الأسباب والمناشئ الخارجية للذنوب
مآب المذنبين
يوجد أسباب عديدة ومتنوّعة خارج إرادة الإنسان واختياره، وهي تقوم بتهيئة الأرضية للذنب، وعلى الإنسان الانتباه إلى هذه الأسباب وتشخيصها ومعرفتها جيّداً، ليصار إلى معالجتها.
عدد الزوار: 254الأسباب والمناشئ الخارجية للذنوب
مثلث الشخصية:
يوجد أسباب عديدة ومتنوّعة خارج إرادة الإنسان واختياره، وهي تقوم بتهيئة الأرضية
للذنب، وعلى الإنسان الانتباه إلى هذه الأسباب وتشخيصها ومعرفتها جيّداً، ليصار إلى
معالجتها.
إنّ فعل الإنسان يعبّر عن شخصيّته المتأثّرة بعوامل متعدِّدة، يعبّر عنها بمثلث
الشخصية، وإنّ كلّ ضلع من أضلاع هذا المثلث له تأثير في بناء شخصيّة الفرد، وهذه
الأضلاع هي:
أ. الوراثة.
ب. التربية.
ج. البيئة.
أمّا الوراثة: فهو أمر اعترف به العلم والتجربة ويلمسه كل إنسان واع، فالولد كما
يرث الصِّفات الجسمانية من الوالدين فإنه كذلك قد يرث بعض طبائعهما الخُلقية وينشأ
عليها. فالأبناء لا يرثون من الآباء المال والثروة والأوصاف الظاهرية كملامح الوجه
ولون العيون وكيفيات الجسم فحسب، بل قد يرثون ما يتمتّع به الآباء كلياً أو جزئياً
من خصائص روحية، وطبائع أخلاقية عن طريق الوراثة.
وأمّا التربية: فيأتي دورها بعد الوراثة، لتكون حاكمة عليه أو موجِّهة للسلبي
والسيّئ منها، حيث إنّ الأبوين في المنزل، والمعلِّم في المدرسة التربوية، أو أي
قدوة تعليمية في ميادين الحياة المختلفة، تؤثّر بالغ الأثر في قلب الطفل وعقله،
ولها الدور الأهم في البنية التربوية للإنسان.
وأما البيئة: فلأن الإنسان يتأثّر في سلوكه وخلقه بالبيئة التي يعيش فيها1. ويقصد
بالبيئة العامل المؤثّر في الشخصية، والمحيط العام الذي يعيش فيه الإنسان، والذي
تتكوَّن فيه الصِّفات الخُلُقية لدى الفرد، سواء عن طريق المنزل أو المدرسة أو
المجتمع أو الإعلام ونحوه.
العوامل الثقافية والتربوية:
تلعب العوامل الثقافية والتربويّة دوراً أساسياً في تهيئة الأرضيَّة والبيئة
الصَّالحة أو الفاسدة التي تنعكس إيجاباً أو سلباً على أخلاق الإنسان وسلوكه، وإن
كانت على نحو المؤثِّر غير الإلزامي لا العلَّة التامّة، وإلا لزم منه الجبر، ونقصد
به سلبَ الاختيار عن الإنسان، وهو مخالف لمدرسة أهل البيت عليهم السلام. ولا يشكُّ
أحدٌ - على سبيل المثال - بمدى تأثير التلقين والتقليد والمتابعة والاقتداء على فكر
الإنسان وسلوكه، إذ يتعلَّم ضروباً سلوكيَّة متعدِّدة من خلال المدرسة والمجتمع
والبيت، وهو ما يطلق عليه اسم البيئة. وعليه فإنّ عامل التربية والتعليم له تأثيره
البالغ على الفرد.
والعوامل التربوية متعدِّدة، نذكر منها:
أولاً: البيئة المعرفية:
إنّ الدِّين الإسلامي أعطى أهميّة قصوى للفكر والوعي والمعرفة من أجل بناء المجتمع
الفاضل الذي يصبو إليه، وحذّر من مغبّة الوقوع تحت تأثير الجهل وتعطيل الفكر.
فالجهل من الصِّفات الذميمة، وإنّ أكثر ما يؤدّي إلى وقوع العبد في المعاصي هو
الجهل بالله تعالى، وما يجب له من الطاعة.
