يتم التحميل...

ما هو علم الفقه؟

علم الفقه

يعتبر علم الفقه من أهمّ العلوم الإسلاميّة، وأقدمها تاريخاً، وأوسعها مادّةً، وأكثرها تشعّباً. وقد نشأ هذا العلم في صدر الإسلام واستمرّ إلى يومنا الحاضر، وبرز فيه فقهاءٌ كثيرون، منهم عباقرةٌ مبدعون، ألّفوا وصنّفوا كتباً فقهيّةً لا يمكن حصرها لكثرتها.

عدد الزوار: 291

تمهيد
يعتبر علم الفقه من أهمّ العلوم الإسلاميّة، وأقدمها تاريخاً، وأوسعها مادّةً، وأكثرها تشعّباً. وقد نشأ هذا العلم في صدر الإسلام واستمرّ إلى يومنا الحاضر، وبرز فيه فقهاءٌ كثيرون، منهم عباقرةٌ مبدعون، ألّفوا وصنّفوا كتباً فقهيّةً لا يمكن حصرها لكثرتها. وما ذلك إلا لشدّة العناية بهذا العلم من قبل علماء المسلمين، وما له من أهميّة بالغة بنظرهم. فهو العلم الذي يبحث عن جميع مسائل الحياة الاجتماعيّة، ويحدّد الموقف الشرعيّ تجاهها، وقد قالوا "إنّه لا تخلو واقعةٌ من حكمٍ"، ولو على مستوى تحديد الوظيفة العمليّة. فإذا كان كذلك، فهو علمٌ يبحث عن كثيرٍ من الفروع والدقائق، عن موقف الإنسان من نفسه ومن ربّه ومن أخيه الإنسان، حقوقاً وملزِمات، وآداباً ومستحبّات أو مكروهات. وهذا يعني شمول كلّ حركات وسكنات الإنسان، وما يبحثه العلم المعاصر تحت عنوان الحقوق: الأساسيّة، والأسريّة، والجزائيّة، والإداريّة، والسياسيّة، والمدنيّة، حتّى حقوق الإنسان أو حقوق الحيوان، وغيرها، كلّ ذلك تجده منتشراً في الأبواب الفقهيّة، مع زيادةٍ في الفقه، وهي أنّه يبحث عن أشياء لا تجدها في علمٍ غيره، كالبحث عن علاقة الإنسان بربّه وما يفرضه عليه من طاعاتٍ، وينهاه عن محرّمات، وهو ما يعبّر عنه ببحث العبادات، فهذا النوع من الأبحاث من مختصّات علم الفقه، ولا يوجد في أيّ مجالٍ علميٍّ آخر.

1- الفقه في اللغة
قال في النهاية: "... الفقه في الأصل: الفهم،.... يقال: فقِه الرجل بالكسر- يفقِه فقهاً إذا فهم وعلم، وفقُه بالضم يفقُه: إذا صار فقيهاً عالماً"1.
وفي لسان العرب: "الفقه العلم بالشيء والفهم له، وغلب على علم الدين لسيادته وشرفه وفضله على سائر أنواع العلم". فالفقه يعني الفهم والعلم2.

أ- والقرآن الكريم: استعمل كلمة الفقه في موارد متعدّدةٍ، وأراد منها المعنى اللغوي:
قال تعالى: ﴿لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا3.
﴿فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ4. قال في منية المريد: "والذي يحصل به الإنذار غير هذا العلم المدوّن... وإنّما العلم المهمّ هو معرفة سلوك الطريق إلى الله تعالى، وقطع عقبات القلب، التي هي الصفات المذمومة، وهي الحجاب بين العبد وبين الله تعالى،... ومن ثمّ كان العلم موجباً للخشية، بل هي منحصرةٌ في العالِم كما نبّه عليه تعالى بقوله: ﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ5، أعمّ من أن يكونوا فقهاء أو غير فقهاء"6.

- ﴿وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي * يَفْقَهُوا قَوْلِي7.
- ﴿قَالُوا يَا شُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيراً مِمَّا تَقُولُ وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفاً8.

