هل القول بولاية الفقيه حديث أو قديم؟
أبحاث في الولاية
قد يظنّ غير المطّلع أنّ القول بولاية الفقيه في مذهب التشيّع، وعند علماء الشيعة قد نتج بسبب التطوّرات الحاصلة عندهم. وهذا الأمر يبدو غريبًا في ظلّ الأدلّة العقليّة الواضحة على ولاية الفقيه.
عدد الزوار: 148
قد يظنّ غير المطّلع أنّ القول بولاية الفقيه في مذهب التشيّع، وعند علماء الشيعة
قد نتج بسبب التطوّرات الحاصلة عندهم. وهذا الأمر يبدو غريبًا في ظلّ الأدلّة
العقليّة الواضحة على ولاية الفقيه.
أيعقل أنّ مطلبًا بهذا الوضوح العقليّ الذي وصل إلى درجة البداهة الخاصّة، كما
تقدّم، لم يلتفت إليه المتقدّمون من علماء الشيعة، بل قد يعمِّم البعض ذلك على عدّة
معاصرين منهم؟!
هل إنّ تاريخ الشيعة - الذي يملؤه الاضطهاد، والذي عاش في حقبات زمانيّة ماضية أزمة
وجود لدرجة أدّت إلى فرار كبير علماء الشيعة الشيخ الطوسي ملتجئًا إلى النجف الأشرف
محترزًا على أمنه الشخصيّ- هو الذي أدّى إلى عدم بروز ولاية الفقيه في
نصوص العلماء السابقين؟
الجواب: قد يكون للوضع الاجتماعيّ الضاغط على الشيعة أثرٌ في عدم انتشار هذه
الأطروحة بينهم، لا سيّما أنّ طرحها العام يعني أنّ السلطة القائمة هي غير شرعيّة،
لأنّ شرعيّة السلطة تنحصر بولاية الفقيه. ولا يخفى ما لهذا الأمر من أثرٍ على عدم
إظهار
أطروحة الولاية العامّة للفقيه العادل، بل إنّ تلك الظروف قد جعلت طرح ولاية الفقيه
خارجًا عن محل الابتلاء عند الشيعة وعلمائهم في بعض حقبهم الزمنيّة.
أذكر أنّ أستاذنا السيد كاظم الحائريّ قال ذات مرّة في درسه: "تصوّروا لو أنّ أحدهم
أقام درسًا في هذا الوقت حول كيفيّة تعامل الإسلام مع الإماء والعبيد، فمن يتحمّس
ليحضر ذلك الدرس؟! من الواضح أنّه لن يجد طلابًا متحمّسين له، لكونه خارجًا عن
محل الابتلاء في المجتمع". ثمّ عقّب قائلاً: "إنّ ولاية الفقيه مرّت في أزمنة كانت
بالنسبة إلى الابتلاء بها مثل مسألة التعامل مع الإماء والعبيد في هذا الوقت".
رغم كلّ ما مضى، فإنّ الكثير من علماء الشيعة سطّروا بأقلامهم القول بولاية الفقيه
في دوائر اجتماعيّة واسعة نلاحظها في الأقوال الآتية:
الشيخ المفيد (ت 413 هـ)
قال في "المقنعة": "فأمّا إقامة الحدود، فهي إلى سلطان الإسلام المنصوب من قبل الله
تعالى، وهم أئمّة الهدى من آل محمّد صلى الله عليه وآله وسلم، ومن نصبوه لذلك من
الأمراء والحكام، وقد فوّضوا النظر فيه إلى فقهاء شيعتهم مع الإمكان..."1. "ومن
تأمّر
على الناس من أهل الحقّ بتمكين ظالم له، وكان أميرًا من قبله في ظاهر الحال، فإنّما
هو أمير في الحقيقة من قبل صاحب الأمر الذي سوّغه ذلك، وأَذِن له فيه دون المتغلِّب
من أصل الضلال،...ومن لم يصلح للولاية على الناس بجهلٍ بالأحكام، أو عجزٍ عن
القيام بما يُسند إليه من أمور الناس، فلا يحلّ له التعرّض لذلك والتكلّف له..."2. وقال أيضًا في كتاب "الوصيّة" بعد التعرّض للوصيّ إذا مات دون أن يشترط الموصي له
حقّ الإيصاء: "وإذا عُدِم السلطان العادل فيما ذكرناه من هذه الأبواب كان لفقهاء
أهل
الحقّ العدول من ذوي الرأي والعقل والفضل أن يتولّوا ما تولاه السلطان.."3.
