دور الامة تجاه ولاية الامر
أبحاث في الولاية
بعد كل الذي تقدم، يطرح السؤال التالي:ما هو دور الأمة؟ ألا يلزم من سلطة الولي الفقيه بالطريقة المتقدمة التحكّم والدكتاتورية؟ألا يقتضي سلب الأمة سلطتها على نفسها وصلاحياتها في اختيار حكامها اتهامها بالقصور وعدم الرشد؟
عدد الزوار: 94تمهيد
بعد كل الذي تقدم، يطرح السؤال التالي
ما هو دور الأمة؟
ألا يلزم من سلطة الولي الفقيه بالطريقة المتقدمة التحكّم والدكتاتورية؟
ألا يقتضي سلب الأمة سلطتها على نفسها وصلاحياتها في اختيار حكامها اتهامها بالقصور وعدم الرشد؟
والجواب
إنَّ هذه النقطة أثيرت بعد الثورة الإسلامية وحاول الكارهون لقيام جمهورية إسلامية على أساس نظرية ولاية الفقيه أن يشوهوها من خلال دعوى التلازم بين ولاية الفقيه وبين الدكتاتورية، ولعلها كانت من أخطر وسائل التشويه التي استعملت في حينها، مما دفع الإمام الخميني قدس سره للتصدي لهذه الحرب، وإجراء التصويت الشعبي على مبدأ الجمهورية الإسلامية.
إن مبدأ ولاية الفقيه لا يستلزم الدكتاتورية بمعنى التحكم والاستبداد، بل جاء ليحارب التسلط والاستبداد والدكتاتورية، ومن يدرك حقيقة هذا المبدأ سوف يجد أن ولاية الفقيه تشكل الضمانة من انحراف الحكام وتسلطهم واستبدادهم واتباعهم لأهوائهم، والحماية لحقوق الأمة وحرياتها.
دور الأمة
والأمة في أطروحة ولاية الفقيه تساهم مساهمة فاعلة وتؤدي دوراً مهماً وأساسياً في إقامة حكومة العدل وترسيخ دعائمها، مما يجعل دورها مكملا لدور الولي. بل هي كذلك في عصر الإمام المعصوم عليه السلام أيضاً، ألم نقرأ في التاريخ عن الأمم الذين تخلوا عن مسؤولياتهم وقصروا عن القيام بدورهم مما أدى إلى إخفاق أئمة الحق وتسلط أئمة الضلال.
إذاً.. هناك جملة من المسؤوليات تقع على عاتق الأمة تجاه ولاة الأمر، لا تتحقق الأهداف السامية للدين الإسلامي من دون القيام بها، هذه المسؤوليات في عصر الغيبة ما يلي:
الأول: البحث عن الفقيه الأولى بالقيام بالأمر، والتدقيق في المواصفات والشروط التي تتناسب مع خطورة المسؤولية وعظم الأمانة، والحذر من الوقوع ضحية السياسات الإعلامية التي تزوّر الحقائق وتسلط الأضواء على غير المؤهلين لهذا المنصب الخطير.
ولا شك ان هذه المسؤولية تستدعي الاعتماد على الثقاة والمأمونين من أهل الخبرة، الذين لا يغشون أمتهم ولا يخونون أمانتهم. وأهل الخبرة هم الأقدر على التمييز بين القدرات المتفاوتة للفقهاء وتشخيص الأقوى على القيام بالأمر وتحمل مسؤولية قيادة الأمة، وإذا قصرت الأمة بهذا الدور، ولم تدرك خطورته فأعطت قيادتها لمن ليس أهلاً لذلك، أو أساءت اختيار أهل الخبرة، فتمسكت بمن يغشها، ويساوم عليها، فإنها ستدفع الثمن غالياً، وربما انجرت الأمور إلى كارثة، كما حصل في الحقبات التاريخية العديدة من عمر الأمة.
الثاني: مسؤولية الأمة في التمهيد لولي الأمر ليمارس ولايته، أي تمكينه من القيام بالأمر عبر الانقياد التام، وبذل الطاعة والنصرة، فإن التقصير في هذا المجال يؤدي إلى إضعاف الولي وتعطيل دور الولاية، فيستغل ذلك الطامعون بالتسلط على رقاب الناس، وطلاب الدنيا، وهم كثيرون في كل زمان.
وقد أدّى تقصير الأمة تجاه ولاة أمرها من الأئمة المعصومين إلى حرمانهم من كثير من بركات الإمامة العظمى لعدة قرون، وفي عصرنا الحاضر وجدنا ان تحمل الأمة لهذا الجانب من مسؤولياتها هو الذي دفع بالإسلام إلى ساحة التطبيق، ومكّن الإمام الخميني من إعادة الإسلام إلى واجهة الحكم والسياسة، ولا زلنا نعيش بركاته، وسيستمر هذا الأمر دون شك تصاعداً وترسيخاً كلما استمرت الأمة بالقيام بدورها كاملاً.
