(1): ﴿يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ﴾: وأصله المتزمل من تزمل إذا اشتمل على ثيابه،
وكان النبي(ص) حين النداء مشتملا بكسائه فخاطبه العلي الأعلى بالوصف الذي هو عليه
ملاطفة له.
(2): ﴿قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلً﴾: أحي الليل في الصلاة والعبادة ما عدا جزءًا
قليلا منه، تأوي فيه إلى فراشك.
(3) - (4): ﴿نِصْفَهُ أَوِ انقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا أَوْ زِدْ عَلَيْهِ﴾: نصفه بدل
بعض منكل وهو الليل،وعليه يكون المعنى لك يا محمد أن تقوم لله النصف من الليل أو
أقل من النصف بقليل أو أكثر منه أيضًا بقليل ﴿وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلً﴾:
اقرأه على مهل آية فآية كي يتدبر القارئ والسامع معناه ومرماه.
(5): ﴿إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلً﴾: المراد بالقول هنا القرآن
بالإنفاق، ولكن هل الثقل في تلاوة القرآن وكفى؟ ويجيب القرآن نفسه عن هذا السؤال
حيث يقول لمحمد (ص): (كتاب أنزلناه إليك لتخرج الناس من الظلمات إلى النور-1
إبراهيم) ومعنى هذا أن على محمد أن يتحدى مشاعر الناس، كل الناس، وعواطفهم، وأن
يثور على آلهتهم ومقدساتهم وعلى عقولهم وأفكارهم وعلى عاداتهم الموروثة وأسلوب
حياتهم، ومن هنا جاء الحمل الثقيل والخطب الجليل، ولكن شخصية محمد وصلابتها في تحمل
الأثقال هي السر لاصطفائه ودعوته إلى أن يحمل على هذا العبء الجليل الثقيل، والله
يعلم من خلق وأرسل. انظر تفسير الآية 11 من الطلاق.
(6): ﴿إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْءًا وَأَقْوَمُ قِيلً﴾: ناشئة
الليل: ساعات القيام فيه، وأشد وطأ: أكثر مشقة من القيام في النهار، وأقوم قيلا:
أصوب قراءة، والمعنى أن الإنسان في عبادته ليلًا يتوجه إلى خالقه أكثر منه نهارًا
سواء أكانت العبادة صلاة أم دعاء وتسبيحًا أم تلاوة لكتاب الله.
(7): ﴿إِنَّ لَكَ فِي اَلنَّهَارِ سَبْحًا طَوِيلً﴾: سبحًا: تصرفًا وتقلبًا في
الأعمال كما يتقلب السابح في الماء، والمعنى الليل للعبادة والنهار للعمل.
(8): ﴿وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ﴾: ادع إليه ﴿وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلً﴾:
انقطع إليه، وتوكل عليه، واستعن به وحده.
(9): ﴿رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ﴾: كناية عن عظمته وان كل شيء في قبضته
﴿فَاتَّخِذْهُ وَكِيلً﴾: من سأله أعطاه، ومن توكل عليه كفاه.
(10): ﴿وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ... ﴾: اكظم غيظك يا محمد من سفهاء قومك بلا
عتاب وسؤال وجواب، ودع أمرهم إلى الله.
(11): ﴿وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ أُولِي النَّعْمَةِ﴾: ما لك ولمن أطغاه الغنى،
وتنمر للمساكين؟ انتظر قليلا وترى مآبه ومصابه.
(12): ﴿إِنَّ لَدَيْنَا أَنكَالًا وَجَحِيمً﴾: والأنكال هي القيود التي لا تنفك
إطلاقًا.
(13): ﴿وَطَعَامًا ذَا غُصَّةٍ﴾: يعترض في الحلق ويسده لا يدخل ولا يخرج.
(14): ﴿يَوْمَ تَرْجُفُ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ وَكَانَتِ الْجِبَالُ كَثِيبًا
مَّهِيلً﴾: تهتز الأرض يوم القيامة وتتزلزل، فتتفتت الجبال وتتحول كثيبًا أي تلاِّ
من الرمال مهيلا: أي تهيله الرياح وتنشره، وتقدم مرات.
(15) - (16): ﴿إِنَّا أَرْسَلْنَا إِلَيْكُمْ رَسُولًا شَاهِدًا عَلَيْكُمْ﴾:
الخطاب للمكذبين أُلي النعمة المذكورين قبل قليل، والرسول محمد (ص) يشهد عليهم أنه
قد بلَّغ وكرَّر وبشَّر وأنذر ﴿كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولًا... ﴾:
إن محمد (ص) مع المكذبين المترفين تمامًا كحال موسى مع فرعون وقومه، وقد انتقم
سبحانه من هؤلاء شر انتقام، والمكذبون بنبوة محمد (ص) أولى بالهلاك والإنتقام، لأن
محمدًا أجلّ من موسى وأعظم.