أبو الصلاح الحلبيّ (ت 447 هـ)
قال في "الكافي" بعد تعداده شروط النائب عن الإمام عليه السلام في الحكم: "فمتى
تكاملت هذه الشروط، فقد أذن له في تقلّد الحكم، وإن كان مقلِّده ظالمًا متغلّبًا،
وعليه متى عرض لذلك أن يتولاّه، لكون هذه الولاية أمرًا بمعروف ونهيًا عن منكر
تعيّن
فرضها بالتعريض للولاية عليه، وإن كان في الظاهر من قبل المتغلّب، فهو نائب عن وليّ
الأمر عليه السلام في الحكم ومأهول له لثبوت الإذن منه وآبائهم عليهم السلام لمن
كان بصفته في ذلك، ولا يحلّ له القعود عنه. وإن لم يقلِّد مَنْ هذه حالُه النظرَ
بين
الناس، فهو في الحقيقة مأهول لذلك بإذن ولاة الأمر. وإخوانه في الدين مأمورون
بالتحاكم وحمل حقوق الأموال إليه، والتمكين من أنفسهم لحدٍّ أو تأديبٍ تعيّن عليهم،
لا يحلّ لهم الرغبة عنه، ولا الخروج عن حكمه...، فمن رغب عنه، ولم يقبل حكمه من
الفريقين، فعن دين الله رغب، ولحكمه سبحانه ردّ، ولرسول الله صلى الله عليه وآله
وسلم خالف، ولحكم الجاهليّة ابتغى، وإلى الطاغوت تحاكم"4.
الشيخ الطوسيّ ( ت 460 هـ)
قال في "الخلاف": "الحاكم منصوب لاستيفاء الحقوق، وحفظها وترك تضييعها"5.
الشيخ ابن ادريس الحليّ (ت 598هـ)
عقَّب على ما مرّ من الكلام الأخير للشيخ المفيد في "المقنعة": "... والذي يقتضيه
المذهب أنّه إذا لم يكن سلطان يتولّى ذلك، فالأمر فيه إلى فقهاء شيعته عليه السلام،
من ذوي الرأي والصلاح، فإنّهم عليهم السلام قد ولّوهم هذه الأمور، فلا يجوز لمن ليس
بفقيه تولّي ذلك بحال، فإن تولاّه، فإنّه لا يمضي شيءٌ ممّا يفعله، لأنّه ليس له
ذلك بحال، فأمّا إن تولاّه الفقيه، فما يفعله صحيح جايزٌ ماضٍ"6. وقال من موضع آخر
من "السرائر": "وللناظر في أمور المسلمين ولحكّامهم أن يوكِّل على سفهائهم،
وأيتامهم،
ونواقصي عقولهم من يطالب بحقوقهم، ويحتجّ عنهم، ولهم"7.
المحقّق الحلّي (ت 676هـ)
قال في "شرائع الإسلام" في حديثه عمّن وجد البعير في كلأ وماء، ولم يجد صاحبه:
"...سلّمه إلى الحاكم، لأنّه منصوب للمصالح"8.
العلامة الحلّي ( ت 726هـ)
قال في "تذكرة الفقهاء" عن زكاة الفطرة: "...لكن يستحب صرفها إلى الإمام عليه
السلام أو نائبه، لأنّه أعرف بمواقعها، فإن تعذّر صُرف إلى الفقيه المأمون من فقهاء
الإماميّة، لأنّهم أبصر بمواقعها، ولأنّهم نواب الإمام"9. وقال : "...المراد
بالسلطان هنا الإمام
العادل أو من يأذن له الإمام"10.
وفي "مختلف الشيعة" تعرّض إلى مقبولة عمر بن حنظلة، وقال: "وغير ذلك من الأحاديث
الدالّة على تسويغ الحكم للفقهاء، وهو عام في إقامة الحدود وغيرها"11.
وفي الكتاب نفسه ذكر عبارة الشيخ المفيد التي تقدّمت في كتاب الوصية، وقال عقبها:
"...وتبعه أبو الصلاح، وابن ادريس، وهو المعتمَد".
وقال في "منتهى الطلب": "... وقد ثبت أنّ للفقهاء الحكم بين الناس، فكذا لهم إقامة
الحدود، ولأنّ تعطيل الحدود حال غيبة الإمام مع التمكّن من استيفائها يقتضي إلى
الفساد، فكان سايغًا، وهو قويّ عندي"12.
وقال في "نهاية الأحكام" بعد ذكر أنّ الأفضل دفع الزكاة للإمام عليه السلام:
"...ولو تعذّر الإمام عليه السلام، فالأولى صرفها إلى الفقيه المأمون، وكذا حال
الغيبة، لأنّه أعرف بمواقعها، ولأنّه نائب الإمام عليه السلام، فكان له ولاية ما
يتولاّه"13.
