كيف أحسن الجوار؟
المجتمع الإسلامي
الجار هو كلّ شخص يسكن بجوار مكان سكننا، وهذا المعنى واضح عند أغلب النّاس، ولكن لا بدّ من بعض الإضافات حتّى يتوضّح لدينا معنى الجار في المفهوم الإسلاميّ.
عدد الزوار: 106مَن هو الجار؟
الجار هو كلّ شخص يسكن بجوار مكان سكننا، وهذا المعنى واضح عند أغلب النّاس، ولكن لا بدّ من بعض الإضافات حتّى يتوضّح لدينا معنى الجار في المفهوم الإسلاميّ.
أولاً: عندما تكلّم الإسلام عن الجار وحقوقه، لم يميّز بين الجار المسلم وغير المسلم، ولم يميّز بين الجار الذي هو من الأرحام وبين من هو ليس كذلك. الجار في الإسلام يشمل مطلق من يسكن إلى جوارك مهما كان لونه أو انتماؤه.
ثانياً: يشمل معنى الجار الساكن البعيد أيضاً، فليس الجار القريب هو فقط من يقع
عليه هذا العنوان، ولذلك، عندما سئل الإمام الباقر عن حدّ الجوار، قال: "أربعون
داراً "1. وبالتالي يجب مراعاة حقوق الجيرة مع الجار البعيد كما الجار
القريب.
لقد اهتمّ الإسلام كثيراً بالجار وحقوقه، حتّى أنّ النبيّ يقول: "وما زال جبرائيل
يوصيني بالجار حتّى ظننت أنّه سيورّثه"2.
وإذا دقّقنا في الأمر نفهم سبب اهتمام الإسلام بالجيران إلى هذا الحدّ. فالجار هو
شخص يسكن بجوارك، وأنت على احتكاك يوميّ به. وبطبيعة الحال، الجيران يشكّلون عائلة
الإنسان الأوسع دائرة من عائلته. بمعنى أنّ الإنسان يتأثّر بأوضاع جيرانه سواء كانت
جيّدة أم سيّئة. وأوضاعهم تنعكس عليه بنسبة ما شاء أم أبى. فقرب السكن له أحكامه
الّتي لا يمكن الفرار منها. ولذلك نجد أنّ الجار السيّء على سبيل المثال، يصل أذاه
إلى جيرانه حتّى لو حاولوا تجنّب الاحتكاك به، وكلّ ذلك راجع للمجاورة في مكان
السّكن. من هنا، اهتمّ الإسلام بهذا البعد الاجتماعيّ أشدّ الاهتمام، لأنّ الجيرة
تؤثّر على استقرار الإنسان وعلى مجمل حياته.
مواصفات الجار الودود
كلٌّ منّا يتمنّى أن يكون جاره شخصاً خلوقاً وودوداً وذا صفات حسنة، ولكن على كلّ
منّا أن يبدأ بنفسه، فكما أتمنّى هذه الصّفات في جاري، عليّ أن أسعى لغرس هذه
الصّفات في نفسي أوّلاً.
قال الإمام الكاظم: "ليس حسن الجوار كفّ الأذى، ولكن حسن الجوار الصبر على الأذى"3.
والحدّ الأدنى من الصّفات الحسنة أن أكون إنساناً حسن العشرة، ولا أسبّب الأذيّة
لأحد من الجيران. وأكرم الصّفات الحسنة الصّبر على أذيّة الجيران. وما بين الصّفتين
الأولى والثانية صفات كثيرة على كلّ منّا أن يتحلّى بها، من قبيل:
التحلّي بروح المساعدة للجيران إذا احتاجوا لذلك.
التحلّي بالكرم المادّيّ والأخلاقيّ معهم، وغير ذلك.
ما هي حقوق الجار؟
هذه الحقوق أحصاها أهل البيت ، فعن رسول الله قال حول بعض حقوق الجار: "إن استغاثك
أغثه، وإن استقرضك أقرضه، وإن افتقر عدت إليه، وإن أصابه خير هنّأته، وإن مرض عدت
عليه، وإن أصابته مصيبة عزّيته، وإن مات تبعت جنازته، ولا تستطيل عليه بالبناء
فتحجب عنه الرّيح إلّا بإذنه، وإذا اشتريت فاكهة فاهدها له..."4.
وعن الإمام عليّ بن الحسين زين العابدين قال: "وأمّا حقّ الجار: فحفظه غائباً،
وكرامته شاهداً، ونصرته ومعونته في الحالين جميعاً. لا تتبع له عورة، ولا تبحث له
عن سوأة لتعرفها، فإنْ عرفتها منه عن غير إرادة منك ولا تكلّف، كنت لما علمت حصناً
حصيناً وستراً عستيراً... لا تستمع عليه من حيث لا يعلم، لا تسلمه عند شديدة، ولا
تحسده عند نعمة. تقيل عثرته وتغفر زلّته"5.
ومن ضمن آداب التّعامل مع الجيران الدعاء لهم كما كانت تفعل السيّدة الزّهراء ، فعن
الإمام الحسن قال: "رأيت أمّي فاطمة قامت في محرابها ليلة جمعتها، فلم تزل راكعة
ساجدة حتّى اتّضح عمود الصّبح، وسمعتها تدعو للمؤمنين والمؤمنات، وتسمّيهم وتكثر
الدّعاء لهم، ولا تدعو لنفسها بشيء، فقلت لها: أمّاه لمَ لا تدعين لنفسك كما تدعين
لغيرك؟ فقالت: يا بنيّ، الجار ثمّ الدار"6.
ثمار حـُسن الجوار
1ـ الثّمار الدنيويّة: قال رسول الله: "حسن الجوار يعمّر الديار وينسئ في الأعمار"7. وقال الإمام الصّادق : "حسن الجوار يزيد في الرّزق"8.
2ـ الثمار الأخرويّة: الثّواب الجزيل والخلاص من العذاب، خاصّة وأنّ أذيّة الجار قد
ورد فيها الوعيد بالعقاب الشّديد، فعن النبيّ: "من آذى جاره حرّم الله عليه ريح
الجنّة، ومأواه جهنّم وبئس المصير، ومن ضيّع حقّ جاره فليس منّا..."9.
*'طريق المعارف، سلسلة المعارف الإسلامية ،
نشر: جمعية المعارف الإسلامية الثقافية
1- الكافي، الكليني، ج
2، ص 669.
2-ميزان الحكمة، الريشهري، ج 1، ص 486
3-تحف العقول ص 409
4-بحار الأنوار، المجلسي، ج 79، ص 94.
5- تحف العقول، الحراني، ص 266.
6-وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج 7 ـ 113.
7- الكافي، الكليني، ج 2، ص 668.
8-م. ن، ص 667.
9-وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج 12 ـــ 127.