يتم التحميل...

سورة القيامة

تفسير الكتاب المبين

سورة القيامة

عدد الزوار: 108

(1): ﴿لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ: أي أُقسم كما تقول: لا وحقك أو أبيك وجواب القسم محذوف، تقديره إنكم لمبعوثون.

(2): ﴿وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ: وهي التي تلوم صاحبها على فعل الشر وترك الخير، ويعبِّر عنها علماء الأخلاق بالإلزام الخلقي، وتقابلها النفس الفاجرة اللا مبالية بشيء ولا تشعر بالمسئولية عن شيء، وقال بعض المفكرين: (عدم الشعور بالمسئولية عن شيء بمثابة الجحود لأصل الوجود).

(3) – (4): ﴿أَيَحْسَبُ الْإِنسَانُ أَلَّن نَجْمَعَ عِظَامَهُ بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَن نُّسَوِّيَ بَنَانَهُ: نفى البعث بزعم أن من مات فات ويستحيل أن يعود إلى الحياة مرة ثانية – هو قول بلا علم، لأن السبب الموجب الذي بدأ الحياة وأنشأها أول مرة في جسم الإنسان يعيدها إليه بعد أن يجمع أجزاءه وأعضاءه بالكامل مع جميع صفاته وخصائصه حتى خطوط الأصابع وبصماتها، وهذا هو المراد بقوله تعالى: (بلى قادرين على أن نسوي بنانه) والقول بإمكان الوجود للحياة دون الثاني تناقض تمامًا كقول من يقول: إن الشيء ليس بشيء بل هو غير نفسه! وهذا هو الهراء والهذيان، وتقدم في الآية 57 من الواقعة وغيرها.

(5): ﴿بَلْ يُرِيدُ الْإِنسَانُ لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ: الفجور: الذنوب، وأعظمها الكفر بالله واليوم الآخر، ولذا قال سبحانه بعد ذكر الفجور مباشرة:

(6): ﴿يَسْأَلُ: منكر البعث ساخرًا ﴿أَيَّانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ: متى أوانه؟.

(7) – (9): ﴿فَإِذَا بَرِقَ الْبَصَرُ وَخَسَفَ الْقَمَرُ وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ: قال الجاحد المعاند: متى يوم القيامة؟ فأجابه سبحانه ذاكرًا بعض أهوال هذا اليوم وشدائده، وهي أن يزيغ البصر جزعًا وهلعًا، ويذهب نور القمر، ويصطدم بالشمس لخراب الكون.

(10): ﴿يَقُولُ الْإِنسَانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ: من هذه الكارثة.

(11): ﴿كَلَّا لَا وَزَرَ: لا ملجأ ولا مفر.

(12): ﴿إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ: هو وحده المرجع والمفزع.

(13): ﴿يُنَبَّأُ الْإِنسَانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ: بما فعل من شر، وترك إلى خير، أما فاعل الخير وتارك الشر فيستقبل بالاحترام والتكريم، ويُزف بكل حفاوة إلى جنات النعيم.

(14): ﴿بَلِ الْإِنسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ: على أن الإنسان يعلم ما فعل وترك، ولا يحتاج إلى من يخبره بذلك.

(15): ﴿وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ: هو على علم بنفسه حتى ولو أنكر واعتذر.

(16): ﴿لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ: كان النبي (ص) يتابع جبريل في القراءة حين يتلقى الوحي مخافة أن يفوته شيء منه، فأمره سبحانه أن يستمع ولا يقرأ، وهو يعصمه من الخطأ والنسيان.

(17): ﴿إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ: هذا عهد من الله أن يجمع القرآن في قلب محمد، ويثبته على لسانه.

(18): ﴿فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ: ما عليك إلا أن تصغي بكلك لتلاوته.

(19): ﴿ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ: وأيضًا على الله سبحانه أن يلهمك يا محمد ويفهمك معاني القرآن وأسراره وأهدافك كما هي في علمه تعالى، وتقدم في الآية 114 من طه.

(20) – (21): ﴿كَلَّا بَلْ تُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ: كلا- أيها المكذبون بالبعث– ما هو بمحال كما تزعمون. وإنما كذبتم به لأنه لا يلجمكم عن الشهوات والمحرمات، وأنتم تعبدونها أية عبادة وتؤثرونها أي إيثار.

