يتم التحميل...

هل ولاية الفقيه عقائديّة أو فقهيّة؟

أبحاث في الولاية

اعتبر الشيخ جوادي الآملي أنّ الإنجاز العظيم الذي من خلاله قامت الثورة الإسلاميّة في إيران هو أنّه أعاد بحث ولاية الفقيه من الموقع الذي ظُلمت فيه، وهو علم الفقه، إلى موقعها الأصليّ وهو علم الكلام، فهي، بحسب قوله، أُخرجت سابقًا من علم الكلام،

عدد الزوار: 119

اعتبر الشيخ جوادي الآملي أنّ الإنجاز العظيم الذي من خلاله قامت الثورة الإسلاميّة في إيران هو أنّه أعاد بحث ولاية الفقيه من الموقع الذي ظُلمت فيه، وهو علم الفقه، إلى موقعها الأصليّ وهو علم الكلام، فهي، بحسب قوله، أُخرجت سابقًا من علم الكلام، ودُفنت في علم الفقه، لذا لم تجد النمو الكافي، بل بقيت في حبس النطاق الفقهيّ1.

فهل صحيح أنّ ولاية الفقيه هي، في الأصل، مسألة كلاميّة؟ وهل يعدّ ذلك ركيزة قيام الثورة الإسلاميّة، كما ذكر الآملي؟

الجواب:
لا بدّ: أولاً: من تحديد المعيار الذي من خلاله نحدِّد كون المسألة فقهيّة أو كلاميّة.
وثانيًا: من تطبيق المعيار على مسألة ولاية الفقيه.
وثالثًا: من دراسة مدى صحة ما قاله الآمليّ في ضوء ما تقدّم.

معيار كون المسألة كلاميّة أو فقهيّة

إنّ محور علم الكلام، وكون المسألة من مسائله هو كونها تدور في فلك ومحور الله تعالى وصفاته وأفعاله2.

بينما محور علم الفقه، وكون المسألة من مسائله هو كونها تدور في فلك ومحور فعل المكلّف، من ناحية كونه حكمًا شرعيًّا، أو هو نفس الأحكام الشرعيّة من جهة استخراجها من أدلّتها3.


ولاية الفقيه كلاميّة أو فقهيّة

بناءً على ما تقدَّم، فإنّ مسألة ولاية الفقيه تارةً نلاحظها باعتبار أنّ الله تعالى أعطى وشرّع الولاية للفقيه، فتكون المسألة من علم الكلام، لأنّها تتعلّق بفعل الله عزّ وجلّ، وتارةً نلحظها من خلال أنّه يجب على الأمّة أن تطيع الفقيه، أو يجب على الفقيه أن يتصدّى للولاية، فتكون المسألة فقهيّة، لأنّ محورها فعل المكلّف أو الحكم الشرعيّ.

والنتيجة أنّ مسألة ولاية الفقيه هي كلاميّة من جهة، وفقهيّة من جهة أخرى.

الأثر المترتِّب على كلاميّة ولاية الفقيه أو فقهيّتها

في ضوء ما سبق نتساءل: ما هو الأثر المترتِّب على كون ولاية الفقيه كلاميّة أو فقهيّة؟ وكيف نفهم ما ذكره الشيخ الآمليّ من أثر كبير يترتّب على العلم الذي تنتسب إليه؟

والجواب: إنّنا، بعد التأمّل، لا نجد أثرًا ذا أهمّيّة كبيرة، لا سيَّما من الناحية العمليّة، على انتساب ولاية الفقيه إلى علم الكلام أو علم الفقه.

نعم هناك أثر كبير من جهة أخرى يتعلّق بالدليل المعتمد على ولاية الفقيه.

وخلاصة الكلام في ذلك: أنّنا حينما نلاحظ الدليل العقليّ البديهيّ على ولاية الفقيه كالدليل الذي أطلقنا عليه "دليل أحكام الإسلام"، والذي كانت خلاصته:
* الإسلام دين حكومة
* الحكومة تحتاج إلى حاكم فقيه كفؤ عادل.
* إن حَكَم هذا الفقيه يجب على الأمّة أن تطيعه.
للفقيه ولاية على الأمّة.

