يتم التحميل...

الصلاة معراج الروح

درب الهداية

وسُئل الإمام الباقر عليه السلام عمّا فرض الله من الصّلوات فقال عليه السلام: "خمس صلوات في الليل و النهار، قلت: سمّاهن الله وبينهنّ في كتابه؟ قال عليه السلام: نعم، قال الله لنبيه صلى الله عليه وآله وسلم

عدد الزوار: 115

الصلاة تكليفٌ إلهي

أمر الله تعالى المسلمين بالصلاة والمحافظة عليها. وهي خمس صلوات جعلها فريضة على كل مسلم ومسلمة حيث قال عزّ اسمه: ﴿حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ والصَّلاَةِ الْوُسْطَى وَقُومُواْ لِلّهِ قَانِتِينَ1، وقال أيضاً: ﴿فَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ إِنَّ الصَّلاَةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتً2. وسُئل إمامنا الصادق عليه السلام عن معنى قوله تعالى ﴿كِتَابًا مَّوْقُوتًفقال عليه السلام: "أي مفروضاً"3.

وسُئل الإمام الباقر عليه السلام عمّا فرض الله من الصّلوات فقال عليه السلام: "خمس صلوات في الليل و النهار، قلت: سمّاهن الله وبينهنّ في كتابه؟ قال عليه السلام: نعم، قال الله لنبيه صلى الله عليه وآله وسلم ﴿أَقِمِ الصَّلاَةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ ودلوكها زوالها فيما بين دلوك الشمس إلى غسقِ الليل أربع صلوات سماهنّ وبيّنهن ووقتهن، وغسق الليل انتصافه، ﴿وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًهذه الخامسة"4.

الصلاة هي الذكر الحقيقي

الصلاة هي الرابطة الوثيقة بين الإنسان والرب، بين المخلوق وخالقه. وهي الباعثة على اطمئنان القلوب، وهي أساس صفاء الروح وتنوّر الباطن. وهي تبعث في النفس رادعاً قويّاً للتخلّص من كل ما هو سيئ وقبيح، وتحصيل كل ما هو صالح وجميل. لذا قال عنها الله تعالى في كتابه الكريم: ﴿وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ5. وهي برنامج العثور على النفس ومن ثم صناعتها وتهذيبها كما قال إمامنا الخميني قدس سره: "الصلاة هي مصنع لبناء وتهذيب الإنسان"6.

وبكلمات موجزة هي رابطة الاستفاضة الدائمة من منبع ومبدأ كل الخيرات، من الله سبحانه وتعالى. وهي عدّت أفضل الأعمال، وأساس الدين لأنها باختصار تحقّق للإنسان الوصول إلى الهدف الذي خلق من أجله، وهو الرجوع إلى الله: ﴿الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلاَقُو رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ7. وأهم متاعٍ يحمله الإنسان للوصول إلى هذا الهدف هو ذكر الله. فذكر الله الدائم يجعل الهدف وهو الارتباط والاتّصال به نصب العين دوماً ويحول دون الضياع، ويجعل الإنسان حذراً، ويمنحه قوة القلب والاطمئنان والنشاط، ويحفظه من الانخداع بالمظاهر الخدّاعة للدنيا الغرور.

ومن أهم الأعمال المفعمة بالدوافع لذكر الله والتي يمكن أن تجعل الإنسان مستغرقاً بذكره تعالى، وتكون في نفس الوقت موقظةً للإنسان، وترشده إلى الصراط المستقيم، وتحفظه من الضياع والانحراف وتحول بينه وبين الغفلة, هي الصلاة، وقد خاطب الله نبيّه موسى عليه السلام فقال: ﴿إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي8. لهذا السبب كانت الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر لأن المصلّي كما أنه يوظّف كل قواه بحثاً عن طريق الحق والارتباط به، فإنه في نفس الوقت يسعى ليميت كلّ بواعث الفساد والشرّ في نفسه، ولإحراق جذور المعاصي التي تحول دون بلوغه الهدف المنشود. إذاً، فالصلاة بما فيها من تلقينٍ وتكرار لذكر الله، تربط الإنسان الضعيف والمحدود بالإله المطلق القوي، وتجعله على الدوام مستعيناً به ومتوكّلاً عليه.

أهمية الصلاة

1- أفضل العبادات:
إن حب الإله وعبادته والتّصاغر أمامه والتواضع لعظمته هي ثمرة معرفته، فمعرفة الله والإقرار بأنه خالق الكون والإنسان يدفع بالإنسان إلى طاعته وعبوديته، وهو سر خلق الإنسان والغاية من إيجاده: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ9. وهذه الحكمة الإلهية هي نفسها أساس بعث الأنبياء عليهم السلام: ﴿وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ10.

والصلاة هي العبادة الأولى من حيث الأهمية، والتي تتجلّى فيها العبودية بأبهى وأعمق صورها: ﴿وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ11. وعن الإمام الرضا عليه السلام قال: "إنما أمروا بالصلاة لأن في الصلاة الإقرار بالربوبية وهو صلاح عام لأن فيه خلع الأنداد والقيام بين يدي الجبار"12.

