يتم التحميل...

آداب العشرة والصداقة

درب الهداية

الإنسان مدني بطبعه، ولا يستطيع اعتزال الناس والانفراد عنهم لأن اعتزالهم يبعث على الغربة والوحشة والإحساس بالوهن والخذلان إزاء طوارئ الأحداث وملمّات الزمان. لأجل ذلك كان الإنسان توّاقاً إلى اتّخاذ الخلاّن والأصدقاء،

عدد الزوار: 113

الحاجة إلى الإخوان

الإنسان مدني بطبعه، ولا يستطيع اعتزال الناس والانفراد عنهم لأن اعتزالهم يبعث على الغربة والوحشة والإحساس بالوهن والخذلان إزاء طوارئ الأحداث وملمّات الزمان. لأجل ذلك كان الإنسان توّاقاً إلى اتّخاذ الخلاّن والأصدقاء، ليكونوا له سنداً وسلواناً، يسرّون عنه الهموم ويخفّفون عنه المتاعب، ويشاطرونه السرّاء والضرّاء. قال أمير المؤمنين الإمام علي عليه السلام: "عليك بإخوان الصدق، فأكثر من اكتسابهم، فإنهم عدّة عند الرخاء، وجنّة عند البلاء"1. فمخالطة الإنسان ضرورة لا غنى له عنها، لأن من البديهي أن الإنسان المنفرد عاجزٌ عن أن يوفّر لنفسه مقومات بقائه وتطوّره واستمراره، لذا هو مدفوعٌ بطبيعته إلى مخالطة الآخرين من بني نوعه ليستعين بهم على توفير هذه المقوّمات.

تأثير الصداقة

الدين الإسلامي دين عشرةٍ وليس دين عزلةٍ ورهبنةٍ. وهو ينظر إلى الروابط البشريّة نظرة اهتمامٍ وتقديس. وهناك وصايا كثيرة بشأن الصداقة وانتخاب الصديق لما للصداقة من أثرٍ عميق على حياة الإنسان. فالصديق له أثرٌ بالغ على صديقه فكرياً وعملياً وأخلاقياً، لما طبع عليه الإنسان من سرعة التأثّر والانفعال بالقرناء والأخلّاء، ما يحفّزه على محاكاتهم والاقتباس منهم. لذا نرى أن التّجاوب قويّ بين الأصدقاء، وصفاتهم سريعة الانتقال والعدوى فيما بينهم، وهي تارة تنشر مفاهيم الخير والصلاح، وأخرى مفاهيم الشر والفساد تبعاً لخصائصهم وطباعهم الكريمة أو الذميمة، وإن كانت عدوى الرذائل أسرع انتقالاً وأكثر شيوعاً من عدوى الفضائل. فالصديق الصالح رائد خيرٍ يهدي إلى الرشد والصلاح، والصديق الفاسد رائد شرٍّ ويقود إلى الغيّ والفساد. وكم انحرف أشخاصٌ كانوا يعدّون مثاليين فكراً وسلوكاً، ولكن ما لبثوا أن ضلّوا في متاهة الغواية والفساد لتأثرهم بالأصدقاء والأخلّاء المنحرفين، فعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: "من خير حظّ المرء قرين صالح، جالس أهل الخير تكن منهم"2. لذلك كله أكّد الإسلام على ضرورة إيلاء مسألة اختيار الأصدقاء الجدّية والأهمية المطلوبة لكي لا تصبح الصداقة عامل ضياعٍ وانحراف، فمن وصايا أمير المؤمنين عليه السلام: "صادق أهل الخير والصلاح وكن منهم". من هنا يتحتّم على العاقل أن يتحفّظ في اختيار الأصدقاء، ويصطفي منهم من تحلّى بالخلق المرضيّ والسمعة الطيّبة والسلوك الحميد. رُوي أن النبي سليمان عليه السلام قال: "لا تحكموا على رجل بشي‏ء حتى تنظروا إلى من يصاحب فإنما يُعرف الرجل بأَشكاله وأَقرانه ويُنسب إلى أَصحابه وأَخدانه"3.