نلاحظ أنّ من يقبل هذا الدليل بعنوان كونه فكرة واضحة بديهيّة، فهو لا يحتاج إلى أن يعود إلى مرجع التقليد ليسأله: هل اتّبع الولي الفقيه، أولا أتبعه؟ إنّما له أن يعتمد على الولي الفقيه ويتَّبعه مباشرة، بناءً على أنّه لا تقليد في القضايا الضروريّة البديهيّة، كما ذكرنا سابقًا.

بينما إذا لم نقبل بالدليل العقليّ على ولاية الفقيه، وانحصر اتباعها عندنا عن طريق التقليد، فإنّ ولاية الفقيه تصبح من القضايا التي يجب فيها التقليد، وبالتالي فإنّ اتباع الوليّ الفقيه يجب أن يمرَّ في قناة مرجعيّة التقليد.

إذًا بناءً على الدليل العقليّ البديهيّ نكون قد حرّرنا الأمّة من أيّة قناة أخرى في اتباعها للوليّ الفقيه، بعكس الدليل النقليّ، وفي هذا الأمر فائدة كبيرة، وأثرٌ مهمّ وواضح.

علاقة الدليل العقليّ بعلم الكلام

إنّ ما تقدّم من الأثر المترتِّب على الدليل العقليّ لا علاقة له بكون مسألة ولاية الفقيه كلاميّة لا فقهيّة، لأنّ نوعيّة الدليل، وكونه عقليًّا أو نقليًّا، لا علاقة له بذلك، فهناك بعض المسائل الفقهيّة دليلها عقليّ كوجوب التقليد الذي يعتمد على القضيّة العقليّة القائلة بوجوب رجوع الجاهل إلى العاقل، أو قل: يعتمد على سيرة العقلاء في رجوع غير المتخصِّص إلى المتخصِّص، ومع ذلك، فإنّها لم تنتقل إلى علم الكلام، وبقيت في علم الفقه، وبالعكس نجد في علم الكلام بعض المسائل التي دليلها نقليّ لا عقليّ كالرجعة، ومع ذلك فإنّ هذا الأمر لم يخدش في انتسابها إلى علم الكلام.

النتيجة
إنّ الأثر المهمّ الذي يترتّب على مقولة الإمام الخمينيّ قدس سره في ولاية الفقيه هو تركيزه على الدليل العقليّ البديهيّ، ليخرجها بذلك عن نطاق التقليد الذي يجعلها مرتهنَة برأي مرجع التقليد، فمع التفات الأمّة وقبولها بهذه المسألة كبديهيّة عقليّة متحرّرة من ذلك النطاق، فإنّها تنطلق في اتباع الوليّ الفقيه دون أيّة قناة عبور أخرى4.

الموقع العقائديّ لولاية الفقيه من جهة كونها عقائديّة

يمكن حصر الموضوعات الكلاميّة في عناوين خمسة، هي:

1- أصول الدين: وهي عبارة عن الموضوعات التي لا بدّ من الإيمان والاعتقاد بها كي تتحقّق الهويّة الإسلاميّة الظاهريّة، أي في هذه الدنيا، وعند التدقيق في ما ينطبق عليه ذلك نجد أنّه ينحصر في توحيد الله تعالى، ونبوّة محمّد صلى الله عليه وآله وسلم،
فالشهادة بهما تحقّق الهويّة الإسلاميّة الظاهريّة عند أكثر العلماء، نعم أضاف بعضهم كالمرحوم السيد الخوئيّ عنصرًا ثالثًا هو الإيمان بالمعاد5.

