مصطلحات علم العرفان
علم العرفان
المصطلحات التي استخدمها العرفاء كثيرة، بل يمكن القول: إنّ من الصعب إحصاءها والوقوف على عددها. بعض هذه المصطلحات يحكي عن المفاهيم التي تشكّل عناوين النظريات والعقائد العرفانية، وهي أمور استخرجوها بواسطة الكشف والشهود
عدد الزوار: 376
المصطلحات التي استخدمها العرفاء كثيرة، بل يمكن القول: إنّ من الصعب إحصاءها
والوقوف على عددها. بعض هذه المصطلحات يحكي عن المفاهيم التي تشكّل عناوين النظريات
والعقائد العرفانية، وهي أمور استخرجوها بواسطة الكشف والشهود وتأويل الآيات
الشريفة. وبعضها الآخر عبارة عن حالات كان السالك يعيشها أثناء عملية السير والسلوك،
فكان يعبّر عنها بالأسلوب الذي يُرضي فهمه وإدراكه. الثالث منها، مجموعة من
المصطلحات التي تتناول عناوين شتّى في السير والسلوك والتوجّه نحو الله، وكيفية طيّ
المقدّمات وأغلب هذه المصطلحات، استخرجها العرفاء بالتأمّل في الآيات والروايات.
هنا سنحاول الإطلالة على بعض المصطلحات الهامّة عند العرفاء وبأسلوب مختصر.
وحدة الوجود
يعتقد العرفاء أنّ ليس في الوجود سوى مؤثر واحد، وهو الله تعالى، لا بل ويضيفون إلى
ذلك أنّ ليس ثمّة موجود سواه تعالى. وبهذا المعنى، فالموجودات منحصرة في الله تعالى،
والوجود ليس له إلا معنى واحد يصدق على الله تعالى، أمّا باقي المخلوقات فهي
تجلّيات ومظاهر للذّات الإلهية باختلاف مراتبها.
وعلى هذا الأساس، فوحدة الوجود عند العارف تعني أنّ الله تعالى هو الحقّ، وليس في
العوالم كلّها إلا وجود واحد هو، الوجود الحقّ المطلق1.
يؤكّد العرفاء على أنّ للتوحيد مراتبًا:
1- توحيد العامّة: ويسمّى التوحيد الفعلي
وتوحيد أهل الشريعة. وهو التوحيد الظاهر الجلي عند عامّة المسلمين، من التشهّد بأن
لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، والذي به تُحْقن الدماء والأموال، وتترتّب عليه
أحكام ظاهر الإسلام. وتوحيد العامّة على نوعان:
الطائفة الأولى: طائفة عامّة الناس التي لا
تقوم بحقّ الاستدلال النظري والعقلي.
الطائفة الثانية: التي تعتقد بالتوحيد من خلال
الأدلّة العقلية والنظرية.
2- توحيد الخاصّة: ويسمّى التوحيد الوصفي
وتوحيد أهل الطريقة. وهو أن يشاهد السالك بعد حصول التوحيد البرهاني بعين البصيرة
القلبية أنّه الإله الواحد، وأنّه ليس في الوجود غيره، ولا فاعل سواه. وهذه الدرجة
من التوحيد يصل إليها السالك من خلال مشاهدة الحقّ وإسقاط التعلّق بالأسباب
الظاهرية، فيقطع النظر عن الأسباب والمسبّبات فلا يرى وسيلة إلا الحقّ، فيسلّم
الأمر إليه بالكليّة، ويتّكل عليه في أموره، ويرضى بحكمه. وبالتالي من أهمّ آثار
هذا النوع من التوحيد أن يصل السالك إلى مقام التوكل والتسليم والرضا. ويسمّى هذا
النحو من التوحيد بـ "توحيد إسقاط الأسباب الظاهرة".
3- توحيد خاصّة الخاصّة: ويسمّى التوحيد
الذاتي وتوحيد أهل الحقيقة. وهو التوحيد الذي يفنى فيه السالك بربّه، وهو مبنيّ على
الفناء المحض، محواً وطمساً ومحقاً، والعبور عن جميع المقامات والمراتب والاعتبارات
حتى الوجود وتوابعه. وهو التوحيد الذي يقولون فيه: "التوحيد إسقاط الإضافات".
