الولاية ومرجعية التقليد
أبحاث في الولاية
هي عبارة عن رجوع المكلّف إلى الفقيه الجامع للشرائط لمعرفة حكمه الشرعيّ. والدليل على وجوب التقليد: أولاً: النصوص الشرعيّة. قوله تعالى: ...فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُواْ إِلَيْهِمْ. الرواية عن الإمام الحسن العسكري عليه السلام...
عدد الزوار: 123مرجعية التقليد
هي عبارة عن رجوع المكلّف إلى الفقيه الجامع للشرائط لمعرفة حكمه الشرعيّ. والدليل على وجوب التقليد:
أولاً: النصوص الشرعيّة.
أ - قوله تعالى: ﴿...فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُواْ إِلَيْهِمْ﴾(التوبة:122).
ب - الرواية عن الإمام الحسن العسكري عليه السلام:
"فأمَّا من كان من الفقهاء صائناً لنفسه حافظاً لدينه مخالفاً لهواه مطيعاً لأمر مولاه فللعوام أن يقلدوه، وذلك لا يكون إلا بعض فقهاء الشيعة لا كلهم"1.
ثانياً: السيرة العقلانية
على أساس عدة من النصوص القرآنية والحديثية.
فإن سيرة العقلاء قائمة على أساس قاعدة رجوع الجاهل إلى العالم، وقد حددت أحكام التقليد، باعتبار أنَّنا مخاطبون بالتكاليف، وإذا كنَّا لا نملك القدرة على استنباط الأحكام من مصادرها، فلا بدَّ من الرجوع إلى الفقهاء المأمونين ليرشدونا إلى أحكام الشريعة. ومن هنا نشأت وظيفة الإفتاء التي تناط بمراجع التقليد.
شروط مرجعية التقليد
الشروط المطلوبة في مرجعية التقليد ثلاثة
1- الإجتهاد، وبعبارة أخرى الفقاهة، وهي القدرة على استنباط الحكم الشرعي من مصادره.
2- العدالة والورع ليُطَمأَنَّ إلى فتاواه أنَّه يخبر عن حقيقة ما توصل إليه اجتهاده.
3- الضبط ومعناه أن لا يكون الفقيه مبتلى بكثرة النسيان والسهو والاشتباه.
فإنَّ فتوى الفقيه عند توفر الصفات تكون حجة على مقلِّديه، ولا بدَّ من مراعاة الأعلمية فيما لو اختلف الفقهاء في الفتوى.
شروط الولاية
إن الشروط اللاّزمة في الوليّ هي نفس الشروط اللازمة في مرجعيّة التقليد المتقدمة، يضاف إليها شرط القدرة على القيام بالأمر التي تتطلب مستوى من المعرفة السياسية والخبرة الاجتماعيّة والإدارية، تشكل شروط ولاية الأمر في عصر الغيبة وهذا يعني أنَّ صلاحية شخص لولاية الأمر تتوقف على شروط أزيد من شروط مرجعية التقليد.
وقد يحصل أحيانا أن يكون ولي الأمر هو عينه مرجعا للتقليد كما هو بالنسبة للإمام الراحل رحمه الله والسيد القائد دام ظله.
الاجتماع والافتراق بين المرجعيّة والولاية
قد يحصل في حالات أخرى التفريق عندما لا يكون ولي الأمر هو الأعلم في عالم الفقاهة، لكنَّه الأصلح والأقدر على القيام بالأمر فيكون متعيناً لولاية الأمر، بينما مرجعية التقليد لغيره على أساس أنَّه الأعلم استنباطاً.
في هذه الحالة ربَّما يحصل هناك بعض الإرباك لمن يفصل بين مرجع التقليد عنده وولي الأمر، باعتبار أنَّ الفقيه الذي يقلّده قد يختلف مع ولي الأمر في الفتوى على مستوى الحكم الكلي، وقد يكونان متفقين في الحكم الكلي، إلا أنَّ التطبيق وتشخيص الموضوع عند أحدهما مغاير لما هو عند الآخر، لاختلاف النظر ومعايير التشخيص، وعندئذ فهل يجب على المكلف إطاعة وليِّ الأمر أو أنَّه عليه إطاعة مرجع التقليد؟.
وقبل أن ندخل في الحل، نشير إلى نقطة مهمة، وهي أنَّ الإمام المعصوم عليه السلام هو المرجع في المجالين معاً، وفي عصر الغيبة عندما لم يكن هناك دولة إسلامية، أي لم يكن الفقيه مبسوط اليد، انحصرت وظيفة الفقهاء بشؤون الإفتاء، لكن لم يخلُ الأمر من ممارسة الولاية على مستوى محدود وفي مجال ضيق من قبيل تصريف شؤون الأيتام والقاصرين والأوقاف والتصرف بأموال الإمام المعصوم عليه السلام التي ترد من الخمس والأنفال، ويطلق على مثل هذه الموارد اسم الأمور الحسبية، وأحيانا ممارسة القضاء والفصل بين المتنازعين في الخصومات.