2- ضرورات الدين: عُرِّفت بأنّها ما يعرف بالبداهة أنّه من أجزاء الدين بحيث لو سئل عنه أيّ أحد من أهل الدين، لأجاب بأنّه منه على وجه الجزم واليقين، إلاّ من كان جديد الإسلام، أو بعيد الدار عن المسلمين، ومثاله "المعاد" عند من لا يقول بأنّه من أصول الدين. وضرورة الدين، وإن كان عدم الإيمان بها لا يضرُّ بتحقّق الهويّة الإسلاميّة، إلاّ أنّ جملة من العلماء نصّوا على أنّ إنكارها يستلزم الخروج من الدين، إنْ رجع هذا الإنكار إلى تكذيب النبيّ صاحب الرسالة6.

3- أصول المذهب: وهي عبارة عن الموضوعات التي لا بدّ من الإيمان والاعتقاد بها كي تتحقّق الهويّة المذهبيّة، كإمامة المعصومين الاثني عشر التي هي عنصر أساس لتحقيق الهويّة الشيعيّة الاثني عشريّة7.

4- ضرورات المذهب: وهي عبارة عمَّا يعرف بشكل واضح أنّه من المذهب، وبتعبير بعض العلماء، هي ما يعرفه عموم العلماء من جميع فرق المسلمين أنّه من المذهب، كعصمة النبيّ محمّد صلى الله عليه وآله وسلم، والأئمّة الاثني عشر في المذهب الشيعيّ
الإماميّ الاثني عشريّ8.

5- الفروع غير الضروريّة: وهو العنوان الجامع لكلّ الموضوعات التي لا ينطبق عليها أحد العناوين السابقة، ومثالها الرجعة وكون النبيّ والأئمّة واسطة في الفيض، فإنّهما وإن كان هناك اتجاه واسع في المذهب الشيعيّ لقبولهما وتبنّيهما، إلاّ أنّ ذلك لم يصل إلى مرحلة كونهما أو أحدهما أصلاً من أصول المذهب أو ضرورة من ضروريّاتها، وقد تعرّضنا لهذا البحث في كتاب "يسألونك عن الأئمّة عليهم السلام ".

موقع ولاية الفقيه من العناوين الخمسة

إن تأمّلنا العناوين الخمسة نلاحظ أنّ ولاية الفقيه رغم وضوحها الكبير، إلاّ أنّها ليست من أصول الدين أو المذهب، إذ لا يشترط في الهويّة الدينيّة أو المذهبيّة الاعتقاد بولاية الفقيه، كما أنّها ليست ضرورة دينيّة كما هو واضح، وكذلك هي ليست ضرورة مذهبيّة بالمعنى الذي تقدّم، فهي لا تعدّ من الواضحات عند جميع علماء الفرق أنّها من مذهب التشيّع الإمامي الاثني عشريّ، وإن كانت بديهيّة خاصّة بالمعنى الذي تقدّم.

وهذا الأمر لا يُنقِص ولاية الفقيه عن مقامها ومنزلتها المرموقة، وأثرها الكبير السابق، بل إنّ ذلك يعطيها مزيّة خاصة هي أنّها ليست بذاتها معيارًا للتكفير والارتداد، أو للحكم بالخروج من المذهب. فالإيمان بها يجمع، والنقاش فيها لا يفرِّق.

* يسألونك عن الولي، سماحة الشيخ أكرم بركات.


1- انظر: الآملي، جوادي، دور الإمام الخمينيّ قدس سره في تجديد نظام الإمامة "مجلة الرصد الثقافي"، العدد 23، بيروت، 1994م، ص 23.
2- أنظر: بركات، أكرم، ولاية الفقيه بين البداهة والاختلاف، ط3، بيروت، بيت السراج، 2012م، ص 29-35.
3- أنظر: المرجع نفسه، ص 36- 37.
4- راجع هذا البحث في كتاب ولاية الفقيه بديهيّة أو نظريّة لمؤلّفه الشيخ أكرم بركات.
5- أنظر: بركات، أكرم، ولاية الفقيه بين البديهة والنظريّة، ص 47- 60.
6- أنظر: المرجع السابق، ص 61- 66.
7- أنظر: المرجع السابق، ص 67- 71.
8- أنظر: المرجع السابق، ص 72- 74.

2013-10-28