وإنّ أخطر أنواع الجهل هو الجهل المركب، فهو مركب من جهلين: جهل بالواقع؛ لأنّ ما
يعتقده لا يطابق الواقع، وجهلٌ بجهله وعدم معرفته؛ فيعتبر نفسه من أهل العلم.
وإذا دقّقنا في قضية وقوع الذَّنب من العبد نجده محفوفاً بجهلين:
الأول: جهل بحقيقة الأسباب الصارفة عن الذَّنب.
الثاني: جهل بحقيقة المفسدة أو المفاسد المترتّبة عليه.
روي عن الإمام الحسن عليه السلام في جواب أبيه لما سأله عن تفسير الجهل: "سرعة
الوثوب على الفرصة قبل الاستمكان منها، والامتناع عن الجواب، ونِعْم العون الصَّمت
في مواطنَ كثيرةٍ، وإن كنت فصيحاً"2.
فالجهل مصدر لكل المفاسد الفردية والاجتماعية، وما لم تُستأصل هذه الآفة لن يتسنّى
للفضيلة أن تسود، ولن يتحقّق المجتمع الإنساني المنشود.
فقد يجهل الإنسان أموراً كثيرةً لا تؤثِّرُ على حياته العمليَّة والدِّينية بشكلٍ
مباشر، ولكنّ المشكلة في جهل الإنسان بالمعارف الضَّرورية له، والتي على رأسها
معرفة المبدأ والمعاد، المعرفة التي تكشف له السبيل إلى بلوغ الحكمة والهدف من
وجوده، و بالتالي تدخلُه في إطار المعارف الضروريَّة لحياته الدنيويَّة والأخرويّة.
فالإنسان يجب أن يعرف كيفية ظهوره في الوجود? وما هي الغاية من خلقه? وكيف يجب أن
يعملَ حتَّى يصل إلى الحكمة المرجوّة من وجوده? وما هو مصيره? وما هي المخاطر التي
تهدِّده?
والمعارف التي تتكفَّل بالإجابة عن هذه الأسئلة تكمن بمعرفة الأصول والفروع التي
جاء بها نبيُّ الإسلام صلى الله عليه واله وسلم، أما الجهل بها فيوقع الفرد
بالرنحراف والمجتمعَ الإنسانيَّ في المحن والابتلاءات.
ثانياً: التَّلقين والتقليد:
التَّلقين هو أحد وسائل التعليم، وبغض النظر عن نجاعته وعدمها، وأنّه هل يعيق
التَّفكير الإبداعيَّ أم ل" لكنَّه أحدُ العوامل المهيّئة للأرضيَّة والمؤثّرة في
ثقافة الإنسان. فإن كان التَّلقين والتَّقليد صحيحاً ولائقاً فإنه يهيّئ الأرضية
للأعمال الحسنة، وإلا فالعكس.
والتَّقليد -الأعمى- هو أحد شُعب الجهل، وهو من الأمور التي تهيّئ الأرضية المناسبة
لارتكاب الذُّنوب.
قال تعالى:
﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللهُ قَالُوا بَلْ
نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ
يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلاَ يَهْتَدُونَ﴾3.
التقليد الأعمى ناشئ عن عدم التعقّل والتأمّل، وهو نابعٌ من الجهل، ودليله واضح،
فإنّ ذوي العلم يتمتّعون باستقلالٍ فكري، واستقلالهم الفكري هذا لا يسمح لهم
بالتَّقليد الأعمى، بينما الجاهلون تراهم مرتبطون بهذا وذاك وبشكلٍ أعمى، فيتَّبعون
الآخرين على غير بصيرةٍ.
وعندما نراجعُ القرآن الكريم نجدُ أقواماً أهلكَهُم تقليدُهم الأعمى للآباء
والأجداد، الأمرُ الذي حجبهم عن نور المعرفة التي جاء بها الأنبياء والرُّسل عليهم
السلام، وكان منطقهم:
﴿بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ
وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ﴾4.
وهكذا انتقلت عاداتهم القبيحة إلى الأجيال اللاحقة، ما أوجد حجاباً بينهم وبين الحقّ
تعالى ورسله.
والتَّقليدُ على أنواعٍ متعدِّدة، نذكر منها:
1- تقليد الجاهل للعالم.
2- تقليد العالم للعالم.
3- تقليد العالم للجاهل.
4- تقليد الجاهل للجاهل.