الثالث: النصيحة والتسديد وبذل المشورة لولاة الأمر عندما يكونون بحاجة إليها، عملاً بالوصية التي وردت عن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم، بالنصيحة لأئمة المسلمين بغية إنجاح دور القائد وتسديده.
الرابع: الأمة مسؤولة إلى جانب الولي عن تنفيذ المشروع الإسلامي وبناء صرح حكومة العدل الإلهية ورفع راية التوحيد، فكل فرد من أفراد الأمة يقع على عاتقه قسط من هذه المسؤولية، ودور معين عليه ان يؤديه ويخلص في أدائه لتكتمل المسيرة.
من كل ما تقدم يظهر ان الأمة تتحمل مسؤولية كبرى، وتحتاج إلى وعي ويقظة وفاعلية وحضور دائم في الساحة والتزام دقيق بالأدوار الحساسة المهمة المتقدمة.
ومنه يظهر أيضاً أن ولاية الفقيه تكون أقدر على الوصول إلى الأهداف مع رشد الأمة ووعيها وحضورها في الميادين السياسية والجهادية، لا كما يتصور أو يتوهم بعض قاصري النظر، من أن هذه الأطروحة تعني عدم بلوغ الأمة رشدها، فالأمر عكس ذلك تماماً، ولذا كان الإمام الخميني يؤكد على دور الأمة وتعبئتها وضرورة حضورها الدائم والمستمر في الساحة، وهذا ما جعلها ثقلاً وقوة وضمانة لاستمرار الثورة وسلامتها.
السنن الإلهية في إقامة حكومة العدل
السنة الإلهية هي القانون الإلهي الذي أجراه الله على خلقه مهما تبدلت الأمم واختلفت الشعوب بحيث تترتب النتائج على تحقق اسباب خاصة وذلك لقوله تعالى:﴿وَلَوْلاَ دَفْعُ اللّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الأَرْضُ﴾(البقرة:251).
ثلاثة عناصر تشترك في بناء حكومة العدل، وتتكامل من أجل تحقيق هذا الهدف، الإخلال بأي واحد منها يسقط المشروع، ويحرفه عن الهدف المنشود، تلك العناصر هي:
أولاً: المنهج الصحيح، والذي يتمثل في عقيدتنا بالرسالة الإسلامية بفكرها ونظامها وشريعتها.
ثانياً: القيادة الصالحة المعبر عنها بالولاية التي تمتد من ولاية الرسل والأئمة المعصومين، حتى ولاية الفقيه الجامع للشرائط.
ثالثاً: الأمة الحاضرة، المتمسكة بالمنهج الصحيح والقيادة الصالحة، فإذا غابت الأمة عن الساحة، وتخلت عن المنهج الصحيح، وتخلفت عن ولاة الأمر الذين أمر الله تعالى بطاعتهم والانقياد لهم، لم تكتمل المعادلة، ولم يتمكن القادة من إقامة حكومة العدل.
وتاريخنا يثبت ذلك، في الجانب السلبي والجانب الاثباتي. فعندما امتنعت الأمة عن القيام بدورها، وتفرقت عن الحق، وانقادت لأئمة الجور، حرمت بركات الرسالة الإلهية، وبركات القيادة المعصومة، ووقعت المآسي بعد المآسي. وعندما عرفت الأمة طريقها وتمسكت بالحق، وقامت بالدور المطلوب، ذاقت طعم العدل، وتمكن القادة من أهل الصلاح أن يوجهوا المسيرة نحو الهدف وأنزل الله سبحانه نصره، فأعز دينه. تلك هي السنن الإلهية الثابتة ﴿وَلَوْلاَ دَفْعُ اللّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الأَرْضُ﴾.
فلم يكن أهل البيت عليهم السلام يمنعهم عن القيام بالأمر وإقامة حكم الإسلام إلا تفرق الناس عنهم، وتخليهم عن دورهم وعن تكليفهم، منذ أمير المؤمنين عليه السلام حتى بقية الله الأعظم أرواحنا لتراب مقدمه الفداء. والكثير من النصوص الواردة عن الإمام الصادق عليه السلام، تتناول هذا المعنى، ومحاوراته عليه السلام مع سدير الصيرفي، وبريد العجلي، ومأمون الرقي، وغيرهم صريحة في ذلك.
