يتم التحميل...

ما معنى ولاية الفقيه؟

أبحاث في الولاية

التدبير والسلطة، فوليّ الميّت إضافة إلى كونه أقرب الناس إليه، فهو صاحب التدبير والقرار فيما يخصّه من تجهيز ونحوه، ووالي المدينة هو أقرب الناس في أمور التدبير والسلطة فيها.

عدد الزوار: 106

معنى الولاية

ذكر علماء اللغة أنّ كلمة الولاية بما هي مشتقة من مادّة (و ل ي) تتضمّن معنيين:

الأوّل: القرب، فوليّ الميّت أقرب الناس إليه، وواليَ المدينة أقربهم لشؤون إدارتها.

الثاني: التدبير والسلطة، فوليّ الميّت إضافة إلى كونه أقرب الناس إليه، فهو صاحب التدبير والقرار فيما يخصّه من تجهيز ونحوه، ووالي المدينة هو أقرب الناس في أمور التدبير والسلطة فيها1.

معنى الفقيه

الفِقه في اللغة هو عبارة عن الفهم2، واستعمل في العلوم كاسم خاص بالشريعة، فعلم الفقه هو علم الشريعة. وكان المتوقّع أن يقال لكلّ عالم بالشريعة: فقيه، إلاّ أنّ صفة الفقيه أصبحت مصطلحًا لفئةٍ خاصةٍ من علماء الشريعة، وهم الذين وصلوا إلى مرحلة
علميّة متقدِّمة في فهم الشريعة بحيث يستطيعون أن يستنبطوا ويستخرجوا الأحكام الشرعيّة من مداركها المقرَّرة، التي اعتبرها الفقه الشيعيّ بحسب المشهور أربعة، هي: العقل والكتاب والسُنّة والإجماع، فمن وصل إلى مرحلة القدرة على استنباط الأحكام من هذه المدارك يقال له: فقيه ومجتهد.

معنى ولاية الفقيه

بناءً على ما تقدَّم فإنّ معنى ولاية الفقيه، بشكل عام، هو أنّ الإسلام منح للفقيه نوعًا من التدبير القانونيّ والسلطة الشرعيّة على أمور تتّضح في ما يلي من أمثلة توضيحيّة حول موارد يطلق على علاقة الفقيه بها: "ولاية الفقيه".

نماذج من موارد الولاية

1- إذا وجد طفل أو مجنون، وقد مات كلُّ قريب له يصحّ أن يتولّى أموره وشؤونه، ولم يكن هناك وصيٌّ خاص قد أوصى له والدُه، فمن يكون الأقرب في تدبير شؤون هذا الطفل وذاك المجنون، بحيث يكون صاحب القرار في ماله، وما يتعلّق بتدبير سكنه
ورعايته، وما شاكل؟

من الواضح في الإسلام أنّ المرجعيّة القانونيّة على مستوى النصّ والمادّة هي الشريعة الإسلاميّة، لكن السؤال يقع حول من يقرِّر تلك الأمور في ضوء الشريعة الإسلاميّة؟

يجيب علماء الشيعة: إنّه الفقيه، فهو أقرب الناس لتدبير شؤونه، وصاحب القرار فيها من منطلق فهمه للشريعة، ويعبَّر عن هذه الصلاحيّة التدبيريّة بـ "ولاية الفقيه"، فالفقيه هو صاحب الولاية والتدبير والسلطة الأقرَب لشؤون الطفل والمجنون.

2- إذا أوقف أحد المؤمنين بستانًا مثمرًا في سبيل الله تعالى، ومات الواقف دون أن يحدِّد مديرًا وقائمًا عليه، فمن هو الذي يكون بيده القرار والسلطة في ما يتعلّق بالعناية بالبستان، وكيفيّة صرف إنتاجه، وما شابه ذلك؟

من الواضح أنّ الشريعة هي المرجعيّة القانونيّة، في الإجابة على الأسئلة المتعلّقة بإدارة البستان، إلاّ أنّ الكلام في صاحب القرار في تدبير أمور البستان في ضوء تلك الشريعة، فمن هو؟

يجيب علماء الشيعة: إنّ الأقرب لتحمّل مسؤوليّة هذا التدبير هو الفقيه، فهو صاحب التدبير الذي يُطلَق على منطلق صلاحيّته التدبيريّة: "ولاية الفقيه".

