يتم التحميل...

كلمة سماحة السيد حسن نصر الله في خطاب عيد المقاومة والتحرير

2015

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا خاتم النبيين أبي القاسم محمد بن عبد الله وعلى آله الطيبين الطاهرين وصحبه الأخيار المنتجبين، وعلى جميع الأنبياء والمرسلين. إخواني وأخواتي، السلام عليكم جميعاً ورحمة الله وبركاته.

عدد الزوار: 141

كلمة سماحة الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله في خطاب عيد المقاومة والتحرير في النبطية 24-05-2015

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا خاتم النبيين أبي القاسم محمد بن عبد الله وعلى آله الطيبين الطاهرين وصحبه الأخيار المنتجبين، وعلى جميع الأنبياء والمرسلين. إخواني وأخواتي، السلام عليكم جميعاً ورحمة الله وبركاته.

إنني في البداية أرحب بكم في هذا الحضور الكريم والمبارك والكبير وأشكركم على جهدكم وتعبكم وجلوسكم في هذا المكان تحت الشمس في هذه المدينة المباركة في مدينة النبطية في ساحة عاشوراء، ونحن نعرف كل ما تمثّله هذه المدينة المجاهدة وهذه الساحة من قيم ومعان وحضور وتاريخ وفعل مباشر في المقاومة منذ أيامها الأولى. ولكن اسمحوا لي قبل البداية والدخول إلى موضوع الخطاب في هذا العيد العظيم الوطني الكبير أن أتوجه باسمكم بأسمى آيات العزاء والمواساة إلى أهلنا الطيبين المظلومين في بلدة القديح في القطيف على ما أصابهم نتيجة العمل الوحشي الهمجي الذي استهدف المصلين في مسجد الإمام علي عليه السلام، نعزّيهم بشهدائهم ونسأل الله تعالى لجرحاهم الشفاء والعافية كما نسأل الله تعالى لهم جميعاً أن يحميهم ويحرسهم بعينه التي لا تنام ويعينهم على مواجهة هذا الخطرالمحدق ويمكّنهم من ذلك.

أيها الإخوة والأخوات هذه أيام عيد انتصاركم أنتم، انتصار الدم على السيف، أبارك لكم جميعاً هذا العيد ولكل اللبنانيين والعرب والمسلمين وأحرار العالم، وأبارك لكم أيضاً كل هذه الأعياد المتزامنة مع عيد الانتصار في عامنا هذا، في شهر شعبان المبارك ذكرى ولادة سيد الشهداء أبي عبد الله الحسين بن علي عليهما السلام الذي ما زال يستنهض الهمم، ذكرى ولادة الإمام علي بن الحسين زين العابدين عليه السلام الأسير الذي لم تسقطه قيود السجان، ولادة أبي فضل العباس بن علي عليه السلام الذي لم تُقعده الجراح عن مواصلة المعركة حتى الشهادة المنتصرة، وفي آتي الأيام ولادة الإمام المهدي عليه السلام الأمل الآتي ووعد الله الذي سيتحقق إن شاء الله، أتوجه بالتحية في بداية الكلمة إلى كل الذين بفضلهم بعد الله تعالى كان هذا العيد وكان هذا الانتصار إلى كل الشهداء وعوائل الشهداء، إلى كل الجرحى وعوائل الجرحى، إلى كل الأسرى وعوائل الأسرى إلى كل المقاومين وعوائل المقاومين، إلى كل أهلنا وشعبنا الذين صمدوا وثبتوا وتحمّلوا التهجير والقصف والتدمير على مدى سنوات طوال، إلى كل الذين أسسوا وقادوا هذه المسيرة، من سماحة الإمام القائد المغيب السيد موسى الصدر أعاده الله بخير وأخويه ورفيقيه، إلى سيد شهداء لمقاومة الإسلامية السيد عباس الموسوي، إلى شيخ شهدائها الشيخ راغب حرب، إلى الشهيد القائد عماد مغنية، إلى كل الذين أيّدوا ودعموا وساندوا هذه المقاومة بقول أو فعل أو مال أوسلاح أو عتاد أو كلمة أو حتى دعاء، وإلى الصديقين الوفيين الكبيرين، إلى الجمهورية الإسلامية في إيران قيادةً وحكومة وشعباً، وإلى الجمهورية العربية السورية قيادةً وحكومةً وشعباً.

أيها الإخوة والأخوات، أود في البداية أن أتحدث عن تلك المرحلة، أولاً لنستفيد من تلك التجربة، لأن ما نشهده في هذه الأيام هو تاريخ يعيد نفسه ولكن بعناوين وأسماء مختلفة، وأيضاً لنضع أمام الأجيال التي لم تواكب تلك المرحلة، يعني الشباب والصبايا الذين ولدوا بالنصف الثاني من الثمانينات والتسعينات والألفين إلى اليوم ليعرفوا أيضاً ماذا حصل وليستفيدوا وهم يتحملون الآن معنا مسؤوليات مواجهة التحديات القائمة.

أولاً: عندما حصل الاجتياح عام اثنين وثمانين اختلف اللبنانيون في الفهم والتشخيص:

جزء من اللبنانيين – "بدنا نحكي الأمور كما هي بدون أسماء للاستذكار والاستعبار وأخذ العبرة" – بعض اللبنانيين كان لديهم منذ البداية فهم واضح وتشخيص صحيح للخطر الإسرائيلي، للمشروع الصهيوني، لأهداف الاجتياح عام 1982، لم يصدقوا ما كان يقال هنا وهناك فيما يتعلق بهذه الأهداف. ولكن للأسف الشديد كان هناك لبنانيون آخرون على موجة مختلفة، على أقسام وأنواع. كان بعض اللبنانيين بالعكس يراهنون على الاجتياح الاسرائيلي، يعلقون عليه الآمال، يتعاونون معه أمنياً وعسكرياً، يدخلون معه إلى مناطق لاحتلالها، ينصبون الحواجز، يشاركون في الاعتقالات، وكانوا في الحقيقة جزءاً من مشروع واحد، وبعض هؤلاء أكمل هذه المساعدة للعدو الاسرائيلي في الشريط الحدودي حتى إلى يوم 25 أيار ألفين. هذا بعض، بعض آخر لم يرَ في اجتياح العدو أي مشكلة، ولكنه كان يتعاطى ويتعاطف ويتفهم ولكن لم يتعاون. هناك صنف آخر كان يعتبر أنه لا مشكلة لكنه لا يتعاطف ولا يتعاون، هناك صنف آخر كان خالي الذهن، على الحياد بالمطلق، لا يعنيه لا فهم المخاطر ولا عدم فهم المخاطر، لا الموقف، ولا الأداء، ولا الحاضر، ولا المستقبل، "داير على مشاكله الشخصية حتى يحلها".

لكن كان هناك صنف آخر هو الذي أخذ خياراً واضحاً، كان لديه فهم للمخاطر والأهداف وأبعاد الاجتياح والمشروع، ورتّب على هذا الفهم موقفاً وكانت لديه الإرادة، وترجم كل هذا في الفعل الميداني المقاوم وعلى كل صعيد. طبعاً كان هناك ناس يشاركون المقاومة في فهمها وفي تشخيصها ولكنهم لم يحركوا ساكناً لأنهم كانوا مقتنعين بعجزهم وبعدم القدرة على التغيير، وإن ما كُتب قد كُتب. أما الذين آمنوا بالمقاومة وسلكوا طريقها ومارسوها قولاً وفعلاً، كان لديهم أيضاً الإيمان بالقدرة على صنع النصر وإلحاق الهزيمة، وأن ما يجري ليس مكتوباً حتمياً، وإنما النتائج مرهونة بإرادة الرجال.

من هنا انطلقت المقاومة، من بيروت العاصمة، إلى الضاحية والضواحي، إلى جبل لبنان، إلى صيدا، إلى كل الجنوب والبقاع الغربي وراشيا وتواصلت.

النقطة الثانية: منذ انطلاقة المقاومة أيضاً انقسم اللبنانيون في الموقف السياسي والإعلامي، يعني ما يعبرون عنه من مواقف، أو ما تقوم به وسائل الإعلام على تنوّعها في التعبير عن هذا الموقف، تبعاً للانقسام الأول أيضاً.

