(1): ﴿لَا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ﴾: مكة المكرمة، وأقسم سبحانه بها لشأنها
وحرمتها.
(2): ﴿وَأَنتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَدِ﴾: هذه جملة معترضة بين المعطوف والمعطوف
عليه، والخطاب لمحمد (ص) وحلَّ من الحلول بمعنى النزول لا من الحلال كما قيل لأن
المعنى الأول هو الأظهر المتبادر، والواو للحال، وعليه يكون القسم بمكة مقِّيدًا
بوجود محمد (ص) فيها إشعارًا بأن مكة زادت به شأنًا ورفعة.
(3): ﴿وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ﴾: قال الشيخ محمد عبدة: والمراد كل والد ومولود من
الإنسان والحيوان والنبات كما يرد إليه التنكير، وهو مختار ابن جرير وجمع من
المحققين والغرض من القسم بذلك التنبيه إلى إنشاء الكائنات الحية وتطورها من حال
إلى حال.
(4): ﴿لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي كَبَدٍ﴾: بفتح الكاف والباء، من المكابدة،
والمعنى أن الله سبحانه خلق الإنسان ليكابد الشدائد من أجل حياة أفضل عند الله
والناس، قال عزّ من قائل: (ليبلوكم أيكم أحسن عملاً - 2 الملك... ويستخلفكم في
الأرض فينظر كيف تعملون- 129 الأعراف) ومعنى هذا أن من يأكل ولا يعمل موته خير من
حياته، وعدمه خير من وجوده.
(5): ﴿أَيَحْسَبُ أَن لَّن يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ﴾: أيظن المترف الطاغية أنه في
حصن حصين من الضربات والنكبات.
(6): ﴿يَقُولُ أَهْلَكْتُ مَالًا لُّبَدً﴾: أي أنفقت مالاً كثيرًا ملبدًا ومكدسًا
بعضه فوق بعض، وهكذا يفتخر الغني الشقي متعاليًا بما أسرف وبذر على شهواته وملذاته.
(7): ﴿أَيَحْسَبُ أَن لَّمْ يَرَهُ أَحَدٌ﴾: أيظن هذا المفتون بماله أن الله غافل
عن أعماله؟ كلا، سيسأل عن كل درهم مم اكتسبه وفيم أنفقه؟ ويعامل بما استحق.
(8): ﴿أَلَمْ نَجْعَل لَّهُ عَيْنَيْنِ﴾: يبصر بهما.
(9): ﴿وَلِسَانً﴾: ينطق به ﴿وَشَفَتَيْنِ﴾: يستعين بهما على الكلام وأكل الطعام.
(10): ﴿وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ﴾: المراد بالهدى هنا العقل الذي يكون الإنسان
به شيئًا مذكورًا، وإليه ينتهي العلم بكل سر وحقيقة سواء أكانت طبيعية أم دينية أم
اجتماعية حيث لا علم بلا عقل، وكل ما يرفضه العقل فهو وهم وخرافة، وبهذا يتضح أن
المراد بالنجدين: الحق والباطل، الأول يرتضيه العقل أو لا يعارضه – على الأقل–
والثاني ينكره العقل ويأباه.
(11) – (17): ﴿فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ فَكُّ
رَقَبَةٍ أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ أَوْ
مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَوَاصَوْا
بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ﴾: اقتحام العقبة: الكفاح لعمل أفضل، وفك
الرقبة: تحرير الإنسان من العبودية والهوان، والمسغبة: المجاعة، والمقربة: القرابة
بالنسب أو بالإنسانية، والمتربة: الفقر الشديد، والتواصي بالصبر والمرحمة: التعاون
على تحقيق العدالة الإجتماعية، بعد أن بيِّن سبحانه في الآية 4 أنه خلق الإنسان
ليكابد ويجاهد، حدد في هذه الآيات السبع نوع هذه المكابدة بالعمل لتحرير الضعيف من
الضعف والعبودية، وتأمين العمل لكل من يقدر عليه، ولقمة العيش لمن يعجز عن السعي
والتعاون على ترابط المجتمع وتماسكه وقدرته على البقاء ومواجهة الخطوب والأحداث.
(18): ﴿أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ﴾: أولئك إشارة إلى الذين تعاونوا على
تحقيق العدالة الإجتماعية والعمل لحياة أفضل، وأصحاب الميمنة في اصطلاح القرآن هم
السعداء الذين لهم قدم صدق عند ربهم.
(19): ﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا هُمْ أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ﴾: الذين غضب
الله عليهم، وأعد لهم نارًا موقدة وعليهم موصدة مطبقة مغلقة.
* التفسير المبين / العلامة الشيخ محمد جواد مغنية.
2015-12-10