يتم التحميل...

تعريف الحكم الشرعيّ وتقسيماته

علم الفقه

عرفنا أنّ علم الفقه يهدف إلى تحديد الموقف العمليّ للمكلّف، وتعيين الحكم الشرعيّ له في كلّ واقعةٍ، لذلك نجد من الضروريّ أن نكوّن فكرةً عامةً عن الحكم الشرعي.

عدد الزوار: 395

تعريف الحكم الشرعي
عرفنا أنّ علم الفقه يهدف إلى تحديد الموقف العمليّ للمكلّف، وتعيين الحكم الشرعيّ له في كلّ واقعةٍ، لذلك نجد من الضروريّ أن نكوّن فكرةً عامةً عن الحكم الشرعي.

فقد عرّف الحكم الشرعيّ بعدّة تعاريف نختار منها ما ذكره الشهيد الصدر رضوان الله عليهحيث عرّفه بأنّه: "التشريع الصادر من الله تعالى لتنظيم حياة الإنسان، سواء كان متعلقاً بأفعاله أو بذاته أو بأشياء أخرى داخلة في حياته"1.

وحيث إنّ الهدف من الحكم هو تنظيم حياة الإنسان، نلاحظ أنّه يقسّم إلى قسمين:
1- الحكم التكليفيّ: وهو الحكم الذي يتعلّق بأفعال المكلّفين، ويكون له توجيهٌ عمليٌّ مباشرٌ، فيوجّه سلوكه مباشرةً، في مختلف جوانب حياته، الشخصيّة والعباديّة والعائليّة والاقتصاديّة والسياسيّة، التي عالجتها الشريعة ونظمّتها جميعاً، كحرمة شرب الخمر، ووجوب الصلاة، ووجوب الإنفاق على الزوجة، وإباحة إحياء الأرض الموات، ووجوب العدل على الحاكم.

2- الحكم الوضعي: وهو الحكم الذي يتعلّق بذوات المكلّفين، أو بأشياء أخرى ترتبط بهم، فلا يكون موجّهاً مباشراً للإنسان في أفعاله وسلوكه، نعم يشرّع وضعاً معيّناً يكون له تأثيرٌ غير مباشرٍ على سلوك الإنسان، من قبيل الأحكام والخطابات التي تنظم العلاقة الزوجيّة بين الرجل والمرأة، وتعتبر المرأة زوجةً للرجل في ظلّ شروطٍ معيّنةٍ، فإنّ العلاقة الزوجيّة الصحيحة تشرّع بصورةٍ مباشرةٍ علاقةً معيّنةً بين الرجل والمرأة، وتؤثّر بشكلٍ غير مباشرٍ على السلوك وتوجّهه، لأنّ المرأة بعد أن تصبح زوجةً، مثلاً، عليها أن تلتزم بسلوكٍ معيّنٍ تجاه زوجها كوجوب التمكين، كذلك يجب على الزوج أن يلتزم بتكاليف معيّنةٍ تجاه زوجته كوجوب الإنفاق.وبالتالي نكون قد استفدنا من هذا الحكم أحكاماً تكليفيّةً متعدّدةً. وهذه الأحكام كلّها تنظّم حياة المكلّف.

أو من قبيل الأحكام التي تنظم علاقة الملكيّة، وتعتبر الشخص مالكاً للمال في ظلّ شروطٍ معيّنة. فبعد أن تتحقّق الشروط تصبح هذه الأرض مثلاً ملكاً صحيحاً لزيد، بالتالي تكون (الملكيّة) حكماً وضعيّاً، لا يتعلّق بفعل المكلّف. ولا بذاته، وإنّما بالأرض التي ترتبط بالمكلّفين، ولا يكون له توجيهٌ للمكلّف مباشرةً، نعم نستفيد من هذا الحكم الوضعيّ أحكاماً تكليفيّة متعدّدة، من قبيل: يحرم على أيّ شخصٍ الدخول إلى أرض زيد إلا بإذنه، وهكذا.

فإنّ هذا النوع من الأحكام كـ(الزوجيّة) و(الملكيّة) ليست متعلّقةً بأفعال المكلّفين، بل بذواتهم أو بأمورٍ ترتبط بهم، تستفاد منها أحكام تكليفيّة أخرى توجّه مباشرةً أفعال المكلّفين، لذلك نجد العلاقة والارتباط بين الأحكام الوضعيّة والأحكام التكليفيّة وثيقة جداً، لذلك لا يوجد حكمٌ وضعيٌّ إلا ويوجد إلى جانبه حكمٌ تكليفيٌّ. والمجموع من هذه الأحكام يصبّ في خانة تنظيم حياة الإنسان.