الآن أتمنى أن تستحضروا الذي يحصل الآن، كان البعض يتحدث عن الاسرائيلي كصديق، الاسرائيلي كحليف، بل كان ينظر إليه ويتحدث عنه كمنقذ، كان البعض دائما عندما يريد أن يتحدث عن اعتداءات الإسرائيلي على اللبنانيين وعلى المخيمات الفلسطينية وعلى الجميع، كان يتحدث عن حجج ويبرر للعدوان الاسرائيلي ويحمّل المقاومة المسؤولية ويعتبر أن ما يقوم به الإسرائيلي "المسكين المظلوم" بين هلالين، هو مجرد ردود أفعال على اعتداءات المقاومة، لا تقوموا بعمليات لا يحصل رد فعل اسرائيلي، بعض المواقف السياسية والإعلامية منذ اليوم الأول كانت توهن بالمقاومة وخيارها وطريقها وعدم جدواها وتوهين إنجازاتها المتراكمة التي كان يعترف بها الأعداء الصهاينة أنفسهم، ولكن بعض الداخل كان يكابر وأيضاً يضخّم خسائرها وتبعات أعمالها وجهادها.

كان هناك من يتهم المقاومة بوطنيتها ويقدمها كمرتزقة لسوريا أو لإيران، هناك دائماً كان من يغطي جيش انطوان لحد والعملاء، ويتعاطف معه ويدافع عنهم. ولكن في المقابل أيضاً كان هناك من يؤيدها سياسياً وإعلامياً وشعبياً وراهن عليها ودافع عنها ودفع بها إلى الأمام إلى يوم الإنتصار، هذا كان المشهد السياسي والإعلامي منذ حزيران 82 إلى أيار 2000 في يوم الانتصار.

النقطة الثالثة: على ضوء الفهم والتشخيص وتوفر الإرادة والعزم انطلقت المقاومة المسلحة بوجوداتها وفصائلها المختلفة، حركة أمل بعنوان أفواج المقاومة اللبنانية، حزب الله وقوى إسلامية أخرى بعنوان المقاومة الإسلامية، أحزاب وقوى وطنية متعددة بعنوان جبهة المقاومة الوطنية، إلى جانبهم ايضاً فصائل المقاومة الفلسطينية على تنوعها، التي كانت موجودة في لبنان، هذه المقاومة بمختلف قواها وفصائلها وفقط خلال ثلاث سنوات وفي مواجهة الجيش الإسرائيلي الذي دفع بمئة ألف ضابط وجندي إلى لبنان إلى هذه المساحة الصغيرة والمدعوم بعشرات الآلاف من القوات المتعددة الجنسيات وبعشرات الآلاف ـ للأسف ـ من اللبنانيين العملاء والمتعاونين، المقاومة خلال ثلاث سنوات فقط استطاعت أن تلحق به الهزيمة، وفرضت عليه بلا قيد ولا شرط ـ وكان هذا هو الانتصار الاول ـ الانسحاب من بيروت والضاحية والجبل وخط الساحل وصيدا وصور والنبطية وأجزاء من البقاع الغربي وراشيا وصولاً إلى الشريط الحدودي المعروف منذ عام 1985، وثبّتت من خلال هذه الوقائع جدواها وقدرتها على الإنتصار وعلى تحرير الأرض.

ومع ذلك استمر النهج السياسي والإعلامي المتردد والمثبط والموهن والطاعن، لم يتوقف حتى عشية أيار 2000، بعد الانسحابات الإسرائيلية المتتالية إلى الشريط الحدودي المعروف واصلت المقاومة عملها منذ 85 إلى 2000، وقدمت تضحيات جسام، شهداء وجرحى وأسرى وتهجير وتدمير ومجازر ومواجهات كبرى، حرب في تموز 93 وحرب في نيسان 96 إلى أن وصلنا في أيار 2000 والهزيمة الإسرائيلية المذلة بلا قيد ولا شرط ولا مكاسب ولا أتفاقيات ولا... ولا .... ولا..... وكان انتصاراً واضحاً وقوياً وصافياً ونقياً، لنكن صريحين، هذا الانتصار بعد توفيق الله سبحانه وتعالى صنعه بعض اللبنانيين ـ "حطوا لي ثلاث شحطات وليس إثنين" تحت كلمة بعض ـ صنعه بعض اللبنانيين. لماذا نكذب على بعض، من آمن بالمقاومة وخيارها ومارسه ودعمه وبدعم فقط وفقط من إيران ومن سوريا وتعطف من قبل كثير من الطيبين من شعوبنا العربية والإسلامية وأحرار العالم، لكن هذا البعض من اللبنانيين الذي صنع الانتصار بدماء شهدائه وبجراح جرحاه وبمعاناة أسراه في السجون وبآلام أهلهم الذين دمرت بيوتهم وأرزاقهم وعذبوا وشردوا وأبعدوا عن ديارهم، هذا البعض من اللبنانيين صانع الانتصارمنذ اليوم الأول أراد لهذا الإنتصار أن يكون لكل اللبنانيين، هذا الإنتصار الذي صنعه البعض أراده هذا البعض للجميع. منذ البداية، منذ 82 المقاومة كانت تعتبر أنها تدافع عن كل اللبنانيين، وعن كل المناطق اللبنانية، وعن كرامة وعزة وحرية وشرف وسيادة كل اللبنانيين وكل الوطن وكل العرب، ولذلك لن يمنعها كل الطعن في الظهر وكل العمالة والخيانة والتلغيم من أن تهدي نصرها لكل اللبنانيين، ولكل العرب ولكل المسلمين ولكل أحرار العالم وخاصةً إلى الشعب الفلسطيني الأبي والمجاهد والصابر. وفي نهاية المطاف الذي تنعّم ويتنعّم منذ 2000 إلى اليوم ببركات هذا الإنتصار هم كل اللبنانيين، أليس هذا من الحقائق ومن الوقائع؟ أنا لا أريد أن أتكلم نظريات، أنا خطابي اليوم كله وقائع يُبنى عليها، عادت إليهم قراهم وحقولهم وبيوتهم إلا مزارع شبعا وتلال كفرشوبا والجزء اللبناني من الغجر، عاد إليهم أبناؤهم وأسراهم وكرامتهم وعزتهم وحريتهم، أسسوا لحماية بلدهم من خلال الردع الذي تمثله اليوم معادلة الجيش والشعب والمقاومة، هذا الردع تأسس في 93 في تموز وفي نيسان 96 وفي انتصار أيار في 2000، وتأكد في انتصار تموز2006، موقع لبنان في المنطقة ونظرة العالم إليه، أيقن العدو أن لا مكان له في أرضنا، ومياهنا وخيراتنا، خرج وأقفل البوابة خلفه، وإن كانت ما زالت أطماعه من خلف الحدود وتهديداته قائمة. أمس كان إيهود باراك يدافع عن صوابية خياره في الإنسحاب عام 2000، وكان يقول: لا جدوى من البقاء في الشريط الحدودي، وكلفة البقاء في الشريط الحدودي كانت مرتفعة لذلك لم يكن لديه خيار سوى الانسحاب.

إذاً نحن بالإرادة كتبنا ما يجب أن يُكتب، هذه سنن الله عز وجل، وهذه قوانين التاريخ، هذه البركات بركات الإنتصار الذي نُحيي اليوم عيده الخامس عشر لم تلجأ إلى جماعة دون جماعة أو إلى حركة دون حركة أو حزب دون حزب، أو فصيل دون فصيل أو طائفة دون طائفة أو منطقة دون منطقة، وإنما عمّت ببركاتها الجميع، وصولاً إلى المنطقة العربية ووصولاً إلى فلسطين، على مجمل قضية الصراع مع العدو الإسرائيلي.

كما يجب أن أُذكّر، في مثل هذه الأيام تعاطت المقاومة بكل فصائلها بإنسانية رائعة وبأخلاقية عالية مع كل الذين أخطأوا وتعاملوا مع العدو في الشريط الحدودي من عملاء انطوان لحد وغيرهم، وقدمت نموذجاً إيمانياً وإسلامياً ودينياً وأخلاقياً ووطنياً في التعامل. ومع ذلك، البعض يحاول أن يُشبّه مثلاً هذه المقاومة وفصائل هذه المقاومة بداعش.

