الرذائل الأخلاقية: التكبر - الجبن
درب الهداية
الكبر حالة في النفس تدعو إلى التعاظم على الغير والتعالي عليهم، لما يراه الإنسان في نفسه من التفوّق والتقدّم على الآخرين. وهو غير العجب، لأن العجب هو الإعجاب بالذات، أما التكبّر فهو التعالي على الناس والترفّع عليهم.
عدد الزوار: 420
الكبر
1- حقيقة الكبر:
الكبر حالة في النفس تدعو إلى التعاظم على الغير والتعالي عليهم، لما
يراه الإنسان في نفسه من التفوّق والتقدّم على الآخرين. وهو غير العجب، لأن العجب
هو الإعجاب بالذات، أما التكبّر فهو التعالي على الناس والترفّع عليهم. وهو من أخطر
الأمراض الخلقية، وأشدّها فتكاً بالإنسان، وأدعاها إلى مقت الناس له وازدرائهم به
ونفرتهم منه. وهي من الصفات التي يبغضها الله تعالى: ﴿إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ
الْمُسْتَكْبِرِينَ﴾1، لأنها صفة وخُلق أهل جهنم: ﴿أَلَيْسَ فِي
جَهَنَّمَ مَثْوًى لِّلْمُتَكَبِّرِينَ﴾2. وقد ذمّ الحق تعالى التكبر
كثيراً حيث خاطب المتكبر قائلاً: ﴿ وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ
فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ﴾3.
وعن أمير المؤمنين عليه السلام قال: "فاعتبروا بما كان من فعل الله بإبليس إذ أحبط
عمله الطويل وجهده الجهيد وكان قد عبد الله ستّة آلاف سنة لا يُدرى أمن سنيّ الدنيا
أم من سنيّ الآخرة عن كبر ساعة واحدة"4.
2- علامات الإنسان المتكبّر:
غالباً ما تكون الأمراض الأخلاقية مصحوبةً بآثارٍ وعلائم تظهر على ملامح
الوجه وفي الأقوال والأفعال. فمن علامات الإنسان المتكبّر أنه يتخايل في مشيته،
وتراه مقطّب الجبين، عبوس الوجه، يشيح بوجهه عمّن يحدّثه ويشمئزّ من كل ما يدور من
حوله، ويتحدّث كثيراً عن نفسه بعبارات فيها مبالغة، ويقطع كلام الآخرين باستمرار
ولا يصغي إليهم معتبراً كلامهم تافهاً وعديم الجدوى، وفي المقابل يتوقّع منهم
الإصغاء لكلامه والثناء عليه. ولا يبادر إلى السلام، ويسعى ليجلس في الصفوف
الأمامية في المجالس والمحافل، ويتجنّب معاشرة الفقراء والمحتاجين، ولا يساعد في
قضاء حوائج الغير بل يتوقع من الجميع أن يقدّموا الخدمة له، ويهتم بارتداء أفخر
الثياب واقتناء أفخم الحاجيات من الأثاث والمركوب.
3- دوافع الكبر:
للكِبر أسبابٌ ودوافع كثيرة تعود كلها إلى أن الإنسان يتصوّر لنفسه
كمالاً معيناً، وبسبب حبه لذاته، ومغالاته في تقييم نفسه، وتثمين مزاياها وفضائلها،
والإفراط في الزهو بها، فإنه يرى نفسه الأكمل والأفضل والأعظم والآخرين أدنى منه،
فيترفّع عنهم ويحتقرهم. وقد يكون هذا الكمال المتوهّم نابعاً من الأمور الدنيوية من
قبيل: الحسب والنسب الشريف، كثرة الأولاد والأنصار، الجمال، المال، القوة الجسدية،
النفوذ السياسي أو الاجتماعي وغيرها.. أو من الأمور الدينية حتى، كأن يتصوّر نفسه
عالماً أو عابداً، ويرى في المقابل الآخرين جاهلين لا يعلمون شيئاً عن حقائق هذا
الدين، فيعتزّ بعلمه أو عبادته ويستعظم نفسه، ويحتقر غيره ويتعالى عليهم. كما ويمكن
إضافة أسباب ومناشئ أخرى منها:
أ- الجهل وضعف العقل: إن جهل الإنسان بحقيقة
ضعفه وعجزه، وغفلته عن حقيقة أن كلّ نعمة أو كمالٍ إنما هي بالأصل من الله تعالى،
من شأنه أن يورث الكبر في القلب. فما يتوهّمه في نفسه من كمال إنما هو من الله وليس
من نفسه، وهو لا يكاد يساوي شيئاً أمام الكمالات المبسوطة في عالم الوجود. ولو رخّص
الكبر لأحدٍ لكان الأنبياء أحقّ به من غيرهم، كما في الحديث عن الإمام علي عليه
السلام: "لو رَخَّص الله سبحانه في الكبر لأحد من الخلقِ لرخص فيه لأنبيائه لكنه
كره إليهم التكبر ورضي لهم التواضع"5.