أقسام الحكم التكليفيّ
ينقسم الحكم التكليفيّ وهو الحكم المتعلّق بأفعال الإنسان والموجّه لها مباشرةً إلى خمسة أقسام:
1- الوجوب: وهو الحكم الشرعيّ الذي يبعث نحو الشيء الذي تعلّق به بدرجة الإلزام، بشكلٍ لا يسمح الشارع بالمخالفة، نحو وجوب الصلاة، ووجوب الحجّ، ووجوب الصوم.
2- الاستحباب: وهو الحكم الشرعيّ الذي يبعث نحو الشيء الذي تعلّق به بدرجة دون الإلزام، لذلك توجد إلى جانبه دائماً رخصةٌ وإجازةٌ من الشارع في مخالفته، نحو استحباب صلاة الليل، واستحباب الصدقة، واستحباب الدعاء في ليالي القدر.
3- الحرمة: وهو الحكم الشرعيّ الناهي والزاجر عن الشيء الذي تعلّق به بدرجة الإلزام، بشكلٍ لا يسمح الشارع بالمخالفة، نحو حرمة الربا، وحرمة الزنى، وحرمة بيع الأسلحة من أعداء الإسلام.
4- الكراهة: وهو الحكم الشرعيّ الناهي والزاجر عن الشيء الذي تعلّق به بدرجةٍ دون الإلزام، لذلك توجد إلى جانبه دائماً رخصةٌ وإجازةٌ من الشارع في مخالفته، فالكراهة في مجال الزجر كالاستحباب في مجال البعث، كما أنّ الحرمة في مجال الزجر كالوجوب في مجال البعث، ومثاله كراهة النوم بين الطلوعين، وكراهة خلف الوعد.
5- الإباحة: وهو الحكم الذي يفسح فيه الشارع المجال للمكلّف ليختار الموقف الذي يريده، حيث يخلو الشيء الذي تعلّق به حكم الإباحة من أيّ نحوٍ من أنحاء الإلزام، ونتيجة ذلك أن يتمتّع المكلّف بالحريّة فله أن يفعل وله أن يترك.

مصادر التشريع2
1- القرآن الكريم: المصدر الأوّل للأحكام الإسلاميّة. ولا تختصّ آياته بالأحكام العمليّة، بل تعرّض القرآن لمئات المواضيع المختلفة، وأمّا التي تختصّ بالأحكام فتقارب خمس مائة آية، جمعت في كتب آيات الأحكام3. ويعدّ القرآن الكريم المرجع الأوّل لدى المسلمين وعلمائهم للأحكام الشرعيّة، إلّا فرقةً واحدة عرفت باسم الأخباريّين لم تجوّز الرجوع إلى ظواهر القرآن لأنّه لا يعرفه إلّا من خوطب به، وهو المعصوم عليه السلام4.

2- السنّة الشريفة: وهي قول وفعل وتقرير المعصوم عليه السلام، ولم يقع أي خلافٍ في حجيّة السنّة والاعتماد عليها، ولكن الخلاف وقع بين الفقهاء في جهتين:

الأولى: هل الحجّة خصوص سنّة النبيّ- كما عليه أتباع مدرسة الخلفاء- أم أنّ الحجّة تشمل سنّة الأئمّة عليهم السلام أيضاً- كما عليه أتباع مدرسة أهل البيت عليهم السلام؟
الثانية: تارةً تكون السنّة قطعيّة ومتواترةً، وأخرى تكون ظنيّةً وهي ما يصطلح عليه بخبر الواحد، والأوّل هي القدر المتيقنّ من حجيّتها. ولكن وقع الكلام في حجيّة خبر الواحد، وتشعّبت الآراء بين الإفراط، كأبي حنيفة الذي لا يحفل بالأحاديث المنقولة حتّى قيل: لم يثبت عند أبي حنيفة- من بين جميع الأحاديث المنقولة عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم سوى سبعة عشر حديثاً5، وبين التفريط كبعض العلماء الذين يعتمدون حتّى على الأحاديث الضعيفة أيضاً، أو كالأخباريّين الذين يعملون بكلّ الأحاديث الموجودة في الكتب الأربعة، وبين الاعتدال وهو رأي المشهور من علماء مدرسة أهل البيت عليهم السلام الذين يعتمدون على الأحاديث الصحيحة والحسنة والموثّقة ويتركون الضعيفة.

3- الإجماع: وهو يعني اتفاق آراء علماء المسلمين على مسألة. وهو يعتبر حجّة، لأنّ اتفاقهم هذا دليلٌ على أنّهم قد تلقّوها من قِبَل الشارع، إذ ليس من المحتمل أن يتّفقوا جميعاً من تلقاء أنفسهم، وعليه يكون الإجماع حجّة إذا كان كاشفاً عن رأي المعصوم عليه السلام.