(22): ﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ: يومئذ: يوم القيامة، وناضرة: من النضارة والجمال.

(23): ﴿إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ: بالبصيرة لا بالبصر، بالعقول والإيمان لا بالعيون والعيان. انظر التفسير الكاشف ج1 ص107.

(24): ﴿وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ: عابسة كالحة.

(25): ﴿تَظُنُّ أَن يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ: داهية تكسر عظام الظهر.

(26) – (28): ﴿كَلَّا إِذَا بَلَغَتْ التَّرَاقِيَ وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِرَاقُ: التراقي: جمع ترقوة، وهي عظم في أعلى الصدر والراقي: الشافي يعالج المريض بالرقية أو بالدواء، وهذه الآيات تصف حالات المحتضر بأن روحه إذا بلغت الحلقوم ماج أهله في حيرة وقالوا: هل من راق يرقيه أو طبيب يداويه؟ وهو على يقين بأن الموت ملاقيه... وكلنا على ميعاد مع غمرات الموت وسكراته، ونحن عنها وعن الآخرة في غفلة التنافس والتحاسد.

(29): ﴿وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ: تعبير عن الكرب بفراق الحياة إلى اللحد، والتقاء الشدة بالشدة.

(30): ﴿إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَسَاقُ: هو المرجع والمآب وله نقاش الحساب، فأين الزاد والعدة؟ أبدًا... وهل من جدوى لصيام وصلاة معهما حسد واغتياب، وكذب وطمع، وسعي للشهرة بالإدعاء والرياء؟.

(31) – (33): ﴿فَلَا صَدَّقَ وَلَا صَلَّى وَلَكِن كَذَّبَ وَتَوَلَّى ثُمَّ ذَهَبَ إِلَى أَهْلِهِ يَتَمَطَّى: يتبختر في مشيته في كبرياء، وقيل: نزلت هذه الآية في أبي جهل، وأيًّا كان سبب النزول فهذي هي صفات أبي جهل طبق الأصل، فقد كذب بالحق وتولى عن دعوته، وما سجد لله أمد حياته، وكان يشمخ ويبذخ.

(34) – (35): ﴿أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى: كلمت تهديد ووعيد، ومعناه الويل لك وأجدر بك، والتكرار لمجرد التوكيد.

(36): ﴿أَيَحْسَبُ الْإِنسَانُ أَن يُتْرَكَ سُدًى: ولا يجني ثمرات عمله وعواقب سعيه، وإذا لم يكن الإنسان مسئولاً عن شيء فعلام الحق والعدل والحرية والشرائع والأنظمة؟ إن المسئولية هي التي توجد القانون، وليس القانون هو الذي يوجدها، وكل الحدود والقيود السماوية والوضعية شرعت للحرص على حقوق الإنسان وصيانتها، ولا إنسانية بلا مسئولية.

(37) – (38): ﴿أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِّن مَّنِيٍّ يُمْنَى... : هذا الذي يقول: إنه غير مسئول أمام الله، لم يكن شيئًا مذكورًا، فخلقه سبحانه من نطفة ثم من علقة، وتحول من حال إلى حال حتى أصبح إنسانًا سويًا ذا عقل وقوة وإرادة، وبالعقل يميز وبالقدرة يفعل وبالإرادة يختار، وبهذا يصبح مسئولاً عن أعماله شاء أم أبى.

(39): ﴿فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنثَى: الذكر غير الأنثى بلا شك ومع هذا هما شيء واحد طبيعة وخصالاً، فمن قدر على ذلك يقدر على إحياء الموتى.

(40): ﴿أَلَيْسَ ذَلِكَ: الذي خلق من النطفة إنسانًا عجيبًا وجعله ذكرًا وأنثى ﴿بِقَادِرٍ عَلَى أَن يُحْيِيَ الْمَوْتَى: في إنه على كل شيء قدير، وسوف نحشر إليه صاغرين.


* التفسير المبين / العلامة الشيخ محمد جواد مغنية.

2015-12-10