صفات الأخ الصّالح

للأخ الصالح صفاتٌ ينبغي الوقوف عندها ومعرفتها ليجري على أساسها انتخاب الصديق، وأهم هذه الصفات:

1- أن يذكّرك بالله وبالآخرة: قيل لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: أي الجلساء خيرٌ؟ فقال صلى الله عليه وآله وسلم: "من تذكركم الله رؤيته ويزيد في علمكم منطقه ويرغبكم في الآخرة عمله"4.

2- أن يعين على صلاح الدين: عن الإمام علي عليه السلام قال: "إنما سمّي الرفيق رفيقاً لأنه يرفقك على صلاح دينك، فمن أعانك على صلاح دينك فهو الرفيق"5.

3- أن يكون من أهل التقوى: عن الإمام الصادق عليه السلام قال: "اطلب مواخاة الأتقياء ولو في ظلمات الأرض، وإن أَفنيت عمرك في طلبهم فإن الله عز وجل لم يخلق على وجه الأرض أَفضل منهم بعد الأنبياء والأولياء، وما أنعم الله على العبد بمثل ما أنعم به من التوفيق بصحبتهم. قال الله عز وجل: ﴿الْأَخِلَّاء يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ﴾"6.

4- أن يكون عاقلاً ولبيباً: عن الإمام الكاظم عليه السلام قال: "يا هشام إياك ومخالطة الناس والأنس بهم إلا أن تجد منهم عاقلاً مأموناً فأنس به واهرب من سائرهم كهربك من السباع الضارية"7. وعن الإمام علي عليه السلام قال: "عمارة القلوب في معاشرة ذوي العقول"8. وعنه عليه السلام قال: "عليك بمقارنة ذي العقل والدين، فإنه خير الأصحاب"9.

5- أن يكون ناهياً عن الظلم والعدوان: عن الإمام علي عليه السلام قال: "الصديق من كان ناهياً عن الظلم والعدوان، معيناً على البر والإحسان"10.

6- أن لا يقول فيك شرّاً إن غضب منك: عن الإمام الصادق عليه السلام قال: "من غضب عليك من إخوانك ثلاث مرات فلم يقل فيك شراً، فاتّخذه لنفسك صديقاً"11.

7- أن يكون ناصحاً عند رؤية العيب: عن أمير المؤمنين عليه السلام قال: "الصديق الصدوق من نصحك في عيبك وحفظك في غيبك وآثرك على نفسه"12.

8- أن يكون عالماً: عن الإمام علي عليه السلام قال: "لا تصحب إلا عاقلاً تقياً، ولا تخالط إلا عالماً زكياً، ولا تودع سرّك إلا مؤمناً وفياً"13.

9- أن يكون معيناً على الطاعة: فعن الإمام علي عليه السلام قال: "المعين على الطاعة خير الأصحاب"14.

أصدقاء السوء

بعد معرفة ما هي أهم صفات من ينبغي لنا معاشرتهم نتعرّض الآن لتعداد صفات أصدقاء السّوء الذين ينبغي لنا تجنّبهم وعدم معاشرتهم أو الاختلاط بهم وهي:

1- الذي يحفظ المساوئ وينسى الفضائل: فعن مولى الموحّدين الإمام علي عليه السلام قال: "لا تصحب من يحفظ مساويك، وينسى فضائلك ومعاليك"15.

2- أهل الدنيا: عن أمير المؤمنين عليه السلام قال: "لا تصحبن أبناء الدنيا، فإنك إن أقللت استثقلوك، وإن أكثرت حسدوك"16. وعن الإمام الباقر عليه السلام قال: "لا تصادق ولا تؤاخ أربعة: الأحمق والبخيل والجبان والكذاب، أما الأحمق فإنه يريد أن ينفعك فيضرّك، وأما البخيل فإنه يأخذ منك ولا يعطيك، وأما الجبان فإنّه يهرب عنك وعن والديه، وأما الكذّاب فإنّه يَصْدُقُ ولا يُصَدَّقُ"17.

