(1): ﴿يُسَبِّحُ لِلَّهِ... ﴾: قال سبحانه: يسبِّح تارة، وتارة سبَّح إشارة إلى
دوام تنزيهه في كل حين ﴿الْمَلِكِ﴾: الذي لا أحد يملك معه شيئًا ﴿الْقُدُّوسِ﴾:
المتصف بالكمال المطلق ﴿الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ﴾: القاهر المتصرف بالحكمه.
(2): ﴿هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ﴾: المراد
بالأميين هنا العرب، لأن الكثرة الكاثرة منهم كانوا يجهلون القراءة والكتابة، وكان
محمد(ص) من هذه الكثرة رجلاً أميًا، ومع ذلك ما زالت رسالته تلتقي مع الحياة
وتقدمها في كل زمان ومكان ﴿يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ﴾: يطهِّر
نفوسهم من الرذائل، وعقولهم من الجهل، وأعمالهم من الجرائم ﴿وَيُعَلِّمُهُمُ
الْكِتَابَ﴾: الذي يخاطب العقل، ويحترم العلم، ويقدس الإنسان، وينبذ التقليد ﴿وَالْحِكْمَةَ﴾:
من الإحكام بوضع الشيء في موضعه، وهي بهذا التعريف تقتضي العلم بما ينبغي فعله أو
تركه في الزمان والمكان المناسب، وهذه الآية تحدد رسالة محمد (ص) والإسلام معًا
لأنهما شيء واحد، وتفسر الدين بالحق بأنه لخير الإنسان وهدايته إلى ما يبحث عنه
ويتطلع إليه من مستوى أصلح لحياته وأنفع، ومثل هذه الآية قوله تعالى: (يأمرهم
بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم
والأغلال التي كانت عليهم -157 الأعراف).
(3): ﴿وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ﴾: هناك أُناس غير العرب
الأميين سيأتون مع الزمن والأجيال، ويؤمنون بمحمد (ص) ورسالته لأن رسالته ليست
عربية وكفى بل هي إنسانية وعالمية.
(4): ﴿ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ﴾: إشارة إلى رسالة محمد (ص) وأنها نعمة عظمى من الله
على عباده.
(5): ﴿مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ
الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارً﴾: الغاية من العلم العمل بموجبه، ولا فرق بين من
تعلم ولم يعمل وبين الحمار يحمل الكتب على ظهره، هذا لا ينتفع بما يحمل، وذاك لا
يعمل بما تعلَّم، وضرب سبحانه هذا المثل لليهود في أخذهم التوراة وعدم العمل
بموجبها ومثلهم المسلمون أيضًا لأنهم (اتخذوا هذا القرآن مهجورًا – 30 الفرقان)
وعين الشيء المسيحيون والإنجيل ﴿بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا
بِآيَاتِ اللَّهِ﴾: وهم اليهود كذبوا محمدًا (ص) والتوراة وغيرها من الدلائل تنطق
بنبوته.
(6): ﴿قُلْ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ هَادُوا إِن زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِيَاء
لِلَّهِ﴾: وشعبه المختار من دون العالمين، وأن الجنة لكم وحدكم، فاسألوا الله
سبحانه أن يقبض إليه أرواحكم وينقلكم من دنيا الهوان إلى فردوس الجنان.
(7): ﴿وَلَا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ﴾: أي لعلمهم أنهم
أعداء الحق وأشقى من شر الخلق.
(8): ﴿قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ﴾: نازل بكم لا محالة ﴿ثُمَّ
تُرَدُّونَ﴾: إلى الله، وتقفون بين يديه لنقاش الحساب ﴿فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ
تَعْمَلُونَ﴾: من الغدر والمكر وإثارة الفتن والعداء بين الأُمم.
(9): ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ
الْجُمُعَةِ... ﴾: صلاة الجمعة من حيث هي واجبة بالاتفاق، وإنما الخلاف بين المذاهب
الإسلامية: هل تجب مطلقًا أو مع وجود السلطان؟ قال الشيعة الإمامية والحنفية: وجود
السلطان شرط، ولكن الامامية اشترطوا عدالته، واكتفى الحنفية بوجوده وإن لم يكن
عادلاً، وقال الشافعية والمالكية والحنابلة: تجب مطلقًا وجد السلطان أو لم يوجد.
والتفصيل في كتب الفقه ﴿وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ﴾: اتركوا كل تصرف يصد عن صلاة
الجمعة بيعًا كان أم غيره، وإنما ذكر سبحانه البيع بالخصوص لأنه يفوت – في الغالب –
بفوات وقته، أو لأن المشتغلين في التجارة أكثر من غيرهم.
(10): ﴿فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ﴾: سعيًا للرزق
والعيش متكلين على من في يده مقاليد الأُمور.
(11): ﴿وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ
قَائِمً﴾: يا محمد قائمًا، وتشير هذه الآية إلى حادثة خاصة، وهي أن النبي (ص) كان
يخطب لصلاة الجمعة. فجاءت إبل إلى المدينة تحمل الطعام، فترك أكثر الصحابة المسجد،
ولم يبق حول النبي إلا القليل، فأمر سبحانه النبي أن يبلغ المنصرفين عنه وعن الصلاة
بأن ﴿مَا عِندَ اللَّهِ خَيْرٌ مِّنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ﴾: الصلاة ساعة
فما دونها، والتجارة ساعات، فالجمع بينهما سهل يسير، والرزق بيده تعالى والصلاة لا
تُنقص منه شيئًا، ومرضاة الله والرسول خير وأبقى.