(1): ﴿سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾: كل كائن علوي أو سفلي
هو آية تقول بلسان الحال أو المقال: لا إله إلا الله، وكلمة التوحيد تهليل وتسبيح
وتحميد.
(2): ﴿لَهُ مُلْكُ... ﴾: بقدرته تعالى على كل شيء ملك الأرض والسموات، وأحيى وأمات.
(3): ﴿هُوَ الْأَوَّلُ﴾: بلا ابتداء كان قبله، ومنه ابتدأ كل شيء ﴿وَالْآخِرُ﴾: بلا
انتهاء يكون بعده، وإليه ينتهي كل شيء ﴿وَالظَّاهِرُ﴾: بالأفعال والآثار التي توقظ
العقول وتشدها إلى الإيمان بعظمته ﴿وَالْبَاطِنُ﴾: لا تحيط العقول والأوهام بكنهه
وحقيقته.
(4): ﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ﴾: أي
أطوار أو دفعات، وتقدم في 6 آيات، منها الآية 54 من الأعراف ﴿ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى
الْعَرْشِ﴾: المراد بالاستواء الاستيلاء، وبالعرش الملك، وتقدم في ست آيات منها
الآية 54 من الأعراف ﴿يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ﴾: ما في أعماقها من ثروات
وطاقات يصنع منها قوى الشر قنابلهم النووية لإبادة البشرية ﴿و﴾: أيضًا يعلم سبحانه
﴿مَا يَخْرُجُ مِنْهَ﴾: كالنفط وغيره من المعادن، وأيضًا يعلم أين يذهب وفي أي
شيء يصرف، ولا مفرَّ من الحساب غدًا أو بعد غد ﴿وَمَا يَنزِلُ مِنَ السَّمَاء﴾: من
خيرات ﴿وَمَا يَعْرُجُ فِيهَ﴾: كالطائرات التي تحمل القنابل لتلقيها على الآمنين،
والأقمار الصناعية التي تدرس ثروات الأرض لاغتصابها واحتكارها، وأُخرى تستعمل في
أغراض التجسس على عباد الله وعياله، وفي مجلة الحوادث البيروتية تاريخ 10 /2 /1978:
يدور الآن فوق رؤوسنا 5 آلاف قمر صناعي على الدوام﴿وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا
كُنتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾: إن حقوق الإنسان لن تذهب هدرًا،
والمعتدون عليها لن يفلتوا من الحساب والعقاب، وإن تسلحوا بالنار والحديد وملكوا
المصانع والمفاعل النووية، فإن سلاح الحق أقوى وأمضى من كل سلاح.
(5): ﴿لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الأمُورُ﴾:
هذا تهديد ووعيد لكل طاغ وباغ بأن أعماله محفوظة عند الله، وأنه مرتهن بها ومحاسب
عليها.
(6): ﴿يُولِجُ اللَّيْلَ... ﴾: تتحرك الأفلاك، وتتعدد الفصول، فيطول النهار ويقصر
الليل في فصل، وتنعكس الآية في فصل، ويتساويان في بعض الأيام، وتقدم في العديد من
الآيات، منها في الآية 27 من آل عمران.
(7): ﴿آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُم مُّسْتَخْلَفِينَ
فِيهِ﴾: إذا ملَّك الإنسان شيئًا لآخر تنقطع الصلة بينه وبين ما كان يملك، ويصبح
أجنبيًا عنه، سواء أكان التمليك بِعوَض أم بالمجان، أما الخالق الرازق إذا منح ووهب
فيبقى الشيء الموهوب والممنوح في قبضته تعالى أكثر مما هو في قبضة الموهوب له، لأن
العبد وما ملكت يداه في قبضة مولاه، ولا يسوغ له التصرف إلا في الجهة المأذون بها،
وهذا هو المراد بمستخلفين، وفي الآية 33 من النور (آتوهم من مال الله) وعليه تكون
صلة الأغنياء بأموالهم صلة الوكيل الأمين لا صلة المالك المستبد ﴿فَالَّذِينَ
آمَنُوا مِنكُمْ وَأَنفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ﴾: على الطاعة والوفاء بالعهد
والأمانة في الإنفاق من مال الله على عيال الله.