السؤال: لو لم يكن لدى هذا البعض من اللبنانيين هذا الفهم للخطر وهذا التشخيص الصحيح للأهداف والمشروع، ولم يكن لديهم هذه الإرادة وهذا العزم وهذا الفعل المقاوم، ماذا كان يمكن أن يحصل؟ يعني بالتعبير الآخر: لو لم تكن توجد مقاومة بعد إجتياح إسرائيل في 82، أين كان الجنوب الآن؟ كل الجنوب؟ والنبطية مطرح ما أنتم قاعدين، أين كان البقاع كل البقاع؟ وأين كان الجبل وبيروت والضواحي والشمال؟ لأنها كانت إسرائيل لتمتد إلى كل لبنان لولا المقاومة، أين كانت المنطقة كلها من حولنا؟ وأين كان سيكون جزء كبير من اللبنانيين؟ لكم أن تتصوروا هذا المشهد ضمن هذه الفرضية، لتعرفوا عظيم النعمة الإلهية والمنة الإلهية التي منّ بها على شعبنا في لبنان، وعلى مقاومتنا وعلى أهلنا وأعطاهم هذه الحرية وهذا التحرير وهذه العزة وهذه الكرامة.

عندما ننظر اليوم في عيون الناس، حتى على الحدود، فنرى فيها الطمأنينة والسكينة والأمن والأمان، وعندما ننظر إلى قلوب الناس فنرى هذه الثقة الكبيرة والقوية بقدرتهم على ردع العدو، وعلى قطع الأيدي المعتدية وعلى إسقاط كل الأطماع، نعرف عظيم النعمة، التي منّ الله سبحانه وتعالى بها علينا في مثل هذه الأيام، أي قبل خمس عشرة سنة، ولذلك يجب أن نعرف هذه النعمة وأن نشكر هذه النعمة وأن نحافظ على هذه النعمة لأننا محتاجون إليها في بقية أيام المواجهة والتحدي والصراع مع كل الأخطار الإسرائيلية وغير الإسرائيلية القائمة والآتية، هذه النعمة كانت بسبب هذا الفهم وهذا التشخيص وهذا الخيار الصحيح منذ البداية.

بعض اللبنانيين، هؤلاء، هذا البعض من اللبنانيين، لم ينتظر جامعة الدول العربية ولا منظمة المؤتمر الإسلامي ولا مجلس الأمن الدولي ولا هيئة الأمم المتحدة ولا أمريكا ولا أوروبا ولا الغرب، بل إتكل على الله وإعتمد على قدراته وعلى رجاله وعلى نسائه وعلى أبطاله وعلى أصدقائه أيضاً في إيران وسوريا، وإنطلقت المقاومة منذ الأيام الأولى ونفذت عملياتها الاستشهادية والنوعية التي هزت كيان العدو وقلب العدو وثقة العدو بجيشه وبقدراته.

أيها الإخوة والأخوات، اليوم التاريخ يعيد نفسه بعناوين جديدة، المشروع الذي يتهدد دول المنطقة وشعوب المنطقة ومجتمعات المنطقة وجيوش المنطقة هو هذا المشروع التكفيري والتذبيحي المتوحش الذي نشهده الآن.

انظروا الفرق الآن، في 24 أيار 2015 يفرق عن الكلام قبل ثلاث أربع خمس سنوات. قبل خمسة سنوات ممكن إذا أتينا وتكلمنا عن فكر هذه الجماعات، عن عقلها، عن ثقافتها، عن نواياها، سيقال لنا أنتم تحاسبون على النوايا.

ضعوا كل هذا الكلام القديم جانباً، لنحاسب على الوقائع، الوقائع الخارجية، الوقائع التي نشاهدها جميعاً ونشهدها جميعاً، في سوريا، في العراق، في سيناء، في اليمن، في كل الأماكن، وأمس في السعودية أو أمس في القطيف.

اليوم نحن لو أخذنا أبرز نموذج لهذا المشروع وهي داعش، طبعاً يلحقها النصرة، يلحقها القاعدة كلهم واحد. لكن فلنتكلم عن داعش. حسناً، نحن الآن أمام مشروع يتحرك على الأرض، لا نتكلم عن نوايا، لا نناقش في مركز دراسات، يسفك الدماء، يدمر، يقتل، يغتصب، يسبي، يذبح، اليوم كل الأخبار الآتية من سوريا تتكلم عن 400 شهيد وضحية في مدينة تدمر تم ذبحهم من قبل داعش بتهمة التعاون أو الإنتماء إلى إدارات الدولة، وينهب ويعبر عن وحشية اتجاه كل ما هو إنساني وكل ما هو حضاري، داعش هي تمثل عنوانه الأبرز. داعش هذه أيضاً اليوم، اليوم نحن ونتكلم، هي ليست مجموعة صغيرة في زاوية من زوايا العالم العربي أو الإسلامي، لا هي تمتد الآن، هي تمتد، وإذا تكلمنا عن البيعة الرسمية العلنية، هي موجودة في سوريا على مساحة واسعة، على مساحة واسعة من العراق، هي موجودة في سيناء، على الحدود مع فلسطين المحتلة وتقاتل المصريين، هي موجودة في اليمن، هي موجودة في أفغانستان، في باكستان، في ليبيا، في شمال إفريقيا، في نيجيريا، لأن بوكو حرام بايعت خليفة داعش وهي موجودة. والأمس، أول أمس عبرت عن وجودها الميداني في القطيف في السعودية ويمكن أن تتواجد و تعلن عن وجودها في كل مكان لأن لها أتباعاً، لهذا الفكر ولهذا المنهج.

النصرة مثلها، لكن الفرق عنها أنها هي جبهة شامية، يعني فرع تنظيم القاعدة في بلاد الشام الذي يعمل كثيراً الآن على تجميله وعلى إعطائه عنواناً جديداً، جيش الفتح، لا يوجد شيء إسمه جيش الفتح، جيش الفتح يعني النصرة، يعني تنظيم القاعدة في بلاد الشام، حتى لا أحد يُغش بتغيير الأسماء.

حسناً، بالاستناد إلى كل ما تقدم من تجربة، ماذا علينا وعلى شعوبنا وعلى منطقتنا وعلينا كلبنانيين، لأنه في آخر الكلام أنا قادم إلى لبنان بشكل أساسي.

أولاً: بناء على كل التجربة الماضية، أولاً فهم الخطر والتهديد. للأسف الشديد في لبنان، في سوريا، في العراق، في المنطقة ما زال هناك من يدس رأسه في التراب ويقول لا يوجد شيء، لا يوجد خطر، لا يوجد تهديد، الدنيا بألف خير. ما زال البعض يقف على الحياد في هذه المعركة. وللأسف الشديد، بالعكس، هناك من يؤيد ويساند ويراهن ويرى في هذه الجماعات الإرهابية التكفيرية صديقاً وحليفاً ومنقذاً، مثل الذي تكلمت عنه عن إسرائيل في 82، وبالتالي يقدم لها الدعم والمساندة.

اليوم نحن أمام خطر أيها الإخوة والأخوات، في الماضي كانت تأتي جيوش وجماعات لإحتلال الأراضي، لكن ماذا كان هدفها، السيطرة على الأرض، على السلطة، على المال، على المياه، والآن في العصر الحديث، على النفط، على الغاز، على الأسواق، على القرار السياسي، لكن لم يكن لديها مشكلة أن يعيش الناس في هذا البلد، يعيشوا، يبقوا على قيد الحياة، اختلفت مذاهبهم، طوائفهم، أفكارهم، مناهجهم، تقاليدهم، عاداتهم، ثيابهم، لباسهم، أكلهم، شربهم، لا يوجد مشكلة.

اليوم نحن أمام نوع من الفكر الذي لا مثيل له في التاريخ، صدقوني، وارجعوا ودققوا، لا مثيل له في التاريخ. خطر يستهدف الوجودات البشرية الأخرى. حتى لا أتكلم أيضاً عن فكر وفقه ومنهج، وأقول قال فلان وكتاب فلان، فلنتكلم وقائع. هذا العراق أمامنا مجدداً، ماذا فعلت داعش بأهل السنة الذين لم يتعاونوا معها؟ أو حتى الذين تعاونوا معها من وطنيين أو عشائر أو ما شاكل ورفضوا أن يبايعوا خليفتها المزعوم، ماذا فعلت بهم؟ كلنا نعرف ماذا فعلت بهم. وماذا تفعل بهم الآن؟ في الموصل وفي الأنبار وفي الرمادي. ماذا فعلت بالشيعة؟ ماذا فعلت بالمسيحيين؟ ماذا فعلت بالأيزديين؟ وأيضاً ليس عندهم تمييز قومي الجماعة، عرب، كرد، تركمان، كلهم مثل بعضهم، أليست هذه هي الوقائع، مجازر 1700، 2000 و 5000 و 10000 والذبح ماشي حتى هذه اللحظة، أنا أخطب معكم، وماشي.