وفي الأقسام الأربعة فقط القسم الأول هو المنطقي، وهو ما أشار إليه القرآن بالأسوة
الحسنة، أما باقي الأقسام الثلاثة الباقية فكلّها باطلة، ولا أساس منطقي لها.
أسباب التقليد الأعمى:
1. عدم النُّضوج الفكري: فالإنسان الذي لا يمتلك الوعي الفكري، أو المعارف والعلوم
الكافية سيعاني من ضيق الأفق والوعي الفكري، وسيعتمد على غيره، ويكون تابعاً
ومقلِّداً له، وفي أكثر الأحيان أيضاً لا يمتلك القدرات اللازمة التي تسمح له
بتشخيص التَّقليد الصَّحيح من غيره.
2. التأثّر بالشَّخصيّة: إنّ الانبهار ببعض الشَّخصيات بشكلٍ أعمى ودون تتبّعٍ
ودليلٍ كافيين سوف يحمل الإنسان على اتّباعهم والسَّير خلفهم دون تفكيرٍ، وهذا ما
سوف يترك انعكاساتٍ سلبيةً على شخصيّته وسلوكه.
3. التعلّق بالتراث والأسلاف الماضين: إنّ مثل هذا التعلُّق قد يجعل من بعض
الشّخصيات أناساً مقدَّسين حتَّى لو لم يكونوا بهذا المستوى، بل وقد يكونون على
العكس من ذلك. وهو ما رأيناه من تمسُّك بعض النَّاس بأسلافهم وبموروثاتهم وبتراثهم
القديم في مواجهة دعوة الحقّ للأنبياء عليهم السلام، كما حصل مع نبي الله نوح عليه
السلام وموسى عليه السلام وعيسى عليه السلام وغيرهم من الأنبياء، وصولاً إلى نبينا
محمَّد صلى الله عليه واله وسلم.
4. التعصّب: قد يدفع التعصّب بفريقٍ من النَّاس لاتّباع شخصيّةٍ أو طائفةٍ أو حزبٍ
دون تفكير أو تعقُّل، ما يجعل الأتباع أشبه بالآلات الميكانيكية، يردّدون الأفكار
والشعارات التي يحملها الآخرون دون تفكير.
إنّ هذه العوامل المتقدّمة وغيرها تُعدّ سبباً لانتقال الكثير من الخرافات والعقائد
والعادات إلى الآخرين، وهي من أهم أسباب تهيئة الأرضيّة للانحراف الفكري والسلوكي5.
ثالثاً: البيئة والمحيط الاجتماعي:
يمكن أن نقسّم البيئة والمحيط إلى عاملين أساسيين:
العامل الأول: عوامل بيئيّة مرتبطة بالمجتمع.
العامل الثاني: عوامل بيئيّة مرتبطة بالأسرة.
ولكلٍّ من العاملين دوره الخاص وتأثيره في صياغة شخصية الفرد، وتهيئة الأرضية
الصَّالحة أو الطَّالحة له.
العامل الأول: العوامل المرتبطة بالمجتمع:
جلساء السوء:
من الأمور الخطيرة التي توقع الإنسان بالمعصية مصاحبة الأشرار (جلساء السوء)؛ لأنهم
يزيّنون لصاحبهم، وشيئاً فشيئاً يصبح مثلهم. فالإنسان يتأثَّر
بمن يصاحب، والصديق يترك تأثيراته السَّلبيّة والإيجابية بشكلٍ لاشعوريٍّ على صديقه،
ما يجعل مسألة الصَّداقة ذات ارتباطٍ وعلاقةٍ قويَّةٍ بمصير الإنسان في كثيرٍ من
المجالات.
وهذا ما نقرأه في قوله تعالى:
﴿وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ
يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ
أَتَّخِذْ فُلاَناً خَلِيلاً لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءنِي
وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلإِنْسَانِ خَذُولاً﴾6.
فهذا نموذجٌ للإنسان الذي يعيش الحسرةَ والنَّدامةَ يوم القيامة بسبب الخطِّ
المنحرف الذي سلكه، وذلك انطلاقاً من تأثُّره بصداقةِ بعض النَّاس الذين حبّبوا له
المعصية وزيّنوها.