ب- رؤية ذلّة النفس: فعندما يرى المتكبّر الذلّ
والنقص في نفسه فسيدفعه حاله هذا إلى الاستعلاء على الآخرين ظناً منه أنه بذلك تعلو
درجته، ويحصل على ما ينقصه من كمال، فعن الإمام الصادق عليه السلام قال: "ما من رجلٍ
تكبر أو تجبر إلا لذلّة وجدها في نفسه"6.
ج- العجب: تؤدي رذيلة العجب إلى نشوء رذيلة
الكبر المهلكة في النفس. فعندما يتوهّم الإنسان أنه يتمتّع بصفةٍ من صفات الكمال
تنتابه حالةٌ من السرور فيُصاب بداء العجب. وإذا أعجب الإنسان بأعماله استصغر أعمال
الآخرين، بل احتقرها واعتبرها بلا قيمة، وعندها يجد نفسه أفضل من غيره وأعظم، فيقع
في شراك التكبر.
د- الحسد: قد يتكبّر الإنسان الفاقد للكمال
على من هو واجدٌ له، كأن يتكبّر الفقير على الغني، والجاهل على العالم. لأن الذي
يفتقر إلى كمالٍ ما يراه موجوداً عند غيره، يمكن أن يدفعه حسده إلى التكبّر عليه،
بهدف إذلاله وإهانته.
4- مفاسد الكبر:
من الواضح أن التكبّر من الأمراض الأخلاقية الخطيرة والشائعة والتي لها
آثارٌ مدمّرة على روح الإنسان ومعتقداته وأفكاره وعلى مصيره أيضاً، ومن مساوئ هذه
السجيّة:
أ- الكفر:
قد يؤدي التكبّر بصاحبه إلى الكفر بالله واليوم الآخر: ﴿فَالَّذِينَ لاَ
يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ قُلُوبُهُم مُّنكِرَةٌ وَهُم مُّسْتَكْبِرُونَ﴾7.
ب- الحرمان من الجنة: فعن رسول الله صلى الله
عليه وآله وسلم قال: "لن يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال حبة من خردل من كبر"8.
ج- المذلّة يوم القيامة: فمن وصايا الإمام
الصادق لأصحابه: "إياكم والعظمة والكبر، فإن الكبر رداء الله عزَّ وجلَّ، فمن نازع
الله رداءه قصمه الله وأذلّه يوم القيامة"9.
د- دخول النار: فعن الإمام الصادق عليه السلام
قال: "إن في جهنم لوادياً للمتكبرين يقال له (سقر)، شكى إلى الله عز وجل شدة حرّه
وسأله أن يأذن له أن يتنفس فتنفس فأحرق جهنم"10.
هـ- الحرمان من العلم والمعرفة: فعن الإمام
الكاظم عليه السلام قال: "يا هشام إن الزرع ينبت في السهل ولا ينبت في الصفا فكذلك
الحكمة تعمر في قلب المتواضع ولا تعمر في قلب المتكبر الجبار لأَن الله تعالى جعل
التواضع آلة العقل وجعل التكبر من آلة الجهل"11.
و- إرتكاب المعاصي: قال الإمام الكاظم عليه
السلام: "إن الفرح والمرح والخيلاء كل ذلك في الشرك، والعمل في الأرض بالمعصية"12.
وعن الإمام علي عليه السلام: "التكبر يظهر الرذيلة"13.
ز- المقت لصاحبه ونزول النقم عليه: فعن الإمام
الباقر عليه السلام قال: "إياك والكبر فإنه داعية المقت، ومن بابه تدخل النقم على
صاحبه، وما أقل مُقامَهُ عنده وأَسرع زواله عنه"14.
