يتم التحميل...

سورة المعارج

تفسير الكتاب المبين

سورة المعارج

عدد الزوار: 98

(1): ﴿سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ: سأل هنا بمعنى طلب واستدعى، وعليه يكون المعنى أن من كذب بالبعث والحساب والجزاء طلب تعجيل العذاب ساخرًا متحديًا. فجاءه الجواب من مالك الثواب والعقاب.

(2): ﴿لِّلْكَافِرينَ لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ: العذاب واقع على المجرمين، لا شك فيه، ولا دافع له سواء أطلبوه أم رفضوه.

(3): ﴿مِّنَ اللَّهِ ذِي الْمَعَارِجِ: المراد بالمعارج الرفعة الكاملة والعلو المطلق، وفي هذه الآية قوله تعالى: (رفيع الدرجات ذو العرش- 15 غافر).

(4): ﴿تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ: المراد بالروح جبريل وعطفه على الملائكة من باب عطف الخاص على العام، والمعنى أن الملائكة يسرعون في طاعة الله وإنفاذ أمره سرعة يقطعون بها في اليوم الواحد قدر ما يقطع الناس في خمسين ألف سنة بوسائلهم المألوفة، والمراد بهذه المدة مجرد التمثيل لحق الله على الخلق، وأن عليهم أن يستسلموا لأمره، ويسرعوا إلى طاعته تمامًا كما أسرع إليها الملائكة المقربون.

(5): ﴿فَاصْبِرْ صَبْرًا جَمِيلً: تذرع يا محمد بالصبر على تكذيب المجرمين وإيذائهم.

(6) - (7): ﴿إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا وَنَرَاهُ قَرِيبً: يوم الحساب والجزاء محال وبعيد عند الجاحدين، وعند الله أقرب من قريب، لأنه آت لا محالة.

(8): ﴿يَوْمَ تَكُونُ السَّمَاء كَالْمُهْلِ: تذوب الكواكب والأجرام السماوية، وتصبح كالزيت العكر أو المعدن الذائب السائل.

(9): ﴿وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ: كالصوف في هشه وانتفاشه.

(10): ﴿وَلَا يَسْأَلُ حَمِيمٌ حَمِيمً: لن كل إنسان في شغل شاغل بنفسه عن غيره.

(11): ﴿يُبَصَّرُونَهُمْ: أي يرى الحميم حميمه يوم القيامة، ولكن لا سؤال ولا كلام، لأن كلا منهما يومئذ في شأن يذهله وهم يشغله ﴿يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ: الذين جمع لهم من حلال وحرام.

(12): ﴿وَصَاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ: المراد بالصاحبة الزوجة.

(13): ﴿وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْويهِ: عشيرته التي تحميه.

(14): ﴿وَمَن فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ يُنجِيهِ: قد يهون الموت على الإنسان، بل ويضحي بالمال والعيال في سبيل حريته وكرامته، وهو سليم الجسم معافى من الأوجاع والآلام فكيف إذا سلب الحرية- أُلقي في لهب ساطع ودائم، لا يقضى عليه الموت فيموت، ولا يخفف عنه العذاب؟ وتقدم في الآية 91 من آل عمران.

(15): ﴿كَلَّ: أيها المجرمون... لا فداء ولا شيء ينجيكم من سوء المصير ﴿إِنَّهَا لَظَى: لهب خالص.

(16): ﴿نَزَّاعَةً لِّلشَّوَى: تنتزع الأعضاء من أماكنها وتشويها ، ثم إلى الحياة كما كانت، وهكذا دواليك.

(17): ﴿تَدْعُو مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّى: تجذبه إليها وتشده ، ولا تدع له، من وسيلة إلى الفرار.

(18): ﴿وَجَمَعَ فَأَوْعَى: من الوعاء لا من الوعي، والمعنى جمع المجرم الأموال، وامسكها في الأوعية، ولم يؤد حق الله منها.

(19) - (21): ﴿إِنَّ الْإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعً: الإنسان ابن الأرض وبها يشبه، فهي تخصب وتنشر الخضرة والنماء وإذا نزل عليها الماء وتجدب وتغبر إذا انقطع عنها، وهكذا الإنسان يفرح ويسّر إذا مسَّه الخير وينهار جزعًا إذا مسَّه الشر والفرق بينه وبين الأرض أن للإنسان طاقة وإرادة ودينًا وعقلا وبها يستطيع أن يملك نفسه، ويلتزم العدل والتوازن، في تصرفاته فلا يقتر أو يبذر إذا استغنى، ويصبر ويتجلد إذا افتقر، وأيضًا يثق بالله ورحمته، ولا يستولي عليه اليأس والقنوط، وهذي هي صفة المؤمنين حقًا الذين أشار سبحانه إليهم بقوله:

(22) - (23): ﴿إِلَّا الْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ: أبدًا لا دين ولا إيمان إلا لمن حافظ على الصلاة وواجباتها وثبت على أدائها في أوقاتها.

(24) - (25): ﴿وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَّعْلُومٌ: لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ: السائل: الذي يطلب من الناس ويبدأهم بالسؤال والمحروم: الذي يتعفف عن الطلب، فيظنه الجاهل بحاله غنيًا فيحرمه، وهذا أحق الناس بحق الله، والصدقة عليه تقع في يد الله لا في يده كما في الحديث، بل وفي القرآن لأن الله استقرض له لا لسواه.

