يتم التحميل...

سورة المدثر

تفسير الكتاب المبين

سورة المدثر

عدد الزوار: 99

(1): ﴿يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ: أصله المتدثر، والدثار: ما يلتف به الإنسان من الثياب تمامًا كالمزمل.

(2): ﴿قُمْ فَأَنذِرْ: قم يا محمد. قم يا إنسان بمعناه ومحتواه. قم يا من يؤمن بالله ويغضب لغضبه. قم وتحدَّ طغاة الأرض وجبابرة الحكم، بكلمة الحق والعدل بلا مداراة وهوادة.

(3): ﴿وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ: بهذا النداء لا كبير مهما كانت قوته وثروته إلا بالله، ولا خضوع لأحد سواه، هذا هو الدين القيِّم الذي يضع الجميع على صعيد واحد في الحقوق والواجبات. ويبطل مزاعم الذين يرون لأنفسهم حقوقًا مقدسة على غيرهم.

(4): ﴿وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ: وما من شك أن نظافة والثياب من الإيمان، ولذا جعل الإسلام الغسل والوضوء شرطًا لصحة الصلاة، ولكن المراد ما يعم ويشمل نظافة الباطن والسلوك التي تمد الحياة بما هو أجدى وأقوى.

(5): ﴿وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ: قال الشيخ الطبرسي: (أي أثبت على هجره لأنه صلوات الله عليه منزَّه عنه).

(6): ﴿وَلَا تَمْنُن تَسْتَكْثِرُ: قال ابن عباس: أي لا تعط العطية تلتمس أكثر منها. وقال آخر: بل المعنى لا تعط شيئًا وأنت تراه كثيرًا. ولا مانعة جمع بين المعنيين.

(7): ﴿وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ: اجعل صبرك على أذى قومك لوجه الله، فسوف يلاقون جزاء هذا الإيذاء.

(8): ﴿فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ: نفخ في الصور، وخرج الأموات من القبور.

(9) – (10): ﴿فَذَلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ: على الطغاة والعصاة، وتقدم في الآية 99 من الكهف وغيرها.

(11): ﴿ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدً: أجمع المفسرون أن هذا التهديد نزل في الوليد بن المغيرة، ولكن سبب النزول لا يخصص عموم اللفظ، إضافة إلى أن جميع الناس يستوون أمام العدالة الإلهيه، وعليه فإن هذه اللعنة الغاضبة اللاهبة تشمل وتعم كل من طغى وبغى... وقيل: كلمة وحيد إشارة إلى الوليد مجهول النسب، والأقرب الإشارة إلى أنه لم يكن شيئًا مذكورًا كأي إنسان، ثم صار ذا ولد ومال.

(12): ﴿وَجَعَلْتُ لَهُ مَالًا مَّمْدُودً: ثراء واسعًا ودائمًا.

(13): ﴿وَبَنِينَ شُهُودً: حاضرين معه يتسابقون إلى خدمته.

(14): ﴿وَمَهَّدتُّ لَهُ تَمْهِيدً: يسرت له سبل الحياة.

(15): ﴿ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ: كلنا يطمع في المال والمزيد منه، ولا ضير إلا أن يقود الطمع إلى محرم ومنكر كما قاد الوليد العنيد.

(16): ﴿كَلَّا إِنَّهُ كَانَ لِآيَاتِنَا عَنِيدً: تفنن في الطغيان وضرب أسوء الأمثال في الكفران.

(17): ﴿سَأُرْهِقُهُ صَعُودً: يصعد به إلى أرفع الدرجات من العذاب وشدته والحريق وقسوته.

(18): ﴿إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ: فكر بما يفتري على القرآن، وهيأ زورًا أنطقه به الشيطان.

(19) – (20): ﴿فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ: لُعن ثم لُعن في تفكيره وتقديره.

(21): ﴿ثُمَّ نَظَرَ: رفع بصره إلى زملائه من عتاة قريش.

(22): ﴿ثُمَّ عَبَسَ: قطب حاجبيه ﴿وَبَسَرَ: كلح وتغير لونه.

