يتم التحميل...

كيف نوفِّق بين مرجعيّة التقليد وولاية الفقيه؟

أبحاث في الولاية

إنّ مرجع التقليد يُعنى باستنباط واستخراج الأحكام الشرعيّة من المدارك المقرَّرة في الشريعة الإسلاميّة، وهي العقل والكتاب والسُنّة والإجماع، بغضّ النظر عن أمرين هما:

عدد الزوار: 195

بين الوليّ الفقيه ومرجع التقليد تدور أسئلة عديدة، نعرض منها الآتي:

1- ما الفرق بين فتوى المرجع وحكم الوليّ؟

إنّ مرجع التقليد يُعنى باستنباط واستخراج الأحكام الشرعيّة من المدارك المقرَّرة في الشريعة الإسلاميّة، وهي العقل والكتاب والسُنّة والإجماع، بغضّ النظر عن أمرين هما:
1- تطبيقات تلك الأحكام في الخارج، لأنَّ وظيفته استخراج الحكم كمسألة فقهيّة عامّة، فمثلاً قد يستنبط الفقيه من الأدلّة الشرعيّة حرمة الفقّاع الذي هو ماء الشعير إذا غلى، وصعد نشيشه للأعلى، لكنّه لا يتدخّل في تطبيق هذه الحرمة على ماء الشعير الذي يُباع في الأسواق، إنّما يترك تطبيق ذلك إلى المكلّف، وهذا معنى أنّ تشخيص الموضوع هو على عهدة المكلّف، وليس على عهدة مرجع التقليد.

2- مدى دخالة المصلحة الاجتماعيّة أو المفسدة في ذلك الحكم الشرعيّ باعتبار المكان والزمان الخاصّين. فمثلاً قد يستنبط الفقيه شروط المتبايعين، فلا يجد في الأدلّة الشرعيّة أنّ الإسلام هو شرطٌ في المشتري، وعليه فإنّه يفتي بجواز البيع لليهوديّ، بغضّ النظر عن دراسة المصالح والمفاسد النترتبة على ذلك البيع بحسب الزمان أو المكان. ويُطلق على ناتج مرجع التقليد مصطلح "الفتوى".

أمّا الوليّ الفقيه فهو بلحاظ كونه مرجعًا يقوم بنفس الدور المتقدّم، إلاّ أنّه بلحاظ كونه وليًّا، فإنّه يلاحظ المصلحة أو المفسدة الاجتماعيّة، بحسب الظرف المكانيّ والزمانيّ، وعلى أساس هذه الملاحظة، فإنّه يحكم. وبعبارة أخرى إنّ الوليّ الفقيه ينطلق في حكمه
من أمرين:

الأوّل: النظر إلى الأدلّة الشرعيّة بحسب المدارك المقرّرة.
الثاني: النظر إلى المصلحة أو المفسدة الاجتماعيّة المترتِّبة على حكمه بحسب الزمان والمكان، فهو كمرجع تقليد قد يقول بجواز البيع لليهوديّ، إلاّ أنّه كوليّ فقيه حينما يدرس المخطّط الصهيونيّ في فلسطين لقضم الأراضي الفلسطينيّة لصالح اليهود، قد يصدر
تحريمًا ببيع الأراضي لليهود في فلسطين.

مثال آخر: إنّ الوليّ الفقيه قد يفتي كمرجع تقليد بجواز بيع وشراء واستعمال التبغ، إلاّ أنّه كوليّ فقيه حينما يرى أنّ بريطانيا تريد أن تستعمر إيران اقتصاديًّا بواسطة التبغ كما حصل سابقًا، فإنّه قد يحكم كما فعل الميرزا الشيرازيّ الكبير بحرمة بيع وشراء واستعمال التبغ في إيران.
ويطلق على ناتج الوليّ الفقيه "الحكم" مقابل "الفتوى" التي هي ناتج مرجع التقليد.
منطلق فتوى المرجع الأدلّة الشرعيّة بغضّ النظر عن المصالح والمفاسد الاجتماعية.
منطلق حكم الوليّ الأدلّة الشرعيّة + اعتبار المصالح والمفاسد الاجتماعية بحسب الزمان والمكان.