وهذه الشؤون لم تكن تتطلب الكثير من الخبرة، ولذا كان الفقهاء يتصدّون لها من دون رعاية الأَولى والأعرف، نعم في مجال صرف سهم الإمام عليه السلام من الخمس كان كثير منهم يشترط دفعه إلى الأعلم والأعرف بمصارفه.
أما بعد قيام الجمهورية الإسلامية الإيرانية وبسط يد الفقيه وتمكنه من ممارسة ولاية الأمر على أوسع وجه فإنَّ التمييز بين وظيفة الإفتاء ووظيفة ولاية الأمر بات أمراً ضرورياً، وإن كان اجتماعهما في شخص هو الأرجح.
فتاوى الفقهاء ودور المكلّف:
الفتوى عبارة عن الحكم الشرعي الذي يستنبطه الفقيه (المجتهد) من مصادره الأصلية وقد يكون استنباطه مصيباً للحكم الواقعي وقد لا يكون مصيباً، إلا أنَّه معذورٌ إذا كان قد بذل جهده وأعمل وسعه في الوصول إلى الحكم الواقعي.
إذاً ما يصدره الفقيه غير الولي هو ما يسمى بالفتوى، وميزتها أنَّها تصدر من الفقيه من ناحية مراجعته للأدلة الشرعية، ولا تكون وظيفة الفقيه تحديد الموضوعات الموجودة في الخارج، وأنَّها من أيِّ نوع هي.
إنَّ الفقيه يبحث في الأدلّة عن حكم المسائل التي يفترض أن يبتلى بها المكلف، ويعطي النتيجة التي يتوصل إليها للمكلف، ومن هنا يقع على المكلف تحديد أنَّ ما يبتلي به وأنَّه ما الذي ينطبق عليه.
مثلاً الفقيه يفتي بحرمة اللعب بالآت القمار،وأما كون الورق من الآت القمار أو الشطرنج من الآت القمار فهذا من شأن المكلف تشخيصه. نعم هناك بعض الموضوعات التي لا بد فيها من الرجوع للفقيه لمعرفة حدودها. وهي الموضوعات الشرعية أي التي حددت من قبل الشريعة إما لأنها مبتكرة منها أو لكونها لوحظت عند أخذ الحكم بخصوصيات معينة ومثال ذلك الغناء المحرم والمباح. نعم تشخيص كونه يطرب أو كونه يختص بمجالس أهل الفسوق فهذا مما لا يرجع فيه إلى الفقيه.
الأحكام الولائية
أما ولاية الأمر فتعطي الفقيه الولي مجالاً جديداً من الأحكام التي يمكن للفقيه إصدارها من موقع كونه وليِّاً للأمر، نسمِّي هذه الأحكام بالأوامر والأحكام الولائية، وهي ترتبط بالموضوعات والعناوين العامة التي ترتبط بالنظام وشؤون المجتمع والأمة والدولة وأمثال ذلك، هذا النوع من الموضوعات والعناوين يرجع في تحديده والبتِّ به إلى وليِّ الأمر، فهو الذي يحدِّد الضرورات والمصالح والمفاسد ذات الطابع العام، وهو الذي يحدِّد موضوعات الأحكام فيما يرتبط بالجهاد والمصالحة والمعاهدات والأصلح من الأنظمة، وكذلك ما يرتبط بالقضاء وفض النزاعات وأمثال ذلك.
فالحكم الولائي هو حكم يُنشئه الوليُّ من موقع كونه ولياً للأمر، انطلاقاً من تشخيصه للمصالح العامة والعناوين ذات الطابع العام على أساس حفظ النظام وتدبير شؤون الدولة.
فالفقيه قد يصدر فتوى من موقع فقاهته وكونه مرجعاً للتقليد، وقد يصدر أمراً من موقع حاكميته على الأمة، وإلزام الفتوى للمكلف مبنيٌّ على قواعد التقليد وأحكامه المعروفة، أما إلزام الأمر الولائي فهو قائم على أساس ولاية الفقيه.
ولا تتعارض غالباً فتاوى مرجع التقليد مع الأوامر الولائية, وذلك لأنَّ مرتبة الأحكام الولائية أو الأوامر الولائية لا تقع في نفس مرتبة الفتوى الصادرة عن المرجعية.
ولو حصل التعارض أحياناً فلا شكَّ أنَّ الأمر الولائي يتقدم على الفتوى ويعطلها فيلزم به الجميع.