3- الفاسق: فعن الإمام زين العابدين عليه السلام قال: "وإياك ومصاحبة الفاسق فإنه بايعك بأكلة أو أقل من ذلك"18.

4- الفاجر: فقد ورد عن الإمام الصادق عليه السلام أنه قال: "لا تصحب الفاجر فيعلمك من فجوره"19.

5- الشرير: عن الإمام الجواد عليه السلام قال: "إياك ومصاحبة الشرير فإنه كالسيف المسلول يحسن منظره ويقبح أثره"20.

6- الكافر: فعن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم قال: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يواخينّ كافراً"21.

7- الخائن والنمّام: عن الإمام الصادق عليه السلام قال: "إحذر من الناس ثلاثة: الخائن والظلوم والنمّام، لأن من خان لك خانك، ومن ظلم لك سيظلمك، ومن نمّ إليك سينمّ عليك"22.

8- متتبّع العيوب: عن أمير المؤمنين عليه السلام قال: "إياك ومعاشرة متتبعي عيوب الناس فإنه لم يسلم مصاحبهم منهم"23.

9- سريع الانقلاب: عن الإمام علي عليه السلام قال: "شرّ الأصحاب السريع الانقلاب"24.

10- السبّاب: فعن الإمام الصادق عليه السلام قال: "من قعد عند سبّاب لأولياء الله فقد عصى الله"25 .

حقوق الأصدقاء

المؤمنون إخوة تربطهم ببعض بعضاً علاقة المحبة والعطاء والإحسان. ولكل أخ حقوقٌ وعليه واجبات. فلا يمكن بناء صرح الصّداقة على أسسٍ سليمة، ولا يمكن توقّع نتائج إيجابية لمستقبل العلاقات الأخويّة ما لم تُراع الضوابط والشروط الأساسية لها، والتي تأتي حقوق الأخوّة على رأسها. فللمعاشرة وظائفٌ وحقوقٌ لا بدّ من معرفتها والتقيّد بها لكي تحقّق الصداقة أهدافها المنشودة وتصل إلى غاياتها، وإليك بيان لبعضها:

1- حبّه: الإسلام يوصي بأن يحب الأخ أخاه المؤمن. وقد عدّ بعض الروايات هذا الحب حقاً للمؤمن على أخيه، فعن الإمام الباقر عليه السلام قال: "من حق المؤمن على المؤمن المودة له في صدره"26.

2- إدخال السرور عليه: عن الإمام الباقر عليه السلام: "ما عُبد الله بشيء أحب إلى الله من إدخال السرور على المؤمن"27. وعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: "من سر مؤمناً فقد سرني ومن سرني فقد سر الله"28.

3- إطعامه وكسوته:
من حق المؤمن على أخيه أن يطعمه إذا جاع وأن يكسوه إذا عرى. قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "ما آمن بالله من شبع وأخوه المؤمن جائع، أو كُسيَ وأخوه عريان"29.

4- قضاء حوائجه:
على المسلم أن يقضي حوائج أخيه بحدود إمكانه، عن الإمام الصادق عليه السلام قال: "ما قضى مسلم لمسلم حاجة إلا ناداه الله تبارك وتعالى: عليّ ثوابك ولا أرضى لك بدون الجنة"30. وعن الإمام السجاد عليه السلام قال: "إن حوائج الناس إليكم من نعم الله عليكم، فلا تملّوا النعم"31.

