ما الفرق بين ولاية الإمام عليه السلام وولاية الفقيه؟
أبحاث في الولاية
إنّ المرجعيّة الدينيّة للإمام المعصوم عليه السلام تعني أنّه حافظ للشريعة الإسلاميّة المحمّديّة حفظًا واقعيًّا، فالشريعة كما ذكرنا في الكتاب الآنف الذكر هي من خصوصيّات النبيّ محمّد صلى الله عليه وآله وسلم، بينما دور الأئمة عليهم السلام
عدد الزوار: 102
إنّ لولاية الإمام المعصوم ثلاث مراتب:
* الأوّل: المرجعيّة الدينيّة
* الثاني: المقام المعنويّ
* الثالث: القيادة السياسيّة
على أساس هذه المراتب نبيِّن الفرق بين ولاية الإمام المعصوم عليه السلام وولاية
الفقيه.
1- المرجعيّة الدينيّة
إنّ المرجعيّة الدينيّة للإمام المعصوم عليه السلام تعني أنّه حافظ للشريعة
الإسلاميّة المحمّديّة حفظًا واقعيًّا، فالشريعة كما ذكرنا في الكتاب الآنف الذكر
هي من خصوصيّات النبيّ محمّد صلى الله عليه وآله وسلم، بينما دور الأئمة عليهم
السلام هو حفظ وتبيان
هذه الشريعة، لكنّ حفظهم لها هو ليس عن طريق فهمهم الخاصّ، واستنباطهم لأحكامها
واجتهادهم في أدلّتها، بل هو حفظ واقعيّ توارثوها، الإمام عليّ عليه السلام من
النبيّ محمّد صلى الله عليه وآله وسلم، والأئمّة من أبناء عليّ عليه السلام، الإمام
من
الآخر، بحيث كان هذا التوارث مصونًا بعصمتهم، فهم باب واقعيّ للشريعة المحمّديّة،
لا ظاهريٌّ لها، وعلى حسب تعبيرهم المأثور عنهم: "أوّلنا محمّد، وآخرنا محمّد،
وأوسطنا محمّد، وكلّنا محمّد"1.
أمّا الفقيه وليًّا كان أو غير وليّ، فليس له هذا الدور في المرجعيّة الدينيّة
للشريعة، إنّما هو يبذل جهده محاولاً الوصول إلى الشريعة الصحيحة، فنتائجه هي
استنباط واستخراج لأحكامها بحسب فهمه، وهو غير معصوم في الوصول إلى الحقيقة.
وقد عرف عن المذهب الشيعيّ الإماميّ أنّه قائل بالتخطئة لا بالتصويب، بمعنى أنّ
الأحكام الشرعيّة هي واحدة عند الله تعالى، وعند الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله
وسلم، وعند الأئمّة المعصومين عليهم السلام، لا تتبدّل ولا تتغيّر، والفقيه بعد ما
يبذل
قصارى جهده في الوصول إليها، قد يصيب الواقع فيها، وقد يخطئ، فإذا وُجد فقيهان،
لكلٍّ منهما رأي مختلف عن الآخر، فإنّنا نعلم ونقطع ونتيّقن بخطأ أحدهما، لأنّ
الحكم الشرعيّ واحد فقط، ولكن مع ذلك، فإنّ الاعتقاد بالتخطئة لا يؤثِّر على
الاعتقاد
باتّباع الفقيه الذي ثبت بالدليل وجوب اتّباعه، لأنّنا مطالبون بالأخذ بظواهر
الأمور، بما أنّنا لا نستطيع الوصول إلى واقعها.
والخلاصة: إنّ الرجوع إلى الوليّ الفقيه، وإن كان واجبًا، إلاّ أنّه رجوع إليه بحسب
ما توصَّل إليه من الأحكام الظاهريّة، بخلاف الأئمّة المعصومين عليهم السلام الذين
هم المرجعيّة الدينيّة الواقعيّة للأحكام الشرعيّة.
