(1): ﴿عَمَّ﴾: الأصل كلمتان: عن وما، فأدغمت النون في الميم، وحذفت الألف فصارت عمّ
للإستفهام﴿يَتَسَاءلُونَ﴾: يسأل المشركون بعضهم عن بعض.
(2): ﴿عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ﴾: والمراد به هنا البعث.
(3): ﴿الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ﴾: ضمير الجماعة هنا للناس، كل الناس، لا
لمشركي مكة فقط لأنهم على وفاق أن البعث حديث خرافة.
(4): ﴿كَلَّا سَيَعْلَمُونَ﴾: أن البعث حق، ويلاقون عاقبة التكذيب.
(5): ﴿ثُمَّ كَلَّا سَيَعْلَمُونَ﴾: وهذا التكرار لتوكيد لوقوع البعث والعذاب
وللتهديد أيضًا، ثم ساق سبحانه بعض الأدلة أنه قدير على ما يشاء من البعث وغيره
وقال:
(6): ﴿أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهَادً﴾: ؟ من الذي جعل الأرض ملائمة لحياة
الإنسان في جميع تصرفاته؟ ولو كانت على غير ما هي عليه الآن لتعذر أن يعيش فيها
ويحيا.
(7): ﴿وَالْجِبَالَ أَوْتَادً﴾: أرساها في الأرض بالمكان المناسب كيلا تميد بأهلها.
(8): ﴿وَخَلَقْنَاكُمْ أَزْوَاجً﴾: أصنافًا ذكورًا، وإناثًا ليتم التزاوج، فيحصل
النسل، ويكمل العمران.
(9): ﴿وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتً﴾: راحة للأرواح والأجسام ولا حياة بلا نوم.
(10): ﴿وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسً﴾: ساترًا بعضكم عن بعض.
(11): ﴿وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشً﴾: للسعي على العيال، وفي الحديث النبوي: (إن
من الذنوب ذنوبًا لا يكفرها صوم ولا حج وإنما يكفرها سعي الرجل على عياله).
(12): ﴿وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعًا شِدَادً﴾: المراد بالسبع الشداد الكواكب
المعروفة عند الناس وإلا فعدد الكواكب بعلم خالقها وحده، وتقدم في الآية 3 من الملك.
(13): ﴿وَجَعَلْنَا سِرَاجًا وَهَّاجً﴾: تنير الشمس ويتوهج ضؤوها لأهل الأرض.
(14): ﴿وَأَنزَلْنَا مِنَ الْمُعْصِرَاتِ مَاء ثَجَّاجً﴾: منصبًا بكثرة، والمعنى
تعصر الرياح والسحاب، فتهطل بالماء الغزير.
(15): ﴿لِنُخْرِجَ بِهِ حَبًّا وَنَبَاتً﴾: ينزل الماء من السماء، فتخرج به أقوات
الإنسان والحيوان.
(16): ﴿وَجَنَّاتٍ أَلْفَافً﴾: حدائق ملتفة بالشجر وما من شك أن من قدر على هذه
وأعظم منها فهو على إحياء الموتى أقوى وأقدر، وتكرر هذا المعنى مرات ومرات، وتكرار
الآيات في التحذر من عذاب الله والتذكير بآلائه أكثر من كثير.
(17): ﴿إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ كَانَ مِيقَاتً﴾: بعد الإشارة إلى دلائل قدرته
تعالى على البعث أشار إلى يومه، وأن له أجلاً لا يعدوه، ومتى يكون؟.
(18): ﴿يَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ﴾: فينتشر أهل القبور ومتى هذا النفخ؟ الله أعلم.
(19): ﴿وَفُتِحَتِ السَّمَاء فَكَانَتْ أَبْوَابً﴾: تتصدع وتنشق كفتحات الأبواب
كما في الآية 16 من الحاقة: (وانشقت السماء فهي يومئذ واهية).
(20): ﴿وَسُيِّرَتِ الْجِبَالُ فَكَانَتْ سَرَابً﴾: شيئًا كالأشياء حيث تتفتت
وتذهب مع الريح كالغبار المنتشر، وفي الآية 6 من الواقعة: (وبست الجبال بسًا فكانت
هباءًا منبثًا).
(21) – (22): ﴿إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَادً﴾: تنتظر الطغاة، وتعد لهم
الويلات.
(23) – (24): ﴿لَابِثِينَ فِيهَا أَحْقَابً﴾: لا انقطاع لها، كلما انقضى حقب جاء
بعده حقب إلى ما لا نهاية، وفي مدة الحقب أقوال، منها ثمانون سنة، ومنها الدهر.