2- ما الفرق بين الشروط المعتبرة في كلٍّ من مرجع التقليد والوليّ الفقيه؟

شروط مرجع التقليد
ذكر الفقهاء عدّة شروط لمرجع التقليد، وقد ذكر السيّد محمّد كاظم اليزديّ في العروة الوثقى الشروط الآتية: "البلوغ، والعقل، والإيمان، والعدالة، والرجوليّة، والحريّة على قول، وكونه مجتهدًا مطلقًا، فلا يجوز تقليد المتجزئ، والحياة، فلا يجوز تقليد الميت ابتداءً، نعم يجوز البقاء...، وأن يكون أعلم، فلا يجوز على الأحوط تقليد المفضول مع التمكّن من الأفضل، وأن لا يكون متولِّدًا من زنا، وأن لا يكون مقبلاً على الدنيا، وطالبًا لها، مكبًّا عليها، مجدًّا في تحصيلها، ففي الخبر، (من كان من الفقهاء صائنًا لنفسه، حافظًا لدينه، مخالفًا لهواه، مطيعًا لأمر مولاه، فللعوام أن يقلِّده)1"2.

وبرغم التعليقات الكثيرة على العروة الوثقى من قبل مراجع كبار كالسيد محسن الحكيم والإمام الخمينيّ، والسيد أبو القاسم الخوئيّ، والسيد الكلبايكانيّ وغيرهم، فإنّنا لم نلاحظ أنّ أحدًا منهم قد أضاف شرط الكفاءة في مرجع التقليد، نعم، لقد أضاف هذا الشرط واهتمّ به الشهيد السيّد محمّد باقر الصدر ، فقال في كتابه "الفتاوى الواضحة": "المجتهد المطلق إذا توافرت فيه سائر الشروط في مرجع التقليد... جاز للمكلّف أن يقلِّده كما تقدّم، وكانت له الولاية الشرعيّة العامّة في شؤون المسلمين شرط أن يكون كفؤًا كذلك من الناحية الدينيّة والواقعيّة معًا"3.

ورغم عدم تعليق الإمام الخمينيّ قدس سره على ما ذكره صاحب العروة الوثقى، إلاّ أنّه قارب الفكرة التي طرحها الشهيد السيد الصدر في كلمات أخرى كبيان 15 رجب الذي قال فيه: "ينبغي للمجتهد أن يكون محيطًا بأمور زمانه. ليس من المقبول للناس والشباب، وحتى للعوام أن يقول مرجعه ومجتهده: إنّني لا أعطي رأيًا في الأمور السياسيّة.

من خصائص المجتهد الجامع أن يكون محيطًا بطرق مواجهة حيل وتزوير الثقافة المهيمنة على العالم، ذا بصيرة ونظرة اقتصاديّة، عارفًا بكيفيّة التعامل مع النظام الاقتصاديّ في العالم، عارفًا بالسياسات والسياسيين، والقواعد التي يملونها، مدركًا نقاط ضعف وقوة قطبي الرأسماليّة والشيوعيّة، وهو ما يرسم في الواقع استراتيجيّة حكم العالم. ينبغي للمجتهد أن يتحلّى بصفات النباهة والذكاء والفطنة وهو يمارس عمليّة قيادة المجتمع الإسلاميّ، وحتى غير الإسلاميّ، وفضلاً عن الإخلاص والتقوى والزهد التي هي من الشؤون الذاتيّة له، ينبغي للمجتهد أن يكون مديرًا ومدبِّرًا"4.

شروط الوليّ الفقيه
مرّ معنا أنّ الشروط الأساسيّة للوليّ الفقيه هي ثلاثة:
1- الاجتهاد والفقاهة.
2- العدالة.
3- الكفاءة.


وهذا لا يعني عدم وجود شروط أخرى كالتي وردت في شرائط مرجع التقليد، بل إنّ بعضها يعتبر في الوليّ بصورةٍ ربما تكون آكد.

وقد فصّلنا الحديث في هذه الشروط الثلاثة في البحث السابق حول صفات الوليّ الفقيه.

بين شروط المرجع وشروط الوليّ

بناءً على اشتراط الكفاءة في مرجع التقليد يأتي سؤال حول تمييز مرجع التقليد عن الوليّ الفقيه، مع ملاحظة التوافق الإجماليّ لشروط كلٍّ منهما.

