(1): ﴿إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ﴾: منذرًا ومحذرًا من غضب الله
وعذابه، جاء في تفسير جزء تبارك للشيخ عبد القادر المغربي أن بين آدم ونوح 1056
سنة.
(2) – (3): ﴿قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ أَنِ اعْبُدُوا
اللَّهَ وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ﴾: أوجز رسالته ورسالة جميع الأنبياء بأُمور
ثلاثة: أن يتركوا الأصنام ويعبدون الله وحده، الثاني أن يفعلوا الخير ويتقوا الشر،
الثالث أن يطيعوا الله في أمره ونهيه، وضمن لهم أن استجابوا، أمرين؛.
(4): ﴿يَغْفِرْ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمْ﴾: أي ما تقدم منها على الإيمان لأن الإيمان
يجب ما قبله، أما الذنوب بعد الإيمان فيحاسبون عليها، وإلى هذا تومئ كلمة (من)
الأمر الثالث ﴿وَيُؤَخِّرْكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى إِنَّ أَجَلَ اللَّهِ إِذَا
جَاء لَا يُؤَخَّرُ﴾: إن استجبتم لدعوتي يمهلكم سبحانه حتى تستوفوا العمر الطبيعي
المحتوم وإلا عجل واستأصل شأفتكم بالطوفان ونحوه ﴿لَوْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ﴾: يا
ليتكم تعلمون لتسرعوا إلى الإيمان.
(5): ﴿قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهَارً﴾: دائمًا ومواظبًا.
(6): ﴿فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلَّا فِرَارً﴾: ثابر وواظب نوح على الدعوة،
وثابروا بدورهم وواظبوا على النفور والعناد.
(7): ﴿وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ
فِي آذَانِهِمْ﴾: سدوها دون دعوة الداعي ﴿وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ﴾: تغطوا بها
كي لا يروا وجه الداعي ﴿وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارً﴾: على الحق
والانقياد له.
(8) – (9): ﴿ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَارًا ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنتُ لَهُمْ
وَأَسْرَرْتُ﴾: قال جماعة من المفسرين في وجه الجمع بين الجهر والإعلان: بدأ نوح
بالدعوة سرًا، ثم ثنى بالمجاهرة، ثم ثلث بالجمع بين الإسرار والإعلان، أما نحن
فنختار ما قاله الدكتور طه حسين في كتاب مرآة الإسلام، ونلم منه هذه الشذرات:
(وللقرآن أسلوب خاص به لم يسبق إليه، ولم يلحق فيه... ويختلف أشد الاختلاف عما
يكتبه الناثرون وينظمه الشعراء، ويقوله الخطباء... القرآن يتلى في الإذاعات
الأوروبية والأمريكية على أنه إمتاع للمستمعين... وقد يذاع غيره من اللغات، ولكن
بعض الحين لا دائمًا كما يذاع القرآن الكريم) وعليه فلا يسوغ أن نقيس كلام الله على
كلام البشر ونقول: لماذا أعاد وكرر؟ ثم نتمحل في التوجيه والتأويل.
(10): ﴿فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارً﴾: لكل من يندم
على خطيئته، ويلجأ إلى الله ومغفرته.
(11): ﴿يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَارً﴾: مطرًا كثيرًا أو متواصلاً،
ويستحب قراءة سورة نوح في صلاة الاستسقاء من أجل هذه الآية كما قيل.
(12): ﴿وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل
لَّكُمْ أَنْهَارً﴾: كل مجتمع يؤمن بالله ولم يعص له أمرًا يعيش في سلام وهناء
دنيا وآخرة بحكم البديهة، لأن معنى إطاعة الله في أمره ونهيه أن يسود الأمن
والعدالة الاجتماعية.
(13): ﴿مَّا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارً﴾: لا تهابون نكاله وعذابه.
(14): ﴿وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارً﴾: نطفة ثم علقة. وهكذا إلى الهرم والشيخوخة.
(15): ﴿أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقً﴾: تأملوا
الكون ونظامه وإتقانه الذي يدل على وجود المكون والمنظم وقدرته وعظمته، وتقدم في
الآية 3 من الملك وغيرها.
(16): ﴿وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجً﴾: فيهن أي
في مجموع السموات. وصف سبحانه الشمس بالسراج والقمر بالنور، لأن السراج مصدر النور،
ونور القمر مستمد من الشمس وتقدم في الآية 5 من يونس.
(17): ﴿وَاللَّهُ أَنبَتَكُم مِّنَ الْأَرْضِ نَبَاتً﴾: كلنا من آدم وآدم من تراب.
(18): ﴿ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيهَا وَيُخْرِجُكُمْ إِخْرَاجً﴾: هذا هو ابن آدم: منها
وعليها كضيف مؤقت وإليها في زنزانة مظلمة طولها خمسة أشبار، وعرضها شبران ونصف
الشبر وتقدم في الآية 55 من طه.
(19) – (20): ﴿وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ بِسَاطًا لِتَسْلُكُوا مِنْهَا
سُبُلًا فِجَاجً﴾: جمع فج وهو الانفراج والسعة، والسبل: الطرق، وتقدم في الآية 31
من الأنبياء.
(21): ﴿قَالَ نُوحٌ رَّبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي﴾: استيأس نوح من قومه فالتجأ إلى
خالقه ﴿وَاتَّبَعُوا مَن لَّمْ يَزِدْهُ مَالُهُ وَوَلَدُهُ إِلَّا خَسَارً﴾: يريد
الفئة المتسلطة التي تتحكم في كل شيء ولا ترى لغيرها حقًا في شيء.
(22): ﴿وَمَكَرُوا مَكْرًا كُبَّارً﴾: لأنهم صدوا المستضعفين عن الاستجابة لدعوة
نوح، وبالغوا في إيذائه وإيذاء من آمن برسالته.
(23): ﴿وَقَالُو﴾: أي قال المترفون الطغاة للمستضعفين: ﴿لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ
وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرً﴾: أسماء
أصنام كانوا يعبدونها، قال جماعة من المفسرين: إن هذه الأصنام ظلت تعبد في الجاهلية
إلى عهد الرسول الأعظم (ص).
(24): ﴿وَقَدْ أَضَلُّو﴾: قادة الفساد ﴿كَثِيرً﴾: من العباد ﴿وَلَا تَزِدِ
الظَّالِمِينَ إِلَّا ضَلَالً﴾: إلا عذابًا شديدًا.
(25): ﴿مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُو﴾: أغرقهم الطوفان بسبب آثامهم وطغيانهم
﴿فَأُدْخِلُوا نَارًا فَلَمْ يَجِدُوا لَهُم مِّن دُونِ اللَّهِ أَنصَارً﴾: لا
معين ولا مغيث يجيرهم من عذاب الله.
(26): ﴿وَقَالَ نُوحٌ رَّبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ
دَيَّارً﴾: وهو من يسكن الدار، ودعوة نوح هذه تناولت ولد لصلبه الذي كفر بخالقه
واعتزل عن والده.
(27): ﴿إِنَّكَ إِن تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا
كَفَّارً﴾: قال هذا لخبرته بهم وطول مكثه بين أظهرهم، وروي أن الرجل من قوم نوح
كان ينطلق بإبنه إليه ويقول له: احذر هذا الكذاب، إن أبي أوصاني بمثل هذه الوصية.
(28): ﴿رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ﴾: ولجميع المؤمنين وصلى الله على محمد
وآله الطاهرين.
* التفسير المبين / العلامة الشيخ محمد جواد مغنية.
2015-12-10