(17) - (18): ﴿فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِن كَفَرْتُمْ﴾: أي أصررتم على الكفر حتى الموت
﴿يَوْمً﴾: مفعول تتقون﴿يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شِيبًا السَّمَاء مُنفَطِرٌ بِهِ﴾:
وذكر منفطرًا لأن المراد بالسماء هنا السقف أو العلو ﴿كَانَ وَعْدُهُ مَفْعُولً﴾:
أي وعد هذا اليوم واقع لا محالة، وخلاصة المعنى: بأية وسيلة أيها الطغاة تنجون من
العذاب الكبر في يوم تشيب الأطفال من أهواله، وتتفطر السماء من أثقاله؟.
(19): ﴿إِنَّ هَذِهِ تَذْكِرَةٌ﴾: إشارة إلى ما سبق من آيات الإنذار، وتذكرة: عبرة
وعظة ﴿فَمَن شَاء اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلً﴾: لقد أوضح سبحانه السبيل إلى
ثوابه ومرضاته، وما ترك عذرًا لمتعلل.
(20): ﴿إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى... ﴾: في أول السورة أمر
سبحانه النبي والصحابة أن يعبدوه في الليل على البيان السابق، فاستجابوا وكانوا
قليلا من الليل ما يهجعون، ثم انزل سبحانه الترخيص بالتخفيف في هذه الآية، ومعناها
ان الله سبحانه علم من نبيه والذين أحسنوا الصحبة أنهم كانوا يقومون في الليل
قيامًا مختلفًا، فمرة يصلون أكثر من نصف الليل وأقل من ثلثيه، ومرة نصفه، وحينًا
ثلثه، لأنهم يعجزون عن ضبط الوقت، والله هو الذي يعلم البداية والنهاية لكل من
الليل والنهار وأجزاءه الأولى والأخيرة والوسطى في كل الفصول، لذلك خفف عن النبي
والصحابة وأمرهم أن يكتفوا بقراءة ﴿مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ﴾: نقل صاحب مجمع
البيان عن أكثر المفسرين: أن المراد بالقراءة هنا صلاة الليل، وهي 11 ركعة، ووقتها
بعد منتصف الليل، وسواء أُريد من القراءة في هذه الآية الصلاة ام مجرد التلاوة، فإن
الصلاة الواجبة تنحصر بالفرائض الخمس والآيات والطواف الواجب والملتزم بنذر وشبهه
والصلاة على الميت، وقضاء الولد الأكبر عن والديه ما فاتهما من الصلاة في مرض الموت
﴿عَلِمَ أَن سَيَكُونُ مِنكُم مَّرْضَى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ
يَبْتَغُونَ مِن فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾: ذكر
سبحانه أربعة أسباب للتخفيف والترخيص بترك القيام لله دليلًا: السبب الأول: العجز
عن ضبط الوقت، وسبقت الإشارة إليه. الثاني أن في عبادة الله مرضى يتعذر عليهم
التعبد في الليل. الثالث أن منهم أيضًا المسافرين لطلب العيش وغيره من الأمور
الضرورية. السبب الرابع الجهاد في سبيل الله، فخفَّف سبحانه القيام لله ليلا عن
جميع العباد لأجل هذه الأسباب، ومعنى هذا أن الله سبحانه قد يرفع بعض التكاليف عن
عموم الأفراد لعجز بعض العباد عن أدائها، وان قدر آخرون على إقامتها بلا مشقة
وصعوبة ﴿فَاقْرَؤُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ﴾: أي من القرآن وكرر سبحانه هذا الأمر
لتكرار سببه، فقد كان السبب الموجب للأمر الأول العجز عن ضبط الوقت، أما السبب
الثاني فهو المرض والسفر والجهاد ﴿وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ﴾: المفروضة في أوقاتها
الخمسة، ولا تسقط في مرض وسفر وجهاد يؤديها كلٌّ حسب طاقته ﴿وَآتُوا الزَّكَاةَ﴾:
المفروضة في أموالكم ﴿وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنً﴾: أي لوجه الله بلا من
وأذى وترفع واستعلاء، وكرر سبحانه هذا القرض في كتابه أكثر من عشر مرات، لأنه من
أفضل أعمال البر، إضافة إلى تزكية النفس والتكفير عن الذنب ﴿وَمَا تُقَدِّمُوا
لِأَنفُسِكُم﴾: أي إن تقدموا ﴿مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللَّهِ﴾: المراد
بالخير كل ما يخدم الإنسان وينتفع به قولا كان أو فعل﴿وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ﴾:
بزجر النفس عن الحرام إذا مالت إليه، وردعها عن الباطل إذا حاولت الإقدام عليه لا
بقول استغفر الله وكفى.
* التفسير المبين / العلامة الشيخ محمد جواد مغنية.
2015-12-10