(8): ﴿وَمَا لَكُمْ لَا تُؤْمِنُونَ...﴾: هذا السؤال موجَّه لكل من كفر بالله
والرسول واليوم الآخر، ومؤداه أن الرسول قد دعاكم إلى الإيمان بالحق، وأقام عليكم
الحجج والبراهين، والله سبحانه قد أودع فيكم عقلاً لو أحسنتم استعماله لأدَّى بكم
إلى الإيمان، وهذا هو المراد بالميثاق هنا ﴿إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ﴾: أي إن أردتم
الإيمان بالحق، وسعيتم له سعيه.
(9): ﴿هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ عَلَى عَبْدِهِ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ﴾: حججًا واضحات
ليخرج الناس من ظلمة الجهل إلى نور العلم، هذي هي رسالة محمد (ص)، وهذا هو الإسلام:
القضاء على الجهل والتقليد، والعمل بالعلم والعقل، فهل بعد هذا يقال: ما الدليل على
إن الإسلام حق؟ إن الإسلام هو الحق والعدل والصدق يستدل به ولا يستدل عليه لأنه
يحمل في طبيعته وأصل تكوينه الدليل الكافي على صدقه.
(10): ﴿وَمَا لَكُمْ أَلَّا تُنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ
السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾: لا شيء للإنسان من ماله إلا ما أكل فأفنى، أو لبس
فأبلى، أو تصدق فأمضى كما في الحديث، وما عدا ذلك فللوارث والحوادث، فإذا فني الناس
كل الناس، فالله سبحانه هو الوارث الوحيد، وإذن علام الإمساك عن الإنفاق في سبيل
الله؟ ﴿لَا يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ﴾:
المراد بالفتح هنا فتح مكة، والطرف الآخر لعدم المساواة محذوف لدلالة الكلام عليه،
والمعنى فرق بعيد بين من حيث المكانة عند الله بينه من جاهد بنفسه وماله في سبيل
الله قبل فتح مكة حيث كان الإسلام ضعيفًا، وبين من جاهد بعد هذا الفتح حيث أصبح
الإسلام ذا عزة ومناعة، وبكلمة فرق بعيد بين إخوان الضيق وإخوان الرخاء ﴿وَكُلًّا
وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى﴾: لكل من الباذل السابق واللاحق الأجر، ولكن تبعًا لما
ترك بذله من آثار، فقد تكون الصدقة بدرهم واحد أعظم أجرًا عند الله من الصدقة بألف
إذا صادف الدرهم معدة جائعة، وأُعطي الألف لمن يتركه ميراثًا للأبناء والأصهار (ومن
أحياها فكأنما أحيا الناس جميعًا – 32 المائدة).
(11): ﴿مَن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنً﴾: وتسأل: المال مال الله،
والفقراء عيال الله، والأغنياء وكلاء الله على عياله، وعليه فلا وجه للقرض؟ الجواب:
الغرض من التعبير بالقرض أن يخرج المنفق زكاة أمواله خالصة لوجه الله، وعن طيب نفس
من غير منًّ ولا أذى.
(12): ﴿يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُم بَيْنَ
أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِم﴾: يتولد غدًا من البذل والجهاد لوجه الله والحق نور
يشع بين يدي الباذل المجاهد وعن يمينه وشماله تمامًا كما تتولد الكهرباء من آلاتها
ومفاعلها ﴿بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ... ﴾: يخرج غدًا المخلصون من قبورهم، ونور الإخلاص
يكشف لهم طريق الإيمان، وقبل أن يصلوا إلى الغاية يأتيهم النداء: أبشروا بالجنة.
