يتم التحميل...

سورة الطلاق

تفسير الكتاب المبين

سورة الطلاق

عدد الزوار: 122

(1): ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاء فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ: الخطاب للنبي (ص) والمقصود كل مكلف، والمراد بالعدة هنا أن تحيض الزوجة، وتطهر من الحيض، ولا يقربها الزوج في طهرها هذا، وعندئذ يطلق إذا أراد، واتفقت المذاهب على أن الطلاق من غير هذا الشرط محظور في ذاته، ولكن قال السُنَّة: إذا طلق الزوج في حال الحيض أو في طهر المواقعة يلزم الطلاق. وقال الشيعة الإمامية: بل يقع لغوًا ﴿وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ: ابتداءً وانتهاءً، لأن لها أحكامًا تخصها كالنفقة والرجوع عن الطلاق أو البذل والمنع من الزواج، إلى غير ذلك مما ذكره الفقهاء في كتبهم﴿لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ: تبقى المطلقة الرجعية في بيت سكناها مدة العدة، ولا يحق للمطلق أن يخرجها منه، ولا يسوغ لها الخروج ﴿إِلَّا أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ: تبقى في البيت حتى يثبت عليها أنها زنت فتُطرد منه عندئذ ﴿وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ: إشارة إلى شروط الطلاق وأحكامه ﴿وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ: من تجاوز حلال الله وحرامه فقد جنى بنفسه على نفسه ﴿لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرً: المراد بهذا الأمر المراجعة أي أن الحكمة باستبقاء المطلقة في بيت سكناها – التوقع بأن يتغير رأي الزوج وتحدث له الرغبة في مراجعتها.

(2): ﴿فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ: إذا أوشكت العدة على الانتهاء فالمطلق بالخيار إن شاء راجع وعاشر، وإن شاء ترك إلى غير رجعة، وفي الحالين عليه أن يلتزم بالمعروف والمألوف﴿وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِّنكُمْ: قال فقهاء السنة كلهم أو جلهم: يجب الإشهاد على الزواج دون الطلاق، ومن هنا فسَّر فريق منهم هذه الآية بالإشهاد على الرجعة لأنها زواج أو في منزلته، وقال فقهاء الشيعة: يجب الإشهاد على الطلاق دون الزواج، وفسروا هذه الآية بالإشهاد على الطلاق دون الرجعة، وهناك قول ثالث بوجوب الإشهاد على الزواج والطلاق والرجعة، ذكره ابن كثير في تفسير الآية التي نحن بصددها ﴿وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ: لا لمرضاة المشهود له، ولا نكاية بالمشهود عليه ﴿ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ: إشارة إلى شروط الطلاق، ومنها الإشهاد عليه، والمؤمنون هم الملتزمون بها ﴿وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجً: كان النبي يتلو هذه الآية مكررًا ومرددًا يقول: (لو أن الناس كلهم أخذوا بها لكفتهم) وقال الإمام أمير المؤمنين (ع): (لو أن السموات والأرض كانتا على عبد رتقًا – سدًا – ثم اتقى الله لجعل الله منهما مخرجًا) أبدًا لا خوف على من يتقي الله في معاصيه حتى ولو أطبق عليه الكون بما فيه ومن فيه، وأيضًا هو لا يخاف ما دام على يقين بأن الله لا يعجزه شيء، وفي الحديث: والله الذي لا إله إلا هو ما أُعطي مؤمن قط خير الدنيا والآخرة إلا بحسن ظنه بالله ورجائه له.

(3) – (4): ﴿وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ: لا يخطر له على بال، وأيضًا قد يذهب من غير احتساب، وما من حقير أو خطير يقع في الكون إلا ولله فيه قضاء وتدبير ﴿إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ: ما شاء كان، وما لم يشأ لم يكن ﴿قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرً: تصميمًا وتوقيتًا، فلا صدفة وشهوة، ولا عبث وباطل ﴿وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِن نِّسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ: إذا انقطع الدم عن المرأة، ولا نعلم السبب الموجب لذلك: هل هو الكبر والتقدم في السن أو عارض صحي وما أشبه – فتعتد هذه بثلاثة أشهر إذا طلقت، وعليه يكون معنى ﴿إِنِ ارْتَبْتُمْ: إن شككتم في وضعها لا في حكم عدتها فقط.

(4) – (5): ﴿وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ: من الشابات اللاتي نعلم ولا نشك إطلاقًا في عدم يأسهن، ولكن ما رأينا الدم، فأيضًا عدتهن ثلاثة أشهر كالمشكوك في يأسهن، والتفصيل في كتب الفقه ﴿وَأُوْلَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ: اتفق الشيعة والسنة على أن عدة المطلقة الحامل وضع الحمل، واختلفوا في الأرملة الحامل. قال السنة: هي تمامًا كالمطلقة وقال الشيعة: بل تعتد بأبعد الأجلين من وضع الحمل والأربعة أشهر وعشرة أيام، وتقدم في الآية 234 من البقرة.