في سوريا أليس كذلك أيضاً، سني ومسيحي وعلوي وإسماعيلي ودرزي ولا أعرف ماذا، بماذا اختلف الموضوع؟ وهذه المشاهد أو الأخبار الجديدة من تدمر. حتى بين داعش والنصرة، لماذا تخاصموا مع بعضهم بالقلمون، هم أصدروا بيانات اتهموا بعضهم فيها، يعني أصحاب المنهج الواحد والفكر الواحد والتنظيم الواحد سابقاً وهم في جبهة واحدة ويواجهون خطراً واحداً ومع ذلك لديهم من قلة الدين وقلة العقل، قلة العقل، أنه بدل من أن يتوحدوا في مواجهة الجيش السوري والمقاومة، لا، يتقاتلوا، أنا لا أنصحهم أن لا يتقاتلوا يعني، لكن أوصّف، وعندما يتقاتلون يذبحون بعضهم البعض، لم يأخذوا أسرى، هذه بياناتهم، لم يأخذ الأسرى، لا يحاكمهم، يا أخي لا يعدهم بالرصاص، إلا بالذبح، لأن هذا جيناكم بالذبح جيناكم، هذا هو شعار المشروع.

حسناً، إذاً نحن اليوم أمام مشروع، أمام جماعات، أمام خطر، هو لا يتحمل وجود الآخرين، هنا خطأ أن يصف أحد، وطالما أنا قلت هذا في الخطابات السابقة، أن يقول هذا وضع سني في مقابل الشيعة، أو وضع سني في مقابل المسيحيين، أو وضع سني في مقابل بقية الطوائف والاتجاهات الدينية، أبداً. هذا وضع متوحش تكفيري في مواجهة كل شعوب هذه المنطقة. الذي سلم فقط هو من يقبل أن يعيش نمط حياتهم ويحمل فكرهم ويبايع خليفتهم بقوة السلاح. هذا يمكن طبعاً من السنة فقط، هذا ممكن أن السني نعم عنده ميزة أنه إذا استسلم ويقول أنا أبايع خليفتكم وأقبل نهجكم وفكركم وو.. ممكن "يزمط" ممكن وإلا كثير من الناس "ما زمطوا". أما الباقي يبدو ليس لهم محل، ليس لهم محل.

حسناً، بناءً على هذا التشخيص، الآن إذا كان أحد عنده فهم آخر ماذا سنفعل، بعد كل هذه الوقائع يوجد أناس يأتون ويقولون لك لا، داعش والنصرة يريدون التغيير وهم رد فعل على قمع الأنظمة وعلى الديكتاتوريات وعلى وعلى... حسناً، مرة تأتي تحلل أسباب الظاهرة، لا نختلف، مرة تأتي وتقف عند الظاهرة واستهدافاتها ومسارها وسلوكها ونتائجها، وبناءً عليه يجب أن تأخذ الموقف. الكل يجب أن يشعر بالخطر، هذا ليس خطراً على المقاومة في لبنان، هذا ليس خطراً على طائفة معينة أو على جزء من طائفة معينة، هذا ليس خطراً على نظام في سوريا أو حكومة في العراق أو جماعة في اليمن أو ما شاكل، لا، هذا خطر على الجميع. لا أحد يُخبئ رأسه ويدس رأسه في التراب، هذه الشواهد، هذه الوقائع، هذه الأحداث، هذه الأرقام، كلها موجودة أمامكم.

حسناً، نذهب ثانياً، هذا أولاً بالفهم، نذهب ثانياً على الخيارات. أول خيار يجب أن نستبعده والذي أنا أسميه الخيار الواهم، وهم، بعض الناس يتصور أنه إذا نحن سكتنا عن داعش والنصرة وفي يوم من الأيام لا سمح الله في مكان ما، في منطقة ما غلبوا، فسكوتنا يشفع لنا ويحمينا، الوقائع تقول غير ذلك.

أيضاً، يوجد أناس تصوروا أنه إذا هم أتوا وقالوا عن داعش والنصرة ثوار ومجاهدين ومناضلين، مقاتلين من أجل الحرية، ودعموهم إعلامياً وسياسياً ففي يوم من الأيام في نقطة ما إذا غلبوا هذا سيحميهم ويشفع لهم، أيضاً الوقائع تقول غير ذلك. في العراق هناك جماعات قاتلت مع داعش في الموصل وفي صلاح الدين وفي الأنبار، وعندما سيطرت داعش طلبت منهم البيعة وعندما رفضوا البيعة ذبحتهم، علماء وزعماء عشائر، رجال، وسبت نساؤهم، وصادرت أموالهم، وهؤلاء قاتلوا مع داعش، قاتلوا الجيش العراقي. من يتصور في لبنان أو في المنطقة أنه بسكوته أو مدحه أو مجاملته لهؤلاء سيحمي رأسه أو يحمي طائفته أو يحمي جماعته، هذا جهل، هذا وهم، هذا غير صحيح.

حسناً، أنظروا هم ماذا يتكلمون عن بعضهم بالبيانات، داعش والنصرة، إقرأوا بيانات النصرة لما يُوصّفوا داعش واقرأوا بيانات داعش لما يُوصّفوا النصرة، ماذا يُوصّفون بعضهم: ناقِضوا العهود والمواثيق، الغدارون، القتلة، لأنه أسهل شيء عند الجماعتين أن يكفر الآخر وأن يستبيح دمه دون محاكمة، دون محاكمة، وإذا يوجد محكمة فالقاضي عندهم جاهل، لا يفهم شيئاً لا في شريعة ولا في فقه وهم يدّعون أنهم يطبقون الشريعة الإسلامية.

لذلك أنا نصيحتي وأنا أتحدث عن الخيارات للمراهنين، للساكتين، للمؤيدين، راجعوا حساباتكم، أنتم ستكونون أول ضحايا داعش والنصرة. بكل هدوء وأخوية ومحبة، من أجل أن لا نضحك على بعض، أول ضحايا داعش في لبنان والنصرة سيكون تيار المستقبل وقادة تيار المستقبل ونواب تيار المستقبل. والكل سيكون ضحايا داعش وضحايا النصرة. انا لا أريد أن أخيف الناس، لكن "ما بدنا نضحك على بعض"، أريد أن أسأل المسيحيين في لبنان، هل موقف فلان أو فلان أو فلان من قيادات وزعامات 14 آذار أو أحزاب 14 آذار تشكل لكم ضمانة حقيقية، تحميكم من الذبح والقتل والنهب، وتحمي نساءكم من السبي وكنائسكم من التدمير؟ هؤلاء يشكلون ضمانة؟ يعني غداً يقولون نعم، نحن كنا نؤيدكم ومدحناكم.. على ضوء كل هذه الوقائع أوجه السؤال لكل اللبنانيين والسوريين والعراقيين وشعوب المنطقة، لإخواننا وأحبائنا العلويين والدروز والإسماعيلية والزيدية والأباضية، كل الأسماء وكل الطوائف وكل المذاهب، فضلا طبعا عن من الممكن أن يقولوا أنتم علمانيون، والمشكلة عندهم أكبر، من الذي لديه ضمانة؟

وهل لهؤلاء قول وعهد وميثاق؟ هذا السؤال من القلب إلى القلب ومن العقل الى القلب، لا لا، لنخرج من السجالات والعنتريات وكذا نحكي واقع "نحكي أرضي، نحكي حرص" نحكي مسؤوليات.

إذاً لا يجوز الجلوس والانتظار، يجب المبادرة والعمل والبحث عن وسائل المواجهة، حسناً ما الخيارات؟ السكوت والقعود؟ هذا لا يوصل ولا يحمي ولا يشفع.

بالخيارات أولاً البعض يبحث عن الحماية الاميركية، لا أريد أن أحكي بالتنظير ولا بتاريخ أميركا ولا المشروع الاميركي، وكيف تلعب أميركا بكل دول المنطقة وبدول الخليج وبشعوب المنطقة وتبيع السلاح لتشغيل مصانعها، وتنهب نفطنا وتنهب دولاراتنا وخيراتنا ودنانيرنا وتمزقنا وتدمرنا كشعوب في المنطقة، اتركوا هذا الى جنب.

