(1): ﴿يُسَبِّحُ لِلَّهِ... ﴾: هذه السورة هي آخر المسبحات، وتقدم الكلام على تسبيح
المخلوقات. واستعرنا هذا التعبير من ابن كثير.
(2): ﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنكُمْ كَافِرٌ وَمِنكُم مُّؤْمِنٌ﴾: الإنسان
مسيِّر تشريعًا ومخيَّر تنفيذًا أي لله الأمر والنهي، وللعقل الحكم بالسمع والطاعة،
وللإنسان القدرة على أن يؤمن ويكفر، ولكن عليه أن يختار الإيمان، ويعمل بموجبه،
ويشكر الله على الهداية، وبكلمة: التشريع دكتاتورية، والتنفيذ ديمقراطية، ولكن في
حدود التشريع العادل حيث لا حرية ولا ديمقراطية لأعداء الحق والإنسانية.
(3) – (4): ﴿خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ﴾: بنظام محكم يدل على
قدرته تعالى، ولحكمة بالغة تدل على حسن التقدير وإتقان التدبير ﴿وَصَوَّرَكُمْ
فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ﴾: كمال في الأعضاء والعقل، وجمال في الصورة والشكل، وتقدم في
الآية 14 من (المؤمنون).
(5) – (6): ﴿أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن قَبْلُ﴾: أتكذبون
محمدًا في دعوته، وقد سمعتم ما حلَّ بالأُمم الماضية من نكال ووبال لأنها كذبت
بالحق؟ وتقدم مرات، منها الآية 70 من التوبة ﴿فَقَالُوا أَبَشَرٌ
يَهْدُونَنَ﴾:أنكروا أن يكون الرسول بشرًا، ولم ينكروا أن يكون الإله حجرًا!.
(7): ﴿زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَن لَّن يُبْعَثُو﴾: ولا أساس لهذا الزعم إلاَّ
الجهل بالجهل ﴿قُلْ﴾: يا محمد: ﴿بَلَى وَرَبِّي﴾: هذا القسم تأكيد من النبي لصدقه
في دعوته، أما الدليل على البعث فهو ﴿وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ﴾: لأن من أنشأ
الخلق من لا شيء يهون عليه أن يجمع عظامه وأعضاءه بعد فُتاتها وتقدم مرات ومرات.
(8): ﴿فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنزَلْنَ﴾: القرآن
والإسلام نور، لأنه لا يرى مخلوقًا أشرف من العقل، ولا أنفع من العلم، ولا أقدس
وأكرم من الإنسان حتى ولو كان بلا عقل وعلم، وإن جمع بينهما وعمل بهما فلا شيء فوقه
إطلاقًا إلا خالقه وخالق كل شيء.
(9): ﴿يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ ذَلِكَ يَوْمُ التَّغَابُنِ﴾: سُمي
يوم القيامة بيوم الجمع حيث يجمع سبحانه الخلائق لحساب والجزاء، وبيوم التغابن، لأن
الطيب الصالح هو الغابن الرابح والخبيث الفاجر هو المغبون الخاسر، ذلك بأن الأول
جاهد نفسه وكبحها عن الشهوات أيامًا أو ساعات وفاز بنعيم الأبد وإلى هذا أشار
سبحانه بقوله: ﴿وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحًا يُكَفِّرْ عَنْهُ
سَيِّئَاتِهِ وَيُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ
فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾: والثاني أطلق العنان لشهواته بعض
الحين، ومنها إلى الخلود في العذاب الأليم، كما قال عزَّ من قائل:
(10): ﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ
خَالِدِينَ فِيهَا وَبِئْسَ الْمَصِيرُ﴾: وتقدم عشرات المرات.
(11) – (13): ﴿مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ﴾: المصيبة
الكونية كالزلزال هي من الله، والمصيبة الاجتماعية كالفساد في الأرض هي من الإنسان
بنص الآية 30 الشورى: (وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم) وتقدم في الآية 22 من
الحديد وغيرها ﴿وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ﴾: يعامل سبحانه العبد بما
يختار لنفسه، فهو مع السالك سبيل الرشاد، وعلى من سلك طريق الفساد، وتكرر ذلك مرات
آخرها الآية 5 من الصف.
(14): ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ
عَدُوًّا لَّكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ﴾: قال أهل التفاسير: إن قومُا من مكة أسلموا،
وأرادوا الهجرة إلى رسول الله (ص) فمنعهم أزواجهم وأولادهم فنزلت هذه الآية تحذِّر
من طاعة الأزواج والأولاد. ويلاحظ بأن لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق سواء أكان
المخلوق رحمًا أم غير رحم، وأيضًا لا بأس بالطاعة في غير معصية لأي كان ويكون، وعلى
أية حال فالذي نفهمه من الآية أن على المؤمن أن يكون قويًا في دينه لا يتنازل عنه
مهما كانت المغريات والشفاعات ﴿وَإِن تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ
اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾: أجل، على رب الأسرة أن يرفق بها، ويتسامح معها فيما
يعود إلى حقوقه الخاصة، لا إلى حق الله وطاعته.
(15): ﴿إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ﴾: أي بلاء واختبار وفسر
الإمام أمير المؤمنين (ع) هذه الآية بقوله: (ومعنى ذلك أنه يختبرهم بالأموال
والأولاد ليتبين الساخط لرزقه والراضي بقسمه، وإن كان سبحانه أعلم بهم من أنفسهم،
ولكن لتظهر الأفعال التي بها يُستحق الثواب والعقاب).
(16): ﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ﴾: استدل بعض الفقهاء بهذه الآية على
أن فاقد الطهورين يصلي بلا وضوء وتيمم تمامًا كمن فقد الساتر يصلي عاريًا، وإذا ترك
وجب عليه القضاء، وفي رأينا أن الصلاة تسقط أداءً وقضاءً لأن المشروط عدم عند عدم
شرطه، وإنما وجبت الصلاة على العاري بالنص، ولا نص في فاقد الطهورين، فالأصل محكم
ولا حاكم عليه. ومعنى الآية: على المرء أن يتقي معاصي الله بمقدار جهده، فإذا تضرر
من الإمتثال سقط التكليف، شريطة أن تقدر الضرورة بقدرها كأكل الجائع من الميتة
والتصرف بمال الغير بلا أذن منه لإنقاذ غريق أو إطفاء حريق ﴿وَاسْمَعُو﴾: تفقهوا
في الدين ﴿وَأَطِيعُو﴾: اعملوا بما تعملون﴿وَأَنفِقُو﴾: المال والعلم، وبالاختصار
تعلَّموا وعلِّموا واعملوا، ومن أهم الأعمال بذل الفضل من المال في الخير والصالح
العام ﴿وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ... ﴾: إمساكها وحرصها، وتقدم بالحرف الواحد في
الآية 9 من الحشر.
(17) - (18): ﴿إِن تُقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعِفْهُ لَكُمْ﴾: تكرر
هذا في العديد من الآيات، والهدف الأول والأخير هو تأكيد الحجة والمسئولية على
أرباب المال، وأنهم شركاء في كل جريمة سببها الفقر والعوز.