الشهيد الأوّل (ت 876 هـ)
قال في "القواعد والفوائد": " وذلك لأنّ الاجتماع من ضروريّات المكلّفين، وهو مظنّة
النزاع، فلا بدّ من حاسم لذلك، وهو الشريعة، ولا بدّ لها من سائس، وهو الإمام
ونوابه"14. وقال في "الدروس الشرعيّة": "والحدود والتعزيرات إلى الإمام عليه السلام
ونائبه،
ولو عمومًا، فيجوز حال الغيبة للفقيه الموصوف بما يأتي في القضاء إقامتها مع
المكنة"15.
المحقّق الكركيّ (ت 940هـ)
قال في رسالته التي ألّفها في صلاة الجمعة: "اتفاق أصحابنا رضوان الله تعالى عليهم
على أنّ الفقيه العادل الإماميّ الجامع لشرائط الفتوى المعبّر عنه بالمجتهد في
الأحكام الشرعيّة نائب من قبل أئمّة الهدى عليه السلام في حال الغيبة، في جميع ما
للنيابة فيه
مدخل..."16. وقال في الرسالة نفسها: "... فإنّ الفقيه المأمون منصوب من قبل الإمام
عليه السلام، ولهذا تمضي أحكامه، وتجب مساعدته على إقامة الحدود"17.
الشهيد الثاني (ت 965هـ)
قال في "مسالك الأفهام": "...المراد بالفقيه حيث يطلق على وجه الولاية: الجامع
لشرائط الفتوى...،فإنّه منصوب للمصالح العامّة"18. وقال في الكتاب نفسه:
"...والمراد به السلطان العادل، أو نائبه الخاصّ أو العام مع تعذّر الأوّلين، وهو
الفقيه الجامع
لشرائط الفتوى، العدل، وإنّما كان حاكمًا عامًّا، لأنّه منصوب من قبل الإمام عليه
السلام، لا بخصوص ذلك الشخص، بل لعموم قولهم عليه السلام: انظروا إلى من كان منكم
قد روى حديثنا..."19.
وقال في الكتاب نفسه أيضًا: "...هذا كلّه إذا لم يقبضه الحاكم الشرعيّ أو منصوبه،
وإلاّ فالأقوى الاكتفاء به إذا وقع بإذن الواقف، لأنّه نائب المسلمين، وهذا في
الحقيقة وقف عليهم، وإن اختصّ بجهة المسجد والمقبرة، ولأنّه والي المصالح
العامّة..."20.وقال في "روض الجنان": "...لأنّ الفقيه الشرعيّ منصوب من قبل الإمام عليه السلام
عمومًا، لقول الصادق عليه السلام في مقبولة عمر بن حنظلة: "(فإنّي قد جعلته عليكم
حاكمًا)21، وحكمهم عليه السلام على الواحد حكم على الجماعة، ومن ثمّ تمضي
أحكامه، ويجب مساعدته على إقامة الحدود"22.
المقدّس الأردبيليّ (ت 993هـ)
قال في "مجمع الفائدة والبرهان": "لعلّ دليل ولاية الحاكم على من لا وليّ له أنّه
لا بدّ من وليّ، وليس أحد أحقّ منه، ولا يساويه، للعلم والتقوى، وفي غيره مفقود،
ولأنّ العلماء ورثة الأنبياء، ولا شكّ أنّ ذلك لهم، ولأنّه لوليّ الأصل، وهو الإمام
عليه السلام،
وكأنّه لا خلاف في الحكم، الله يعلم، ونقل عليه الإجماع في شرح الشرائع"23.
التستريّ (ت 1019هـ)
قال في "إحقاق الحقّ": "...ويعتقد الاثنا عشريّة أنّ المجتهد الجامع للشرائط هو
نائب للإمام عليه السلام في حال غيبته، وهو الحاكم والرئيس المطلق، له ما للإمام
عليه السلام من الفصل في القضايا والحكومة بين الناس، والرادّ عليه رادّ على الإمام
عليه
السلام، والرادّ على الإمام رادّ على الله تعالى، وهو على حدّ الشرك بالله، كما روي
عن الصادق عليه السلام. وهذه المنزلة أو الرئاسة العامّة أعطاها الإمام عليه السلام
للمجتهد، ليكون نائبًا عنه في حال الغيبة، ولذلك يسمى نائب الإمام"24.