(23): ﴿ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ: أعرض عن الحق واستعلى عليه.

(24) – (25): ﴿فَقَالَ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ: أخذ محمد القرآن من السحرة والكهنة! وكم من نظيره في عصرنا لهذا الأثيم الزنيم، يفتري على الأبرياء حسدًا أو لأنه خائن مأجور.

(26) – (27): ﴿سَأُصْلِيهِ سَقَرَ وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ: من أسماء جهنم، وقد بلغت من القول حدًا يفوق التصور.

(28): ﴿لَا تُبْقِي وَلَا تَذَرُ: بل تأتي على اللحم والعظم والأعضاء بالكامل.

(29): ﴿لَوَّاحَةٌ لِّلْبَشَرِ: جمع بشرة، والمراد بالتلويح هنا النضوج.

(30): ﴿عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ: هم خزنة جهنم وزبانيتها.

(31): ﴿وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ: أي خزانها ﴿إِلَّا مَلَائِكَةً: غلاظًا شدادً ﴿وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِّلَّذِينَ كَفَرُو: ذكر سبحانه أن الزبانية 19 اختبارًا للناس، فالكافرون سخروا والمؤمنون صدقوا وأهل الكتاب أيقنوا كما قال سبحانه: ﴿لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ: اعتقد النصارى واليهود بما جاء في القرآن من هذا العدد لأنه موافق لما في كتبهم ﴿وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانً: على إيمانهم بعد اعتراف الأعداء بفضل القرآن وصدقه﴿وَلَا يَرْتَابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْمُؤْمِنُونَ: هذا توضيح وتوكيد لما قبله ﴿وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ: وهم المنافقون الذين يمشون الخفاء ويدبون الضراء، ﴿وَالْكَافِرُونَ: عتاة الشرك والبغي الذين سخروا من العدد: ﴿مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلً: ؟ أبدًا لا حكمة من ذكر العدد! علمًا بأن الحكمة واضحة وهي أن يقولوا: لا حكمة... كي يظهروا على حقيقتهم، ويفتضحوا بشهادة أهل البيت أن العدد حق وصدق ﴿كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَن يَشَاء وَيَهْدِي مَن يَشَاء: بموجب علمه وحكمته وعدله، وتقدم في الآية 8 من فطر وغيرها ﴿وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ: جنوده تعالى لا تنحصر بالتسعة عشر ولا بغيرهم فكل الخلائق طوع إرادته ﴿وَمَا هِيَ: النار أو هذه الآيات ﴿إِلَّا ذِكْرَى لِلْبَشَرِ: تذكرة وعظة للناس.

(32) – (35): ﴿كَلَّا وَالْقَمَرِ وَاللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ وَالصُّبْحِ إِذَا أَسْفَرَ إِنَّهَا لَإِحْدَى الْكُبَرِ: كلا: حرف ردع وزجر وأسفر: أشرق، وضمير (إنها) بعد أن ردع سبحانه المشركين عن الاستهزاء بالنار وخزنتها، أقسم بالقمر لما فيه من منافع، وبالليل الذي يخلد الإنسان فيه للراحة، وبالصبح الذي ينهض فيه للكدح والعمل، أقسم بذلك كله مؤكدًا أن النار حق لا ريب فيه وأن عذابها ليس كمثله عذاب.

(36) – (37): ﴿نَذِيرًا لِّلْبَشَرِ لِمَن شَاء مِنكُمْ أَن يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ: حذَّر سبحانه عباده من ناره، وخلَّى بينها وبينهم، فمن شاء أن يقتحم، ومن شاء أن يحجم.

(38): ﴿كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ: وهي وعملها، ولا أحد يحمل وزر ضلالها، وتقدم مرات، منها في الآية 286 من البقرة.

(39): ﴿إِلَّا أَصْحَابَ الْيَمِينِ: وهم المتقون الذين اعتقوا أنفسهم من النار بصالح الأعمال، قال الإمام أمير المؤمنين (ع): الناس في الدنيا رجلان: رجل باع فيها نفسه فأهلكها، ورجل ابتاع نفسه فأعتقها.