خذوا تجربة العراق، بعد أيام، أسبوعين ونيف يكون الذكرى السنوية لاحتلال داعش لمحافظة الموصل، محافظة ضخمة، أكبر من لبنان بعدة مرات، ومحافظة صلاح الدين ومحافظة ديالى وجزء من محافظة كركوك وجزء من محافظة أربيل وجزء كبير من محافظة الأنبار وهددت بغداد، جيد، تشكل تحالف دولي بقيادة الولايات المتحدة الأميركية، مرت سنة، ماذا فعلوا؟

لا نريد أن "نحكي سياسة" ولا نقاش فكري ولا نقاش بالنوايا، ماذا عمل التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الاميركية؟؟

عدد الغارات خلال سنة هو أقل بكثير من غارات إسرائيل على لبنان في حرب تموز أو من غارات إسرائيل على غزة بحرب 22 يوم أيضا، ليس بـ 51 يوم، ماذا فعلوا؟

هل طردوا داعش؟ هل كسروها؟ يا إخواني ويا أخواتي، كل الناس يعرفون، والعراقيون يعرفون أن داعش تنتقل بجحافلها ومركباتها ودباباتها وآلياتها وأسلحتها من مدينة إلى مدينة ومن محافظة إلى محافظة ومن العراق إلى سوريا ومن سوريا إلى العراق تحت عين الولايات المتحدة الاميركية، من يراهن على أميركا في العراق أو في سوريا أو في لبنان أو في أي مكان أقول له: لن ترجع الموصل بل تضيع الرمادي، ضاعت الرمادي على مقربة سنة من ضياع الموصل، هذا الذي ينتظر الأميركان. لكن العراقيين الذين لم ينتظروا الأميركيين استطاعوا بإرادتهم، بجيشهم، بحشدهم الشعبي، بدعوة المرجعية الدينية، بتضافر جهودهم، أن يستعيدوا ديالى ويستعيدوا الجزء الأكبر من محافظة صلاح الدين وأن يستعيدوا.. وأن يقفوا ويمنعوا هذا التمدد وهم قادرون على ذلك أيضاً. إذن من ينتظر أميركا فلن يصل إلى مكان.
ثانياً: جامعة الدول العربية، القوة العربية المشتركة، الآن يمكن أن يقول أحد: لماذا تتعبون أنفسكم، هناك قوة عربية مشتركة، نحن الآن في زمن عاصفة الحزم، هي التي ستحمي لبنان، هي التي ستحمي شعوب المنطقة، عجيب هذا الفهم وهذا العقل!

جيد، هذه داعش وهذه النصرة من الذي يدعمها فكرياً وإعلامياً؟ حتى في فضائيات عاصفة الحزم تشاهد دعماً واضحاً، يهللون لانتصارات داعش ولهزائم أو خسائر من يقابل داعش والنصرة. من يقدم لها المال والسلاح بشكل رسمي وغير رسمي؟ من يشتري منها النفط؟

هؤلاء الذين نراهن عليهم لحمايتنا.

ثالثاً: الخيار الحقيقي والصحيح هو أن يعتمد العراقيون والسوريون واللبنانيون واليمنيون وكل شعوب المنطقة على أنفسهم، أن يشحذوا هممهم، أن يثقوا بقدراتهم، أن يتعاونوا ويتكاتفوا ويعضدوا بعضهم بعضاً، وأن يبحثوا عن الأصدقاء الحقيقيين الصادقين ليقدموا لهم الدعم والمساندة، وفي مقدمة هؤلاء الجمهورية الاسلامية في إيران، أن يعلموا أنهم بالوعي والإرادة قادرون على إلحاق الهزيمة بهذا المشروع التكفيري الظلامي المتوحش. هم ليسوا أقوى من إسرائيل، هم ليسوا اقوى من أميركا، وحركات المقاومة وشعوب المقاومة في هذه المنطقة ألحقت الهزيمة بإسرائيل والهزيمة بأميركا. الذي يلعب هنا هو التضليل، هو العبث، هو الفراغ، هو الحيرة. يجب أن نخرج من هذه المرحلة ونعلم أننا قادرون باعتمادنا على قدراتنا الوطنية، على شبابنا، وعلى جيوشنا، وأن يحلّوا خلافاتهم والملفات المتنازع عليها بينهم في كل هذه البلدان، لأن المعركة معركة وجود، هي معركة وجود العراق وشعب العراق، معركة وجود سوريا وشعب سوريا، معركة وجود لبنان وشعب لبنان، وهكذا..

وفي معارك الوجود تؤجل المعارك الأخرى، المصالح والامتيازات والإصلاحات والديقراطية ..

في كل دول العالم لمّا يقع الخطر الوجودي المعارضة تسكت عن الحكومة بل تتعاون مع الحكومة بل قد تساند الحكومة في خياراتها، أليس كذلك؟

اليوم منطقتنا ودولنا وشعوبنا هي في معركة وجود بناءً على كل ما تقدم من التجربة ومن الفهم والخيارات، أقول ما يلي:

هنا الترجمة والمواقف:

أولاً: نحن ندعو الجميع في لبنان والمنطقة إلى تحمّل مسؤولياتهم في مواجهة هذا الخطر، إلى الخروج من التردد، من الصمت، من الحياد، فضلا عن التأييد.

أنا أعرف أن البعض عنده حساباته، مثلاً في لبنان قوى 14 اذار عموماً عندها مشكلة بالحسابات لأنه الآن في سوريا الحقيقة هناك نظام الرئيس بشار الأسد ومعه الجيش العربي السوري ووو.. وهناك داعش والنصرة. هؤلاء أصحابكم، جماعة الائتلاف الوطني المعارض هؤلاء الآن لا أحد منهم قادر على المجيء على المناطق التي تسيطر عليها داعش والنصرة، وهؤلاء لا يشكلون لكم ضمانة، ولذلك هم هاجسهم فقط هو انتصار نظام الرئيس بشار الأسد خوفا من هذا الانتصار، وهم يسلمون آمالهم ورهاناتهم إلى داعش والنصرة، والأحق أن يخشوه وأن يخافوا منه هو داعش والنصرة. في حرب تموز، لما خرجت بعض الأصوات تحكي عن خشيتها من انتصار حزب الله، تتذكرون، مبكرا اكتشف أناس أن حزب الله والمقاومة وكل فصائل المقاومة ستنتصر حتى خرجوا يقولون: نخشى انتصار حزب الله، أنا قلت حينها ـ أيضاً على الشاشة لأننا كنا في زمن الحرب ـ لا تخافوا من انتصار حزب الله بل خافوا من هزيمته، واليوم أنا أقول لهم: يجب أن تخافوا من انتصار هؤلاء، لا تخافوا ولا تخشوا من انتصار الآخرين.

أنا أسألكم وأتحدث واقعياً، إذا انتصر النظام ومن معه في سوريا، نحن نشكل لكل اللبنانيين ضمانة وأعرف أن للمقاومة ولقيادات سياسية كبرى في لبنان من المكانة ومن ومن ومن.. عند القيادة السورية والشعب السوري ما يجعلنا نقول: نحن نشكل ضمانة، لكن أسألكم: لو لا سمح الله، وهذا ما نستبعده ويجب أن نعمل حتى لا يكون، لو انتصرت داعش والنصرة،هل تشكلون ضمانة لأنفسكم، قبل أن تشكلوا ضمانة لبقية اللبنانيين؟

أتمنى أن تجاوبوني على هذا السؤال في يوم من الأيام.

ثانياً: من الخطأ تقديم المعركة مع هذه الجماعات الإرهابية عند الحدود اللبنانية وداخلها كما هو الحال في جرود عرسال أنها معركة الحزب ويريد أن يجر إليها الدولة والجيش. كلا هذه معركة لبنان، وبناءً على كل هذا الفهم، يجب أن تتحمل الدولة فيها كامل المسؤولية، نحن لا نريد أن نورطكم ولا أن نجركم، نحن ندعوكم لأن تدافعوا عن أرضكم وعن بلدكم وعن سيادتكم وعن شعبكم وأن تتحملوا هذه المسؤولية لا أن تتهربوا منها.