ومن هذا التعريف يفهم أنّه لا عبرة بإجماع المتأخّرين إذا لم يُستكشف منه رأي المعصوم عليه السلام، كما أنّه لا عبرة بالإجماع بما هو إجماع، وإنّما بما هو كاشف عن رأي المعصوم عليه السلام، بينما يرى أتباع مدرسة الخلفاء أنّ إجماع الأمّة بنفسه حجّة، تماماً كالقرآن والسنّة، لأنّه من المستحيل أن يقع الجميع في الخطأ.

4- العقل: يعني أنّه إذا حكم العقل حكماً قطعيّاً في مورد من الموارد كان حكمه حجّةً.
وقد اختلف المسلمون في مدى حجيّة العقل، فأتباع مدرسة أهل البيت عليهم السلام يرون الحجيّة للعقل في الموارد القطعيّة فقط، وأمّا القياس فهو اتباعٌ للظنّ و﴿إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً6، مضافاً إلى أنّ العمومات الواصلة من قِبَل الشارع وافيةٌ بالغرض.

وأمّا الأخباريّون منهم فلا يجيزون الرجوع إلى العقل إطلاقاً، لأنّ دين الله لا يصاب بالعقول. ومن هنا شنّوا حملةً كبيرةً على الاجتهاد، لما فيه من إعمالٍ للعقل، ونتج عن ذلك محاربتهم لعلم الأصول7.

وأمّا أتباع مدرسة الخلفاء فالمذهب الحنفيّ يرى القياس- الذي هو عبارة عن التمثيل المنطقي- دليلاً رابعاً.
بينما "المالكيّون والحنابلة لا يعيرون أيّ أهميّةٍ للقياس، وعلى الأخصّ الحنابلة. أمّ الشوافع فإنّهم- تبعاً لزعيمهم محمّد بن إدريس الشافعيّ- يتأرجحون في الوسط إذ يهتمّون بالحديث أكثر من الأحناف، بينما يهتمّون بالقياس أكثر من المالكيين والحنابلة"8.

الخلاصة
عُرِّف الحكم الشرعيّ بأنّه "التشريع الصادر من الله تعالى لتنظيم حياة الإنسان، سواء كان متعلقاً بأفعاله أو بذاته أو بأشياء أخرى داخلة في حياته".

وحيث إنّ الهدف من الحكم هو تنظيم حياة الإنسان، نلاحظ أنّه يقسّم إلى قسمين:
1- الحكم التكليفيّ: وهو الحكم الذي يتعلّق بأفعال المكلّفين.
2- الحكم الوضعيّ: وهو الحكم الذي يتعلّق بذوات المكلّفين، أو بأشياء أخرى ترتبط بهم.

ينقسم الحكم التكليفيّ إلى خمسة أقسام: (الوجوب، الحرمة، الاستحباب، الكراهة، الإباحة).
مصادر التشريع: القرآن الكريم، السنّة الشريفة، الإجماع، العقل.
وقد وقع الخلاف في كلّ من الإجماع والعقل، وهل هما من المصادر؟ وعلى فرض كونهما منها إلى أيّ مدى يمكن الاعتماد عليهما؟

* علم الفقه, سلسلة مداخل العلوم , نشر: جمعية المعارف الإسلامية الثقافية


1- الصدر (ت: 1400 هـ): محمد باقر: المعالم الجديدة، مطبعة النعمان، النجف الأشرف، ط. الثانية 1975 م.، ص 100.
2- تعرّضنا لهذا البحث بشكلٍ مفصّلٍ في مدخل إلى علم الأصول تحت عنوان وسائل الإثبات أو مصادر التشريع، فراجع.
3- أشهر هذه الكتب كتاب«آيات الأحكام» للمقدّس الأردبيليّ، وكنز العرفان للفاضل المقداد السيوريّ.
4- وقد تعرّضنا للحركة الأخبارية نشأةً وآراءً في مدخل علم الأصول، فراجع.
5- راجع: مطهري ـ مرتضى، مدخل إلى الفلسفة، دار نور المصطفى ط. 2007 ، ص 14 من كتاب الأصول والفقه
6- يونس:36.
7- وقد تعرّضنا لمعنى الاجتهاد وتطوّره والصراع بين الأصوليين والأخباريين في: مدخل إلى علم الأصول.
8- مطهري ـ مرتضى، مدخل إلى الفلسفة، دار نور المصطفى ط. 2007 ، ص 16 من كتاب الأصول والفقه.

2015-11-01