(40) – (41): ﴿فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءلُونَ عَنِ الْمُجْرِمِينَ: الذين هم في أعماق الجحيم، فيُطلع سبحانه أهل الجنة على أهل النار. فيقول أولئك لهؤلاء.

(42): ﴿مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ: وكنتم في الحياة الدنيا تزعمون أن الجنة والنار وهم وخرافة.

(43): ﴿قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ: أي لم ننته عن الفحشاء والمنكر وإلا فإن الصلاة وحدها لا تدفع ولا تنفع.

(44): ﴿وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ: وفي آية ثانية (ولا تحاضون على طعام المسكين – 18 الفجر) ومعنى هذا أن من يحتكر ويستأثر فهو ناهب وغاصب لحق الفقراء والمساكين.

(45): ﴿وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ: يستهينون بالدين والقيم، فيستغيبون ويفترون، ويتسابقون إلى أندية الخمور والفجور، ويشتركون في كل باطل وضلال.

(46) – (47): ﴿وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ: الموت، وللدين في اللغة معان، منها الحساب والجزاء والقضاء، وكل ذلك يحدث يوم القيامة، ولذا سمي بيوم الدين.

(48): ﴿فَمَا تَنفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ: الشفاعة حق على أن يكون لها ما يبررها، فبأي شيء يتوسل إلى الله من كفر.

(49): ﴿فَمَا لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ: حال من الضمير في (لهم) والمعنى ما بال المجرمين يعرضون عن الموعظة، وينفرون منها.

(50) – (51): ﴿كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ: جمع حمار، والمراد به هنا حمار الوحش ﴿مُّسْتَنفِرَةٌ فَرَّتْ مِن قَسْوَرَةٍ: وهو الأسد، يصول على وحوش الغاب والحمير، فتنفر منه وهكذا المشركون ينفرون من الحق ودعوته.

(52): ﴿بَلْ يُرِيدُ كُلُّ امْرِئٍ مِّنْهُمْ أَن يُؤْتَى صُحُفًا مُّنَشَّرَةً: يطلب كل واحد من طغاة الأرض أن ينزل عليه كتاب تمامًا كما نزل على رسول الله (ص) وإلا فأي فضل لمحمد من دون الناس؟ وأطرف من هذه الحماقة قول الفيلسوف الشهير نيتشة: (لو كان الله موجودًا لكنت أنا هو).

(53): ﴿كَلَّا بَل لَا يَخَافُونَ الْآخِرَةَ: ما طلبوا هذا الطلب الأحمق إلا لأنهم أمنوا من غضب الله وعذابه.

(54): ﴿كَلَّا إِنَّهُ تَذْكِرَةٌ: مرة ثانية يزجر سبحانه المجرمين، ويعلن أن القرآن نزل على النبي للهداية والإرشاد لا ليفتخر به على العباد.

(55): ﴿فَمَن شَاء ذَكَرَهُ: انتفع بأحكامه وبيانه، لأنه الهادي الذي لا يضل، والناصح الذي لا يغش.

(56): ﴿وَمَا يَذْكُرُونَ إِلَّا أَن يَشَاء اللَّهُ: أي لا يذكرون ويؤمنون عن رضا وطيب نفس بحال من الأحوال إطلاقًا. أجل إنهم يؤمنون إذا ألجأهم سبحانه وأرغمهم على الإيمان، ومعلوم أنه لا إيمان بالمعنى الصحيح مع الجبر والقهر، وعلى هذا التفسير فلا تناقض ومنافاة بين قوله تعالى أولاً: فمن شاء ذكره وقوله ثانيًا: وما يذكرون إلا أن يشاء الله ﴿هُوَ أَهْلُ التَّقْوَى: أي أهل لأن يتقي العباد معاصيه خوفًا منه ﴿وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ: وأيضًا هو أهل أن يرجو العباد مغفرته، ولا ييأسوا من رحمته.


* التفسير المبين / العلامة الشيخ محمد جواد مغنية.

2015-12-10