2- المقام المعنويّ
زخرت الروايات الواردة عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته عليهم السلام
حول المقام المعنويّ الخاصّ للأئمّة عليهم السلام والذي ينطلق من قربهم من الله
تعالى، وهو يظهر من خلال وساطتهم في الفيض، وولايتهم التكوينيّة في التصرُّف
بالأشياء،
كما تحدّثنا عن ذلك في كتاب "يسألونك عن الأئمّة عليهم السلام ". ومن الواضح أنّ
هذا المقام هو خاصّ بأشخاصهم، وغير خاضع للتوريث الاعتباريّ للفقهاء أو لغيرهم،
فالفقيه وإن كانت له ولاية على المجتمع، إلاّ أنّ ولايته هذه لا ترفعه إلى مقامهم
ومنزلتهم، وإنّما تقتصر على الوظيفة التي أوكلت إليه، بينما ولاية الأئمّة
المعصومين عليهم السلام لا تتجرَّد عن تلك المقامات المعنويّة ليصبحوا كغيرهم من
الحكّام. قال الإمام الخمينيّ قدس سره في كتابه الحكومة الإسلاميّة: "ولا ينبغي
أن...يتصوّر أحد أنَّ
أهليّة الفقيه للولاية ترفعه إلى منزلة النبوّة أو منزلة الأئمّة عليهم السلام،
لأنّ كلامنا هنا لا يدور حول المنزلة والمرتبة، وإنّما يدور حول الوظيفة
العمليّة"2، وقال أيضًا: "وثبوت الولاية والحاكميّة للإمام عليه السلام لا تعني
تجرّده عن منزلته التي هي له عند الله،
ولا تجعله مثل من عداه من الحكام. فإنّ للإمام مقامًا محمودًا، ودرجة سامية، وخلافة
تكوينيّة تخضع لولايتها وسيطرتها جميع ذرّات هذا الكون. وإنّ من ضروريّات مذهبنا
أنّ لأئمتنا مقامًا لا يبلغه ملك مقرّب، ولا نبيّ مرسل"."وبموجب ما لدينا من
الروايات
والأحاديث فإنّ الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم والأئمة عليهم السلام كانوا
قبل هذا العالم أنوارًا فجعلهم الله بعرشه محدقين، وجعل لهم من المنزلة والزلفى ما
لا يعلمه إلاّ الله3. وقد قال جبرئيل كما ورد في روايات المعراج: (لو دنوت أنملة
لاحترقت)4.
وقد ورد عنهم عليهم السلام: (إنّ لنا مع الله حالات لا يسعها ملك مقرّب ولا نبيّ
مرسل)5. ومثل هذه المنزلة موجودة لفاطمة الزهراء 6، لا بمعنى أنّها خليفة أو حاكمة
أو قاضية، فهذه المنزلة شيء آخر وراء الولاية والخلافة والإمرة، وحين نقول: "إنّ
فاطمة
لم تكن قاضية أو حاكمة أو خليفة، فليس يعني ذلك تجرّدها عن تلك المنزلة المقرّبة،
كما لا يعني ذلك أنّها امرأة عادية من أمثال ما عندنا"7.
3- القيادة السياسيّة
إنّ للأئمّة عليهم السلام - إضافة إلى المقام المعنويّ والمرجعيّة الدينيّة بالمعنى
المتقدِّم - الولاية والقيادة على المجتمع، وقد دلّت الأدلّة النقليّة اللفظيّة على
كون أشخاصهم معصومين في كلّ أمورهم، وقد عرضنا أدلّة ذلك في كتاب "يسألونك عن
الأئمّة عليهم
السلام ". ومع كونهم معصومين في دورهم التشريعيّ، وفي القيادة السياسيّة إلاّ أنّ
الدليل العقليّ إن أخذناه وحده مجرَّدًا عن الأدلّة اللفظيّة، فإنّه يدلّ على
عصمتهم في المرجعيّة الدينيّة، فإنّها واجبة بالعقل، لكي تحفظ الشريعة التي بضياعها
لا يتحقّق الهدف
الإلهيّ من خلق الإنسان، وهو وصوله إلى كماله المنشود. أمّا القيادة السياسيّة، فلو
تجرّدت عن المرجعيّة الدينيّة بالمعنى المتقدِّم، وهي لا تتجرّد عند الأئمّة عليهم
السلام، فإنّ العقل لا يدلّ على لزوم العصمة فيها.