والجواب: هو أنّ الفارق بينهما يكمن في المستوى المطلوب في بعض الشروط المتقدِّمة، ففي حين تتطلّب مرجعيّة التقليد نسبة عالية في صفة الفقاهة بخلاف الكفاءة، إذ المطلوب فيها ما له دخالة بإدارة شؤون المرجعيّة بحسب واقعها، أمّا ولاية الفقيه، فإنّه مضافًا إلى النسبة العالية التي تتطلّبها في الفقاهة، فإنّها تتطلَّب في الكفاءة أيضًا نسبة عالية جداً بما يتواءم مع قيادته العامّة للأمّة. فلو كانت نسبة الكفاءة المطلوبة في مرجع التقليد هي 10%، مثلاً، فإنّ نسبة الكفاءة المطلوبة في الوليّ الفقيه هي 40 %، فلو كان "حسن" و"حسين" في المرتبة الاجتهاديّة نفسها ومترتبة العدالة عينها، إلاّ أنّ مستوى الكفاءة في "حسين" أعلى منها في "حسن" فإنّ المتعيّن ليكون الوليّ الفقيه هو "حسين" لا "حسن"، بل إن كان مستوى الاجتهاد في "حسن" لو كانت أعلى قليلاً من مستواه في "حسين"، إلاّ أنّ مستوى الكفاءة في "حسين" أعلى كثيراً منه في "حسن"، فإنّ "حسين" هو من يتعيَّن كونه الوليّ الفقيه.

انطلاقًا ممّا تقدّم يمكن أن يطلق على المتعيّن لولاية الفقيه الأفضل بحسب المجموع، أو بحسب النتيجة، مقابل مرجع التقليد الذي يشترط أن يكون أعلم بحسب الفقاهة.

3- هل الصحيح تعدّد الوليّ والمرجع أو وحدتهما؟

صرّح الإمام الخمينيّ قدس سره قبل رحيله باعتقاده بعدم وحدة مرجعيّة التقليد مع ولاية الفقيه، وإنّه كان قد وافق على وحدتهما سابقًا بناءً لظروف خاصّة، وحينما تغيّرت تلك الظروف رجع إلى القول بعدم وحدتهما.

قال : "بالنسبة للقيادة، فنحن لا نستطيع أن نترك نظامنا الإسلاميّ بدون قائد، فيجب أن ننتخب شخصًا يدافع عن حيثيتنا الإسلاميّة في عالم السياسة والمكر.

لقد كنت أعتقد منذ البداية وكنت أصرّ على عدم اشتراط المرجعيّة. فإنّ المجتهد العادل الذي يؤيّده الخبراء المحترمون من سائر أنحاء البلاد يكون كافيًا. فإذا انتخب الشعبُ الخبراء ليقوموا بتعيين مجتهد عادل لقيادة حكومتهم، وعندما يعيّنون شخصًا للقيادة، فإنّه سيكون مورد قبول الشعب حتمًا. وعندها سيكون الوليَّّ المنتخب للشعب، ويكون حكمه نافذًا. وفي أصل الدستور كنت أقول هذا الأمر، ولكن الأصدقاء أصرّوا، وضغطوا على شرط المرجعيّة، عندها قبلت.

وإنّني كنت أعلم في ذلك الوقت أنّ هذا الأمر غير قابل للتحقّق في المستقبل غير البعيد"5.

نعم إن توفّرت شروط المرجعيّة في الوليّ الفقيه، فهذا غاية المنى.

4- لو كان المكلَّف يقلِّد غير الوليّ، فهل يتبع الوليّ مباشرة، أو عبر مرجع التقليد؟

الجواب: تقدّم سابقًا أنّ هناك ثلاثة أدلّة عقليّة على ولاية الفقيه، منها دليل أحكام الإسلام الذي كان ملخّصه:
* الإسلام دين حكومة
* الحكومة تحتاج إلى حاكم فقيه كفؤ عادل.
* إن حَكَم هذا الفقيه يجب على الأمّة أن تطيعه.
للفقيه ولاية على الأمّة.

وتقدّم أنّ هذه المقدِّمات هي بديهيّة لمن عرف أحكام الإسلام، وبالتالي، فإنّ ولاية الفقيه هي ضروريّة بديهيّة عند هذا العالم بالأحكام.

وقد نصّ الفقهاء على أنّ العالم بالأحكام الشرعيّة، لكونها ضروريّة، أو لغير ذلك لا يكون حكمه هو التقليد، بل يتبع ما يمليه عليه علمه القطعيّ. قال السيد أبو القاسم الخوئيّ في منهاج الصالحين: "يجب على كلّ مكلّف لم يبلغ رتبة الاجتهاد، أن يكون في جميع عباداته، ومعاملاته، وسائر أفعاله، وتروكه: مقلّدًا، أو محتاطًا، إلاّ أن يحصل له العلم بالحكم، لضرورة أو غيرها، كما في بعض الواجبات، وكثير من المستحبات والمباحات"6.

وقد قال الإمام الخمينيّ قدس سره في تحرير الوسيلة: "يجب على كلّ مكلّف غير بالغ مرتبة الاجتهاد في غير الضروريّات من عباداته ومعاملات، ولو في المستحبّات والمباحات أن يكون إمّا مقلِّدًا أو محتاطًا بشرط أن يعرف موارد الاحتياط، ولا يعرف ذلك إلاّ القليل، فعمل العاميّ غير العارف بمواضع الاحتياط من غير تقليد باطل..."7.

