(1): ﴿إِذَا جَاءكَ الْمُنَافِقُونَ﴾: الذين نطقوا بكلمة الإسلام، وهم أعدى أعدائه
﴿قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ﴾: خوفًا على أنسهم وأموالهم ﴿وَاْللهُ
يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ﴾: حقًا لأن الذي أرسلك رحمة للعالمين، وأيضًا يشهد
سبحانه على أن المنافقين هم الضالون المخادعون في إظهار الإسلام وإعلانه.
(2): ﴿اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً﴾: يحلفون بالله أنهم مسلمون تقية لا حقيقة
﴿فَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ﴾: صدَّق المنافقين من يجهل هويتهم، فاقتدى بهم في
بعض ما يفعلون.
(3): ﴿ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُو﴾: أعلنوا الإيمان بألسنتهم،
فصدقهم الناس وما أسرع ما ظهر كفرهم فلُعنوا على كل لسان ﴿فَطُبِعَ عَلَى
قُلُوبِهِمْ﴾: هي في تقلب دائم وتذبذب مستمر، ومن كانت هذه حياته فلا يهتدي إلى
خير.
(4): ﴿وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ﴾: جمال في المنظر، وقبح في
المخبر ﴿وَإِن يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ﴾: ولكن لا تجد له أي أثر في نفسك
لأنهم ﴿خُشُبٌ مُّسَنَّدَةٌ﴾: بلا قلب وشعور، وإذا لم يصدر الكلام عن قلب فلا يؤثر
في شيء، لأن الناس يتفاهمون بما يعبِّر عن القلوب والأفكار ﴿يَحْسَبُونَ كُلَّ
صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ﴾: جبناء يرتعدون من كل شيء، ويتوقعون الفضيحة والضربة القاضية
بين آن وآن حتى ولو نادى البائع على سلعته لظنوا أن الواقعة نزلت على رؤوسهم ﴿هُمُ
الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ﴾: ومن الخطبة 192 من خطب نهج البلاغة: (أُحذركم أهل
النفاق فإنهم يمشون الخفاء، ويدبِّرون الضراء، قولهم شفاء، وفعلهم الداء العياء).
(5): ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْ﴾: إلى التوبة عند رسول الله وطلب المغفرة
منه – احتقروا هذا القول ومن قاله.
(6): ﴿سَوَاء عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ... ﴾: إن
الله غفور وسعت رحمته وتسع كل شيء إلا من يأباها ويتكبر عليها، وليس من الرحمة ولا
من الحكمة أن تكرم من لا يقبل الكرامة.
(7): ﴿هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لَا تُنفِقُوا عَلَى مَنْ عِندَ رَسُولِ اللَّهِ
حَتَّى يَنفَضُّو﴾: كان أغنياء الصحابة ينفقون على فقرائهم، فطلب منهم المنافقون
أن يمسكوا أيديهم عسى أن ينصرف المعوزون عن رسول الله، ويضعف شأن الإسلام، فرد
سبحانه على المنافقين بقوله: ﴿وَلِلَّهِ خَزَائِنُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾: خلق
سبحانه للرزق العديد من الأبواب، فإذا أغلق باب منها على عبد فتح له أبوابًا من
خزائن ملكه ورحمته.
(8): ﴿يَقُولُونَ لَئِن رَّجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ
مِنْهَا الْأَذَلَّ﴾: هذه الكلمة الكافرة الفاجرة نطق بها رأس النفاق عبد الله بن
أبي حين كان المسلمون في غزوة بني المصطلق، وكان هذا المنافق قد خرج معهم طمعًا في
الغنيمة، وهو يريد بالأعز نفسه، وبالأذل النبي (ص) وأنه متى عاد المدينة أخرج منها
رسول الله بالقوة، وكان لعبد الله بن أُبي ولد صادق الإيمان، أيضًا اسمه عبد الله،
فشهر السيف على أبيه وقال: والله لن أدعك أبدًا حتى تقول: رسول الله هو الأعز وأنا
الأذل، ولما علم رسول الله بذلك قال له: دع أباك، فقد عفوت عنه، فتركه.
﴿وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ﴾: هذ رد على المنافق اللعين
الذي نعت نفسه بالأعز والرسول الأعظم بالأذل، والمعنى العزة ذاتًا وأولاً هي لله
سبحانه لكماله المطلق الذي لا يوازيه غيره فيه، وهي ثانيًا للرسول والمؤمنين
المخلصين، لأن العزة بمعناها الشامل تعم عزة النفس بتنزيهها عن الدنايا والأهواء
والغرور والكبرياء، وفي المقصد الأسنى للغزالي ص31 منشورات مكتبة الجندي ما معناها
أن المؤمن العالم بالله يُكبر ويُعظّم فيه من صفات الجلال والكمال، ويتشوق إلى
الإتصاف بشيء منها على قدر وبحسبه جهد المستطيع، ليكون عن الله سبحانه بمنزلة
الملائكة المقربين.
(9): ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا
أَوْلَادُكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ﴾: وجهاد أهل البغي أفضل الذكر على الإطلاق، لأنه
قوة للحق وعزة لدين الله.
(10): ﴿وَأَنفِقُوا مِن مَّا رَزَقْنَاكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ
الْمَوْتُ﴾: من تهاون وأهمل إخراج ما في أمواله من زكوات وأخماس، وظهرت عليه دلائل
الموت وإماراته – فليبادر إلى أدائها والوفاء بها قبل أن تخرج الروح من جسده وإلا
انتهبها الوراث، فيكون المهنأ لغيره والعبء على ظهره.
(11): ﴿وَلَن يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا... ﴾: العمر لا يعود، والأجل لا يمهل، ولا
مفر مما هو آت.