3- إنْ حصل تنازع بين شخصين في قضيّة ماليّة أو فيما يتعلّق بالعلاقة بين زوجين، فمن الواضح أنّ الشريعة هي المادّة القانونيّة والموئل والملجأ لحلّ القضيّة، لكن إنْ لم يُحسم الأمر بالرجوع إلى كلّيات الشريعة، بأن كان الزوج، مثلاً، ظالمًا لزوجته يقوم بضربها، ولا ينفق عليها، وهو يتذرّع بأنّ الشريعة بأحكامها الكلّية جعلت الطلاق بيده، فما هو الحلُّ في هذه القضيّة؟ هل تبقى الأمور كما هي، أو أنّ هناك ملجأ للزوجة لإخراجها من المظلوميّة التي تعاني منها؟

يجيب العلماء: إنّ الأقرب في الإسلام ليكون مرجعًا لهذه القضية هو الأقرب إلى فهم الإسلام وقوانينه، وهو الفقيه الذي يمكن له أن ينهى الزوج عمّا يفعله من إيذاء لزوجته، ويأمره أن يبذل لها ما وجب، ويمهله في ذلك، فإن لم يمتثل لأمره، يأمره بطلاقها، فإن لم يقبل، فإنّ له أن يمارس صلاحيّة خاصة، فيطلِّقها بنفسه من دون الرجوع إلى الزوج، وتسمَّى هذه الصلاحيّة التدبيريّة بـ: "ولاية الفقيه"، فالفقيه هو صاحب الولاية المستقاة من الإسلام في حلّ مثل هذه المنازعات.

4- إن أُعدَّت دراسة موضوعيّة تتعلّق بأزمة المرور، واقتضت توسيع طرقات ضيّقة، لكن عند إرادة تطبيقها تبيّن أنّ بعض أصحاب الأراضي التي يراد تأميمها واستملاكها من قبل البلديّة أو الدولة لا يقبل بيعها لأجل ذلك، فما هو الحلّ؟ هل يقف الأمر عند
هذا الحدّ، وتبقى أزمة السير، أو أنّ الحلّ هو الاستملاك القهريّ من صاحب الأرض؟

من الواضح أنّه لا بدّ أن تراجع الشريعة كمادّة قانونيّة أساسيّة في هذا الموضوع، لكن من هو المخوَّل بإعطاء الإجازة الشرعيّة في ضوء مراجعته للتشريع الإسلاميّ الذي يحرّم، بالأصل، إجبار الإنسان على بيع ما يملك؟

هنا تتّجه أنظار المؤمنين إلى الفقيه، بصفته صاحب صلاحيّة القرار بالاستملاك القهريّ، ويعبَّر عن هذه الصلاحيّة بـ: "ولاية الفقيه".

5- إنْ ظهر لدى أهل البصيرة والوعي أنّ عدوّ المسلمين يخطِّط لاحتلال أرض إسلاميّة، لكنّه في سبيل ذلك دفع أناسًا من اليهود ليشتروا أراضي المسلمين، ليتمّ الاحتلال بشكل تدريجيّ وانسيابيّ.

فكيف نواجه هذا الاحتلال الجديد؟ هل نكتفي بالنصيحة وبثّ الوعي السياسيّ، وهو لا بدّ منه على كلّ حال؟ أو أنّه من المفيد جدًا، بل من الضروريّ أن نلجأ إلى الشريعة لنحصِّل حكمًا تحريميًا في ذلك؟ مع العلم أنّ الأحكام الشرعيّة في الوضع العادي تجيز
البيع لليهود، ولا تحرِّمه.