الفيض الكاشانيّ (ت 1091هـ)
قال في "مفاتيح الشرائع": "...وبالجملة، فوجوب الأمر بالمعروف والنهيّ عن المنكر،
والتعاون على البرّ والتقوى، والحكم بين الناس بالحقّ، وإقامة الحدود والتعزيرات،
وسائر السياسات الدينيّة من ضروريّات الدين، وهي القطب الأعظم في الدين، والمهمّ
الذي
بعث الله له النبيّين، ولو تركت لعطِّلت النبوّة، واضمحلّت الديانة وعمّت الفترة،
وفشت الضلالة، وشاعت الجهالة، وخرب البلاد، وهلك العباد... فإنّ للفقهاء المأمونين
إقامتها في الغيبة بحق النيابة"25.
الشيخ جعفر كاشف الغطاء (ت 1228 هـ)
قال في "كشف الغطاء" في معرض حديثه عن الأراضي المفتوحة: "...كان أمرها إليه (خليفة
النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم ) أو إلى نائبه الخاصّ... وإن لم يكن يد الخليفة
مبسوطة قام النائب العام من العلماء الأعلام مقامه، فلا يجوز لأحد أن يتصرّف إلاّ
بإذنه مع قيامه بذلك، وتيسّر الرجوع إليه..."26.
السيد علي الطباطبائيّ (ت 1231هـ)
قال في كتاب "رياض المسائل" في معرض حديثه عن اللقيط:"... فيكون أمره إلى الحاكم
كالبالغ من باب الولاية العامة، كحفظ المجانين، وأموال الغُيَّاب، وسائر المصالح
العامة..."27.
المحقّق النراقي (ت 1245هـ)
قال في "عوائد الأيام": "كلّما كان للنبيّ صلى الله عليه وآله وسلم والإمام عليه
السلام والذين هم سلاطين الأنام، وحصون الإسلام فيه الولاية، وكان لهم، فللفقيه
أيضًا ذلك، إلاّ ما أخرجه الدليل من إجماع أو نصٍّ أو غيرهما"28.
وقال في "مستند الشيعة": "القضاء واجب على أهله بحقّ النيابة في زمان الغيبة في
الجملة بإجماع الأمّة، بل الضرورة الدينيّة، لتوقف نظام النوع الإنسان عليه...فلا
بدّ من حاكم بينهم ينتصف من الظالم للمظلوم، ويردعه عن ظلمه، ولما يترتب عليه من
الأمر
بالمعروف والنهي عن المنكر، وللأمر به في الكتاب والسنة، قال الله سبحانه:
﴿يَا
دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ﴾
29، وقال تعالى:
﴿إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ
بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللّهُ﴾30..."31.
الشيخ حسن النجفيّ (ت 1266هـ)
قال في "الجواهر": "...بل لولا عموم الولاية لبقي كثير من الأمور المتعلّقة بشيعتهم
معطّلة، فمن الغريب وسوسة بعض الناس في ذلك، بل كأنّه ما ذاق من طعم الفقه شيئًا،
ولا فهم من لحن قولهم ورموزهم أمرًا، ولا تأمّل المراد من قولهم: (إنّي قد جعلته
عليكم
حاكمًا)32، وقاضيًا وحجة وخليفة ونحو ذلك ممّا يظهر منه إرادة نظم زمان الغيبة
لشيعتهم... وبالجملة فالمسألة من الواضحات التي لا تحتاج إلى أدلّة"33.
الشيخ مرتضى الأنصاريّ (ت 1281هـ)
قال في "القضاء والشهادات": "ثمّ إنّ الظاهر من الروايات المتقدّمة نفوذ حكم الفقيه
في جميع الأحكام الشرعيّة، وفي موضوعاتها الخاصّة بالنسبة إلى ترتّب الأحكام عليها،
لأنّ المتبادر عرفًا من لفظ "الحاكم" هو المتسلّط على الإطلاق، فهو نظير قول
السلطان
لأهل بلدة: جعلت فلانًا حاكمًا عليكم، حيث يفهم منه تسلّطه على الرعيّة في جميع ما
له دخل في أوامر السلطان جزئيًا أو كلّيًا. ويؤيّده: العدول عن لفظ "الحَكَم" إلى
"الحاكم"، مع أنّ الأنسب بالسياق- حيث قال: "فارضوا به حاكماً" - أن يقول: "فإنّي
قد جعلته عليكم حَكَمًا... وإن شئت تقريب الاستدلال بالتوقيع وبالمقبولة بوجه أوضح،
فنقول: لا نزاع في نفوذ حكم الحاكم في الموضوعات الخاصة إذا كانت محلاً للتخاصم،
فحينئذٍ نقول: إنّ تعليل الإمام عليه السلام وجوب الرضى بحكومته في الخصومات
بجعله حاكمًا على الإطلاق وحجًة كذلك، يدلّ على أنّ حكمه في الخصومات والوقائع من
فروع حكومته المطلقة، وحجيّته العامّة، فلا يختصّ بصورة التخاصم"34.