(13): ﴿يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا
انظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِن نُّورِكُمْ﴾: الإيمان نور، والنفاق ظلام، ولذا يسرع
المؤمنون في خطاهم إلى الجنة، ويمشي المنافقون كالأعمى. فيقول المنافقون للمؤمنين:
تمهلوا لنسير على نوركم، فتقول لهم الملائكة: ﴿قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءكُمْ
فَالْتَمِسُوا نُورً﴾: ارجعوا إلى الشيطان اقتبسوا من نوره فقد كان رائدكم في
الدنيا وقائدكم ﴿فَضُرِبَ بَيْنَهُم بِسُورٍ لَّهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ
الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِن قِبَلِهِ الْعَذَابُ﴾: السور: الحاجز، والرحمة هنا:
الجنة، وقبله: جهته، والعذاب: جهنم، وغدًا يفصل بين المؤمنين الأخيار والمنافقين
الأشرار بسور، له جهتان: جهة باطنه وفيها الجنة يدخلها المؤمنون من باب السور، وجهة
ظاهرة تليها النار وفيها أهل الشر والنفاق.
(14): ﴿يُنَادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُن مَّعَكُمْ﴾: المنافقون في النار ينادون
المؤمنين قائلين: نحن وأنتم كنا نقول: لا إله إلا الله محمد رسول الله، فلماذا أنتم
في الجنة ونحن في النار؟ ﴿قَالُو﴾: أي المؤمنون للمنافقين: بَلَى: ولكن اتخذتم
الدين سلمًا للدنيا واتخذا الدنيا سلمًا للدين ﴿وَغَرَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ﴾:
وهو الشيطان الذي اصطادهم بأحابيله، وتحكم في عقولهم وقلوبهم.
(15): ﴿فَالْيَوْمَ لَا يُؤْخَذُ مِنكُمْ فِدْيَةٌ﴾: لا يفتدي أسير جهنم بشيء
منافقًا كان أو كافرًا ﴿مَأْوَاكُمُ النَّارُ﴾: أنتم لها وقود وهي لكم دار وقرار.
(16): ﴿أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ﴾: هذه الآية
تستنهض المؤمنين الكسالى الذين يقفون على الحياد من كل صراع ونزاع بين العدل والجور
والحق والباطل، وتقول لهم: ألم يأت ويحين الوقت الذي تغضبون فيه لله والحق؟ ﴿وَلَا
يَكُونُو﴾: المسلمون ﴿كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلُ... ﴾: حرَّف
اليهود التوراة بعد موسى، وحرَّف النصارى الإنجيل بعد عيسى، وجعلوا التحليل
والتحريم بإرادتهم لا بإرادة الله كيلا يكون كتابه حجَّة عليهم، أما المسلمون فقد
صانوا آيات القرآن من التحريف وأبقوه كما نزل على محمد (ص) ولكنهم لم يعملوا
بموجبه، كما قال الرسول الأعظم: سيأتي على أمتي زمان لا يبقى من الإسلام إلا اسمه
ومن القرآن إلا رسمه، وفي حديث ثان إلا درسه. وعليه فالنتيجة واحدة من حيث الجرأة
على دين الله والخروج من طاعته، والفرق أن المسلمين أساءوا إلى الدين مع الإحتفاظ
بألقابه.
(17): ﴿اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَ﴾: وكذلك البعث
والنشور، وتقدم في الآية 39 من فصلت وغيرها.
(18): ﴿إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقَاتِ﴾: بتشديد الصاد، من الصدقة لا من
الصدق ﴿وَأَقْرَضُوا اللَّهَ﴾: فعل ماض لا فعل أمر ﴿يُضَاعَفُ لَهُمْ﴾: الجملة خبر
أنَّ، والمعنى أن الله يضاعف أجر من أنفق وتصدق، وتقدم مرات، آخرها الآية 11 من هذه
السورة.
(19): ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ﴾:
هنا تنتهي الجملة، وما بعدها كلام مستأنف، ومعناها أن المؤمنين حقًا وواقعًا هم
الصدِّيقون الذين يصدقون القول بالعمل والإيمان بفعل الخير وترك الشر، ومعنى هذا أن
العمل جزء متمم للإيمان ولا إيمان بلا عمل ﴿وَالشُّهَدَاء عِندَ رَبِّهِمْ لَهُمْ
أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ﴾: العظيم على استشهادهم في سبيل الله، وأيضًا يتولد من هذا
الاستشهاد نور يهتدون به إلى الجنة ﴿وَالَّذِينَ كَفَرُو﴾: على العكس من المؤمنين
والشهداء والصديقين، مأواهم جهنم وبئس المهاد.