والقرآن الكريم في بعض آياته يعطي قانوناً أشمل من العلاقات التي تجمع الأصدقاء
عندما يتحدَّثُ عن التَّابعين والمتبوعين. فنفهم معنىً أكثر شمولاً في نطاق من يتبع
أيّما إنسانٍ، ولو من النَّاحية العاطفية سواء كان اتّباع الزّوج لزوجته أو العكس،
أو اتّباع الصّديق لصديقه.
قال الله تعالى:
﴿إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا
وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الأسْبَابُ وَقَالَ الَّذِينَ
اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا
مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ
بِخَارِجِينَ مِنَ النّار﴾7.
يبيّن الله تعالى في هذه الآية أنَّ التَّابعين يتحمّلون المسؤوليّة مهما كان نوع
الضَّغط الذي مارسه أولئك عليهم، سواء أكان ضغطاً مادياً أو عاطفياً. فلا شيء يَفرض
عليهم أو يَجبرهم على هذا الإتباع المنحرف. إنّ هذه التَّربية القرآنية تعلّمنا مدى
تأثّر الإنسان بالإنسان الآخر، وضرورة أن يلتفت الشَّخص إلى علاقاته وكيفيَّة
اختيارها، وأن يتخلَّص من الأجواء الضَّاغطة مهما كان نوعها.
ولذلك يقول الله تعالى:
﴿الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ
إِلَّا الْمُتَّقِينَ﴾8.
هؤلاء سيقفون أمام المحكمة الإلهيَّة، كلٌّ أمام مصيره المحتوم، ليُحمِّل كلُّ واحدٍ
منهم مسؤوليَّة الضَّلالة للآخر، ومن الطَّبيعي أن تنقلب الصَّداقة إلى عداوةٍ
عندما يكتشف الإنسان الذي كان خاضعاً لتأثيرات الصَّداقة المنحرفة أنّ صديقه كان
عدوّاً في ثوب صديق. أمّا المتّقون الذين كانوا يتعاونون على البرّ والتقوى فمن
الطبيعي أن تبقى صداقتهم في الآخرة؛ لأنّها كانت صداقة ورعٍ وتُقىً وصلاحٍ في
الدُّنيا.
وهناك مضارّ كثيرةٌ تترتّب على عشرة أصحاب السّوء ومجالستهم، نذكر منها:
- أنَّهم قد يشكّكون بعقائدك الحقّة ويصرفوك عنها إلى العقائد المنحرفة.
- أنَّهم يدعون جلساءهم إلى مماثلتهم في ارتكاب المحرمات والمنكرات.
- أنك قد تتأثّر بعاداتهم السلوكية والأخلاقية؛ فالمرء بطبعه يتأثّر بصديقه.
- أنّ رؤيتهم تذكّر بمعصية الله تعالى.
- أنك بسببهم قد تُحْرم من مجالسة الصالحين.
- أنّ صحبتهم معرّضة للزوال في أيّ لحظة؛ لأنها مبنية على المصالح الشَّخصية.
- أنّ مجالسهم لا تخلو من فعل المحرمات والمعاصي من غيبة ونميمة...
- أنّ مجالستهم فيها هدرٌ ومضيعةٌ للوقت الذي يُحَاسب عليه المرء يوم القيامة.
الإعلام المضلّل:
الإعلام في أبسط صُوَره هو تواصلٌ بين مرسِل ومستقبِلٍ، ووسيلةُ اتصال، ومضمونُ
رسالة لإحداث أثرٍ في قضية من قضايا الحياة التي تهم النَّاس.
والإعلام المضلِّل يعمل على عدّة محاور لإبعاد النَّاس عن النهج الحقّ والسلوك
السليم. وإذا رجعنا إلى التاريخ لنقرأ الصراع بين الحقّ والباطل، نجد أن ما استخدمه
فرعون من طرق إعلامية متعدِّدة في معركته مع النبي موسى عليه السلام نموذجاً واضحاً
لذلك، ونورد منها:
- تخويف النَّاس، وبثّ الدعايات الكاذبة، لصرف النَّاس عن الالتحاق بدين موسى عليه
السلام ، قال تعالى حكاية عن ذلك:
﴿قَالَ فِرْعَوْنُ آمَنْتُمْ بِهِ قَبْلَ أَنْ
آذَنَ لَكُمْ إِنَّ هَذَا لَمَكْرٌ مَكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ لِتُخْرِجُوا
مِنْهَا أَهْلَهَا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ
مِنْ خِلَافٍ ثُمَّ لَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِين﴾9.