الميراز النائينيّ (ت 1315هـ)
قال في "تنبيه الأمّة وتنزيه الملة": "وطبقًا لأصول مذهبنا حيث نعتقد أنّ أمور
الأمّة وسياستها منوطة بالنواب العامّين لعصر الغيبة"35. وقال في الكتاب نفسه: "من
جملة الثوابت الموجودة في مذهبنا - نحن الإماميّة - في عصر الغيبة (على مغيّبه
السلام)
هناك ولايات تسمّى بالوظائف الحسبيّة لا يرضى الشارع المقدّس بإهمالها، حيث نعتقد
أنّ نيابة فقهاء عصر الغيبة قدر متيقّن فيها، وثابت بالضرورة حتى مع عدم ثبوت
النيابة العامّة لهم في جميع المناصب، إذ أنّ الشارع المقدّس لا يرضى باختلال
النظام،
وذهاب بيضة الإسلام، ومن جهة أخرى نجد اهتمام الشارع بحفظ البلدان الإسلاميّة
وتنظيمها أكثر من اهتمامه بسائر الأمور الحسبيّة، ومن هنا يثبت لدينا، بما لا شكّ
فيه، نيابة الفقهاء والنواب العموميين في عصر الغيبة في ما يتعلّق بإقامة الوظائف
المذكورة"36.
الآغا محمد رضا الهمدانيّ (1322هـ)
قال في "مصباح الفقيه": "ولكن الذي يظهر بالتدبّر في التوقيع المرويّ عن إمام العصر
عجَّل الله تعالى فرجه الذي هو عمدة دليل النصب إنّما هو إقامة الفقيه المتمسِّك
برواياتهم مقامه بإرجاع عوامّ الشيعة إليه في كلّ ما يكون الإمام عليه السلام
مرجعًا فيه، كي
لا يبقى شيعته متحيّرين في أزمنة الغيبة"37.
الشيخ محمد رضا المظفّر (ت 1383هـ)
قال في "عقائد الإماميّة": "وعقيدتنا في المجتهد الجامع للشرائط أنّه نائب للإمام
عليه السلام في حال الغيبة، وهو الحاكم والرئيس المطلق...بل له الولاية العامة،
فيرجع إليه في الحكم والفصل والقضاء... كما لا تجوز إقامة الحدود والتعزيرات إلاّ
بأمره
وحكمه"38.
السيد حسين بروجردي (ت 1383هـ)
قال : "لا يبقى شكّ لمن تتبّع قوانين الإسلام وضوابطه في أنّه دين سياسيّ اجتماعيّ،
وليست أحكامه مقصورة على العبادات المحضة... ولأجل ذلك اتفق الخاصّة والعامّة على
أنّه يلزم في محيط الإسلام وجود سائس وزعيم يدبّر أمور المسلمين، بل هو من
ضروريات الإسلام"39. وقال في مجلس بحثه الفقهي: "وإذا ثبت بهذا البيان النصب من
قبلهم، وأنّهم لم يهملوا هذه الأمور المهمّة التي لا يرضى الشارع بإهمالها، ولا
سيّما مع إحاطتهم بحوائج شيعتهم في عصر الغيبة، فلا محالة يتعيّن الفقيه لذلك، إذ
لم يقل
أحد بنصب غيره، فالأمر يدور بين عدم النصب، وبين نصب الفقيه العادل، وإذا ثبت بطلان
الأوّل بما ذكرناه، صار نصب الفقيه مقطوعًا به، وتصير مقبولة ابن حنظلة أيضًا من
الشواهد"40.
السيد محمد حسين الطباطبائيّ (ت 1402هـ)
قال في "الميزان": "وكون ولاية أمر الأمّة ممّا لا غنى للدين عنه ظاهرٌ لا سترَ
عليه، وكيف يسوغ لمتوهّم أن يتوهّم أنّ الدين الذي يقرّر بسعته لعامّة البشر في
عامّة الأعصار والأقطار جميع ما يتعلّق بالمعارف الأصليّة، والأصول الخلقيّة،
والأحكام الفرعيّة العامّة
لجميع حركات الإنسان وسكناته، فرادى ومجتمعين على خلاف جميع القوانين العامّة لا
يحتاج إلى حافظ يحفظه حقّ الحفظ؟ أو أنّ الأمّة الإسلاميّة والمجتمع الدينيّ مستثنى
من بين جميع المجتمعات الإنسانيّة مستغنية عن والٍ يتولّى أمرها ومديرٍ يدبّرها
ومجرٍ
يُجريها؟!41
الشيخ بهجت (1430هـ)
قال في جوابه عن سؤال وجّه إليه حول ولاية الفقيه: "لا يمكن فرض أكثر من ثلاث صور
للمسألة في هذه الحالة:
1- تعطيل كتاب الله، وتعطيل أحكام الدين وقوانينه.