(26): ﴿وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ: لا دين لمن أقر بوجود الله، وأنكر لقاءه وحسابه وجزاءه، وأيضًا لا إيمان لمن أقر بهذين معًا، وأنكر نبوة محمد (ص).

(27) - (28): ﴿وَالَّذِينَ هُم مِّنْ عَذَابِ رَبِّهِم مُّشْفِقُونَ إِنَّ عَذَابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ: مهما كانت طاعة العبد وتكون، ولا ادري كيف كرر وأعلن واحد من الناس، انه في أمان من عذاب الله وهو يتلو هذه الآية؟ وروي أن رسول الله قال: (اعملوا وسددوا وقاربوا واعلموا أن أحدًا منكم لن يدخله عمله الجنة. قالوا ولا أنت يا رسول الله قال: ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمة منه وفضل) ومعنى الحديث: اتقنوا العمل وتقربوا به إلى الله، واتركوا إليه أمر الثواب على أعمالكم ولا تجزموا أن عملكم هذا يدخلكم الجنة لا محالة، بل أرجوا رحمة الله وفضله.

(29) - (30): ﴿وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ: من جوار وإماء، ولا موضوع لهذا الحكم في عصرنا حيث لا جارية ولا أمة ﴿فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ: ولا مسؤولين حيث تمتعوا بحلال الله لا بحرامه.

(31): ﴿فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاء ذَلِكَ: تجاوز الحلال إلى الحرام كالزنا واللواط ﴿فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ: المعتدون على أعراض الناس والمتعدون المتجاوزون حدود الله.

(32): ﴿وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ: المؤمن المخلص إذا اؤتمن لم يخن، وإذا عاهد لم يغدر.

(33): ﴿وَالَّذِينَ هُم بِشَهَادَاتِهِمْ قَائِمُونَ: لا يكتمونها ولا يزيدون فيها، ولا ينقصون منها.

(34) - (35): ﴿وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ: تقدم في الآية 23 من هذه السورة وكرر سبحانه لمجرد الإهتمام بالصلاة والتنبيه إلى أنها عمود الإسلام. وسبق الكلام على المحافظة على الصلاة والفروج وإقامة الشهادة والوفاء بالعهد والأمانة وحق الله في الأموال والخوف من عذابه تعالى والرجاء لثوابه.

(36): ﴿فَمَالِ الَّذِينَ كَفَرُوا قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ: قبلك بكسر القاف: نحوك وعندك وحولك، ومهطعين: مسرعين.

(37): ﴿عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ: أي عن يمين محمد (ص) وشماله ﴿عِزِينَ: فرقًا وجماعات والمعنى ما أعجب شأن المكذبين برسالتك! إنهم يسرعون ويتحلقون حولك حين تتلو آيات الله، لا لشيء إلا ليتخذوها هزوًا وسخريًا.

(38): ﴿أَيَطْمَعُ كُلُّ امْرِئٍ مِّنْهُمْ أَن يُدْخَلَ جَنَّةَ نَعِيمٍ: كان المجرمون العتاة يسخرون من القرآن، ويشيرون إلى خباب وبلال وعمار ويقولون: عن دخل هؤلاء الجنة كما يقول محمد فنحن أحق بها وأولى! وما من شك أنهم أولى بجهنم صليًا.

(39): ﴿كَلَّ: هيهات لا يخدع الله عن جنته، ولا تنال مرضاته إلا بطاعته ﴿إِنَّا خَلَقْنَاهُم مِّمَّا يَعْلَمُونَ: إنهم وكل البشر من ماء مهين، ولا فضل لأحد على آخر إلا أن يترك شيئًا نافعًا ومفيدًا لأخيه الإنسان.

(40) - (41): ﴿فَلَا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ: أي يقسم سبحانه- على القول بان (لا) زائدة- بمن خلق الكواكب ومشارقها ومغاربها ﴿إِنَّا لَقَادِرُونَ عَلَى أَن نُّبَدِّلَ خَيْرًا مِّنْهُمْ: انه تعالى هو القادر على أن يهلك المجرمين المعاندين ويأتي بمن هو أطوع لله ورسوله ﴿وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ: مغلوبين، وتقدم في الآية 38 من محمد.

(42): ﴿فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا... : دعهم يا محمد في لهوهم وكفرهم حتى يذوقوا وبال أمرهم، وتقدم بالحرف الواحد في الآية 83 من الزخرف.

(43): ﴿يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ سِرَاعًا كَأَنَّهُمْ إِلَى نُصُبٍ يُوفِضُونَ: الأجداث: القبور، ونُصُب بضم النون والصاد، الشيء المنصوب، والمراد به هنا الصنم المعبود، والجمع أنصاب، ويوفضون: يسرعون ويستبقون، والمعنى أن المشركين يسرعون غدًا الخروج من قبورهم كما كانوا يسرعون المشي إلى أصنامهم في الدنيا.

(44): ﴿خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ: ينظرون نظرات الذليل الخاضع، لما يشعرون من الخزي والهوان، وتقدم في الآية 7 من القمر ﴿ذَلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ: وبه يكذبون، ومنه يسخرون حتى ذاقوا جمراته وآفاته.


* التفسير المبين / العلامة الشيخ محمد جواد مغنية.

2015-12-10