تحديد الإيمان والكفر
التوحيد في القرآن
الإيمان عبارة عن الإذعان باللّه سبحانه واليوم الآخر ورسالة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فهذه الأمور الثلاثة تشكِّل دعامات الإيمان وأركانه، وما سواها ترجع بشكل إليها.
عدد الزوار: 285
الإيمان عبارة عن الإذعان باللّه سبحانه واليوم الآخر ورسالة النبي (صلى الله عليه
وآله وسلم) فهذه الأمور الثلاثة تشكِّل دعامات الإيمان وأركانه، وما سواها ترجع
بشكل إليها.
نعم لما كان ما خلَّف النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) من تراث في مجال المعارف
والأحكام ضخماً لا يمكن استحضاره في الضمير ثمّ التصديق به، اضطرّ العلماء إلى
تقسيم ما جاء به النبي إلى قسمين: قسم معلوم بالتفصيل كتوحيده سبحانه والحشر يوم
المعاد في مجال العقائد، ووجوب الصلاة والزكاة ونحوهما في مجال الأحكام، وقسم منه
معلوم بالإجمال نعلم وروده في الكتاب والسنّة، فلا محيص للمؤمن أن يؤمن بالأوّل على
وجه التفصيل، وبالثاني على وجه الإجمال.
قال عضد الدين الايجي: الإيمان: التصديق للرسول فيما علم مجيئه به ضرورة وتفصيلاً
فيما علم تفصيلاً، وإجمالاً فيها علم إجمالاً.
وبعبارة أوضح: أنّ ما جاء به الرسولص إمّا أن يعلم به بالضرورة كوجوب الصلاة
والزكاة والجهاد والحج، وإمّا أن لا يعلم به كذلك.
فالموَمن هو الذي يعتقد بصحّة كلّ ما بعث به الرسول "صلى الله عليه وآله وسلم" إلى
أُمّته، غير انّ المعلوم بالضرورة، يوَمن به تفصيلاً و ما لم يعلم، يوَمن به على
وجه الإجمال.
ويظهر ممّا تقدم انّ الإيمان يتجلّى في أُصول ثلاثة:
الأصل الأوّل: الإيمان باللّه سبحانه وتوحيده.
الأصل الثاني: الإيمان بالآخرة وحشر الناس في اليوم الموعود.
الأصل الثالث: الإيمان برسالة الرسولص وما جاء بها.
والاعتقاد بهذه الأصول الثلاثة يورث الإيمان ويدخل الإنسان في حظيرته ويتفَّيَ في
ظلاله وظلال الإسلام.
هذا ما عليه علماء الإسلام دون فرق بين طائفة وأُخرى، وقد آثروا في ذلك ما روي عن
النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في غير و احد من المواقف.
1. روى الإمام علي بن موسى الرضا (عليهما السلام)، عن آبائه، عن علي (عليهم السلام)،
قال: "قال النبي ص: أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلاّ اللّه، فإذا
قالوا حرمت عليَّ دماوَهم وأموالهم".
2.أخرج الشيخان، عن عمر بن الخطاب، انّعليّاً صرخ: يا رسول اللّه على ماذا، أقاتل؟
قال (صلى الله عليه وآله وسلم): "قاتلهم حتى يشهدوا أن لا إله إلاّ اللّه وانّ
محمّداً رسول اللّه، فإذا فعلوا ذلك فقد منعوا منك دماءهم وأموالهم إلاّ بحقها
وحسابهم على اللّه".
3. روى أبو هريرة انّ رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: "لا أزال
أُقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلاّاللّه، فإذا قالوها فقد عصموا مني دماءهم
وأموالهم الا بحقها وحسابهم على اللّه".
إلى غير ذلك من النصوص الدالة على أنّ محور الإسلام والكفر كلمة "لا إله إلاّ اللّه
ومحمد رسول اللّه" و لو اقتصر في بعض على أصل واحد ولم يذكر المعاد وحشر الناس أو
لم يذكر رسالته فلوضوحهما.