2- أن تبقى الأمور المذكورة "كتاب الله والأحكام و.. على حالها، يعني أن تكون هي
الوسيلة للإبقاء على نفسها بنفسها.
3- أن تحتاج إلى رئيس وحاكم ومبيّن، وهو الوليّ للأمر والمجتهد الجامع للشرائط.
إنّ الفرض الأوّل باطل عقلاً ونقلاً، وذلك لأنّ الدين الإسلاميّ المبين هو خاتم
الأديان، ولا بدّ أن يبقى هاديًا للأمّة ودستورًا لها، حتى يُختم نسل البشريّة.
والفرض الثاني باطل أيضًا، لأنّ القانون لا يمكن أن يطبِّق نفسه بنفسه، بل يحتاج
إلى شخص أو أشخاص يحفظونه ويقومون بتطبيقه.
فلا يبقى لنا إلاّ القول بالفرض الثالث، فنقول: لا بدّ للمجتمع الإسلاميّ من وليّ
للأمر يتولّى إدارة جميع شؤونه وأبعاده.
وإنّ من الواضح، ومن ناحية أخرى، أنّ المجتمع يحتاج إلى تشكيلات متعدّدة، منها:
الجيش، التربية والتعليم، المحاكم و...، لذا يجب أن تكون يد الوليّ الفقيه مبسوطةً
في جميع الشؤون المادّية والمعنويّة.
وفي النتيجة، لا بدّ أن يكون للوليّ الفقيه كلّ ما للإمام المعصوم باستثناء
الإمامة، وما هو مختصّ بالإمام المعصوم، حتى يستطيع أن يطبّق الإسلام في المجتمع،
وإلاّ في حال عدم وجود تشكيلة الحكومة، فإنّ الأعداء سوف لن يسمحوا بتطبيق الأحكام
والقوانين
الإسلاميّة42.
الميرزا جواد التبريزيّ
قال جواباً على استفتاء: "الأمور الحسبية بنطاقها الواسع... ومنها، بل أهمّها:
إدارة نظام البلاد"43.
السيد علي السيستانيّ
قال جوابًا على سؤال حول ولاية الفقيه: "الولاية على قسمين:
1- الولاية العامة بمعنى كون الوليّ أولى بكلّ مؤمن من نفسه، وهذا ثابت للإمام
المعصوم فقط.
2- الولاية في الأمور العامة التي يتوقّف عليها حفظ النظام الاجتماعيّ سواء كانت
اقتصاديّة أم سياسيّة أم تنفيذيّة، فهذه تثبت للفقيه العادل إذا توفر فيه شرطان:
أ- أن يكون متصدّيًا لإدارة الأمور العامة، فلا تثبت هذه الولاية للفقيه غير
المتصدّي مع وجود الفقيه المتصدّي.
ب- أن يكون منتخبًا من قبل الفقهاء المعروفين، أو من قِبَل الجمهور العامّ، أو يكون
مقبولاً لدى عامّة الناس، وإن لم يحصل انتخاب له بالفعل"44.
وقال إجابةً عن سؤال هو: ما حدود حاكميّة الحاكم وموارد نفوذها في حقّ مقلّدي
الغير؟: "تنفذ أوامر من تثبت له الولاية من الفقهاء على الجميع في الأمور الحسبية،
بل وفي الأمور العامة التي يتوقف عليها نظام المجتمع الإسلاميّ"45.
وقال إجابةً على سؤال: "ولاية الفقيه فيمن تثبت له مواردها لا تتحدّد ببقعة
جغرافيّة"46.
السيد كاظم الحائريّ
قال في "الإمامة وقيادة المجتمع": "إنّ فكرة الإمامة بما تشتمل عليها من قيادة
المجتمع، ولما لها من الامتداد في خطّ الولاية لهي فكرة حسّية حركية واسعة النطاق،
عميقة الغور، وهي تشكّل من ناحية، مبدءًا عقائديًا مذهبيًّا للشيعة"47.