ثالثاً: معركة الجرود في القلمون متواصلة ومستمرة إن شاء الله، حتى يتمكن الجيش العربي السوري وقوات الدفاع الشعبي ورجال المقاومة من تأمين كامل الحدود اللبنانية السورية إن شاء الله، هذا من جهة، ومن جهة أخرى وهو رابعاً: يبقى ملف بلدة عرسال وجرود عرسال لأنه عملياً الآن من الحدود اللبنانية كلها ومن الجرود اللبنانية كلها، كلها باتت خارج سيطرة المسلحين إلا جرود عرسال.

بالنسبة لعرسال البلدة، أود أن أقول بصراحة اليوم، كما أنا، نفس هذه العبارات استخدمتها لما كانت السيارات المفخخة تأتي من عرسال، تمر من عرسال، وينقلها أبناء من عرسال وبنات من عرسال، وهم موجودون الآن في السجون ويحاكمون من قبل القضاء اللبناني، يومها وليس الآن للمزايدة، يومها عندما كان لحمنا ودمنا يمزّق في الهرمل وفي النبي عثمان وفي الضاحية الجنوبية وفي بئر حسن، وقفنا وقلنا: أهل عرسال أهلنا وإخوتنا وأحباؤنا وجزء عزيز من شعبنا.

في هذا الموضوع لا يزايد علينا أحد، ولا نقبل ولم نقبل أن ينالهم سوء أو يتصرف معهم أحد بغير مسؤولية، وهنا يجب أن نسجل اعتزازنا بأهلنا في بعلبك الهرمل، مع العلم أن بعض هذه الجماعات، ومنها من أبناء عرسال، قتلوا شباباً من عشائر وعائلات بعلبك الهرمل، لكن بقي أهل عرسال في أمن وسلام، هذا التصرف الإنساني الحضاري الأخلاقي الذي عبّر عنه أهل بعلبك الهرمل، مع من؟ مع الذين يرسلون السيارات المفخخة ويقتلون نساءهم وأطفالهم ويذبحون رجالهم، موضوع عرسال هذه نظرتنا إلى أهلها، تقولون هذه مسؤولية الدولة؟ جيد هذه مسؤولية الدولة، وهل قلنا غير هذا؟ قلنا هذه مسؤولية الدولة، تفضلوا. وزير الداخلية في الحكومة الحالية يقول: بلدة عرسال بلدة محتلة من الجماعات المسلحة، حسناً، أنت تقول بلدة محتلة، تيار المستقبل، وزيركم يقول بلدة محتلة، إلا إذا كنتم تخالفونه وتعتبرونه رأياً شخصياً، تأتي الدولة اللبنانية، تستعيد بلدتها المحتلة وأهلها الواقعين تحت الاحتلال، الذين يُخطفون ويُقتلون ويُذبحون، وتعرفون، في عرسال يوجد محاكم لداعش ومحاكم لجبهة النصرة، ويحاكمون ويقتلون ويعدمون، هذا "مدري شو شرب وهذا مدري شو أكل وهذا مدري شو عمل علاقة وهذا مدري شو قال وهذا مدري ماذا فعل" أليس كذلك؟ والجميع يعرف هذا الموضوع، تفضلوا وتحملوا المسؤولية وأثبتوا أنكم دولة وأنكم حكومة حريصة على شعبها وعلى أرضها وعلى سيادتها وعلى قرارها، ولا تتهربوا من مناقشة هذا الأمر، هناك مجلس وزراء وعدد من الكتل الوزارية هي تصر على مناقشة هذا الأمر في مجلس الوزراء، أبسط أمر هو أن تقبلوا بالنقاش، وإذا كنتم تعتبرونه لا يحتاج إلى نقاش فلتتكلوا على الله ولتأخذوا قراراً، ونعرف، على كل حال، أن معلوماتي الصحيحة والأكيدة من داخل عرسال أن الاغلبية الساحقة اليوم في عرسال، أعادت النظر بكل هذه المواقف وباتت تشعر بالعبء الثقيل الذي تمثله هذه الجماعات المسلحة وهي بحاجة إلى من يمد لها يد المساعدة، نحن يا أهلنا في عرسال جاهزون دائما لأن نمدّ لكم يد الأخوة ويد المساعدة وأن نكون إلى جانبكم، ولكن يجب على الدولة أن تتحمل المسؤولية. وبالتالي أنا أنصح الجميع أن يخرجوا الآن مسألة أهل عرسال وبلدة عرسال من المزايدات الطائفية والمذهبية، هذا ليس لكم مصلحة فيه، بالنسبة لنا لا يغير في الأمر شيئاً، تكلموا ما شئتم وقولوا ما شئتم، "انهم فلتانين علينا، هم من زمان فلتانين علينا"، أنا أنصح، أخرجوا هذا الأمر من المزايدة.

أما جرود عرسال، اذا كانت الدولة لا تريد أن تتحمل المسؤولية، أنا اليوم في 24 أيار 2015 مثل ما تكلمت في 25 أيار قبل سنتين يمكن أو اكثر بمشغرة عن موضوع القصير، والآن نحن في جرود القلمون، إن أهلنا في البقاع وأهلنا في بعلبك الهرمل، دعوني أكون واضحاً، وقولوا ما شئتم واتهموا كما تشاؤون وسموا كما تشاؤون ووصّفوا كما تريدون، إن أهلنا في بعلبك الهرمل الشرفاء، إن عشائرهم وعائلاتهم وقواهم السياسية وكل فرد فيهم، لن يقبلوا ببقاء إرهابي واحد ولا تكفيري واحد في أي جرد من جرود عرسال أو البقاع.

وهذا القرار أول من يحمي، يحمي أهل عرسال ليتمكنوا من الذهاب إلى جرودهم والى مقالعهم والى مزارعهم التي يمنعهم منها المسلحون وليأمنوا في بيوتهم وليعودوا إلى سلطة الدولة.

رابعاً: في عيد المقاومة والتحرير نحن نتمسك بالمعادلة الذهبية: الجيش والشعب والمقاومة، الجيش الوطني والمقاومة الشعبية والاحتضان الشعبي، ونقدم معادلة الانتصار "هذه المعادلة" أهم نتائج انتصار أيار 2000 وفي تموز 2006، في هذه المعادلة التي تحمي لبنان اليوم، الذي يحمي لبنان اليوم هو هذه المعادلة في مواجهة الإسرائيلي وفي مواجهة التكفيري وفي مواجهة أي تهديد، لأن الذين قتلوا في مواجهة إسرائيل هم ضباط وجنود الجيش ورجال المقاومة وأبناء الشعب اللبناني، والذين يٌقتلون الآن وعلى مدى سنوات في جرود البقاع هم ضباط وجنود الجيش اللبناني ورجال المقاومة وأبناء الشعب اللبناني.

هذه معادلة الانتصار، هذه معادلة الردع، فلنخرجها من دائرتها اللبنانية، بدلاً من الغائها، ونقدمها معادلة لسوريا وقد بدأتها سوريا من سنوات، ونقدمها معادلة للعراق وقد بدأها العراق من سنة، نقدمها معادلة لليمن وقد بدأها اليمن منذ 60 يوماً، ونقدمها مبادرة ومعادلة لكل الدول والشعوب والجيوش المهددة بالأخطار. اليوم في العراق لا يكفي الجيش، نحتاج إلى الشعب ونحتاج إلى المقاومة الشعبية، إلى الحشد الشعبي الذي يجب أن يتوسع ليشمل الجميع، إلى العشائر الشيعية والسنية، إلى كل أبناء العراق من أكراد وتركمان وقوات شعبية.

الجيش والشعب والمقاومة في العراق ألحقت الهزيمة بداعش في صلاح الدين وديالى، ويمكنها أن تلحق الهزيمة بألف داعش في الأنبار وفي الموصل.

في سوريا أيضاً، الجيش العربي السوري والمقاومة الشعبية التي تمثلها قوات الدفاع الشعبي بأسمائها المختلفة والاحتضان الشعبي هو الذي جعل سوريا تصمد حتى اليوم في مواجهة الحرب الكونية، في لبنان كان هذا الانتصار.
هذا العدوان الكبير السعودي ـ الأميركي على اليمن لم يستطع أن يحقق أيّا من أهدافه لأن من يقف في وجه هذا العدوان هو الجيش اليمني والمقاومة الشعبية اليمنية والاحتضان الشعبي اليمني.

اليوم نقدم هذه المعادلة لكل شعوب المنطقة لصنع الانتصار الذي يمكن بكل تأكيد أن نصنعه لو امتلكنا المعرفة والتشخيص الصحيح والعزم واتخذنا الموقف ودخلنا في الميدان.