5- علاج الكبر:
إذا أراد المرء أن يعالج نفسه من داء الكبر فعليه اليقظة من الغفلة، ومن
ثم تطهير القلب بنار الندامة، وهي بمثابة الخطوة الأولى لاستئصال هذه الرذيلة من
جذورها، وأما الدواء والعلاج فهو على قسمين:
أ- العلاج العلمي: وهو بأن يتفكّر الإنسان
المتكبّر بحال نفسه، وبمفاسد الكبر وآثاره السلبية. فمن المفيد للتخلّص من آفة
الكبر أن يتفكّر الإنسان أولاً في حقيقة نفسه وفقره. كيف خُلق من نطفةٍ مهينة
يستقذرها الناس، ومن ثم أصبح طفلاً ضعيفاً لا يقوى على شيء، وحتى عندما أصبح بالغاً
وقوياً فإن قواه ليست تحت تصرفه، فلا يمكنه المحافظة على شبابه وجماله وصحته، أو
دفع المرض أو البلايا عنه. وتستمرّ مسيرته إلى أن يبلغ سن الشيخوخة فيكون ضعيفاً
عاجزاً لا يستطيع السير خطواتٍ معدودة بمفرده. إلى أن توافيه المنيّة فيصبح جيفةً
نتنة رائحتها تزكم الأنوف وثرواته يتناقلها الورثة. عن الإمام الباقر عليه السلام:
"عجباً للمختال الفخور وإنما خلق من نطفة ثم جيفة وهو فيما بين ذلك لا يدري ما يصنع
به"15. وإذا ما انتقل إلى العالم الآخر ولم يتخلص من رذيلة الكبر
واستحكمت به آثارها المهلكة، فإنه سيلاقي من أنواع العذاب ما لا يمكن وصفه.
ب- العلاج العملي: بعد أن يرى الإنسان خطورة بقاء هذه الرذيلة الأخلاقية
على إيمانه ومصيره في الآخرة، لا بد له من السعي بجدّ للتخلّص منها. وأفضل سبيلٍ هو
أن يعمل بما يضادّها. أي كلّما دعته نفسه ليتكبر على الآخرين، يقمعها ويخالف
أوامرها بأن يتواضع لهم، فعن الإمام علي عليه السلام: "ضادوا الكبر بالتواضع"16.
فإذا رأى أن سبب تكبّره ارتداء الملابس الفاخرة أو اقتناء الحاجيات الفخمة، فعليه
أن يبادر إلى ارتداء الملابس البسيطة، وإن لاحظ في نفسه نفوراً من مجالسة الفقراء،
فيصرّ على مجالستهم ومساعدتهم. وإن كان يحب أن يتقدم القوم، فليعمد إلى تقديمهم على
نفسه، وإن كان لا يصغي إلى كلام الآخرين، أو لا يقضي حوائجه بنفسه دون الاعتماد على
الآخرين، فعليه العمل بخلاف ذلك. وإذا حدّثته نفسه بالتعالي على غيره والسعي
لإذلالهم أو الاعتداء على حقوقهم، فليتذكر ما أعدّه الله من عذابٍ للمتكبّرين
الظالمين: ﴿قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ
مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ﴾17.
الجبن
1- حقيقة الجبن:
من الرذائل الأخلاقية صفة الجبن وهو الخوف غير المنطقي والتي تقابل
الشجاعة والجرأة، ففي الحديث عن الإمام الباقر عليه السلام: "لا يكون المؤمن جباناً
ولا حريصاً ولا شحيحاً"18. وهي صفة تورث الإنسان المذلة والمهانة وسوء
العيش، وتحطّ من منزلة صاحبها، وتؤدي إلى هدر طاقاته، وتفضي إلى أن يتسلط عدوّه
عليه. والمجتمع الذي يتّصف أفراده بالجبن يكون مجتمعاً خنوعاً ذليلاً خاضعاً لسياسة
الظالمين غير قادرٍ على مواجهة التحديات الكبرى وتقديم الحلول الناجعة، ولا يُرجى
له الرقي والتكامل في كافة مجالات الحياة، ويكون بعيداً عن تحقيق الأهداف الإلهية
الكبرى من قبيل بسط الحرية والمساواة والعدالة الاجتماعية. والمراد بالجبن هنا هو
الخوف غير المنطقي من المواقف أو المظاهر التي لا تستبطن خطراً حقيقياً، بل يتصورها
الإنسان الجبان ويتوهم أنها أمور خطيرة، مع أنها ليست كذلك. وهذا بخلاف الخوف من
الأمور التي تتضمن خطراً واقعياً على حياة الإنسان أو أنها يمكن أن تسبب الضرر
والأذى له، فإن الاندفاع نحو هذا النوع من المخاطر دون تفكيرٍ ورويّة يوقع الإنسان
في مفسدة أخرى لا تقل خطراً عن الجبن وهي التهور، وهو القائل في كتابه العزيز:
﴿وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ﴾19.