فالعارف في هذه المرتبة من التوحيد لا يرى في الوجود إلا الله وحده، ويغيب غيره عن
النظر بالكامل، وهو لا يفنى عن غيره فقط، بل عن نفسه أيضا، بسبب استغراقه في مشاهدة
الحقّ، فهو - إذاً - فناءٌ عن كلّ ما سوى الحقّ تعالى2.
وعند العرفاء التوحيد الحقيقي الذي ينادون به، والذي يحكي عن حقيقة العبودية لله
تعالى، هو توحيد خاصّة الخاصّة.
الأعيان الثابتة
الأعيان الثابتة عبارة عن الصور العلمية للمظاهر والشؤون في العلم الإلهي.
يعتقد العرفاء أنّ لله شؤونًا باعتبار أنّه ﴿كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ﴾ وأنّ له
بحسب تلك الشؤون أسماء وصفات، هي في الحقيقة أعيان المظاهر في المراتب على اختلافها.
وبما أنّ هذه الأسماء والصفات موجودة في علم الله تعالى قبل أن تظهر في المراتب،
فحقيقتها تعود إلى العلم, لذلك أطلق العرفاء الأعيان الثابتة على صور المظاهر عند
وجودها في العلم.
يقول القيصري: "اعلم أن للأسماء الإلهية صورًا معقولة في علمه تعالى، لأنّه تعالى
عالم بذاته لذاته وأسمائه وصفاته. وتلك الصور العلمية من حيث إنّها عين الذات
المتجلّية بتعيّن خاص ونسبة معيّنة هي المسماة بالأعيان الثابتة3.
ثمّ إنّ هذه الصور العلمية قد تكون كليّة، وقد تكون جزئية. يطلق الفلاسفة على
كلّياتها عنوان الماهيّات والحقائق، وعلى جزئيّاتها الهويّات، أمّا كيف تحصل هذه
الأعيان؟ يعتقد العرفاء أنّها نتيجة الفيض الإلهي الأوّل, إذ إنّ الله تعالى يُوجد
الأعيان بدايةً بفيضه الأول (الأقدس)، وبالثاني (المقدس) يخرجها إلى الخارج4.
العوالم والحضرات
العوالم جمع عالم، والعالم من العلامة، فهو كلّ ما يشار به إلى الله تعالى. وبما أنّ
ما يدلّ على الله تعالى غير متناه، فالعوالم غير متناهية أيضًا.
أمّا الحضرات، فهي المراتب الكلّية للتجلّيات، وبعبارة أخرى هي مظاهر الحقائق
المنسوبة إلى الله تعالى. يعتقد القيصري أنّ الحضرات متناهية وهي خمس, أي إنّ مراتب
التجلّيات خمسة، وبما أنّ لكل حضرة عالم، لذلك لا بدّ وأن تنتهي العوالم أيضًا من
هذه5 الناحية. ومن هنا يتحدّث العرفاء عن العوالم الخمسة والحضرات الخمس. فالعوالم
خمسة بتبع الحضرات، وهي على النحو الآتي: وأوّل الحضرات، حضرة الغيب المطلق،
وعالمها عالم الأعيان الثابتة، ويقابلها حضرة الشهادة المطلقة، وعالمها عالم الملك،
والثالثة حضرة الغيب المضاف إلى الغيب وعالمها عالم الجبروت، والرابعة حضرة الغيب
المضاف إلى الشهادة، وعالمه عالم المثال، والخامسة الحضرة الجامعة، وعالمها العالم
الإنساني الجامع لجميع العوالم وما فيها.
الأحديّة والواحديّة
الأحدية عبارة عن الذات الإلهية التي ليس للأسماء ولا الصفات فيها ظهور. فهي اسم
لصرافة الذات المجرّدة عن الاعتبارات الحقّية والخلقية. وهي مرتبة لا يمكن لأحد
إدراكها ولا الوصول إليها.
الواحدية عبارة عن الذات الإلهية التي تظهر فيها الأسماء والصفات. فهي مرتبة يمكن
معرفتها بما تمتلك من صفات وأسماء ظاهرة في المراتب6.