الشيخ جوادي الآملي
إنّ ما تقدّم من أقوال يوضِّح لنا ما قاله الشيخ جواد الآملي في كتاب ولاية الفقيه
ولاية الفقاهة والعدالة: "لا يوجد عندنا فقيه لا يقبل الولاية للفقيه بشكل مطلق،
وإنّ الفقهاء الذين يقولون: لا ولاية للفقيه، فإنّ مقصودهم من ذلك: لا ولاية له
ابتداءً، أي
ليس له هذه السمة، ولم تُجعل له لكي يقدم على تشكيل الحكومة، إلاّ أنّ نفس هؤلاء
الفقهاء يقبلون الولاية للفقيه من باب الحسبة. فإذا كان هناك أمّة مستعدّة لإجراء
القوانين والأوامر الإلهيّة وكانت الأرضية مناسبة، فإنَّ الحكومة الإسلاميّة في مثل
هذا
الفرض تكون من المصالح المهمّة الإلهيّة المطروحة أرضًا، والمطلوبة من قبل الشارع،
ففي مثل هذا الفرض لم يقل أحد بعدم مسؤوليّة الفقيه، وبعدم لزوم إجراء الأحكام
الإلهيّة مع وجود الشرائط المساعدة، حتى عند أنزل مراتب التفكر المخالف لولاية
الفقيه من
بين العلماء والفقهاء، فإنّهم يعتبرون الولاية لازمة في الشرائط المذكورة من باب
الحسبة، ولا يقولون أصلاً بتعطيل الأحكام، أو بأنّ الناس مخيّرون يفعلون ما يشاؤون،
أو أنّ بالإمكان إجراء القوانين الشرقيّة أو الغربيّة المخالفة للشرع بدلاً عن
أحكام
الإسلام"48.
* يسألونك عن الولي، سماحة الشيخ أكرم بركات.
1- المفيد، محمّد، المقنعة، ط2، تحقيق ونشر مؤسسة النشر الإسلاميّ، قم، 1410هـ، ص
810.
2- المصدر السابق، ص 812.
3- المصدر السابق، ص 676.
4- الحلبيّ، أبو الصلاح، الكافي في الفقه، تحقيق رضا أستادي، أصفهان، مكتبة الإمام
أمير المؤمنين علي، (لا، ت)، ص 423 – 424.
5- الطوسي، محمد، الخلاف، تحقيق علي الخراساني وجواد الشهرستاني ومحمد مهدي نجف،
ط1، قم، مؤسسة النشر الإسلامي، 1417هـ، ج6، ص 236.
6- ابن ادريس، الحليّ، السرائر، ط2، قم، مؤسسة النشر الإسلامي، 1410هـ، ج 3، ص 194.
7- المصدر السابق، ج2، ص 90.
8- الحلي، جعفر، شرائع الإسلام، ط2، طهران، انتشارات استقلال، 1409هـ، ج4، ص 804.
9- الحلي، حسن، تذكرة الفقهاء، (لا، ط)، (لا،م)، منشورات المكتبة المرتضوية، (لا،
ت)، ج1، ص 251.
10- المصدر السابق، ص ج2، ص 592.
11- الحليّ، حسن، مختلف الشيعة، تحقيق ونشر مؤسسة النشر الإسلامي، ط1، 413هـ، ج4، ص
464.
12- الحليّ، حسن، منتهى الطلب، (لا، ط)، (لا،م)، (لا، ت)، ج2، ص 995.
13- الحلي، حسن، نهاية الإحكام، تحقيق مهدي الرجائي، ط2، قم، مؤسسة اسماعيليان،
1410هـ، ج2، ص 417.
14- الشهيد الأول، محمد بن مكي، القواعد والفوائد، (لا، ط)، قم، منشورات مكتبة
المفيد، ج1، ص 38.
15- الشهيد الأول، محمد بن مكي، الدروس، تحقيق ونشر مؤسسة النشر الإسلامي، ط1، قم،
1414هـ، ج 2، ص 47.
16- الكركي، علي، رسائل الكركي، تحقيق محمد الحسون، ط1، قم، مكتبة آية الله العظمى
المرعشي، 1409هـ، ج1، ص 13.
17- المصدر السابق، ص 153.
18- الشهيد الثاني، زين الدين بن علي، مسالك الأفهام، تحقيق ونشر مؤسسة المعارف
الإسلامية، ط1، قم، 1413هـ، ج1، ص 427.
19- المصدر السابق، ج6، ص265.
20- المصدر السابق، ج5، ص 373.
21- الكلينيّ، محمّد، الكافي، ج1، ص 67.
22- الشهيد الثاني، زين الدين بن علي، روض الجنان، (لا، ط)، قم، مؤسسة آل البيت،
(لا، ت)، ص 290.
