(1): ﴿وَالنَّازِعَاتِ غَرْقً﴾: المراد بالنازعات الكواكب، لأنها ترمي بالشهب،
يقال: نزع عن القوس أي رمى عنها، وغرقًا أي إغراقًا، يقال: أغرق في الشيء إذا بالغ.
(2): ﴿وَالنَّاشِطَاتِ نَشْطً﴾: تنتقل الكواكب من برج إلى برج.
(3): ﴿وَالسَّابِحَاتِ سَبْحً﴾: تتحرك في الفضاء.
(4): ﴿فَالسَّابِقَاتِ سَبْقً﴾: تتمم دورتها حول ما تدور عليه، ومن المعلوم أن
سرعة كل شيء بحسبه.
(5): ﴿فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْرً﴾: قال الشيخ محمد عبده ما معناه: إن الكواكب يظهر
أثرها بما ينفع الناس من معرفة الأوقات والأقطار، وما أشبه ذلك.
(6): ﴿يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ﴾: وهي الأرض لقوله تعالى: (يوم ترجف الأرض – 14
المزمل).
(7): ﴿تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ﴾: وهي السماء بما فيه تردف الأرض أي تتبعها خرابًا
ودمارًا.
(8): ﴿قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ وَاجِفَةٌ﴾: خائفة مضطربة أي أن قلوب المجرمين تنخلع يوم
القيامة خوفًا ورعبًا.
(9): ﴿أَبْصَارُهَا خَاشِعَةٌ﴾: ذليلة وحقيرة، لأنهم سمعوا بيوم القيامة وأهواله،
فأنكروا وسخروا، ولما جاءوا شاهدوا فوق ما سمعوا، وفي نهج البلاغة: كل شيء في
الدنيا سماعه أعظم من عيانه، وكل شيء في الآخرة عيانه أعظم من سماعه.
(10): ﴿يَقُولُونَ أَئِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحَافِرَةِ﴾: وهي العودة إلى
الحياة الدنيا بعد الموت حيث ظنوا البعث خروجًا من بطن الأرض إلى ظهرها تمامًا كما
كانوا من قبل.
(11): ﴿أَئِذَا كُنَّا عِظَامًا نَّخِرَةً﴾: بالية، والمعنى كيف نُرد إلى الحياة
وقد بليت منا العظام ولم يبق لها أي أثر؟.
(12): ﴿قَالُوا تِلْكَ إِذًا كَرَّةٌ خَاسِرَةٌ﴾: قالوا في هزء وسخرية: إذا صحت
الرجعة إلى الحياة وحدثت فهم أخسر الناس صفقة مع أنهم الرابحون وغيرهم الخاسر أبدًا
ودائمًا كما يزعمون.
(13): ﴿فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ﴾: هذا رد منه تعالى على من يرى الرجعة
محالاً، بأنهم تحدث وتتم بكلمة واحدة ممن يقول للشيء: كن فيكون.
(14): ﴿فَإِذَا هُم بِالسَّاهِرَةِ﴾: وهي الأرض البيضاء كما قال المفسرون، ومنهم
الشيخ محمد عبده والشيخ الطبرسي والبيضاوي، ونقل هذا الأخير قولاً بأن الساهرة اسم
لجهنم، وهذا أقرب للاعتبار وأنسب حيث يكون المعنى أنكروا جهنم فإذا هم منها في
الأعماق.
(15): ﴿هَلْ أتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى﴾: يا محمد، فالله سبحانه سينصرك على أعدائك كما
نصره على فرعون، وتقدم في الآية 9 من طه وغيرها.
(16): ﴿إِذْ نَادَاهُ رَبُّهُ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى﴾: هو وادٍ في أسفل جبل
طور سيناء، وطوى اسم للوادي، وتقدم في الآية 12 من طه.
(17): ﴿اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى﴾: وقال: أنا ربكم الأعلى وتقدم في
الآية 24 من طه.
(18) – (19): ﴿فَقُلْ هَل لَّكَ إِلَى أَن تَزَكَّى وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ
فَتَخْشَى﴾: يعرض عليه بلطف ولين التطهير من الشرك والرذائل والهداية إلى الله
والحق.
(20): ﴿فَأَرَاهُ الْآيَةَ الْكُبْرَى﴾: وهي انقلاب العصا حية.
(21): ﴿فَكَذَّبَ وَعَصَى﴾: أنكر المعجزة وقال: هي سحر.
(22): ﴿ثُمَّ أَدْبَرَ يَسْعَى﴾: في تدبير الكيد لموسى.
(23): ﴿فَحَشَرَ فَنَادَى﴾: جمع السحرة والأعوان.