بناءً على ما تقدّم، فإنّ كلّ من كانت عنده قضيّة ولاية الفقيه بديهيّة، فإنّه لا يحتاج أن يراجع مرجع التقليد ليسأله: هل اتّبع الوليّ أو لا، بل يكون حكمه هو التولّي للفقيه مباشرة.

وبهذا الأمر لا يكون لولاية الفقيه ممرٌّ إلزاميّ لا بدّ أن تسلكه هو قناة مرجعيّة التقليد.

وبتوضيح أكثر نقول:

الدليل على وجوب التقليد

إنّ الدليل على وجوب التقليد هو دليل عقليّ، وبالدّقة هو بناء وسيرة العقلاء، فإنّنا نلاحظ أنّ المكلّف غير المجتهد لا يصحّ له حينما يريد الإجابة عن السؤال حول الدليل على وجوب التقليد أن يعتمد على آية ﴿فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ 8، إذ ما أدراه ما المراد من أهل الذكر، فهل هم أهل الكتاب، لأنّهم أهل الذكر أي الكتاب السابق على الإسلام، أو هم خصوص الأئمّة عليهم السلام، لأنّهم أهل الذكر الذي هو النبيّ محمّد صلى الله عليه وآله وسلم، أو هم مطلق العلماء؟ وما أدراه ما هو المراد من قوله تعالى ﭚ فهو صيغة أمر، فهل صيغة الأمر تدلّ على الوجوب أم لا؟

إنّ الأجوبة على تلك الأسئلة لا يمكن للإنسان العاديّ أن يصل إليها بنفسه، فكيف يعتمد عليها دليلاً في تقليدْ؟!

وكذلك لا يصحّ للمكلَّف أن يعتمد في جوابه على السؤال الموجَّه إليه عن دليله على التقليد على روايةٍ ما كالرواية الواردة عن الإمام الحسن العسكريّ عليه السلام: " فأمّا من كان من الفقهاء صائنًا لنفسه، حافظًا لدينه، مخالفًا على هواه، مطيعًا لأمر مولاه، فللعوام أن يقلِّدوه"9، وذلك لأنّ الاستدلال بها خاضع لجملة أمور لا تتوفّر في الإنسان العاديّ غير المجتهد، فما أدراه بسند الرواية، هل هو معتبر أو لا؟ وما أدراه هل هي معارضة بغيرها أو لا؟ وما أدراه هل تحمل معنى الوجوب أو لا؟10

إذًا لا بدّ أن يكون الجواب دليلاً آخر هو عبارة عن ملاحظة العقل لسيرة العقلاء، وقد أحسن السيد محمّد باقر الصدر توضيح هذا الدليل حينما قال: "إنّ الناس حينما يواجهون متطلّبات الحياة يجدونها متشعّبة جدًّا، فهناك حاجات طبيّة وصناعيّة وزراعيّة وهندسيّة وهكذا. وبعض هذه المتطلّبات قد يعرفها جلُّ الناس بشكل واضح، فكلّ إنسان، بحكم التجربة الساذجة في حياته، يعلم أنّه إذا تعرَّض إلى مناخٍ بارد فجأة فقد يصاب بأعراض حُمّى، ولكنّ كثيرًا من أساليب الوقاية والعلاج لا يعرفها إلاَّ عن طريق الطبيب، ولا يعرفها الطبيب إلاَّ بالبحث والجهد، وهكذا الحال في مجال التعمير والبناء، ومجالات الزراعة والصناعة، على اختلاف فروعها.