(20): ﴿اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا... ﴾: دنيا الحلال لا تنفصل عن
الدين، بل هي مطية للآخرين أما دنيا السلب والنهب، والخداع والنفاق، والفسوق
والفجور، والكبرياء والخيلاء، والجشع والطمع، والحرص والشح، والجهل والسفه، أما هذه
الدنيا الحرام فهي أعدى أعداء الدين، وهي التي عناها المعصوم بقوله: (الدنيا
والآخرة ضرتان لا تجتمعان) وتقدم في الآية 32 من الأنعام وغيرها ﴿وَفِي الْآخِرَةِ
عَذَابٌ شَدِيدٌ﴾: للجبابرة الطغاة وغيرهم من العصاة ﴿وَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللَّهِ
وَرِضْوَانٌ﴾: للذين جاهدوا الظلم والطغيان، وعملوا لمصلحة الإنسان وشريعة القرآن.
(21): ﴿سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ﴾: أي إلى سبب المغفرة كالتوبة
والأعمال الصالحة ﴿وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاء وَالْأَرْضِ﴾: يريد
سبحانه بهذا العرض عظمتها لا تقدير مساحتها.
(22): ﴿مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنفُسِكُمْ إِلَّا فِي
كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَ﴾: أي من قبل أن توجد، والمراد بالكتاب هنا
علمه تعالى، وأنه يعلم بالشرور والمصائب وأين ومتى وكيف تقع سواء أكان حدوثها
بأسباب طبيعية كالطوفان والزلزال أم بأسباب اجتماعية كالحروب والمظالم والشرك
والفسق، وعلمه تعالى بأن هذا العبد سيختار الشرك – مثلاً – لا يجعله مسيَّرًا غير
مخيَّر، لأن علمه هذا حكاية عن المعلوم تمامًا كعلمنا بأن فلانًا سيختار هذا الكتاب
دون ذاك وتقدم في الآية 41 من الروم: (ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي
الناس).
(23): ﴿لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ﴾:
قيل لبزرجمهر: مالَك أيها الحكيم لا تأسف على ما فات ولا تفرح بما هو آت؟ فقال: إن
الفائت لا يتلافى بالعبرة والآتي لا يستدام بالحبرة. وقال آخر: ما كنت قائلاً لشيء
كان: ليته لم يكن أو لشيء لم يكن ليته كان ﴿وَاْللهُ لاَ يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ
فَخُورٍ﴾: ما تكبر أحد وافتخر إلا لأنه يرى الناس صغارًا! وهذا يترك وشأنه لأنه
يحطم نفسه بنفسه.
(24): ﴿الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ﴾: الذين يبخلون
بدل من كل مختال فخور، والمعنى من دأب كل مختال فخور أن يفعل المنكر، ويحض الناس
على فعله، وتقدم في الآية 37 من النساء.
(25): ﴿لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ...﴾: الواضحات والمعجزات
الدالة على صدقهم، وأيضًا أنزل سبحانه عليهم الكتب، وفيها شرائع الحق والعدل ليدعوا
الخلق إليها والعمل بها ﴿وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ
لِلنَّاسِ﴾: فيه بأس شديد إشارة إلى الأسلحة الهجومية الوقائية، ومنافع للناس إشارة
إلى ما يصنعون منه لحاجاتهم، ويستخدمونه في مصالحهم ﴿وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَن
يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ﴾: خلق سبحانه الحديد ليميز الطيب الذي يستعمله
فيما ينفع الناس كالمصانع والمعامل تنتج الكساء والدواء وأدوات البيت ووسائل
المواصلات – عن الخبيث الذي يستخدم الحديد في التقتيل والتدمير والتشريد.
(26): ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا وَإِبْرَاهِيمَ﴾: وجعل سبحانه من ذريتهما كل
الأنبياء، وأنزل عليهم الكتب يتلونها على الناس ليعملوا بها ﴿فَمِنْهُم﴾: أي من
الناس الذين أُرسلت الرسل إليهم ﴿مُّهْتَدٍ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ﴾: وهكذا
في كل زمان، تقف الكثرة الكاثرة مع الأعور الدجال، ينهق ويهرف، والشعب الجاهل
يصفِّق ويهتف.