هنا تتّجه أنظار المؤمنين إلى الفقيه ليدرس القضيّة في ضوء الشريعة الإسلاميّة ومصلحة الأمّة، ليقرِّر مدى صحّة إصدار تحريم بيع الأراضي لليهود في ذلك البلد.

إنّ هذه الصلاحيّة للفقيه يعبَّر عنها بـ: "ولاية الفقيه".

6- إنّ تبيَّن بشكل مؤكّد أنّ العدو يريد أن يستعمر بلدًا إسلاميًّا بواسطة اقتصاديّة، عبر خطة تتعلّق بتجارة التبغ التي يؤدّي التعامل فيها مع الآخرين إلى ارتهان البلد للعدوّ، وكانت المصلحة تقتضي أن يمتنع الناس عن بيع التبغ، وشرائه، لإبطال خطّة العدوّ،
ألا تتوجَّه الأنظار إلى الفقيه ليصدر حكمًا يحرِّم فيه استعمال التبغ حتى لو كان حلالاً من الأصل.

إنّ هذا الحكم الذي يصدر من الفقيه باعتبار أنّ له صلاحية تدبيريّة يطلق عليها: "ولاية الفقيه".

7- إذا دخلت قوّات العدو بلدًا إسلاميًّا، فالدفاع عن البلد، وإن كان لا يُشَكُّ في مشروعيته، إلّا أن هناك تفاصيل ومستجدات قد تحصل أثناء مقاومة الاحتلال، فمن يجيب عليها من الناحية الشرعية؟

إنّ أنظار المؤمنين تتّجه إلى الفقيه باعتباره صاحب التدبير في ذلك، ويطلق على هذه الصلاحيّة: "ولاية الفقيه".

8- إن حصلت حربٌ في بلد ما، وقضت على النظام الحاكم فيها، وأصبحت البلد مجرَّدة عن تنظيم أمورها، فمن يكون صاحب القرار في تنظيمها؟

من الواضح في الإسلام أنّ المادّة القانونيّة التي يجب أن تكون مرجعًا في ذلك هي الشريعة الإسلاميّة، لكن الكلام في صاحب التدبير والسلطة والقرار في ضوء تعاليم تلك الشريعة، هنا تتّجه أنظار المؤمنين إلى الفقيه، لكونه العارف بأحكام الإسلام، والأقرب
إلى صحّة تطبيقها بما يجعله صاحب صلاحيّة في ذلك يطلق عليها: "ولاية الفقيه".

9- إذا ابتلى مجتمع إسلاميّ بنظام ظالم يضطهد الناس، ويهتك كراماتهم ويسلبهم حقوقهم، ألا تتوجَّه الأنظار إلى الفقيه بصفته صاحب الصلاحيّة الشرعيّة لتوجيه المؤمنين فيما فيه صلاحهم؟ إنّ هذه الصلاحيّة تسمّى بـ: "ولاية الفقيه".

10- من له الحقّ في فتح جبهة عسكريّة ضدّ بلدٍ ما، على فرض القول به، مع ما يستلزم ذلك من تضحيات ودماء؟ ألا تتوجّه أنظار المؤمنين إلى الفقيه باعتباره الوحيد الذي قد يكون مخوَّلاً بذلك؟ إنَّ هذه الصلاحيّة تسمّى بـ "ولاية الفقيه".

ملاحظات حول الموارد العشرة

تمحورت الموارد السابقة حول عناوين عشرة، هي:
1- الولاية على اليتيم والمجنون.
2- الولاية على الوقف.
3- الولاية في القضاء.
4- الولاية في تأميم الأراضي.
5- الولاية في منع بيع الأراضي.
6- الولاية في منع التجارة بالتبغ.
7- الولاية في أمور الجهاد الدفاعيّ.
8- الولاية في تنظيم المجتمع.
9- الولاية في مواجهة الحاكم الظالم.
10- الولاية في الجهاد الهجوميّ.


ولتوضيح معنى الولاية أكثر نذكر الملاحظات الآتية:

1- لا تنحصر ولاية الفقيه بما مرَّ من موارد، بل لها موارد أخرى كموارد الولاية في إجراء القصاص، وإقامة الحدود.