ب- والحديث كذلك استعمل الكلمة بمعناها اللغويّ:
- فعن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: "من حفظ من أمّتي أربعين حديثاً ممّا يحتاجون إليه من أمر دينهم بعثه الله يوم القيامة فقيهاً عالماً"9.
- وعن حنان بن سدير قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: "من حفظ عنّا أربعين حديثاً من أحاديثنا في الحلال والحرام بعثه الله يوم القيامة فقيهاً عالماً ولم يعذّبه" 10
ـ وعن إسحاق بن عمّار قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول:"ليت السياط على رؤوس أصحابي حتّى يتفقّهوا في الحلال والحرام"11.
ـ وعن داود بن سرحان قال: رأيت أبا عبد الله عليه السلام يكيل تمراً بيده، فقلت: جعلت فداك، لو أمرتَ بعض ولدك، أو بعض مواليك فيكفيك، فقال: "يا داود إنّه لا يصلح المرء المسلم إلا ثلاثة: التفقّه في الدين، والصبر على النائبة، وحسن التقدير في المعيشة"12.

2- الفقه اصطلاحاً
ثمّ استعمل هذا التعبير بعد فترةٍ في روايات عن أهل البيت عليهم السلام وكان يراد منه العلم بالأحكام الشرعيّة، ففي الرواية عن مصادف قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام: تحجّ المرأة عن الرجل؟ قال: "نعم إذا كانت فقيهةً مسلمةً وكانت قد حجّت، ربّ امرأةٍ خيرٌ من رجل"13. قال الشيخ الطوسي في ذيل هذه الرواية: فشرط في جواز حجّتها مجموع الشرطين: الفقه بمناسك الحجّ، وأن تكون قد حجّت فيجب اعتبارهما معاً.

وعلى هذا الاصطلاح الدارج في العرف، نجد العلماء قد عرّفوا الفقه بأنّه: "العلم بالأحكام الشرعيّة العمليّة عن أدلّتها التفصيليّة لتحصيل السعادة الأخرويّة"14.

الحاجة إلى علم الفقه
بعد أن يؤمن الإنسان بالله سبحانه وتعالى ويقرّ له بالعبوديّة، ويؤمن بالدين الإسلاميّ، ويعلم أنّ لهذا الدين شريعةً يجب عليه اتباعها، وامتثال أحكام الله تعالى فيها، يصبح لزاماً عليه- وفقاً لعبوديّته التوفيق بين سلوكه في مختلف مجالات الحياة والشريعة الإسلاميّة، ومدعوّاً بحكم عقله إلى بناء كلّ تصرّفاته الخاصّة وعلاقاته مع الأفراد الآخرين على أساسها. ولهذا كان من الضروريّ على الإنسان المؤمن أن يعيّن في كلّ شأنٍ من شؤون الحياة الموقفَ العمليَّ الذي تفرضه عليه هذه التبعيّة للشريعة الإسلاميّة، ويحدّد هل يفعل أو يترك؟ وهل يتصرّف بهذه الطريقة أو بتلك؟ وإذا حدّد موقفه والتزم بتكليفه استحقّ الجنّة التي وعد الله بها عباده المطيعين والمتقين، وبذلك يكون قد حقّق السعادة الأبديّة.

ولكن لو كانت أحكام الشريعة- في كلّ الشؤون والوقائع- واضحةً وضوحاً كاملاً بديهيّاً للجميع، لكان تحديد الموقف العمليّ تجاه الشريعة أمراً ميسوراً لكلّ أحد، لأنّ كلّ إنسان يعرف أنّ الموقف العمليّ الذي تفرضه عليه تبعيّته للشريعة في الواجبات هو "أن يفعل"، وفي المحرّمات هو "أن يترك"، وفي المباحات هو "أنّه بالخيار إن شاء فعل، وإن شاء ترك"، ولمَا احتاج في تحديد الموقف العمليّ تجاه الشريعة إلى أيّ بحثٍ علميٍّ ودراسةٍ واسعةٍ.

ولكن بُعدنا الزمنيّ عن عصر التشريع، وأموراً أخرى، كانت سبباً لعدم وضوح عددٍ كبيرٍ من أحكام الشريعة واكتنافها بالغموض، ممّا أدّى إلى الغموض في تحديد الموقف العمليّ للإنسان المؤمن بالشريعة في كثيرٍ من الوقائع والأحداث، لأنّ الإنسان إذا لم يعلم نوع الحكم الذي تقرّره الشريعة في واقعةٍ ما، هل هو الوجوب أو الحرمة أو الإباحة، فسوف لن يعرف طبيعة الموقف العمليّ الذي يتحتّم عليه أن يتّخذه تجاه الشريعة في تلك الواقعة بحكم تبعيّته لها.

