عذاب الجحيم وشراب الحميم يقطع الأمعاء.
(46) - (47): ﴿وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ﴾: لمن أطاع الله سرًا
وعلانية خوفًا من عقابه ورجاءً لثوابه- حديقتان من حدائق الجنة: واحدة لخوفه
والثانية لرجائه..
(48) - (51): ﴿ذَوَاتَا أَفْنَانٍ﴾: أغصان نضرة مثمرة في كل آن.
(52) - (53): ﴿فِيهِمَا مِن كُلِّ فَاكِهَةٍ زَوْجَانِ﴾: صنفان: أحدهما معروف في
الدنيا والآخر غريب عنها- مثلا تفاح دنيوي، وتفاح أخروي.
(54) - (55): ﴿مُتَّكِئِينَ عَلَى فُرُشٍ بَطَائِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ﴾: الحرير
الغليظ ﴿وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دَانٍ﴾: الجنى: الثمر، ودان: قريب.
(56) - (57): ﴿فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ﴾: ضمير فيهن يعود على آلاء ربك من
الجنتين والعينين... ومعنى قاصرات الطرف لا ينظرن إلا إلى الأزواج ﴿لَمْ
يَطْمِثْهُنَّ إِنسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ﴾: لا يعرفن إلا أزواجهن.
(58) - (59): ﴿كَأَنَّهُنَّ الْيَاقُوتُ وَالْمَرْجَانُ﴾: بهاء وصفاء.
(60) - (61): ﴿هَلْ جَزَاء الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ﴾: نقل صاحب مجمع
البيان عند تفسير هذه الآية عن الإمام جعفر الصادق (ع)، أنه قال: جرت هذه الآية في
الكافر والمؤمن والبر والفاجر.
(62) - (63): ﴿وَمِن دُونِهِمَا جَنَّتَانِ﴾: المطيعون درجات متفاضلات، وأيضًا
منازل متفاوتات، لكل درجات مما عملوا، فللأولين تقىً الجنتان المتقدم وصفهما، ولمن
دون الأولين في التقوى أيضًا جنتان، ولكن دون تينك الجنتين بحكم البديهة والعدالة
الإلهية.
(64) - (65): ﴿مُدْهَامَّتَانِ﴾: يميل لونهما إلى السواد من شدة الخضرة.
(66) - (67): ﴿ فِيهِمَا عَيْنَانِ نَضَّاخَتَانِ﴾: ماؤهما لا ينقطع، ولكنه لا يجري
كما يجري من العينين السابقتين.
(68) - (69): ﴿فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ﴾: عطف النخل والرمان على
الفاكهة من باب عطف الخاص على العام.
(70) - (71): ﴿فِيهِنَّ خَيْرَاتٌ حِسَانٌ﴾: زوجات صالحات الأخلاق حسان الوجوه.
(72) - (73): ﴿حُورٌ مَّقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ﴾: محجوبات في البيوت لا يخرجن
منها.
(74) - (75): ﴿لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ﴾: لا يعرفن غير
الأزواج.
(76): ﴿مُتَّكِئِينَ عَلَى رَفْرَفٍ خُضْرٍ وَعَبْقَرِيٍّ حِسَانٍ﴾:
الرفرف: الوسادة أو المخدة أو المسند، والعبقري: ضرب من البسط.
* التفسير المبين / العلامة الشيخ محمد جواد مغنية.
2015-12-10