2- نلاحظ عند التأمّل في كلّ الموارد السابقة أنّ الفقيه لا يقتصر فيها على النظر الاجتهاديّ فقط، كما هو الحال فيما إذا أراد أن يصل إلى نتيجة الشكّ بين الركعتين الثالثة والرابعة في الصلاة، إذ يكفي له أن ينظر في الأدلّة الشرعيّة، ويعطي الحكم من دون
أن ينظر إلى التطبيق الخارجيّ، فلا يكون للخارج تأثيرٌ في حكمه.

إنّ حال الموارد العشرة ليس كذلك، لأنّ الواقع الخارجيّ في كلٍّ منها دخيل في حكم الفقيه الذي يصدره ابتداءً من ملاحظة حال اليتيم والوقف، إلى التدقيق في إفادة المتنازعين، وصولاً إلى تشخيص مصلحة المجتمع في القضايا العامّة التي سيحكم في ضوئها.
إذًا ولاية الفقيه فيها مزج بين الأدلّة الشرعيّة التي يستنبط منها الأحكام الكليّة العامّة، وبين الواقع الخارجيّ الذي لا بدّ من ملاحظته ليحكم على ضوء المزج بين الأدلّة والواقع.

والخلاصة: إنّ ولاية الفقيه هي ولاية الفقه والقانون الإسلاميّ بحسب ما يشخِّصه المجتهد في ضوء دراسته للمصلحة الخارجيّة.

3- يُلاحَظ عند التأمّل في هذه الموارد أنّ بعضها له علاقة وثيقة بإقامة دولة إسلاميّة، كالمورد الثامن المتعلّق بتنظيم المجتمع، والمورد التاسع المتعلّق بالجهاد الهجوميّ، وكذلك المورد الرابع، وهو الولاية في تأميم الأراضي، بينما يوجد موارد أخرى يمكن حصولها بالشكل الطبيعيّ دون حاجة لدولة إسلاميّة كالموارد الثلاثة الأولى (الولاية على اليتيم، والمجنون، والوقف، وفي القضاء).

وكذلك فإنّ الموارد الثلاثة المتبقّية (منع بيع الأراضي، منع التجارة بالتبغ، الجهاد الدفاعيّ) لا تتوقف على وجود دولة إسلاميّة.

وهذه الملاحظة توضِّح أنّ ولاية الفقيه لا تنحصر فقط في مورد إقامة الدولة الإسلاميّة، وإن كان فعّاليتها تقوى كثيرًا في ظلّ هذه الدولة، بل إنّ وجود دولة إسلاميّة قد يجعل الموارد السابقة لا سيّما التسعة الأوائل من الابتلاءات التي تقتضي تفعيل ولاية الفقيه
فيها.

4- لا أحد من فقهاء الشيعة يُنكر ولاية الفقيه في جميع الموارد السابقة، بل هم متّفقون بشكل صريح على جريانها في بعض ما مرَّ منها كالولاية على اليتيم والمجنون وفي القضاء، في حين لم يُبدِ العديد من الفقهاء رأيًا صريحًا بالموارد التي تتعلّق بالولاية في أمور المجتمع العامّ كالموارد الأخيرة، وقد نتج عن ذلك حدوث مصطلحين في ولاية الفقيه هما:

الولاية الخاصّة، وهي الثابتة في موارد الاتفاق التي أشرنا إليها.
الولاية العامّة،
وهي الثابتة في الموارد الاجتماعيّة العامّة، فضلاً عن الخاصّة.

* يسألونك عن الولي، سماحة الشيخ أكرم بركات.


1- أنظر: بركات، أكرم، يسألونك عن الأئمة عليهم السلام، ط1، بيروت، بيت السراج، 2013م، ص 47.
2- الفيوميّ، أحمد، المصباح المنير، ط1، قم، دار الهجرة، 1405هـ، ص 479.
2013-10-28