وعلى هذا الأساس كان من الضروريّ أن يوضع علمٌ يتولّى رفع الغموض عن الموقف العمليّ تجاه الشريعة في كلّ واقعةٍ، بإقامة الدليل على تعيين الموقف العمليّ، الذي تفرضه على الإنسان تبعيّتُه للشريعة، فكان علم الفقه هو العلم المتكفّل بالقيام بهذه المهمّة.

الخلاصة
يعتبر علم الفقه من أهمّ العلوم الإسلاميّة، وأقدمها تاريخاً، وأوسعها مادّةً، ونشأ في صدر الإسلام واستمرّ إلى يومنا الحاضر، وبرز فيه فقهاءٌ كثيرون، منهم عباقرةٌ مبدعون، فهو العلم الذي يبحث عن جميع مسائل الحياة الاجتماعيّة، ويحدّد الموقف الشرعيّ تجاهها.

وفي اللغة الفقه العلم بالشيء والفهم له، وأمّا في الاصطلاح: فهو علم الأحكام الشرعيّة من أدلّتها التفصيلية.
ومن الضروريّ على الإنسان المؤمن أن يعيّن في كلّ شأنٍ من شؤون الحياة الموقفَ العمليَّ الذي تفرضه عليه هذه التبعيّة للشريعة الإسلاميّة، ويحدّد هل يفعل أو يترك؟.

وبُعدنا الزمنيّ عن عصر التشريع، وأمور أخرى، كانت سبباً لعدم وضوح عددٍ كبيرٍ من أحكام الشريعة واكتنافها بالغموض، ممّا أدّى إلى الغموض في تحديد الموقف العمليّ للإنسان المؤمن بالشريعة في كثيرٍ من الوقائع والأحداث. وعلى هذا الأساس كان من الضروريّ أن يوضع علمٌ يتولّى رفع هذا الغموض عن الموقف العمليّ تجاه الشريعة في كلّ واقعةٍ، بإقامة الدليل على تعيينه، الذي تفرضه على الإنسان تبعيّتُه للشريعة، فكان علم الفقه هو العلم المتكفّل بالقيام بهذه المهمّة.

* علم الفقه, سلسلة مداخل العلوم , نشر: جمعية المعارف الإسلامية الثقافية


1- ابن الأثير (ت: 606 هـ): النهاية في غريب الحديث، تحقيق طاهر أحمد الزاوي، الناشر مؤسّسة إسماعيليان للطباعة والنشر، قم ـ إيران، ط. الرابعة 1364 هـ ش.، مادة فقه: ج 3 ص 465.
2- ابن منظور (ت: 711 هـ): لسان العرب، نشر أدب الحوزة، قم ـ إيران، ط. 1405 هـ، مادة فقه ج 13 ص 522، مجمع البحرين، ج3- ص421.
3- الأعراف:179.
4- التوبة:122.
5- فاطر:28.
6- الشهيد الثاني زين الدين بن علي(ت:965 هـ): منية المريد، تحقيق رضا المختاري، الناشر مكتب الإعلام الإسلاميّ، إيران، ط. الأولى 1409 هـ ، ص 157.
7- طـه: 27 ـ 28.
8- هود:91.
9- الصدوق: (ت: 274 هـ) الخصال، تحقيق علي أكبر الغفاري، منشورات جامعة المدرسين، قم ـ إيران، ط. 1403 هـ، ص541. وراجع: الحرّ العامليّ (ت: 1104 هـ): وسائل الشيعة، مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث، قم ـ إيران، ط. الثانية 1414 هـ، باب وجوب العمل بأحاديث النبيّ ج 27 ح 72 ص 99.
10- م.ن. ص 542.
11- البرقي (ت:274 هـ)ـ أحمد بن محمد: المحاسن، تعليق جلال الدين الحسيني، دار الكتب الإسلاميّة، طهران ـ إيران، ط. 1370 هـ ، ج 1 ص 229.
12- الكليني: (ت: 329 هـ): الكافي، تصحيح وتعليق: علي أكبر الغفاري، دار الكتب الإسلاميّة، طهران ـ إيران، ط. الثالثة 1367 هـ ش.، ج 5 الحديث 4 ص 87.
13- الطوسيّ (ت: 460 هـ): الاستبصار، تعليق حسن الموسوي الخرسان، دار الكتب الإسلاميّة، طهران ـ إيران، باب جواز أن تحج المرأة عن الرجل:الحديث 3 ـ ج 2 ص 323.
14- الشهيد الأوّل (ت: 786 هـ): ذكرى الشيعة في أحكام الشريعة، مؤسّسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث، قم ـ إيران، ط.1419 هـ ، ج 1 ص 40.

2015-11-01