5- نصرته: يواجه الإنسان في حياته أحياناً بعض المواقف الصعبة التي يكون فيها بأمسّ الحاجة إلى المعين والناصر. فعن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم قال: "ما من امرئ مسلم ينصر مسلماً في موضع ينتهك فيه عرضه ويستحل حرمته إلا نصره الله في مواطن يحب فيها، وما من امرئ خذل مسلماً في موطن ينتهك فيه حرمته إلا خذله الله في موضع يحب فيه نصرته"32. وكل من يعمد إلى مساعدة أخيه المؤمن فسوف يساعده الله أيضاً، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "إن الله في عون المؤمن ما دام المؤمن في عون أخيه المؤمن"33.

6- العفو عند الزلل:
من حق الأخ على أخيه المؤمن أن يغفر له زلّته ويتجاوز عن خطيئته، لأنه ليس ملكاً معصوماً بل هو بشر وقد يصدر عنه أحياناً بعض الأخطاء وقد يخطئ وقد يصيب. فعن أمير المؤمنين عليه السلام قال: "شرّ الناس من لا يعفو عن الهفوة ولا يستر العورة"34, وعنه عليه السلام قال: "شر إخوانك من أحوجك إلى مداراة، وألجأك إلى اعتذار"35.

9- تنفيس كربته: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "من أكرم أخاه المسلم بكلمة يلطفه بها وفرج عنه كربته لم يزل في ظل الله الممدود عليه الرحمة ما كان في ذلك"36.

10- تقديم النّصح:
من الحقوق المتبادلة أيضاً بين الأصدقاء حق إسداء النصيحة. عن الإمام الصادق عليه السلام قال: "عليك بالنصح في خلقه فلن تلقاه (تعالى) بعمل أفضل منه"37. وعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: "لينصح الرجل منكم أخاه كنصيحته لنفسه"38.

11- حفظه في غيبته:
على المسلم أن يحفظ أخاه المسلم في غيبته ويحول دون الإضرار به. فعن الإمام الصادق عليه السلام أنه قال في شأن الإخوة: "كن له ظهراً فإنه لك ظهر، إذا غاب عنك فاحفظه في غيبته، فإذا شهد فزره، وأحله وأكرمه فإنه منك وأنت منه"39.

12- أن تحبّ له ما تحبّه لنفسك:
فقد سأل أحدهم الإمام الصادق عليه السلام أوصني، فقال عليه السلام: "أوصيك بتقوى الله وبر أخيك المسلم، وأحبّ له ما تحبّ لنفسك، واكره له ما تكره لنفسك"40.

* درب الهداية، نشر جمعية المعارف الإسلامية الثقافية.


1- البحار، ج71، ص186.
2- وسائل الشيعة، ج16، ص263.
3- مستدرك الوسائل، ج8،ص 327.
4- وسائل الشيعة، ج12،ص23.
5- غرر الحكم، ص424.
6- بحار الأنوار، ج71،ص 282.
7- بحار الأنوار، ج1،ص155.
8- غرر الحكم، ص429.
9- م.ن، ص 429.
10- م.ن، ص415.
11- وسائل الشيعة، ج12،ص147.
12- غرر الحكم، ص424.
13- م.ن.
14- م.ن، ص416.
15- م.ن، ص418.
16- غرر الحكم، ص434.
17- مصادقة الإخوان، ص 80.
18- بحار الأنوار، ج71، ص196.
19- م. ن، ص191.
20- م. ن، ص198.
21- م. ن، ص197.
22- م.ن، ج 75، ص 229.
23- غرر الحكم، ص 433.
24- م.ن.
25- الكافي، ج2، ص379.
26- وسائل الشيعة، ج12،ص297.
27- الكافي، ج2، ص188.
28- م. ن.
29- مكارم الأخلاق، ص134.
30- الكافي، ج2، ص 194.
31- بحار الأنوار، ج1، ص318.
32- المحجة البيضاء، ج3،ص394.
33- الكافي، ج2،ص200.
34- جامع أحاديث الشيعة، ج16، ص188.
35- غرر الحكم، ص 418.
36- الكافي، ج2، ص206.
37- م.ن، ص164.
38- م.ن، ص208.
39- م.ن، ج2، ص136.
40- الأمالي، ص94.

2013-12-17