يتم التحميل...

سورة المطففين

تفسير الكتاب المبين

سورة المطففين

عدد الزوار: 120

(1) – (17): ﴿وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ... : هدد سبحانه في هذه الآيات الذين ينهبون أقوات الناس بأساليب شيطانية ويعكرون صفو الحياة ويهدرون كرامة البشرية وحرمتها، ونعتهم في الآية الأولى بالمطففين – أي الذين يبخسون الناس أشياءهم – وفي الآية السابعة بالفجار، وفي الآية 85 من هود: ﴿ولا تبخسوا الناس أشياءهم ولا تعثوا في الأرض مفسدين وبتقدم العلم تطورت أساليب الإستغلال، وانقسم الفجار المستأثرون إلى فئتين في عهدنا الراهن تحتلان مركز الصدارة في شرق الأرض وغربها: الشيوعية تلغي وجود الفرد بدعوى الحرص على مصلحة الجماعة، وتركز كل شيء في رجالها وأنصارها، فتقبض على زمام السلطة والإنتاج الاقتصادي بالكامل، وعلى التشريع والتنفيذ والقضاء، ولا رأي وكلام إلا لها ومنها، وما على الآخرين إلا السمع والطاعة. – الرأسمالية تعترف بوجود الفرد وحريته في التعبير عما يشاء وتفسح له مجال الاستفتاء، ولكن هذا الاعتراف شكلي لا واقعي، وهذه الحرية وهمية لا واقعية، وذلك إن هذه الفئة تحدد وتخطط سلفًًا للمواطنين الآخرين، الطريق الذي تريده هي أن يسلكوه، ومرادها الذي ينبغي أن يؤيدوه، وتدفعهم إليه بأحدث الوسائل العلمية التي تتلاعب بعقول الناس وميولهم كيف تشاء، ومن هذه الوسائل الصحف والإذاعات والدعايات والخطابات الجذابة الخلابة، والدراسات النفسية التي يقوم بها أخصائيون بارعون في استهواء النفوس وتوجيهها حيث يشاءون إلى غير ذلك من المؤثرات والإنفعالات، ومعنى هذا أن الفئتين تلتقيان في النتيجة على صعيد اللاحرية واللاديمقراطية بل واللاإنسانية. وتقدمت في الآيات الـ17 أكثر من مرة إضافة إلى وضوحها مع ضيق المقام. وللضرورة أحكام.

(18): ﴿كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ: لما ذكر سبحانه حال الفجار المستغلين المعتدين أشار إلى الأبرار المتقين وهم الذين لا يسيئون إلى مخلوق، ولا يعصون الله في شيء، والمراد بالكتاب هنا كتاب الأعمال.

(19): ﴿وَمَا أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ: تفخيم وتعظيم لهذا العلو والسمو، ويأتي تفسيره بعد لحظة.

(20): ﴿كِتَابٌ مَّرْقُومٌ: فيه علامات تدل على جليل الأفعال والصفات.

(21): ﴿يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ: تقرأه ملائكة الرحمة، والقصد من هذا الإخبار أن الجنة حق لا ريب فيه.

(22): ﴿إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ: هذا بيان وتفسير لعليين وأنه جنات النعيم، ومنها:

(23): ﴿عَلَى الْأَرَائِكِ يَنظُرُونَ: الأرائك: الأسِرَّة، وينظرون: تتمتع أبصارهم بأبهى المناظر وأجملها.

(24): ﴿تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ: تدل سمتهم على السرور والسعة والراحة والدعة، وتقدم في الآية 38 من عبس.

(25): ﴿يُسْقَوْنَ مِن رَّحِيقٍ مَّخْتُومٍ: الرحيق: خمر الجنة لا تذهب بالعقل وتفسده، وقد ختمت أوانيها بالمسك كما قال سبحانه:

(26): ﴿خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ: إلى مرضاة الله وجناته يتسابق أهل القرآن والمنتمون إلى الإسلام لا إلى التصفيق والهتاف والجلوس في الصدر وتقبيل الأيدي ونهب أموال الفقراء والمساكين ليتركوها للأبناء والأصهار.

(27): ﴿وَمِزَاجُهُ مِن تَسْنِيمٍ: قد مزج الرحيق بشراب يقال له تسنيم، وسمي بذلك لأنه يتدفق من علو.
(28): ﴿عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ: عينًا مفعول لفعل محذوف أي أعني عينًا، والمعنى أن التسنيم ليس عصيرًا من فاكهة أو ما أُضيف إليه شيء آخر، بل هو من عين طبيعية.

(29): ﴿إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُواْ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ: المراد بالمجرمين أعداء النبي (ص) والإسلام ومن صفاتهم الجهل والكفر والتعصب والغرور، والمراد بالمؤمنين الصحابة، ومن صفاتهم العلم والإيمان والتواضع والإخلاص، وإذن فلا بدع أن يسخر أولئك من هؤلاء.

(30): ﴿وَإِذَا مَرُّواْ بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ: عليهم استخفافًا وتهكمًا.

(31) – (32): ﴿وَإِذَا انقَلَبُواْ إِلَى أَهْلِهِمُ انقَلَبُواْ فَكِهِينَ... : قال الرازي في تفسير هذه الآية مر الإمام عليّ (ع) ونفر من المسلمين بجماعة من المنافقين، فضحكوا وتغامزوا، ثم رجعوا إلى أصحابهم وقالوا: رأينا الأصلح فضحكوا منه، فنزلت هذه الآية قبل أن يصل عليّ إلى رسول الله (ص).

(33): ﴿وَمَا أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ حَافِظِينَ: شقي يسخر من تقي؟ وفي نهج البلاغة: حاسب نفسك لنفسك، فإن غيرها من الأنفس لها حسيب غيرك.

(34) – (35): ﴿فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُواْ مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ: وهكذا الجاهل السافل يفرح بالقبيح من فعله، وهو لا يشعر أنه يطعن نفسه بنفسه.

(36): ﴿هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ: هل عاقب سبحانه المجرمين بأعمالهم؟ أجل، ما في ذلك ريب، حيث لا يستقيم مع عدله أن يستوي المحسن والمسيء والمجرم والبريء.


* التفسير المبين / العلامة الشيخ محمد جواد مغنية.

2015-12-10