الشريعة والطريقة والحقيقة
الشريعة والطريقة والحقيقة عند العرفاء مراتب لشيء واحد وهو الشرع7، وأمّا في
التفريق بينها فيمكن القول أنّ الشريعة اسم موضوع للسبل الإلهية، مشتمل على أصولها
وفروعها، والطريقة هي المسلك والأسلوب الأحسن الذي نأتي به بالشريعة. والحقيقة هي
إثبات الشيء كشفًا وعيانًا, ولذلك قيل: "الشريعة أنْ تعبده، والطريقة أنْ تحضره،
والحقيقة أنْ تقوم به"8.
ويقال أيضًا: إنّ الشريعة هي تصديق أفعال الأنبياء قلبًا، والعمل بموجبها. والطريقة
هي تحقيق أفعالهم وأخلاقهم فعلاً، والقيام بحقوقها. والحقيقة هي مشاهدة أحوالهم
ذوقًا، والاتّصاف بها.
يعتقد العرفاء أنّ الشريعة مرتبة البداية، فما لم يصبح السالك متشرّعًا عاملاً
بمقتضيات الشرع لا يمكنه الانتقال إلى مرتبة الطريقة, أي لا يمكنه الإتيان بالشرع
بطريقة خاصّة، وهكذا بالنسبة إلى المرتبة الثالثة, أي الحقيقة.
الفيض الأقدس والفيض المقدّس
الفيض في اللغة يدلّ على جريان الشيء بسهولة، فيُقال: فاض الماء يفيض9. استخدم
العرفاء الفيض للدلالة على فيضان التجلّيات (الموجودات) من الله تعالى، فهو العلّة
التامّة لها، وخالقها.
والفيض في اصطلاح العرفاء قسمان أقدس ومقدّس، والأول سابق على الثاني. بالفيض
الأقدس تُعطى الاستعدادات للأشياء، و بالفيض المقدّس يُعطى ما يترتّب على هذه
الاستعدادات. كما يقول القيصري: "فإنّ الفيض الأقدس يُعطي الاستعداد للعين، والفيض
المقدّس يُعطي ما يترتب على الاستعداد"10.
الفيض المقدّس هو تجلّي الذات الإلهية الأحدية لنفسها، وما يستتبع هذا التجلّي من
ظهور استعدادتات الأشياء ولكن في الحضرة الإلهية. أمّا الفيض المقدّس فهو تجلّي
الذات الإلهية الواحدة، ولكن ليس لنفسها، بل في صور الموجودات الخارجية, أي في حضرة
الشهادة، ولكن على نحو ما هي عليه في ثبوتها في الحضرة الإلهية.
يقول القيصري: "الفيض الأقدس، وهو عبارة عن التجلّي الحُبِّي الذاتي، الموجب لوجود
الأشياء واستعداداتها في الحضرة العلمية11، ثمّ العينية12 كما قال: "كنت كنزاً
مخفياً فأحببت أن أعرف". والفيض المقدّس، عبارة عن التجلّيات الأسمائية الموجبة
لظهور ما يقتضيه استعدادات تلك الأعيان في الخارج. فالفيض المقدّس مترتب على الفيض
الأقدس"13.
* كتاب علم العرفان، نشر جمعية المعارف الإسلامية الثقافية.
1- المدرسي، محمد تقي، العرفان
الإسلامي بين نظريات البشر وبصائر الوحي، دار البيان العربي، بيروت، ط 3، 1992م، ص
150.
2- راجع، الكاشاني، عبد الرزاق، موسوعة مصطلحات التصوّف الإسلامي، صحّحه وعلّق عليه
مجيد هادي زاده، مؤسسة الطباعة والنشر التابعة لوزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي، ط
1، 2000م، ص 198.
3- شرح فصوص الحكم، ص 61.
4- المصدر نفسه.
5- المصدر نفسه، ص 89.
6- العجم، رفيق، مصطلحات التصوّف الإسلامي، مكتبة لبنان، ناشرون، ط 1، 1999، ص 12،
1018.
7- حمية، خنجر، العرفان الشيعي، ص 361.
8- المصدر نفسه، ص 361، نقلاً عن أسرار الشريعة للسيد حيدر الآملي.
9-راجع: أبو الحسين أحمد بن فارس بن زكريا، معجم مقاييس اللغة، تحقيق عبد السلام
محمد هارون، مكتبة الأعلام الإسلامي، 1404، ج 4، ص 465.
10- شرح الفصوص، ص774.
11- هي الحضرة الغيبية الإلهية.
12- هي عالم الشهادة والحضرة الخارجية.
13- شرح فصوص الحكم:ص 336.