(27): ﴿ثُمَّ قَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِم بِرُسُلِنَ﴾: أرسل سبحانه بعد نوح
وإبراهيم كثيرًا من الأنبياء الواحد تلو الآخر، ومنهم هود وصالح وموسى
﴿وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى﴾: توالت الرسل وتتابعت حتى انتهوا إلى عيسى (ع) وأنزل عليه
الإنجيل الأصيل ﴿وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً
وَرَحْمَةً﴾: وهم الذين أطاعوا السيد المسيح (ع) وعملوا بتعاليمه نصًا وروحًا، وما
حرَّفوا حرفًا على ما تهوى أنفسهم، ويومئ إذ ذلك كلمة (اتبعوه) أما رجال محاكم
التفتيش ومن على شاكلتهم من الذين يهتفون بالصليب، ويصلبون وينهبون – فالسيد المسيح
والعذراء وكل الأنبياء يبرأون منهم ﴿وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَ﴾: من عند
أنفسهم ﴿مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ﴾: ما أنزل الله بها من سلطان ﴿إِلَّا
ابْتِغَاء رِضْوَانِ اللَّهِ﴾: الاستثناء منقطع عما قبله والمعنى ولكن النصارى هم
الذين ابتدعوها وفعلوها من تلقاء أنفسهم ظنًا منهم أنه تقربهم من الله ورضوانه
﴿فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَ﴾: أي على الرغم أنهم هم الذين ابتدعوا
الرهبانية والتزموا بها فإنهم لم يقوموا بواجبها حيث ساندت الكنيسة الملوك الجبابرة
والمترفين المحتكرين، وأقامت محاكم التفتيش وحرقت الآلاف من المسيحيين الأبرياء وهم
أحياء! ﴿فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ﴾: والمراد بهؤلاء القلة
القليلة الذين ثبتوا على دين المسيح، والتزموا بالمسيحية التي هي محبة وإنسانية لا
تعصب وأحقاد، ولا إثارة فتن وحروب ﴿وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ﴾: وفي طليعتهم
الذين يحتلون مركز الصدارة في عالم الجريمة، ويفجرون للإضطرابات وأعمال العنف في كل
بلد يرتفع فيه صوت العدالة والحرية.
(28): ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُو﴾: أي نطقوا بكلمة الإيمان ﴿اتَّقُوا
اللَّهَ﴾: اعملوا بموجب اعترافكم ولا يكن عملكم مكذبًا لقولكم ﴿وَآمِنُو﴾: فعل أمر
لا فعل ماض ﴿بِرَسُولِهِ﴾: محمد أي أطيعوه وسيروا على هديه وسنته ﴿يُؤْتِكُمْ
كِفْلَيْنِ مِن رَّحْمَتِهِ﴾: الكفل: النصيب، والمعنى من آمن وعمل بموجب إيمانه فله
ضعفا ما يستحق، وأيضًا يجعل في قلبه وعقله هدى ينتصر به من العمى والجهالة.
(29): ﴿لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ﴾: (لا) في قوله لئلا زائدة، والمعنى
ليعلم أهل الكتاب ﴿أَلَّا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِّن فَضْلِ اللَّهِ﴾: (أن)
مخففة من الثقيلة، واسمها محذوف أي أنهم لا يقدرون واسمها محذوف أي أنهم لا يقدرون،
والمعنى أنه تعالى سجَّل في القرآن أجرين لمن آمن بمحمد (ص) حتى يعلم غيرهم أنه لا
شيء عند الله من الفضل والثواب، وهذا هو المراد بقوله: لا يقدرون على شيء من فضل
الله ﴿وَأَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ﴾: تبعًا لعلمه وحكمته (نرفع
درجات من نشاء إن ربك حكيم عليم – 83 الأنعام) بمن يستحق الدرجات.
* التفسير المبين / العلامة الشيخ محمد جواد مغنية.
2015-12-10