- بثّ روح التشاؤم من موسى عليه السلام وأتباعه، وأنّهم هم سبب الويلات التي نزلت
على المملكة وما فيها، قال تعالى حكاية عن ذلك:
﴿وَقَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ
فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَيَذَرَكَ
وَآلِهَتَكَ قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ وَإِنَّا
فَوْقَهُمْ قَاهِرُون﴾10.
وهذا ما يعتمده الإعلام المضلّل اليوم من خلال تنفير النَّاس من الحق، وإلحاق
التّهم بأهله.
القيادة الضالَّة والمُضلَّةُ:
إذا رجعنا إلى القرآن الكريم، وبالأخصّ إلى سورة نوح عليه السلام ، نرى كيف تمَّ
التَّركيز على خطورة القيادة الضّالة ومدى تأثيرها في تضليل الجمهور، وتهيئة
الأرضية المناسبة للابتعاد عن الله سبحانه وتعالى.
قال تعالى:
﴿وَقَالَ نُوحٌ رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ
دَيَّارًا إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا
فَاجِرًا كَفَّارًا﴾11.
فالقيادة الضالَّة بحسب ما يظهر من دعاء النّبي نوح عليه السلام تؤدّي إلى الانحراف
عن الفطرة السَّليمة التي يولد عليها الإنسان، وهذا ما دفع النَّبي نوح عليه السلام
إلى الدّعاء بأن لا يبقى للكافرين باقية.
العوامل المرتبطة بالأسرة:
من الأمور التي تهيّئ الأرضيَّة المناسبة لارتكاب المعاصي هي التَّربية التي
يتلقّاها الطِّفل من أبويه، ففي الحديث عن النبي الأعظم محمد صلى الله عليه واله
وسلم: ?كل مولود يولد على الفطرة، حتَّى يكون أبواه يهودانه أو ينصّرانها?12.
فالأسرة الملوّثة بالذنوب والآثام تؤثّر سلباً في سلوك الأبناء وأخلاقهم، وكذا
الأسرة الطَّاهرة لها الأثر البالغ في اجتناب أبنائها للذُّنوب والمعاصي. ولهذا
فالأسرة هي اللَبِنَة الأولى في بناء المجتمع وترشيده، ولها الدور الكبير في دَرْء
الانحرافات التي قد يصاب بها الأبناء في المستقبل.
فالتوجيه العقائدي والقيمي والأخلاقي يبدأ من الأسرة، ففيها يتعلَّم الأطفال
التمييز بين الحقّ والباطل، وبين الخير والشرّ، لذا على الآباء والأمهات تجاه
أبنائهم الالتفات إلى الأمور الآتية:
1. عامل القدوة الحسنة، وذلك بأن يلتفتَ الآباءُ إلى ضرورة تربية أنفسهم أولاً؛
لكونهم القدوةُ والمثلُ الأعلى الأوَّل لأبنائهم.
2. تعريفهم على الحقّة.
3. تعليمهم القرآن الكريم، وتأديبهم بآدابه.
4. التّعريف بأهل البيت عليهم السلام، من خلال ذكر أخلاقهم وفضائلهم ومقاماتهم عند
الله سبحانه وتعالى.
5. التَّنشئة على حبّ النبي صلى الله عليه واله وسلم وآله عليهم السلام.
6. التّهيئة الروحيّة والفكريّة للتّمهيد لدولة الإمام المهدي عجل الله فرجه الشريف.
7. بثّ الشعور بالمراقبة الإلهيّة في نفوسهم.
8. تعويدهم على مبدأ المراقبة الذاتية.
9. تحذيرهم من المعاصي، وبيان مدى خطورتها على الفرد والمجتمع.
10. القيام بكلّ البرامج الوقائيّة اللازمة لتفادي وقوعهم في شرك الذّنوب والمعاصي.
11. المبادرة لإجراء العلاج التّربوي الصَّحيح في حال ارتكاب الأبناء للذنوب أو
تعرُّضهم للانحراف.
12. حثّهم على أداء الواجبات الدِّينية، واصطحابهم منذ الصغر إلى أماكن العبادة.
المفاهيم الرئيسة
1. يوجد أسباب عديدة ومتنوّعة هي خارج إرادة الإنسان واختياره، وهي تقوم بتهيئة
الأرضية للذنب، كعامل الوراثة والتربية والبيئة المحيطة.