خامساً: في التجربة الاسرائيلية أيها الإخوة والأخوات: من 76 سنة إلى اليوم، من النكبة الأولى من عام 1948، عمل الإسرائيلي على مدار عقود واستطاع أن يصل إلى هذه النتيجة وهي تجزئة المعركة، أي أن المعركة مع مصر هي "سيناء" نحيّد مصر ونعطيها سيناء، المعركة مع الأردن في "مناطق حدودية"، المعركة مع سوريا "الجولان"، المعركة مع لبنان "شريط حدودي"، المعركة مع الفلسطيني "ضفة وقطاع" وأن هؤلاء لاجئين، واستطاع للأسف الشديد أن يجزئ هذه المعركة وهذه الحرب، وأحد اسباب موفقية الاسرائيلي وقوته في هذه الحرب الممتدة على مدى عقود هو هذه التجزئة التي انشأها.

اليوم أنا اللبناني إذا أردت أن أساعد الفلسطيني، يجب أن أقدم "منطق وقانون وشرع وثقافة وأخلاق وقيم وكذا".. لأن اللبنانيين سيقولون لي: ما شأنك بالفلسطيني؟ إذا أردت أن أساعد السوري يقولون: ما شأنك بالسوري؟ إذا أراد العراقي أن يساعد الفلسطيني يقال له: ما شأنك يا عراقي بالفلسطيني؟ أليست هذه الثقافة السائدة الآن؟

من أنشأ هذه الثقافة؟ أميركا وإسرائيل والنخب الإعلامية والسياسية والثقافية في عالمنا العربي.

ولذلك ما زالت فلسطين اليوم تعاني النكبة منذ 1948 لأنه تم الاستفراد بالشعب الفلسطيني، تم الاستفراد بقطاع غزة، حتى داخل الشعب الفلسطيني باتت غزة بحساب والضفة الغربية بحساب واللاجئون بحساب والقدس الشرقية بحساب.

عندما جزئت المعركة غلبتنا إسرائيل في الكثير من المواقع والحروب.

اليوم في مواجهة هذا الخطر الذي لا يقل عن الخطر الاسرائيلي، أول الوهم كان وما زال موجوداً هو تجزئة المعركة، إنه بالعراق ما شأننا؟ دعوا العراقيين يحلون مشكلتهم، وسوريا ما شأننا؟ دعوا السوريين يحلون مشكلتهم، ولبنان ما شأننا؟ دعوا اللبنانيين يحلون مشكلتهم، ودعوا المصريين بسيناء يحلون مشكلتهم، ودعوا اليمنيين في اليمن يحلون مشكلتهم. لا شأن لأحد بالموضوع، مثل الموضوع الإسرائيلي، دعوا الفلسطينيين يحلون مشكلتهم بأنفسهم.

هذا خطأ استراتيجي، خطأ تاريخي، خطأ قاتل، نحن ندعو اليوم إلى توحيد الجبهة، نعم، لا يمكن القتال بشكل متجزئ.
سأضرب مثالاً بسيطاً: لو مُنعت داعش في العراق قبل أكثر من سنة، لم تكن تسيطر لا على الموصل ولا على صلاح الدين ولا على ديالى ولا على جزء من كركوك ولا على الأنبار، كان لديها نفوذ في بعض المدن وفي بعض القرى وفي بعض الأماكن، لكن عندما سكت العالم كله عن داعش في سوريا، داعش إلى أين ذهبت؟ لأن داعش لديها مشروع، ذهبت إلى الرقة ليس لأنها تعفّ نفسها عن دمشق، كلا لأن لديها مشروعاً ومطلوب منها مشروع، فذهبت إلى الرقة وإلى دير الزور، إلى الحدود السورية ـ العراقية وصولاً إلى أجزاء من الحسكة، وصولاً إلى أجزاء من حلب، في ريف حلب الشمالي، وحصلت على النفط والغاز، وتُركت داعش، العالم كله يراها، تركيا تراها أميركا تراها، الأردن يراها، كل الدنيا تراها، وأعطيت لداعش فرصة أن تبيع النفط، وقاموا ببيع النفط الخاص بها، واستيراد السلاح وجلب الامكانات وأصبح لديها دبابات ومعسكرات، وتأتي بالآلاف المؤلفة من تكفيريي العالم، أسست في سوريا وفي ضربة واحدة أخذت الموصل وصلاح الدين وديالى وهددت أربيل وهددت بغداد وأخذت جزءاً كبيراً من الأنبار وما زالت.

لو مُنعت داعش من السيطرة على هذه المناطق في سوريا لما أصاب العراق ما أصابه، كل هذه المحنة، قبل أيام كانت مشاهد تدمي القلب، عندما تشاهد الآلاف العراقيين، عشرات الآلاف من العراقيين يغادرون الرمادي، كل شخص يأخذ معه أمه وزوجته وأولاده وأطفاله، كل شخص يحمل كيساً صغيراً ويمشون وفي عيونهم الرعب والهلع.

من الذي يتحمل المسؤولية؟ فقط الذي حصل في الرمادي؟ كلا، ارجعوا القهقرى منذ أكثر من سنة وسنتين، كل الذين سكتوا عن داعش في سوريا يتحملون مسؤولية ما يجري في العراق ويتحملون الذبح الذي حصل اليوم في تدمر، أما الذين قاتلوها بما استطاعوا هؤلاء لا يتحملون مسؤولية، أدى هؤلاء تكليفهم وقسطهم.

إذا ندعو إلى النظرة بشكل موحد إلى هذه المعركة. وبناءً عليه نحن أيها الإخوة والأخوات قتالنا في سوريا تجاوز مرحلة عندما كنا نتكلم عن التدريج، أنه في البداية تهديد مقام السيدة زينب (ع) ذهبنا إلى السيدة زينب (ع)، وبعدها في القصير ذهبنا الى القصير، بعدها القلمون بسبب السيارات المفخخة ذهبنا إلى القلمون.

منذ مدة المسألة تجاوزت هذا، منذ أكثر من سنتين تقريباً، منذ سنتين تجاوزت هذا الاعتبار. اليوم انطلاقاً من هذه الرؤية نعم نحن نقاتل إلى جانب إخواننا السوريين، إلى جانب الجيش والشعب والمقاومة السورية الشعبية، في سوريا، في دمشق أو في حلب أو في حمص أو في دير الزور أو في الحسكة أو في القلمون أو القصير أو إدلب، إننا نقاتل انطلاقاً من هذه الرؤية ونعتبر أن هذا دفاعاً عن الجميع، عن سوريا ولبنان والعراق واليمن وفلسطين ودفاعاً عن الرمادي وعن عرسال وعن بعلبك وعن كربلاء وعن دمشق وعن اللاذقية وعن حلب وعن كل مكان على امتداد منطقتنا، وحضورنا هذا سيكبر كلما اقتضت المسؤولية بأن نحضر.

اليوم أنا أؤكد في ذكرى انتصار المقاومة، في عيد انتصار المقاومة، أن وجودنا في سوريا ينطلق من هذه الرؤية الفكرية الاستراتيجية السياسية، من خلال هذا الفهم العميق وهذا التشخيص الدقيق وهذا الموقف الصحيح.

ولذلك، وبدون أي تحفظ نعم، لم نعد موجودين في مكان دون مكان في سوريا، نحن موجودون اليوم في أماكن كثيرة، وأقول لكم اليوم سنتواجد في كل مكان في سوريا تقتضيه هذه المعركة، ونحن أهلها ونحن رجالها ونحن قادرون على أن نساهم مع الجيش والشعب والمقاومة في سوريا بصنع هذا الانتصار ورد هذا العدوان.

سادساً: لأن داعش أصبحت في حضن الجميع وعلى أبواب الجميع، أدعو السعودية إلى وقف عدوانها على اليمن وتسهيل الحوار السياسي الموعود في جنيف بعد أيام، وفتح الباب جدياً أمام حل سياسي يمني ينهي هذه الحرب وهذه الماساة.

سابعاً: كما أدعو حكومة البحرين إلى وقف الرهان على يأس الشعب البحراني وعلى تخليه عن مواصلة مسيرته المنتصرة بإذن الله ولو بعد حين، أن تطلق سراح السجناء وفي مقدمتهم الرموز والعلماء، وتتوقف عن المحاكمات الشكلية المشوّهة كما شهدنا قبل أيام في محاكمة الشيخ علي سلمان وأن تتصالح مع شعبها لأن داعش في أحضانكم جميعاً. لا يمكن أن تردوا هذا الخطر إلا بالحوار الوطني والمصالحة الوطنية والمعالجة الوطنية.