(25): ﴿إِلَّا حَمِيمًا وَغَسَّاقً﴾: الحميم؛ شديد الغليان بنص الآية 46 من الدخان
(يغلي في البطون كغلي الحميم) والغساق. القيح وما أشبه كما قيل.
(26): ﴿جَزَاء وِفَاقً﴾: عذابًا يوافق العمل، وبعض الحاكمين في القرن العشرين
يجاوزون على الحسنة بعقوبة السيئة.
(27) – (28): ﴿إِنَّهُمْ كَانُوا لَا يَرْجُونَ حِسَابً﴾: كيف يؤمنون بالحساب
والجزاء، وقد أنكروا أصله وأساسه وهو الخير والحق؟ وهل يبقى الفرع بعد ذهاب أصله؟
وكل من أنكر اليوم الآخر أعماله كسراب بقيعة حتى ولو آمن بالله.
(29): ﴿وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ كِتَابً﴾: مفعول مطلق، لأن الكتاب هنا بمعنى
الكتابة، ومعنى أحصينا كتبنا، وهذه الآية ترادف الآية 49 من الكهف: (ما لهذا الكتاب
لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها).
(30): ﴿فَذُوقُوا فَلَن نَّزِيدَكُمْ إِلَّا عَذَابً﴾: كنتم في الدنيا تزدادون
عتوًا يومًا بعد يوم، ولا تخافون سوء الحساب، ولكم اليوم مثل ما كنتم تفعلون.
(31): ﴿إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازً﴾: ذاك خبر الأشقياء في الآخرة، وهذا خبر
السعداء الذين فازوا بالجنة، وبها أنشأ سبحانه لهم.
(32): ﴿حَدَائِقَ وَأَعْنَابً﴾: بساتين من كل الثمرات، وخصَّ الأعناب بالذكر
لشأنها عند المخاطبين.
(33): ﴿وَكَوَاعِبَ أَتْرَابً﴾: آنسات في سن واحدة، لم تتدل أثداؤهن، مهذبات غير
مائعات، ومصونات غير متبرجات.
(34): ﴿وَكَأْسًا دِهَاقً﴾: طافحة بما لذَّ وطاب.
(35): ﴿لَّا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا كِذَّابً﴾: كل كلام لا طائل فيه فهو
لغو، أما الكذب فرذيلة ومهانة.
(36): ﴿جَزَاء مِّن رَّبِّكَ عَطَاء حِسَابً﴾: أي أعطى سبحانه الطيبين المتقين حتى
قالوا بلسان المقال أو الحال: حسبنا أي يكفينا.
(37): ﴿رَبِّ السَّمَاوَاتِ... ﴾: خالق الكون بكل ما فيه ومن فيه ﴿الرحْمَنِ﴾: الذي
يملك كل شيء، ولا أحد يملك معه شيئًا حتى السؤال، لماذا فعل أو ترك؟
(38): ﴿يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ: جبريل وَالْمَلَائِكَةُ صَفًّا... ﴾: تقف الملائكة
يوم القيامة صفًا واحدًا، فيملئون النفوس والأجواء هيبة ورهبة، وهم على قربهم من
الله وطاعتهم له لا يتحركون ولا ينطقون إلا بإذنه، وهو سبحانه لا يأذن بالكلام
لمخلوق إلا من كانت حياته صدقًا وصوابًا وحقًا وعدلاً، ولماذا؟ لأن يوم القيامة هو.
(39): ﴿ذَلِكَ الْيَوْمُ الْحَقُّ فَمَن شَاء﴾: الوصول والحصول على مرضاة الله
وثوابه ﴿اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ مَآبً﴾: أي عمل صالحًا ينتهي به ويؤوب إلى الله
ومرضاته وفضله وجناته.
(40): ﴿إِنَّا أَنذَرْنَاكُمْ عَذَابًا قَرِيبً﴾: وهو يوم القيامة، ونعته تعالى
بالقريب لأنه واقع لا محالة، هذا إلى أن من مات فقد قامت قيامته ﴿يَوْمَ يَنظُرُ
الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ﴾: فإن كان خيرًا نظر إليه ضاحكًا مستبشرًا، وإن يك
شرًا نظر إليه باكيًا متحسرًا، والعاقل ينتهز الفرصة ما دام فيه الروح ﴿وَيَقُولُ
الْكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنتُ تُرَابً﴾: وهكذا كل من سوف وضيَّع تذهب نفسه مع
الحسرات والعبرات.
* التفسير المبين / العلامة الشيخ محمد جواد مغنية.
2015-12-10