2. تلعب العوامل الثقافية والتربويّة دوراً أساسياً في تهيئة الأرضيَّة والبيئة
الصَّالحة أو الفاسدة التي تنعكس إيجاباً أو سلباً على أخلاق الإنسان وسلوكه.
3. الجهل مصدر لكل المفاسد الفردية والاجتماعية، وما لم تُستأصل هذه الآفة لن
يتسنّى للفضيلة أن تسود، ولن يتحقّق المجتمع الإنساني المنشود.
4. التَّقليد الأعمى هو أحد شُعب الجهل، وهو من الأمور التي تهيّئ الأرضية المناسبة
للارتكاب الذُّنوب.
5. رفقاء السوء، والإعلام المضلِّل، والقيادة غير الحكيمة من العوامل الاجتماعية
التي تمهِّد الأرضية السيّئة لارتكاب المحرّمات الإلهية.
6. من الأمور التي تهيّئ الأرضيَّة المناسبة لارتكاب المعاصي هي التَّربية التي
يتلقّاها الطِّفل من أبويه، فالأسرة السيّئة تؤثّر أثراً سيّئاً في سلوك الأبناء
وأخلاقهم.
للمطالعة
إشاعة الفحشاء من أعظم الكبائر
إن كل ما ذكر واعتبر ممنوعاً، لا علاقة له بالقضايا المرتبطة بالمؤامرات والجماعات
المعارضة للإسلام ونظام الجمهورية الإسلامية، والتي تلتقي في الأوكار السرية
للتخطيط لإسقاط نظام الجمهورية الإسلامية واغتيال الشخصيات المجاهدة والناس
الأبرياء في الشارع والسوق، وكذلك التخطيط للأعمال التخريبية والإفساد في الأرض
ومحاربة الله ورسوله. بل ينبغي التصدي لكل هؤلاء بحزم وقوة أينما وجدوا بما في ذلك
المراكز الحكومية والأجهزة القضائية والجامعات وغيرها. ويجب العمل باحتياط تام
ووفقاً للمعايير الشرعية وبما ينسجم مع توجيهات القضاة والمحاكم، لأن تعدي الحدود
الشرعية غير جائز حتى بالنسبة لأمثال هؤلاء، مثلما أن المسامحة والتساهل غير
مقبولين أيضاً. ويجب على الجميع الالتزام بالضوابط والمعايير المنصوص عليها ومراعاة
الأحكام الشرعية.
وقد تم التأكيد مراراً بأنه إذا ما تم الدخول خطأ إلى منزل أو مكان عمل شخص ما
بدافع الكشف عن الأوكار السرية ومراكز الفساد والتجسّس ضد الجمهورية الإسلامية،
وعثر هناك على وسائل اللهو والقمار والفحشاء وغيرها من الأمور المنحرفة كالمخدرات،
فلا يجوز إفشاء ذلك للآخرين، لأن إشاعة الفحشاء تعتبر من أعظم الكبائر، ولا يحق
لأحد انتهاك حرمة المسلم وتجاوز الضوابط الشرعية. وإنما يجب العمل فقط بواجب النهي
عن المنكر بالنحو الذي نصّ عليه الإسلام ولا يحق لهم اعتقال أصحاب المنزل وسكنته أو
ضربهم وشتمهم، وإنّ تعدّي الحدود الإلهية يعتبر ظلماً يوجب التعزير وأحياناً القصاص.
غير أن الذين يتضح من عملهم المتاجرة بالمخدرات وتوزيعها بين الناس، فهم بحكم
المفسد في الأرض ومصداقاً للساعي في الأرض للإفساد وإهلاك الحرث والنسل، ولا بد من
تقديمهم للسلطات القضائية فضلًا عن مصادرة ما تم كشفه13.
1- رسالة الإنسان بين الجبر والتفويض، ص 33- 37 (بتصرف).
2- بحار الأنوار، ج1، ص116.
3- البقرة، 170.
4- الزخرف، 22.
5- نفحات القرآن، ج1، ص268- 275 (بتصرف، تلخيص).
6- الفرقان، 27- 29.
7- البقرة، 166- 167.
8- الزخرف، 67.
9- الأعراف، 123-124.
10 - الأعراف، 127.
11- نوح، 26-27.
12- بحار الأنوار، ج3، ص281.
13- صحيفة الإمام الخميني،ج17،ص122.