الوهابيـّة
مذاهب
ترجع العقائد الوهابيّة إلى ما ابتدعه أحمد بن تيميّة في القرن الثامن الهجريّ، وقد كاد أنْ يصير نسياً منسياً، ويذهب أدراج الرياح، غير أنّ بذورها لمّا كانت تقبع في طيّات كتبه ورسائله،
عدد الزوار: 229
النشأة والتأسيس
ترجع العقائد الوهابيّة إلى ما ابتدعه أحمد بن تيميّة في القرن الثامن الهجريّ، وقد
كاد أنْ يصير نسياً منسياً، ويذهب أدراج الرياح، غير أنّ بذورها لمّا كانت تقبع في
طيّات كتبه ورسائله، قام محمّد بن عبد الوهّاب بن سليمان التميميّ بتجديد العهد
بها، الّذي ولد سنة 1111هـ وتوفّى عام 1207هـ فيكون عمره حين وفاته ستّاً وتسعين.
نشأ وترعرع في بلده "العيينة" في نجد، وتلقّى دروسه بها على رجال الدِّين من
الحنابلة، ثمّ غادر موطنه ونزل المدينة المنوّرة ليكمل دروسه.
وأمّا ابن تيميّة فهو أبو العبّاس أحمد بن عبد الحليم، من علماء الحنابلة توفّى سنة
728هـ.
أهمُّ عقائدهم
يرى الوهّابيّون أنّ جميع المسلمين - غيرهم - قد فسّروا التوحيد تفسيراً خاطئاً،
وفهموه فهماً لا ينطبق على الواقع، ولا يُخرجه عن حقيقة الشرك، وعملوا بما فهموا..
إذن، جميع المسلمين مشركون، من حيث لا يريدون ولا يشعرون. "فالإنسان عندهم لا يصير
موحّداً بمجرّد أن يشهد ويعتقد بلا إله إلّا الله محمّد رسول الله، وبأنّ الله هو
الخالق الرازق وحده، لا شريك له، وأنّه لا يرزق إلّا هو، ولا يدبّر الأمر إلّا هو،
وبأنّ جميع السماوات والأرض، ومن فيهنَّ، والأرضين السبع، ومن فيها، كلّهم عبيد،
وتحت تصرّفه.. كلّ ذلك لا يُفيد، ولا يجعل الإنسان موحّداً ولا مسلماً.
وكما لا تنفع كلمة الشهادة كذلك لا تنفع كثرة العبادة، ولا الإيمان بأنّ محمّداً لا
يملك لنفسه نفعاً ولا ضرراً، ولا قول الإنسان: أنا مذنب، والأنبياء لهم جاه عند
الله، وأتوسّل بهم إليه تعالى، كي يعفو ويصفح"1 كلّ ذلك، وغير ذلك لا
يجعل الإنسان موحّداً ولا مسلماً إلّا أن يترك أموراً معيّنة ومنها:
1 - التوسُّل
إنّ التوسُّل بالأنبياء والأولياء عليهم السلام في حال حياتهم أو بعد وفاتهم من
الأمور الرائجة بين الموحِّدين في جميع أزمنتهم، إلّا أنّ الوهّابيّة اعتبرت
التوسّل من مظاهر الشرك، وعلى الإنسان المؤمن "أن لا يتوسّل إلى الله بأحد أنبيائه
وأوليائه، فإن فعل، وقال - مثلاً: يا الله أتوسّل إليك بنبيّك محمّد أن ترحمني فقد
سلك مسلك المشركين، واعتقدَ ما اعتقدوا"2.
2 - زيارة القبور
اتّفق المسلمون على استحباب زيارة القبور لما فيه من فوائد تربويّة وتذكيريّة ذكرها
النبيّ صلى الله عليه واله وسلم في حديثه المعروف حيث قال: "كنت نهيتكم عن زيارة
القبور فزوروها فإنّها تُزهِّد في الدنيا وتُذكِّر الآخرة"3 وقد اتّفق
المسلمون أيضاً على استحباب زيارة قبر النبيّ صلى الله عليه واله وسلم خصوصاً،
وأفضل دليل على ذلك سيرة المسلمين منذ وفاة النبيّ صلى الله عليه واله وسلم ،
مضافاً إلى العديد من الروايات.
منها ما ورد عن النبيّ صلى الله عليه واله وسلم حيث قال: "من زار قبري كنت له
شفيعاً أو شهيداً، ومن مات في إحدى الحرمين بعثه الله من الآمنين يوم القيامة"4.
وفي حديث آخر قال صلى الله عليه واله وسلم : "من زارني بعد موتي فكأنّما زارني في
حياتي ، ومن مات بإحدى الحرمين بُعث من الآمنين يوم القيامة"5.