نعم، ليس الإيمان بالأصول الثلاثة فقط مورثاً للسعادة، ومنقذاً عن العذاب والعقاب،
بل لابدّ من انضمام العمل إليه واقترانه بامتثال أوامره ونواهيه في الكتاب والسنّة،
وذلك من الوضوح بمكان، وقد وردت في هذا الصدد روايات عديدة نقتصر على قليل منها:
1. روى عبد اللّه بن عمر قال: قال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم): "بني
الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلاّ اللّه وانّ محمّداً رسول اللّه، وإقامة
الصلاة، وإيتاء الزكاة، والحجّ، وصوم شهر رمضان".
2. ما روي عن رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) متضافراً انّه قال: "من شهد
أن لاإله إلاّ اللّه، و استقبل قبلتنا، وصلى صلاتنا، وأكل ذبيحتنا، فذلك المسلم، له
ما للمسلم وعليه ما على المسلم".
وعلى ضوء ذلك فالذي يميز الموَمن عن الكافر هو الاعتقاد بالأصول الثلاثة، وأمّا ما
يوجب السعادة الأخروية فهو في ظلّ العمل بالواجبات والانتهاء عن المحرمات.
ويشير إلى الأمر الأوّل ما مرّ من الروايات التي تركِّز على العقيدة ولا تذكر من
العمل شيئاً. كما تشير إلى الأمر الثاني الروايات التي تركز على العمل وراء العقيدة.
إذا عرفت ما يُخرج الإنسان من الإيمان ويدخله في الكفر،يعلم منه انّه لا يصح تكفير
فرقة من الفرق الإسلامية مادامت تعترف بالأصول الثلاثة.وفي الوقت نفسه لا تنكر ما
علم كونه من الشريعة بالضرورة كوجوب الصلاة والزكاة وأمثالهما.
هذا ما نصّ عليه جمهور المتكلمين والفقهاء.
وها نحن نذكر بعض الشواهد على هذا الموضوع.
1. قال ابن حزم عندما تكلّم "فيمن يُكفَّر ولا يكفر": "وذهبت طائفة إلى
انّه لا يُكفَّر ولا يُفسَّق مسلم بقول قاله في اعتقاد أو فتيا، وانّ كلّ من اجتهد
في شيء من ذلك فدانَ بما رأى انّه الحقّ فانّه مأجور على كلّحال، إن أصاب الحق
فأجران، وإن أخطأ فأجر واحد.وهذا قول ابن أبي ليلى، وأبي حنيفة، والشافعي، وسفيان
الثوري، وداود بن علي وهو قول كلّ من عرفنا له قولاً في هذه المسألة من الصحابة (رضوان
اللّه عليهم) ما نعلم منهم في ذلك خلافاً أصلاً".
2. وقال شيخ الإسلام تقي الدين السبكي: إنّ الإقدام على تكفير المؤمنين عسر جداً،
وكلّ من في قلبه إيمان، يستعظم القول بتكفير أهل الأهواء والبدع مع قولهم لا إله
إلاّ اللّه، محمّد رسول اللّه، فانّ التكفير أمر هائل عظيم الخطر.
3. وقال أحمد بن زاهر السرخسي الأشعري: لما حضرت الوفاةُ أبا الحسن الأشعري في داري
ببغداد أمر بجمع أصحابه ثمّ قال: اشهدوا على أنّني لا أُكفِّرُ أحداً من أهل القبلة
بذنب، لأنّي رأيتهم كلّهم يشيرون إلى معبود واحد والإسلام يشملهم ويعمهم.
4. وقال التفتازاني: إنّ مخالف الحقّ من أهل القبلة ليس بكافر مالم يخالف ما هو من
ضروريات الدين كحدوث العالم وحشر الأجساد، واستدل بقوله: إنّ النبي و من بعده لم
يكونوا يفتشون عن العقائد وينبهون على ما هو الحقّ.
* كتاب التوحيد/ اية الله جعفر السبحاني.
2015-01-12