(6): ﴿أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنتُم مِّن وُجْدِكُمْ: بضم الواو وسكون الجيم، والمراد به الطاقة والسعة في المال، وتأمر هذه الآية المطلِّق أن يحسن معاملة المطلقة الرجعية معاشرة وإنفاقًا من المسكن والمأكل والملبس تبعًا لطاقته المادية ﴿وَلَا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ: لا تسيئوا معاملة المطلقة لتلجئوها إلى ترك المسكن والخروج منه قبل مضي العدة ﴿وَإِن كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ: إذا طلقها وهي حامل وجبت لها النفقة حتى تضع حملها سواء أكان الطلاق رجعيًا أم بائنًا ﴿فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ: إذا وضعت الحامل وليدها فلا تُجبر على إرضاعه إلا إذا انحصر بها، فإن أرضعته استحقت أجر مثلها سواء أكانت في عصمة والد الرضيع أم لم تكن ﴿وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُم بِمَعْرُوفٍ: يأمر سبحانه الآباء والأمهات أن تكون كلمتهم وأُمورهم واحدة في مصلحة الطفل، ولا يتخذوا منه وسيلة لأي شيء يضر به ﴿وَإِن تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى: إذا طلبت الأم على الرضاع أكثر من أُجرة المثل – فللأب أن يسترضع غيرها.

(7): ﴿لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِّن سَعَتِهِ... : تقدر نفقة الزوجة بطاقة الزوج يُسرًا أو عسرًا ﴿لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَ: وهل من عاقل على وجه الأرض يلوم أو يحاسب آخر على شيء لا يمت بسبب قريب أو بعيد إلية ولا إلى طاقته؟ وتقدم في الآية 286 من البقرة وغيرها ﴿سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرً: كل شيء يتغير شئنا أم أبينا.

(8) – (10): ﴿وَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِ... : أبت إلا التمرد والبغي على الحق وأهله، ولم تستجيب لوحي أو عقل، فحاسبها حسابًا شديدًا، وعذبها عذابًا أليمًا، تقدم مرات ومرات ﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُوْلِي الْأَلْبَابِ: انهضوا ثائرين على الطغاة، واستردوا منهم حقكم المسلوب ﴿الَّذِينَ آمَنُو: أي بحثوا وسعوا وراء الحق ومعرفته ﴿قَدْ أَنزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْرً: القرآن الكريم رسولاً أي أرسل.

(11): ﴿رَّسُولًا يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِ اللَّهِ مُبَيِّنَاتٍ: ليست المسألة تلاوة آيات وحدها، ولا قراءة عظات وكفى، ولا أسلوبًا عصريًا أو رجعيًا، وإنما السر كل السر يكمن في عظمة القرآن وأسراره وفي شخصية الداعي والقائد المدبر والمنفذ، ولو تلى القرآن وآياته على الناس غير محمد، أو جاء إليهم محمد بغير هذا القرآن. لما حدث ما حدث في شرق الأرض وغربها، لقد أذهلت وأدهشت شخصية محمد (ص) العلماء الأجانب الذين يهتمون بالدراسات الإنسانية، وقالوا عنها الكثير حتى رسم لها برناردشو هذه الصورة: (لو تسلَّم محمد زمام الحكم المطلق اليوم لحلَّ مُشكلات العالم بأسره، وحقق له السلام والسعادة المنشودة) ومن هنا كان محمد خاتم النبيين وسيد الأولين والآخرين.

(12): ﴿اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ: تعددت الأقوال حول السموات السبع والأرضين السبع، ومنها أن الكون الأكبر يضم سبعة أكوان، وفي كل كون العديد من الكواكب، من جملتها كوكب أرضي تمامًا كهذا الكوكب الذي فيه نحيا ونموت. وفي تفسير ابن كثير: سئل ابن عباس عن قوله تعالى: (سبع سموات ومن الأرض مثلهن) فقال لو حدثتكم عن تفسيرها لكفرتم. يريد عظمة الكون فوق تصورهم، وتقدم في الآية 12 من فصلت وغيرها ﴿يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ: هو وحده الممسك بالكون والمدبر له، ولولا ذلك لماج واضطرب ﴿لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ: لا يعجزه شيء، ولا يخفى عليه شيء، ومن جهل أو ذهل عن الله وعظمته فقد جهل بعلة وجوده ومصيره، وبالرقيب الذي يسأله ويحاسبه عن كل حركة وسكون.


* التفسير المبين / العلامة الشيخ محمد جواد مغنية.

2015-12-10