ثامناً: مع كل ما يجري في المنطقة، نبقى هنا في الجنوب، في جنوب لبنان، وعلى امتداد حدوده وعلى امتداد شواطئه، عيوننا على العدو الأساس، في المعركة الأساس، في الوصية الأساس، في هذه الجبهة، نحن لم نخلِ ولن نخلي، لمعلومات الجميع. البعض يقول: إذا كان لديكم كل هذه الإمكانات "يلا طلعوها كلها على سوريا"، لا، نحن مجبرون أن نحضر اليوم في جبهتين، أن لا نخلي هذه الجبهة وأن لا نغفل عن هذه الجبهة، وهاتان جبهتان متكاملتان، بل جبهتان (هما) واحدة، في الحقيقة، في الاستهدافات.

في هذه الجبهة، نحن لا نخلي، نواصل العمل، نتواجد، نتابع في المعلومات، في الإحاطة، نواكب كل حركات العدو وخططه، نحافظ على جهوزيتنا، لا تشغلنا الهموم الأخرى مهما تعاظمت. كل حركات وسكنات العدو ونوايا العدو الصهيوني وما يقول وما يفكر هي في دائرة إحاطتنا ومتابعتنا.

واعلموا أيها الإخوة والأخوات: يا أهلنا في الجنوب وفي البقاع الغربي وفي حاصبيا وفي راشيا، يا أهلنا في كل لبنان، اعلموا أن هذه المقاومة في أعلى جهوزيتها وأقوى حضورها وقوتها وقدرتها، وأن العدو يعرف ما أقوله لكم أكثر مما يعرف اللبنانيون، ولذلك هو يخشاه ويحسب له كل حساب، ويواصل حروبه النفسية وتهديداته ووعيده الذي لا يخفينا، ولا يغير في موقفنا وفي تصميمنا.

في مسألة المقاومة نحن ندرك أن في جوارنا عدو متربص يراهن على استنزاف ليس المقاومة في لبنان، بل على استنزاف كل شعوب المنطقة وجيوش المنطقة وحركات المقاومة في المنطقة، ولذلك هذا يجب أن يكون دائماً في الحساب. وأنا أؤكد لكم نحن يقظون، يقظون بشكل كبير جداً، ولا يمكن أن نغفل لحظة واحدة عن هذا العدو.

تاسعاً: في معركة المقاومة لتحرير لبنان وحرية شعبه وكرامته كانت التضحيات الجسام، كان الشهداء والجرحى والأسرى والتهجير. في المعركة القائمة الآن، في معركة حفظ الوجود، هذه المعركة أيضاً تتطلب تضحيات جساماً، هذه معركة أضخم وأخطر وأشد قساوة، لأنها داخل البيت، بشكل أو بآخر، وليس أمام من يريد أن يدافع عن الوجود والبقاء والكرامة والعرض والشرف والأوطان إلا أن يكون مستعداً لتقديم التضحيات وأن يقدم التضحيات.

لذلك، أقول لبعض اللبنانيين: من المعيب أن تعدّوا علينا في معركتنا هذه شهداءنا، عيب عليكم، اخجلوا، كل يوم بتطلعولنا هون 30 وهون 40 وهون 50 وهون 100، "ليش نحن مستحيين بشهدائنا ؟ ليش نحن خجولين بشهدائنا؟ ليش نحن عمنقول هيدي معركة شمّ هوا أو معركة وجود ومعركة قتال شرس وقوي من تلة إلى تلة ومن وادي إلى وادي ومن بيت إلى بيت"، وتحتاج إلى شهداء وإلى تضحيات.

اخجلوا من أنفسكم ولا تعدّوا علينا شهداءنا. إن بفضل الشهداء والجرحى والأسرى أنتم تعيشون.. يا من تعيبون اليوم، وتوهّنون اليوم، أنتم تعيشون بأمن وأمان وسلام في هذا البلد، لذلك كفوا عن هذا. واعلموا أن هذا لن يقدم ولن يؤخر شيئاً على الإطلاق، لا في إرادتنا ولا في تصميمنا ولا في قرارنا، وعلى ضوء هذا، لأنه الآن هناك حرب نفسية مموّلة من السفارة الأميركية ومن عديد من الدول، دول الآن تدفع فلوس حتى يقولوا : حزب الله مأزوم، "حزب الله مدري شو". من عام 2005 يقولون عنا مأزومين، ونحن من انتصار إلى انتصار.


(أو يقولون) حزب الله لديه مشكلة داخلية، مع العلم أنه لا يوجد في الدنيا كلها حزب أجمعت قيادته وكوادره ورجاله ونساؤه وكباره وصغاره على صوابية هذا القرار وهذه المعركة. (أو يقولون) إن حزب الله عنده مشكلة بالشباب، ولذلك هو يأخذ الصغار إلى المعركة، مستفيدين من حادثة، أحد الشباب الشهداء من شباب المجموعات التحضيرية، نحن عندنا برنامج شباب 15 و16 نأخذهم على مخيم كي يتثقفوا ويتعلموا كيف يتعايشون مع الطبيعة، أحياناً يحصل حادث، شاب صار معه حادث نعيناه شهيد. ومن يومها لليوم لم يعد لدينا رجال ولم يعد لدينا ناس، ونأخذ أطفالنا، "يا عيب الشوم عليكم".

أمس يوجد ناس سربوا أن السيد سيدعو إلى التعبئة العامة، أنا لن أدعو إلى التعبئة العامة، ما زال باكراً، الدنيا بألف خير، نعم أنا قلت يمكن أن يأتي يوم ندعو فيه إلى التعبئة العامة ولكن لم ندعُ. انظروا، أقول لكل هؤلاء، حتى لو لا أريد أن أدعو للتعبئة العامة، اليوم إذا قيادة حزب الله تتخذ القرار بالحضور في الميادين ستجدون عشرات الآلاف من الرجال الرجال في كل الميادين.

أيها الإخوة والأخوات، يا شعب لبنان، يا شعب سوريا، يا شعب فلسطين، يا شعوب المنطقة، الذين تعلقون آمالاً على جملة قوى ومنها نحن، أنا أريد في عيد إنتصار المقاومة أن أقول لكم، وأنا يصدقني العدو ولكن بعض العدو الذي هو في ثوب صديق يشكك، ولكن اسمحوا لي، أنا عادة لا أحلف الأيمان، ولكن أنا أقول لكم، وأقسم بالله العظيم، لم يمر زمان على هذه المقاومة منذ حزيران 1982 إلى اليوم وأنا أخطب أمامكم كانت فيه أكثر نفيراً وعديداً وأعز جانباً وأفضل عتاداً كماً ونوعاً وأعلى خبرة وأقوى عزماً ومجاهدوها أكثر حماسة وحضور واستجابة وأشد حضوراً في الساحات كما نحن اليوم في 24 أيار 2015.

المقاومة، شعب المقاومة، خيار المقاومة الذي صنع الانتصار تلو الانتصار، من 1985 إلى 2000 إلى 2006 إلى الانتصار الماثل أمامنا في سوريا، الانتصار الحقيقي في سوريا هو أنهم أرادوا أن يسقطوها قبل 4 سنوات ونيف خلال شهرين أو ثلاثة ولكنها بقيت وبقيت وصمدت وما زالت تقاتل. هذه المقاومة التي صنعت الانتصارات، أنا أقول لكم ببركة هذه المعادلة الذهبية، نعم في عيد المقاومة والتحرير وذكرى الإنتصار، إذا توكلنا على الله سبحانه وتعالى وتوكلت جيوش وشعوب ومقاومات المنطقة على الله سبحانه وتعالى، ولم نراهن على أعدائنا ولم نحسن الظن بأعدائنا ولم ننتظر الخير من أعدائنا واستعنا بصديق حقيقي واعتمدنا على قوانا وإراداتنا وعقولنا وأبطالنا ورجالنا وشبابنا، إن هذا المشروع التكفيري سوف يهزم وسوف يدمر وسوف يسحق ولن يبقى منه أثر بعد عين.

أبارك لكم مجدداً هذه الذكرى، هذا العيد، هذا الانتصار، ومعكم نواصل درب المقاومة والشهداء ونصنع الانتصار، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته وكل عام وأنتم بخير.

2015-05-26