والمرجعيّة الدينيّة والقيادة السياسيّة، وإن كانتا لا تنفكّان واقعًا في النبيّ
صلى الله عليه وآله وسلم والأئمّة المعصومين عليهم السلام، ولكن لو افترضنا
وفككناهما، فإنّه يمكن أن نتحدّث عن ضرورة القيادة السياسيّة لهم بالنحو الآتي:
1- إن سألنا: هل للنبيّ محمّد صلى الله عليه وآله وسلم ولاية على المجتمع
الإسلاميّ؟ وما الدليل على ذلك بحسب العقل؟
الجواب: نعم، له صلى الله عليه وآله وسلم ولاية على الأمّة، وهو القائد السياسيّ
والوليّ الواجب طاعته فيها، لأدلّة نعرض منها:
* الإسلام دين حكومة
* الحكومة تحتاج إلى حاكم فقيه كفؤ عادل.
* إن حَكَم هذا الفقيه يجب على الأمّة أن تطيعه.
للفقيه ولاية على الأمّة.
وفي عهد النبيّ محمّد صلى الله عليه وآله وسلم، فإنّ محمّدًا هو عالم بالقوانين
الإسلاميّة الواقعيّة بتعليم من الله تعالى، وهو مؤتمن على تطبيقها بالعصمة
الإلهيّة، وهو في أعلى مراتب الكفاءة بسبب تلك العصمة والمواكبة الإلهيّة له.
2- إن سألنا: هل الإمام عليّ عليه السلام والأئمّة المعصومون عليهم السلام من ولده:
هل لهم ولاية وقيادة عامّة للأمّة، وما الدليل على ذلك؟
الجواب: نعم، لهم عليهم السلام ولاية على الأمّة، وهم القادة الذين تجب طاعتهم من
الناس، لأدلّة نعرض منها:
* الإسلام دين حكومة
* الحكومة تحتاج إلى حاكم فقيه كفؤ عادل.
* إن حَكَم هذا الفقيه يجب على الأمّة أن تطيعه.
للفقيه ولاية على الأمّة.
وفي حضور أيّ إمام من الأئمّة المعصومين عليهم السلام ينحصر الحاكم الوليّ به،
للزوم كون الوليّ هو الأكمل، لأنّ الأئمّة المعصومين عليهم السلام عالمون بالقوانين
الإسلاميّة الواقعيّة بتعليم خاصّ من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وهم
مؤتمنون على
تطبيقها بالعصمة الإلهيّة، وهم في أعلى مراتب الكفاءة بسبب تلك العصمة والمواكبة
الإلهيّة له.
3- إن سألنا: هل الفقيه العادل الكفؤ له ولاية على المجتمع الإسلامي؟
الجواب: نعم، لأدلّة نعرض منها:
* الإسلام دين حكومة
* الحكومة تحتاج إلى حاكم فقيه كفؤ عادل.
* إن حَكَم هذا الفقيه يجب على الأمّة أن تطيعه.
للفقيه ولاية على الأمّة.
فالفقيه عالم بالقوانين الإسلاميّة بسبب فقاهته، ومؤتمن على تطبيقها بسبب عدالته،
وكفؤ بحسب الصفات المحرزة فيه.
الدليل هو عينه
الملاحظ فيما تقدَّم عند السؤال عن ولاية النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم والإمام
عليه السلام والفقيه بأنّ أجوبتها هي واحدة، وإن اختلفت مرتبة الفقيه الكماليّة عن
مرتبة النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم والأئمّة عليهم السلام، إلاّ أنّ ذلك لم
يؤثِّر في وحدة
الدليل، وهذا الأمر هو ما دعا الإمام الخمينيّ قدس سره في كتاب "البيع" إلى أن
يقول: "...فما هو دليل الإمامة بعينه دليل على لزوم الحكومة بعد غيبة وليّ الأمر
عجّل الله تعالى فرجه الشريف"8.
فإنّ مراد الإمام قدس سره هو الدليل المتقدِّم، فهو لم يكن في مقام الحديث عن
المرجعيّة الدينيّة، ولا عن المقام المعنويّ، وإنّما عن القيادة السياسيّة التي
لاحظنا أنّ الدليل لإثباتها هو عينه في النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم والأئمّة
عليهم السلام والفقهاء.
