الأخوة في الإسلام
المجتمع الإسلامي
لقد حثَّ الإسلام العزيز على العلاقات الإنسانية القائمة على أسس الخير والصلاح والتي يكون عنصر الربط فيها نابعاً من الروح السامية والقلب السليم والعقيدة الصحيحة. لما في تلك العلاقات من تأثير متبادل بين الأطراف وخصوصاً الأخوّة في الله تعالى
عدد الزوار: 136
يقول تعالى:
﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ
وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُون﴾1.
أ- أهمية الأخوة
لقد حثَّ الإسلام العزيز على العلاقات الإنسانية القائمة على أسس الخير والصلاح
والتي يكون عنصر الربط فيها نابعاً من الروح السامية والقلب السليم والعقيدة
الصحيحة. لما في تلك العلاقات من تأثير متبادل بين الأطراف وخصوصاً الأخوّة في الله
تعالى التي تترك بصماتها في الحياة الداخلية والخارجية للإنسان بعيداً عن حدود
الإتصال بالنسب فقط كما قال أمير المؤمنين عليه السلام: "ربَّ أخٍ لك لم تلده
أمك؟" والذي يلفت الانتباه هو الموقع المتقدم الذي حظيت به الأخوة في أحاديث
النبي صلى الله عليه وآله وسلم واله عليهم السلام بعد القران الكريم، فقد ورد عن
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: "ما استفاد امرؤ مسلم فائدة بعد
فائدة الإسلام مثل أخٍ يستفيده في الله"2.
فقد جعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم فائدة الأخوة في الله تعالى بعد فائدة
الإسلام مباشرة كما هو واضح من الحديث المتقدم وجعل النظر إلى وجه الأخ عبادة كما
في قوله صلى الله عليه وآله وسلم: "النظر إلى الأخ تودّه في الله عز وجل عبادة"3.
وانه: "من استفاد أخاً في الله عز وجل استفاد بيتاً في الجنة" كما عن الرضا
عليه السلام.4
ومن جانب اخر فإن المؤمن هو دليل أخيه المؤمن وعينه كما ورد عن الصادق عليه السلام:
"المؤمن أخو المؤمن، عينه ودليله لا يخونه ولا يظلمه ولا يغشّه، ولا يعده عدة
فيخلفه"5.
وعن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "إن المؤمن ليسكن إلى المؤمن كما يسكن
الظمان إلى الماء"6.
وعنه صلى الله عليه وآله وسلم: "إستكثروا من الإخوان فإن لكل مؤمن شفاعة يوم
القيامة"7.
ونحن نقف أمام هذه المضامين العالية للأخوة والتي هي صريحة في أنها حاجة بل ضرورة
في كلا العالمين الدنيوي والأخروي، تعرض لنا جملة من التساؤلات لا بد من العثور على
أجوبتها الشافية، من قبيل ما هي حدود الأخوة في الإسلام؟ ومن نؤاخي؟ وعلى أيّ أساسٍ
يتمّ اختيارنا؟ ومن هم أصدقاء السوء؟ ومن هم أخوان الصدق؟ وما هي الحقوق المتوجبة
علينا والاداب التي ينبغي التحلي بها مع الأخوان؟ لنتعرف على العوامل الإيجابية
التي تؤدي إلى توطيد العلاقة وتعزيزها فنتبعها، وعلى العوامل السلبية التي تنتهي
إلى القطيعة والعداوة فنجتنبها.
لذا سنحاول جاهدين أن نجيب عن ذلك في الدروس المقبلة إن شاء الله تعالى.
ب- معنى الأخوة
ربما يكون للوهلة الأولى معنى الأخوة واضحاً ويعتبر من أصعب الصعوبات توضيح
الواضحات ولكن الأمر ليس كذلك حينما تنظر إلى طائفة من الأحاديث المباركة التي رسمت
أبعاد المعنى وأسس المبنى وعمق الارتباط بين الاسم والمسمى في حدود حثّت الشريعة
الغراء على المحافظة عليها وحذّرت من تجاوزها كالنزاهة عن الخيانة وغيرها ويكفي
شاهداً لهذا المعنى الرفيع ما ورد في سبب تسمية الأخوان والأصدقاء كما في الحديث عن
الصادق عليه السلام: "إنما سمّوا إخواناً لنزاهتهم عن الخيانة وسمّوا أصدقاء
لأنهم تصادقوا حقوق المودّة"8.
فلذلك يكون الانحراف عن هذه الجادة نقضاً لعهد الأخوة وخروجاً على مكانتها وابطالاً
لمعناها.