"ومن هنا وجد كلّ إنسان أنّه لا يمكن عمليًّا أن يتحمّل بمفرده البحث والجهد العلميّ الكامل في كلّ ناحية من نواحي الحياة، لأنّ هذا، عادة، أكبر من قدرة الفرد وعمره من ناحية، ولا يتيح له العمق في كلّ تلك النواحي بالدرجة الكبيرة، من ناحية أخرى، فاستقرّت المجتمعات البشريّة على أن يتخصّص لكلّ مجال من مجالات المعرفة والبحث، عدد من الناس، فيكتفي كلّ فرد في غير مجال اختصاصه، بما يعلمه على البديهة، ويعتمد في ما زاد عن ذلك، على ذوي الاختصاص محمّلاً إيّاهم المسؤوليّة في تقدير الموقف، وكان ذلك لونًا من تقسيم العمل بين الناس سار عليه الإنسان بفطرته منذ أبعد العصور، ولم يشذَّ الإسلام عن ذلك، بل جرى على نفس الأساس الذي أخذ به الإنسان في كلّ مناحي حياته، فوضع مبدأي الاجتهاد والتقليد، فالاجتهاد هو التخصّص في علوم الشريعة، والتقليد هو الاعتماد على المتخصّصين، فكلّ مكلّف يريد التعرّف على الأحكام الشرعيّة يعتمد أوّلاً على بداهته الدينية العامّة، وما لا يعرفه بالبداهة من أحكام الدين، يعتمد في معرفته على المجتهد المتخصّص، ولم يكلّف الله تعالى كلّ إنسان بالاجتهاد ومعاناة البحث والجهد العلميّ من أجل التعرّف على الحكم الشرعيّ، توفيراً للوقت وتوزيعاً للجهد الإنسانيّ على كلّ حقول الحياة. كما لم يأذن الله سبحانه وتعالى لغير المتخصّص المجتهد بأن يحاول التعرّف المباشر على الحكم الشرعيّ من الكتاب والسنّة، ويعتمد على محاولته، بل أوجب عليه أن يكون التعرُّف على الحكم عن طريق التقليد والاعتماد على العلماء المجتهدين"11.

بناءً على ما تقدّم، فإنّ الدليل على وجوب اتّباع المرجع، وتقليده هو العقل بالمعنى الذي بيَّناه.

المكلَّف بين دليلي التقليد والتولّي

وقد تقدّم أنّ الدليل على وجوب اتباع الوليّ الفقيه أيضًا هو العقل، كما بيّنا ذلك في الأدلّة العقليّة.

وهنا نسأل:إذا كان الدليل العقليّ هو الذي أرشد إلى اتّباع المرجع وكذلك الوليّ، فكيف يصحّ القول: إنّ المرجع هو من يقرِّر: هل يتّبع مقلِّده الوليّ أو لا؟

فالباء في اللغة العربيّة، إمّا أن تكون حرف جر، فتجرّ دائمًا، أو لا تكون فلا تجرّ أبدًا.

أمّا أن تجرَّ تارة، ولا تجرّ أخرى، فهذا غير صحيح، وكذلك فإنّ الدليل العقليّ إذا كان محلّ اعتماد من المكلّف، فإمّا أن يكون محلّ اعتمادٍ دائمًا في كلّ ما وصل إليه، وبالتالي فهو يؤدّي إلى مرجع التقليد، وبعرضه لا بطوله يؤدّي إلى الوليّ الفقيه، وإمّا أن لا يكون محلّ اعتماد أصلاً.

والخلاصة: إنّ العقل كما دلّ على وجوب اتّباع المرجع، فهو بنفسه دلّ على وجوب اتّباع الوليّ الفقيه، وبالتالي لا يصحّ أن يكون مرجع التقليد عند من قام عند الدليل العقليّ على ولاية الفقيه قناةً للسماح له أن يتولّ الوليّ أو لا يتولاّه.

فولاية الفقيه حينما لا يكون فقيه آخر أعلم من الوليّ غيره هي بعرض مرجعيّة التقليد لا بطولها.

* يسألونك عن الولي، سماحة الشيخ أكرم بركات.


1- الحرّ العامليّ، محمّد حسن، وسائل الشيعة، ج 27، ص 131. وقد وردت في المصدر مخالفًا على هواه-.
2- اليزديّ، محمّد كاظم، العروة الوثقى، ط1، قم، مؤسسة النشر الإسلاميّ، 1417هـ، ج1، ص 24.
3- الصدر، محمّد باقر، الفتاوى الواضحة، (لا، ط)، النجف، مطبعة الآداب، (لا، ت)، ص 30.
4- بيان الإمام الخمينيّ قدس سره إلى المراجع والعلماء والحوزات العلميّة وأئمّة الجمعة والجماعة الصادر في 15 رجب 1409هـ، ص 16-17.
5- رسالة اللوعة للسيد أحمد الخميني.
6- الخوئي، أبو القاسم، منهاج الصالحين، ج1، ص 5.
7- الإمام الخمينيّ، روح الله، تحرير الوسيلة، ج1، ص 5.
8- سورة النحل، الآية 43.
9- الحرّ العاملي، محمّد حسن، وسائل الشيعة، ج27، ص 131.
10- أنظر: بركات، أكرم، لماذا نقلّد، ط16، بيروت، بيت السراج، 2001، ص 13-14.
11- الشهيد الصدر، الفتاوى الواضحة، ص98 90.

2013-10-09