فالمسألة إذن تدور مدار اكتمال الشروط التي بها تجري السنن الإلهية، وعلى هذا النهج نهضة المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف، وليست المسألة مجرد توقيت ومجرد إرادة، فالتوقيت والإرادة الإلهية يأتيان على وفق الحكمة، وبعد تحقق الأسباب وهو مضمون السنة الثابتة.
وفقنا الله لطاعته والتزام أمره ونهيه، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
خطبة أمير المؤمنين عليه السلام
خطب عليه السلام في صفين، فبين حق الوالي على الرعية وحق الرعية على الوالي فكان مما قال: "أما بعد.. فقد جعل الله سبحانه لي عليكم حقاً بولاية أمركم ولكم عليّ من الحق مثل الذي لي عليكم" إلى أن قال: "..فليست تصلح الرعية إلا بصلاح الولاة، ولا تصلح الولاة إلا باستقامة الرعية، فإذا أدّت الرعية إلى الوالي حقه، وأدّى الوالي إليها حقها عز الحق بينهم، وقامت مناهج الدين، واعتدلت معالم العدل، وجرت على أذلالها السنن، فصلح بذلك الزمان، وطُمع في بقاء الدولة، ويئست مطامع الأعداء.. وإذا غلبت الرعية واليها، أو أجحف الوالي برعيته، اختلفت هنالك الكلمة، وظهرت معالم الجور وكثر الادغال في الدين، وتركت محاجّ السنن، فعُمل بالهوى، وعطلت الأحكام، وكثر علل النفوس، فلا يستوحش لعظيم حق عطّل، ولا لعظيم باطل فُعل، فهنالك تذل الأبرار، وتعز الأشرار، وتعظم تبعات الله سبحانه عند العباد.." 1.
المستضعفون في المجتمع
مستضعفو الأرض هم أولئك الذين ليس لهم أي تأثير أو رأي في التيارات الاجتماعية وفي المناهج التي تسيّرها. كما أنهم لا يملكون إرادة في حركتهم الاجتماعية، لا يعلمون ماذا يجري لا ولماذا يجري، وأين يجري؟ لا يعلمون أين هم وإلى أين يسيرون، لا يعلمون نقطة الشروع في حركتهم ولا نقطة الانتهاء.
ولا يعرفون من هو الذي يقودهم في هذا التحرك ولا يعرفون كيف يقفون، ولو توقفوا فهم لا يعلمون ماذا يفعلون بعد هذا التوقف، لا يعرفون هذا أساساً ولا يلتفتون إليه ولا يثير انتباههم.
ومن غير أن نشبّههم تشبيهاً حقيقياً نقول أنهم كالحصان الذي شُدّت عيناه بعصابة فهو يحسب أنه يمشي في طريق طويل بينما هو يدور ويدور حول نقطة معينة. فلو قدر لهذا الحيوان أن يفهم، لأوحى لنفسه أنه قريب من باريس.
ولكنه عندما يقرب وقت الغروب تفتح العصابة من عينيه ليرى نفسه في ذات المكان الذي كان فيه أول الصباح، فهو لا يدري أين ذهب، ولا يعلم إلى أين يتحرك، وطبيعي أن هذا مثال للمجتمع الذي لا يحكمه نظام عادل، بل يديره نظام لا يؤمن بأي قيمة للإنسان وإرادته وكرامته، لا يأتي هذا الكلام في مجتمع يقوده النبي صلى الله عليه واله وسلمحيث يخاطبه القرآن﴿وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ﴾ فمع أنه نبي ومعصوم لا يحتاج إلى مشورة الناس يأتيه الأمر بأن يشاور المسلمين ليشعرهم بعزتهم وكرامتهم وقيمتهم وشخصيتهم.
مثل هذا المجتمع ليس فيه من لا يعي ولا يفهم ما يجري خلافاً للمجتمعات التي يتسلط فيها نظام فردي أو نظام استبدادي ظالم أو نظام جاهلي، فإن أكثر أفرادها مستضعف، وهؤلاء يقولون كنا مستضعفين في الأرض، نُقادُ ولا ندري إلى أين، كانوا يأخذوننا هنا وهناك، لقد جعلونا نرتكب السوء ونفعل القبيح ونحن لا نعلم. هذا هو تبرير المستضعفين لكن الملائكة يجيبون﴿قَالْوَاْ أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا﴾2.
*ولاية الفقيه في عصر الغيبة، إعداد ونشر جمعية المعارف الإسلامية الثقافية، ط8، نيسان 2009، ص91-102.
1- نهج البلاغة خ:612.
2- الإمام الخامنئي الإمامة والولاية:124-125.