ج- أقسام الأخوة
1- الأخوّة النّسبية: وهي العلقة بين إنسانين من خلال اشتراكهما في أب أو أم
أو فيهما تولّداً، ولها اثار شرعية عديدة كالإرث وحرمة التزويج وغير ذلك.
2- الأخوّة الرضاعية: وهي عبارة عن الربط القائم بين إنسانين من خلال
الإرتضاع من امرأة واحدة ولها آثار شرعية أيضاً كحرمة التزويج وغيرها ولكنها أضيق
من النسبية لأن الأخوين من الرضاعة لا يتوارثان.
3- الأخوّة الدينية: وهي عبارة عن الاشتراك بين شخصين في الدين والإيمان كما
في قوله سبحانه:
﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ﴾9.
وعن أمير المؤمنين الإمام علي عليه السلام: "فإنهم (لناس) صنفان: إما أخٍ لك في
الدين وإما نظير لك في الخلق"10، بمعنى أن الذي يوجد الشراكة بين
الإخوان هو الإيمان الذي بمنزلة الأب النَّسَبي تشبيهاً له به وإن تباعدت أوطانهم
وتغايرت ألوانهم واختلفت لغاتهم.
د- ميزان الأخوة
أكدت الأحاديث الشريفة أن الأساس والميزان الذي ينبغي قيام الأخوة عليه لا بد أن
يكون إلهيّاً وان من كانت أخوته في غير ذات الله تعالى فهي عداوة كما ورد عن أمير
المؤمنين عليه السلام: "الناس أخوان فمن كانت أخوته في غير ذات الله فهي عداوة وذلك
قوله عز وجل:
﴿الْأَخِلَّاء يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا
الْمُتَّقِينَ﴾11
12
ولذلك لا يجدر بنا أن نُواخي على أساس مصالحنا الدنيوية ومكاسبنا التجارية، وليس
غريباً أن ينتهي الأمر بالفراق أو القطيعة حينما تنقضي المصالح وتكون الصحبة مشؤمة
ونبوء بالحرمان.
عن أمير المؤمنين عليه السلام: "من اخى في الله غنم، ومن اخى في الدنيا حُرِم"13.
وعنه "كل مودة مبنية على غير ذات الله ضلال والاعتماد عليها محال"14.
وعنه أيضاً: "من لم تكن مودته في الله فاحذره، فإن مودته لئيمة وصحبته مشؤمة"15.
هـ- اختيار الأخ
كيف أختار أخاً لي؟ وما هي الخطوة الأولى التي ينبغي اتباعها؟
هنا نطرق باب أمير المؤمنين عليه السلام لنأخذ الجواب حيث يقول: "قدّم الإختبار
في اتخاذ الإخوان، فإن الإختبار معيار يفرّق بين الأخيار والأشرار"16.
ويقول عليه السلام أيضاً: "قدّم الإختبار وأجد الاستظهار في اختيار الإخوان وإلا
ألجأك الإضطرار إلى مقارنة الأشرار"17.
إذن الإختبار ثم الإختيار وذلك حتى لا يدخل الإنسان في علاقة مشينة ولا يضع ثقته
حيث لا يجب أن توضع، فيأتمن الاخر على
أسراره ويطلعه على شؤونه بالرغم من عدم وضوح حقيقته لديه، وبهذا يقع في مقارنة
الأشرار لأنه لم يقم العلاقة على نور ومشى في الظلام، وهنا نسأل ما هي عناصر
الاختبار الذي هو الخطوة الأولى؟
وهي التي سيأتي بيانها في السلسلة الاتية ونقدِّم لها الحديث عن مولانا الصادق عليه
السلام: "اختبروا أخوانكم بخصلتين فإن كانتا فيهم وإلا فاعزب ثم اعزب ثم اعزب
محافظة على الصلوات في مواقيتها، والبرّ بالأخوان في العسر واليسر"18.
والحمد لله رب العالمين
* خصال الإخوان ، سلسلة الدروس الثقافية ، نشر: جمعية المعارف الإسلامية الثقافية
1- الحجرات:10.
2- تنبيه الخواطر، ج2، ص179.
3- بحار الأنوار، ج74، ص279، ح1.
4- ثواب الأعمال، ج1، ص182، ح1.
5- الكافي، ج2، ص166، ح3.
6- النوادر للراوندي، ص8.
7- كنز العمال، 26442.
8- البحار، ج71، ص180.
9- الحجرات:10.
10- البحار، ج33، ص600.
11- الزخرف:67.
12- كنز الفوائد، ص34.
13- غرر الحكم، ح77740.
14- المصدر نفسه ح 6915.
15- المصدر نفسه. ح 8978.
16- ميزان الحكمة، ح283.
17- المصدر نفسه. ح284
18- ميزان الحكمة، ح286