حدود الولاية بين الإمام عليه السلام والفقيه
من الواضح أنّ للنبيّ صلى الله عليه وآله وسلم والأئمّة المعصومين عليهم السلام
ولاية وقيادة عامّة للأمّة، عبَّر الله تعالى عنها بقوله:
﴿النَّبِيُّ أَوْلَى
بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ﴾
9.
أمّا الفقيه، فإنّ حدود ولايته تفهم من خلال الدليل الدالّ عليها، فلو اقتصرنا على
الدليل العقليّ، فإنّه، بالاصطلاح العلميّ، لبّيّ، ليس له شموليّة، كالدليل
اللفظيّ، لذا يقتصر فيه على القدر المتيقّن الذي تتحدّد دائرته بحسب:
- امتداد الأحكام الإسلاميّة في تطبيقها على المجتمع، تبعًا لدلالة الدليل العقليّ
الأوّل (دليل الأحكام الإسلاميّة).
- الحاجة إلى النظام الاجتماعيّ، حتى لا يحصل خلل فيه، تبعًا لدلالة العقليّ الثاني
(دليل حفظ النظام).
- الأمور التي يدرك العقل أنّها ممّا لا يمكن أن يهملها الله تعالى، تبعًا لدلالة
الدليل العقليّ الثالث (دليل الحسبة).
بينما لو لاحظنا الأدلّة النقليّة، فإنّنا نجد أنّ الإطلاق الوارد فيها يجعل مدى
ولاية الفقيه واسعًا، إلاّ ما خرج بالدليل الخاصّ، وكمثال على ذلك، فإنّ الدليل
الأوّل (العلماء ورثة الأنبياء) يفيد كون العلماء يرثون النبيّ صلى الله عليه وآله
وسلم في كلّ دائرة
ولايته، ولا نخرج عن هذا الأمر إلاّ بسبب دلالة دليل خاصّ على هذا الخروج. قال
الإمام الخمينيّ قدس سره في تعليقه على هذا الدليل: "فيظهر من الرواية أنّ للعلماء
جميع ما له صلى الله عليه وآله وسلم، إلاّ أن يدلّ دليل على إخراجه"10.
* يسألونك عن الولي، سماحة الشيخ أكرم بركات.
1- المجلسيّ، محمّد باقر، بحار الأنوار، ج 26، ص 6.
2- الإمام الخميني، روح الله، الحكومة الإسلاميّة، ص 53.
3- الصفار، محمّد، بصائر الدرجات، (لا، ط)، طهران، منشورات الأعلمي، 1404هـ، ج1،
ص20، باب 10، المجلسيّ، محمّد باقر، بحار الأنوار، ج25، ص 130.
4- المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار، ج18، ص 382 "باب إثبات المعراج ومعناه
وكيفيته".
5- أنظر: المجلسيّ، محمّد باقر، كتاب الأربعين، (لا، ط)، قم، المطبعة العلمية،
1399هـ، شرح حديث 15، ص 177، بتغيير يسير في العبارة وورد فيه عن النبيّ صلى الله
عليه وآله وسلم: "لي مع الله وقت لا يسعني ملك مقرّب ولا نبيّ مرسل". الصفار،
محمد، بصائر الدرجات، ص 23، باب 11.
6- الصدوق، محمّد، علل الشرائع، (لا، ط)، النجف الأشرف، منشورات المكتبة الحيدرية،
1966م، ج1، ص 123، الحديث1. الصدوق، محمّد، معاني الأخبار، تحقيق علي أكبر الغفاري،
(لا، ط)، قم، مؤسسة النشر الإسلامي، 1379هـ، ص 64
و107. المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار، ج43، ص 12.
7- الخمينيّ، روح الله، الحكومة الإسلاميّة، ص 56.
8- الإمام الخمينيّ، روح الله، كتاب البيع، ج2، ص 461.
9- سورة الأحزاب، الآية 6.
10- الإمام الخمينيّ، روح الله، كتاب البيع، ص 469.