2- عمود الدين:
وهي عمود الدين، وقوام الإسلام، الذي إن ثبت ثبتت معه كل أصول الدين وفروعه، وباهتزازه وتخلخله يهتزّ معه هذا القوام ويتخلخل. فعن الإمام الباقر عليه السلام قال: "الصلاة عمود الدين مثلها كمثل عمود الفسطاط إذا ثبت العمود ثبت الأوتاد والأطناب وإذا مال العمود وانكسر لم يثبت وتد ولا طنب"13.

3- وصية الأنبياء:
وهي وصية الأنبياء عليهم السلام لقومهم وللناس، فهذا لقمان يوصي ابنه بالصلاة: ﴿يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ14، وهي قرّة عين رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "قرّة عيني الصلاة"15.

وأحبّ الأعمال إلى الله عز وجل، فعن الإمام الصادق عليه السلام قال: "أحب الأعمال إلى الله عز وجل الصلاة وهي آخر وصايا الأنبياء عليهم السلام"16.

4- أفضل القربات:
وهي أفضل ما يتقرّب به العباد إلى الله عز وجل، حيث سُئل إمامنا الصادق عليه السلام عن أفضل ما يتقرّب به العباد إلى ربهم وأحبّ ذلك إلى الله عز وجل ما هو؟ فقال عليه السلام: "ما أعلم شيئاً بعد المعرفة أفضل من هذه الصلاة. ألا ترى أن العبد الصالح عيسى ابن مريم عليه السلام قال: ﴿وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّ"17. وفيها يكون الإنسان أقرب ما يكون إلى الله عزّ وجلّ، فعن الإمام الرضا عليه السلام قال: "أقرب ما يكون العبد من الله عز وجل وهو ساجد وذلك قوله عز وجل"18.

5- أول ما يحاسب عليه الإنسان:
وهي أول ما يُسأل عنه الإنسان يوم الحساب، فإن قبلت صلاته قبلت منه سائر أعماله، وإن ردّت ردّت إليه أعماله، فكان خالي الوفاض، يتحسّر على ما فّرط به في الحياة الدنيا. فعن الإمام الصادق عليه السلام قال: "أول ما يحاسب به العبد الصلاة فإن قبلت قبل سائر عمله وإذا رُدّت رُدّ عليه سائر عمله"19.

6- باب الرحمة الإلهية:
وهي الرحمة الواسعة التي يظّلل الله تعالى بها عبده من فوق رأسه إلى أفق السماء وهو يصلّي، ووكّل الله تعالى به الملائكة تحفّه وتدعو له. فعن الإمام الصادق عليه السلام قال: "إذا قام المصلي إلى الصلاة نزلت عليه الرحمة من أعنان السماء إلى أعنان الأرض وحفت به الملائكة وناداه ملك لو يعلم هذا المصلي ما في الصلاة ما انفتل"20.

7- كفّارة للذنوب:
وهي تحتّ الذنوب عن المصلّي وتكفّر عنه سيّئاته ما لم تكن من الكبائر، وقد شبّهها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالنهر الجاري الذي كلّما اغتسل منه الإنسان نقّى جسده وتطهّر من الأدران والأوساخ حيث قال: "إنما مثل هذه الصلوات الخمس مثل نهر جار بين يدي باب أحدكم يغتسل منه في اليوم خمس اغتسالات، فكما ينقّى بدنه من الدرن بتواتر الغسل، فكذا ينقّى من الذنوب مع مداومة الصلاة فلا يبقى من ذنوبه شي‏ء"21.

وعن الإمام الصادق عليه السلام قال: "من صلّى ركعتين يعلم ما يقول فيهما انصرف وليس بينه وبين الله ذنب"22. وعن أمير المؤمنين الإمام علي عليه السلام قال: "الصلوات الخمس كفارة لما بينهن ما اجتنب الكبائر وهي التي قال الله: ﴿إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ"23.‏

8- تنجي من العذاب:
إذا قبلت صلاة المؤمن فهي بمثابة صكّ براءةٍ له من العذاب في يوم القيامة كما جاء عن إمامنا الصادق عليه السلام حيث قال: "من قبل الله منه صلاة واحدة لم يعذبه ومن قبل منه حسنة لم يعذبه"24.

عاقبة التساهل بالصلاة

إذا اقتنع الإنسان بأن العبادة من الأمور الأساسيّة والهامّة في تكامله الروحي والمعنوي وعلاقته بربه، وأن الصلاة هي أهم العبادات، إذاً لكان شديد الحرص على الإتيان بها والمحافظة على أوقاتها وعدم تضييعها، لأن في تضييع الصلاة تهاوناً واستخفافاً بها، والمتهاون بصلاته لا حظّ له من الإسلام، كما قال إمامنا الباقر عليه السلام: "لا حظّ في الإسلام لمن ترك الصلاة"25، وهو للكفر أقرب منه للإيمان كما أخبر بذلك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حيث قال: "ما بين المسلم وبين أن يكفر إلا ترك الصلاة الفريضة متعمداً أَو يتهاون بها فلا يصليها"26. لأنه ليس بعد ترك الصلاة والاستخفاف بها إلا الغيّ والضلالة: ﴿فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّ27.