أمثلة الأحكام الولائية
1- إصدار الأمر بالجهاد أو الصلح مع العدو. فإنَّ الفقيه من موقع فقاهته يفتي بوجوب الجهاد إذا توفرت مجموعة من الشرائط، وجواز الصلح إذا توفرت عدة شروط أخرى، لكنَّ تشخيص الشرائط وأنَّها متوفرة أو غير متوفرة فهي من شؤون الوليِّ الذي بناءً عليها يصدر أمراً بالجهاد أو وقف الحرب أو الصلح وأمثال ذلك, ولو تصدَّى مرجع التقليد لتشخيص الموضوع لا يكون تشخيصه حجة على الناس مع وجود الوليِّ الفقيه.
2- الأنظمة التي تحدُّ من صلاحيات الأفراد الاقتصادية والسياسية وربما تحدَّ من حريتهم في الحركة والسفر والانتقال.
3- لزوم حفظ النظام، وتطبيقاته وخياراته وكيفية حفظ النظام تعتبر أيضا من شؤون الوليّ، و لا يدخل في وظيفة المرجع.
4- الأحكام والأوامر التي يصدرها الولي في موارد يرى أنَّها تحقق حالة أفضل للمسلمين عامة أو لسمعة الإسلام وربما كانت هذه المصلحة معنوية، كما حصل عندما قام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم بمنع أكل لحوم الحمر الأهلية لا لقساوتها كما يقولون بل لكي لا تقلَّ وسائل النقل وبتعبير الرواية: لكي لا يخفَّ الظهر. وكمنع بيع الحاضر للبادي، ومنع تلقي الركبان، ومنع البيع في السوق بأقلَّ من السعر المتعارف وكالأمر بالخضاب لأنَّ فيه إظهار عنصر الشباب وهو تعبير عن القوة في فترة كانوا بحاجة لذلك.
فقد ورد في مسائل علي بن جعفر لأخيه الكاظم عليه السلام قال: وسألته عن لحوم الحمر الأهلية، قال: "نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم وإنما نهى عنها لأنَّهم يعملون عليها وكره أكل لحومها لئلا يفنوها".
وعن علي بن الحسين عليهما السلام قال: "أمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم أصحابه في غزوة غزاها أن يختضبوا بالسواد ليقووا به على المشركين"2.
مهما يكن فإنَّ أوامر الولي، أي الأحكام الصادرة من موقع الولاية، ملزمة ولا يجوز مخالفتها حتى لمن يقلد غير الولي بل حتى للمرجع نفسه. نعم في مجال الاختلاف بالفتوى دون أن يكون هناك أمر ولائي بمضمون الفتوى يكون تكليف المقلد الالتزام بفتوى مرجع التقليد.
ومن هذا البيان ظهر أنَّ الوليَّ الفقيه واجب الطاعة على غير مقلَّديه حتى لو خالف فتوى مرجع التقليد.
للمطالعة
لا يكفي الاجتهاد المصطلح لقيادة المجتمع الإسلامي
يجب أن يكون باب الاجتهاد مفتوحاً دائماً في الحكومة الإسلامية، وتقتضي طبيعة الثورة والنظام أيضاً أن تُطرح الآراء الاجتهادية الفقهية في المجالات المختلفة بشكل حر ومفتوح، حتى ولو كانت مخالفة لبعضها البعض، ولا يحقُّ لأحد، ولا يمكنه أن يمنعها، ولكن الشيء المهم هو المعرفة الصحيحة للحكومة والمجتمع حتى يتمكن النظام الإسلامي من التخطيط لصالح المسلمين ومن الضروري له وحدة الرأي والعمل، ومن هنا فلا يكفي الاجتهاد المصطلح عليه في الحوزات، بل حتى ولو وجد إنسان هو الأعلم في العلوم المعروفة في الحوزات، لكنَّه غير قادر على تشخيص مصلحة المجتمع، أو لا يقدر على تشخيص الأفراد الصالحين والمفيدين من الأفراد غير الصالحين ويفتقد بشكل عام للرأي الصائب في المجال الاجتماعي والسياسي والقدرة على اتخاذ القرار... فإنّ مثل هذا الإنسان يكون غير مجتهد في المسائل الاجتماعية والحكومية ولا يمكنه التصدّي لاستلام زمام المجتمع3.
*ولاية الفقيه في عصر الغيبة، إعداد ونشر جمعية المعارف الإسلامية الثقافية، ط8، نيسان 2009، ص67-78.
1- الحر العاملي - محمد بن الحسن - وسائل الشيعة - مؤسسة أهل البيت - الطبعة الثانية 1414 هـ.ق.- ج 27 ص 131.
2- الحر العاملي - محمد بن الحسن - وسائل الشيعة - مؤسسة أهل البيت - الطبعة الثانية 1414 ه.ق.- ج 2 ص 89.
3- الخميني – روح الله الموسوي - منهجية الثورة الإسلامية - ص 163.