(24): ﴿فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى﴾: وكل من يدعِّي ما ليس فيه فهو على
مبدأ فرعون وسنته، ولو وجد من يصدقه في ادعاء الربوبية كما وجد فرعون – لم يتعفف.
(25): ﴿فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ الْآخِرَةِ﴾: إلى سواء الجحيم ﴿وَالْأُولَى﴾:
إلى عذاب أليم.
(26): ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِّمَن يَخْشَى﴾: فيتدبر العواقب ويحتاط لها.
(27) – (28): ﴿أَأَنتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاء بَنَاهَ﴾: عاد سبحان إلى
المكذبين بالبعث وقرعهم بهذا السؤال: أيهما أعظم؟ إعادة الميت إلى الحياة كما بدأه
الله أول مرة أم إنشاء هذه السماء في إتقانها ونظامها. وتقدم في الآية 11 من
الصافات.
(29): ﴿وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَ﴾: الهاء تعود إلى السماء باعتبار
كواكبها، وأغطش: أظلم، وأخرج ضحاها: أبرز ضوءها وشمسها.
(30): ﴿وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَ﴾: بسطها ومهدها كي تصلح للسكن والسير.
(31): ﴿أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءهَ﴾: يتفجر عيونًا وأنهارًا ﴿وَمَرْعَاهَ﴾: النبات
يأكله الناس والدواب.
(32): ﴿وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَ﴾: أثبتها كي لا تميد وتضطرب بمن فيها.
(33): ﴿مَتَاعًا لَّكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ﴾: رفع السماء فوقنا، ومهد الأرض تحتنا،
وأخرج منها الماء والغذاء لنا ولأنعامنا، فكيف نجحده أو نتمرد على طاعته أو نشك في
ناره وجنته.
(34): ﴿فَإِذَا جَاءتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرَى﴾: هي الداهية العظمى، والمراد بها
هنا القيامة، لأن ما من طامة إلى وفوقها طامة، والقيامة فوق كل طامة كما قيل وهي
كذلك في الواقع، وتجدر الإشارة إلى أن الله سبحانه أعاد وكرر حديث القيامة مرات لأن
كثيرًا من العرب امتنعوا عن الإسلام حيث تصوروا استحالة الحياة بعد الموت، وبما أن
الله قد أرسل محمدًا بالقيامة كما أرسله بالتوحيد فكان ولا بد من أن يبين أنه
القادر على نشر الأموات كما قدر على خلق الحياة والكائنات تصديقًا لرسوله الأعظم
(ص).
(35): ﴿يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الْإِنسَانُ مَا سَعَى﴾: ما مهَّد لنفسه وادخر لغده.
(36): ﴿وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِمَن يَرَى﴾: بالبصر والعيان، ولا ينجو منها إلا
الذين رأوها من قبل بالبصيرة، واتقوها بالصالحات والكف عن المحرمات.
(37) – (39): ﴿فَأَمَّا مَن طَغَى... ﴾: وكل من لا ينصف الناس من نفسه أو رأى
عدوانًا ولم ينكره فهو طاغٍ أو في حكمه، فكيف بمن ظلم أو رضي بالظلم أو ركن إلى
الظالمين؟.
(40) – (41): ﴿وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ... ﴾: أي خاف من حسابه
وانتقامه، واكتفى بحلاله عن حرامه، وتكرر هذا المعنى في كل السور أو جلها، لأنه
تعالى ما ذكر الإنذار أو الترهيب إلا وقرنه بالتبشير والترغيب.
(42): ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَ﴾: متى قيامها وأيامها؟.
(43) – (45): ﴿فِيمَ أَنتَ مِن ذِكْرَاهَا... ﴾: أنكر المعاندون القيامة أشد
الإنكار، وحاولوا إخراج النبي (ص) بتكرار السؤال عن وقتها، فتمنى النبي لو أمكن
الجواب كما يوحي أُسلوب (فيم أنت) لأنه إنكار في صورة الاستفهام، ومعناه لا تشغل
نفسك بالجواب عن هذا السؤال، فما هو من اختصاصك في شيء، والمطلوب منك أن تخوف الناس
من القيامة وأهوالها، وتقدم مرات، منها في الآية 187 وما بعدها من الأعراف.
(46): ﴿كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ
ضُحَاهَ﴾: الضحى: أول النهار، والعشية: آخره، وأضاف سبحانه الضحى إلى العشية
لأنهما من يوم واحد، والمعنى يوم يحشر المعاندون إلى ربهم يظنون أنهم لم يلبثوا في
القبور إلا ساعة من نهار كما في الآية 45 من يونس.
* التفسير المبين / العلامة الشيخ محمد جواد مغنية.
2015-12-10