23- الأردبيليّ، أحمد، مجمع الفائدة، تحقيق مجتبى العراقي وعلي بناه الاشتهاردي
وحسين اليزدي الأصفهاني، ط1، قم، مؤسسة النشر الإسلامي، ج9، ص 230.
24- المرعشي النجفيّ، شهاب الدين، شرح إحقاق الحقّ، ط1، قم، منشورات مكتبة آية الله
العظمى المرعشي النجفي، 1415هـ، ج29، ص 111.
25- الكاشانيّ، الفيض، مفاتيح الشرائع، تحقيق مهدي الرجائي، (لا، ط)، قم، مجمع
الذخائر الإسلامية، 1401هـ، ج2، ص 50.
26- كاشف الغطاء، جعفر، كشف الغطاء، (لا، ط)، أصفهان، انتشارات مهدوي، (لا، ت)، ج2،
ص 413.
27- الطباطبائي، علي، رياض المسائل، تحقيق ونشر مؤسسة النشر الإسلامي، ط1، ص1422،
ج12، ص 376.
28- المحقق النراقي، أحمد، عوائد الأيام، تحقق مركز الأبحاث والدراسات الإسلامية،
ط1، (لا،م)، مركز النشر التابع لمكتب الإعلام الإسلامي، 1417هـ، ص 536.
29- سورة ص، الآية 26.
30- سورة النساء، الآية 105.
31- المحقق النراقي، أحمد، مستند الشيعة، تحقيق ونشر مؤسسة آل البيت، ط1، قم،
1419هـ، ج17، ص 10.
32- الكلينيّ، محمّد، الكافي، ج1، ص 67.
33- الجواهري، جواهر الكلام، تحقيق عباس القوجاني، ط3، طهران، دار الكتب الإسلامية،
1362هـ.ش، ج21، ص 397.
34- الأنصاري، مرتضى، القضاء والشهادات، تحقيق لجنة التحقيق، ط1، قم، باقري،
1415هـ، ص 48-49.
35- الميرزا النائينيّ، محمّد حسين، تنبيه الأمة وتنزيه الملة، ترجمة عبد الحسين آل
نجف، (لا، ط)، قم، (لا،ن)، (لا، ت)، ص 107.
36- المرجع السابق، ص 68.
37- الهمداني، آغا رضا، مصباح الفقيه، (لا، ط)، (لا،م)، (لا، ت)، ج3، ص 160.
38- المظفر، محمد رضا، عقائد الإمامية، (لا، ط)، قم، انتشارات أنصاريان، (لا، ت)، ص
34.
39- المنتظريّ، محمّد حسين، دراسات في ولاية الفقيه وفق الدولة الإسلامية، ط1، قم،
المركز العالمي للدراسات الإسلامية، 1408هـ، ج1، ص 456 ( من تقريرات بحث السيد
البروجردي بقلم الشيخ المنتظري).
40- المرجع السابق، ج1، ص 459.
41- الطباطبائي، محمد حسين، تفسير الميزان، ط5، بيروت، الأعلمي، 1983م، ج 6، ص 48.
42- بهجت، محمّد تقي، بيرسش شما وباسخ هاي آية الله العظمى بهجت (أسئلتكم وأجوبتكم
آية...) نقلاً عن: الحيدري، وديع، ولاية الفقيه والحكومة الإسلامية في عصر الغيبة،
ط4، بيروت، مؤسسة التاريخ العربي، 1433هـ، ص 74- 76.
43- التبريزي، جواد، صراط النجاة، ج1، ص 10.
44- أخذت نسخة من هذا النص من مكتب سماحته في قم المقدسة (نقلاً عن الحيدريّ، وديع،
ولاية الفقيه والحكومة الإسلامية في عصر الغيبة، ص 53-54).
45- الفوائد الفقهية، ج1، ص 36، س 43 ط، كربلاء. (نقلاً عن الحيدري، وديع، ولاية
الفقيه والحكومة الإسلامية في عصر الغيبة، ص 54).
46- الفوائد الفقهية، ج1، ص 53، ص 93، (نقلاً عن الحيدري، وديع، ولاية الفقيه
والحكومة الإسلامية في عصر الغيبة، ص 55).
47- الحائريّ، كاظم، الإمامة وقيادة المجتمع، ص 13.
48- الآملي، جوادي، ولايت فقيه وولايت فقاهت وعدالة، ط1، قم، مركز إسراء، ص 406
(النص بالفارسية قدّمه مترجمًا: الحيدري، وديع، ولاية الفقيه والحكومة الإسلامية في
عصر الغيبة، ص 38-39).