2- دوافع الجبن:
أ- ضعف الإيمان وسوء الظن بالله:
لأن الشخص الذي يعيش الإيمان بالله والثقة به وينطلق في حياته من موقع التوكل على
الله والتصديق بوعده، لن يذوق طعم الذلّة والمهانة والضعف، ولن يتردد أو يخاف أمام
الحوادث الصعبة، ولن يتزلزل أمام التحديات، ولن يهاب أحداً من الأعداء لأنه يرى أن
قدراتهم محدودة ولا تعادل شيئاً أمام قدرة الله المطلقة. فعن أمير المؤمنين عليه
السلام: "إن البخل والجبن والحرص غرائز شتى يجمعها سوء الظن بالله"20.
ب- ضعف النفس: من أهم خصائص الإنسان الجبان
ضعف نفسه وعجزها عن مواجهة الصعاب والتحديات المختلفة، لذا نراه يلجأ دائماً إلى
التذرع بالأعذار الواهية هرباً من المسؤوليات أو الواجبات المطلوبة منه. عن أمير
المؤمنين عليه السلام: "شدة الجبن من عجز النفس وضعف اليقين"21.
ج- الجهل وقلة المعرفة: حيث غالباً ما يسبب
للإنسان الخوف الموهوم، كما يلاحظ في حالة خوف الإنسان من الموارد التي لا يعرفها
جيداً. أما عندما تتضح له الصورة جيداً فإن حالة الخوف ستذهب من نفسه تدريجياً.
د- طلب الراحة والعافية: وهو من أحد الأسباب
التي تكون منشأ للخوف غير المبرر، لأن خوض أي معتركٍ يتطلب من الإنسان أن يُقحم
نفسه في دوامة من المشاكل والصعاب، ما يعني أن يتخلى عن حظوظه من الراحة.
هـ الآثار الناجمة عن خوض تجاربٍ مؤلمة:
فالحوادث المرّة غالباً ما تترك في نفس الإنسان حالةً من الخوف والرعب لأنها تترسخ
في ذهنه وتحول دون إقدامه على خوض تجارب جديدة.
و- الإفراط في توخي الحذر: إن الإفراط في سلوك
طريق الحذر من شأنه أن يورث الخوف أيضاً لأنه يدفع بالإنسان إلى توقّي كل ما يحتمل
فيه الخطر، فيعيش التردد والخوف من الإقدام دائماً.
3- علاج الجبن:
إنّ إحدى الطرق لعلاج هذه الرذيلة الأخلاقية كما في سائر الرذائل الأخرى هي
التفكر في آثارها السلبية وعواقبها الوخيمة
على صعيد الفرد والمجتمع. فعندما يتعرف الإنسان إلى الآثار السلبية للخوف الموهوم
وما يترتب عليه من مذلّة وحقارة وتخلّف وحرمان، فإنه سيتحرك حتماً لإزالة هذه
الرذيلة من نفسه. أما الطريق العملي لعلاج هذه الآفة فهو بالسعي إلى قطع كل دوافع
وجذور هذه الرذيلة من النفس. فعندما تزول السحب المظلمة لسوء الظن بالله من سماء
القلب، وتشرق شمس الإيمان والتوكل على الله في فضاء الروح الإنسانية، فإن ظلمات
الخوف الموهوم ستزول بسرعة من النفس. ومن الطرق الأخرى المفيدة في العلاج أيضاً، هي
أن يورّط الإنسان نفسه في الميادين المثيرة للخوف والوحشة، ويعمل على إقحام نفسه
فيها مرات عديدة، ومع تكرار التجربة سيزول الخوف من النفس حتماً. ونجد هذا المعنى
بصورة جميلة في كلمات أمير المؤمنين عليه السلام حيث يقول: "إذا هبت أمراً فقع فيه،
فإن شِدَّة توَقّيه أعظم مما تخاف منه"22.
* درب الهداية، نشر جمعية المعارف الإسلامية الثقافية.
1- النحل، 23.
2- الزمر، 60.
3- لقمان، 18.
4- نهج البلاغة، خطبة287.
5- مستدرك الوسائل، ج12، ص29.
6- الكافي، ج2،ص 312.
7- النحل، 22.
8- وسائل الشيعة، ج17، ص7.
9- م.ن، ج15، ص376.
10- الكافي، ج2،ص310.
11- مستدرك الوسائل، ج11، ص299.
12- بحار الأنوار، ج70،ص 232.
13- غرر الحكم، 310.
14- مستدرك الوسائل، ج12،ص30 .
15- بحار الأنوار، ج70،ص229.
16- الكافي، ج2، ص329.
17- الزمر، 72.
18- بحار الانوار، ج72،ص301.
19- البقرة، 195.
20- نهج البلاغة، خطبة 53.
21- غرر الحكم، ص 263.
22- بحار الأنوار، ج 68، ص362