وفيما يلي نذكر بعض الآثار السلبية لترك الصلاة

1- يبتلى بخمس عشرة خصلة سيّئة:
عن سيدة النّساء فاطمة عليها السلام أنها سألت أباها محمداً صلى الله عليه وآله وسلم فقالت: "يا أبتاه ما لمن تهاون بصلاته من الرجال والنساء؟ قال: يا فاطمة من تهاون بصلاته من الرجال والنساء ابتلاه الله بخمس عشرة خصلة، ست منها في دار الدنيا وثلاث عند موته وثلاث في قبره وثلاث في القيامة إذا خرج من قبره. فأما اللواتي تصيبه في دار الدنيا، فالأولى يرفع الله البرَكة من عمره ويرفع الله البرَكة من رزقه ويمحو الله عز وجل سيماء الصالحين من وجهه وكل عمل يعمله لا يؤجر عليه ولا يرتفع دعاؤه إلى السماء والسادسة ليس له حظّ في دعاء الصّالحين. وأما اللواتي تصيبه عند موته فأولاهنّ أنّه يموت ذليلاً، والثانية يموت جائعاً، والثالثة يموت عطشانَ‏ فلو سُقِيَ من أنهار الدنيا لم يرو عطشه. وأما اللواتي تصيبه في قبره فأولاهنّ يوَكِّلُ الله به ملكاً يزعجه في قبره، والثانية يضيَّقُ عليه قبره، والثالثة تكون الظلمة في قبره. وأما اللواتي تصيبه يوم القيامة إذا خرج من قبره فأولاهنَّ أن يوَكِّلَ الله به ملكاً يسحبه على وجهه والخلائق ينظرون إليه والثانية يحاسبه حساباً شديداً والثالثة لا ينظر الله إليه ولا يزكّيه وله عذاب أليم"28.

2- يحرم من الشفاعة:
عن الإمام الباقر عليه السلام قال: "قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: لا ينال شفاعتي من استخفّ بصلاته لا يرد عليّ الحوض لا والله"29.

3- يحبط الله أعماله:
فقد سُئل الإمام الصادق عليه السلام عن معنى قوله تعالى: ﴿وَمَن يَكْفُرْ بِالإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ، فقال عليه السلام: "ترك العمل الذي أقرّ به، (و) من ذلك أن يترك الصلاة من غير سقمٍ ولا شغل"30.

4- يتسلّط عليه الشيطان:
فعن أمير المؤمنين علي عليه السلام قال: "قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: لا يزال الشيطان هائباً ذعراً من المؤمن ما حافظ على الصلوات الخمس فإذا ضيعهن تجرأ عليه فألقاه في العظائم"31. وقد قال عزّ وجلّ في كتابه العزيز: ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللّهِ وَعَنِ الصَّلاَةِ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ32.

5- يدخله النّار مع المنافقين:
فعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: "لا تضيعوا صلواتكم فإن من ضيع صلاته حُشر مع قارون وهامان، وكان حقاً على الله أن يدخله النار مع المنافقين، فالويل لمن لم يحافظ على صلاته وأداء سنته"33. وعندما يدخل المؤمنون الجنة يتساءلون فيما بينهم عن سبب دخول فئة من الناس نار جهنم، وسرعان ما يكتشفون أن السبب هو تركهم الصلاة، كما أخبر تعالى في كتابه الكريم: ﴿إِلَّا أَصْحَابَ الْيَمِينِ * فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءلُونَ * عَنِ الْمُجْرِمِينَ * مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ * قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ34.
 

* درب الهداية، نشر جمعية المعارف الإسلامية الثقافية.


1- البقرة، 238.
2- النساء، 103.
3- وسائل ‏الشيعة، ج4،ص8.
4- مستدرك ‏الوسائل، ج 3،ص10.
5- العنكبوت، 45.
6- صحيفة النور، ج 12، ص318.
7- البقرة، 46.
8- طه، 14.
9- الذاريات، 56.
10- النحل، 36.
11- البيّنة، 5.
12- وسائل الشيعة، ج4،ص10.
13- م.ن ، ص27.
14- لقمان، 17.
15- بحار الأنوار، ج77،ص77.
16- الكافي، ج3،ص264.
17- الكافي، ج3، ص 264.
18- م. ن.
19- وسائل الشيعة، ج4،ص34.
20- الكافي، ج3،ص264.
21- مستدرك ‏الوسائل، ج3،ص15.
22- الكافي، ج3،ص266.
23- مستدرك‏ الوسائل، ج3،ص15.
24- الكافي، ج 3، ص 266.
25- مستدرك ‏الوسائل، ج3،ص45.
26- وسائل ‏الشيعة، ج4، ص43.
27- مريم، 59.
28- مستدرك الوسائل، ج3،ص24.
29- وسائل ‏الشيعة، ج4، ص25.
30- مستدرك ‏الوسائل، ج3، ص46.
31- م.ن، ص27.
32- المائدة، 91.
33- وسائل ‏الشيعة، ج4، ص30.
34- المدّثر، 39 ـ 43.

2013-12-27