ومع هذا فقد رفضت الوهّابيّة مبدأ زيارة القبور حيث قالوا: "أن لا يقصد ـ الإنسان
المسلم ـ قبر النبيّ للزيارة، ويشدّ إليه الرحال، وأن لا يتمسّح به، ولا يمسّه، ولا
يدعو الله ويُصلّي لله عنده، ولا يُقيم عليه بناءً ولا مسجداً، ولا ينذر له"6
محتجّين بأنَّ النبيّ صلى الله عليه واله وسلم بعد موته لا يضرّ ولا ينفع، فيجب على
الإنسان أن يقصد الله وحده ويطلب منه دون سواه، متجاهلين في ذلك قول الله عزّ وجلّ:
﴿وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ﴾7
وهل هناك وسيلة إلى الله أفضل من النبيّ صلى الله عليه واله وسلم وأهل بيته عليهم
السلام ؟
3 - الشفاعة
اتّفق المسلمون عامّة على شفاعة النبيّ الأكرم صلى الله عليه واله وسلم يوم
القيامة، وإن اختلفوا في معنى الشفاعة بين كونها سبباً لغفران الذنوب كما عليه
الأشاعرة والإماميّة وأهل الحديث، أو لترفيع الدرجة كما عليه المعتزلة. إنّما
الكلام في طلب الشفاعة من النبيّ صلى الله عليه واله وسلم في حال حياته ومماته،
فالمسلمون إلى عهد ابن تيميّة اتّفقوا على جوازه حيّاً وميّتاً، وهو من فروع طلب
الدعاء من المشفوع له، إلى أن جاء ابن تيميّة في القرن الثامن الهجريّ ورفع راية
الخلاف بين المسلمين، وقال: " أن لا يطلب ـ الإنسان المسلم ـ الشفاعة من النبيّ،
لأنّ الله، وإن أعطاها لمحمّد صلى الله عليه واله وسلم وغيره من الأنبياء، ولكنّه
نهى عن طلبها منهم ومن طلب الشفاعة من محمّد كان كمن طلبها من الأصنام سواء بسواء"8.
والجواب عنه: أنّه لا يُتصوّر أن يكون طلب الدعاء من المؤمن أو الصالح أو الأنبياء
العظام عليهم السلام شركاً، سواء أكانوا أحياءً أمْ أمواتاً، أمّا الأحياء فقد
صرَّح القرآن الكريم بجوازه، وأمر الظالمين بالمجيء إلى النبيّ صلى الله عليه واله
وسلم وطلب الاستغفار منه. قال سبحانه:
﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا
اللهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللهَ تَوَّاباً رَحِيماً﴾9.
وحكى عن ولد يعقوب أنَّهم قالوا لأبيهم
﴿يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ *
قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾10.
إضافة إلى أنّ هناك روايات تُشير إلى جواز طلب الشفاعة، منها عن أنس أنّه قال:
"سألت النبيّ أن يشفع لي يوم القيامة فقال: أنا فاعل. قُلت: فأين أطلبك؟ قال: على
الصراط..."11 ولو كان طلب الشفاعة شركاً، لزجره عنه.
هذا في حال حياة النبيّ صلى الله عليه واله وسلم أمّا بعد وفاته فقد روى الطبرانيّ
في معجمه الكبير من حديث عثمان بن حنيف "أنّ رجلا كان يختلف إلى عثمان بن عفّان في
حاجة له فكان لا يلتفت إليه ولا ينظر في حاجته، فلقي ابن حنيف فشكا إليه ذلك ، فقال
عثمان بن حنيف: ائتِ الميضاة فتوضّأ ثمّ ائتِ المسجد فصلِّ ركعتين ثمّ قل: اللهمّ
إنّي أسألك وأتوجّه إليك بنبيّنا محمّد صلى الله عليه واله وسلم نبيّ الرحمة، يا
محمّد إنّي أتوجّه بك إلى ربّي فتقضي حاجتي، وتذكر حاجتك. فانطلق الرجل فصنع ما قال
له ثمّ أتى باب عثمان بن عفّان فجاءه البوّاب فأخذ بيده ، فأدخله على عثمان فأجلسه
معه على الطنفسة فقال: ما حاجتك؟ فذكر حاجته فقضاها له ثمّ قال له ما ذكرت حاجتك
حتّى كانت الساعة وقال ما كان لك من حاجة فاذكرها"12.
4 - الاستغاثة بالنبيّ صلى الله عليه واله وسلم
اعتقدت الوهّابيّة أنّ الاستغاثة بالنبيّ صلى الله عليه واله وسلم شرك، ولا يجوز
مناداته والاستعانة به بأيِّ حال من الأحوال، حيث قالوا: "أن لا يحلف بالنبيّ، ولا
يُناديه، ولا ينعته بسيّدنا، كأن يقول: بحقّ محمّد، ويا محمّد، وسيّدنا محمّد، بل
الحلف بالنبيّ وغيره من المخلوقات هو الشرك الأكبر الموجب للخلود بالنار"13،
وقال ابن مسعود: "لأن أحلف بالله كاذباً أحبُّ إليّ من أن أحلف بغيره صادقاً"14
لأنّ الحلف بالله كاذباً كبيرة من الكبائر، ولكنّ الشرك أي الحلف بغير الله أكبر من
الكبائر.
فإذا كان هذا حال الشرك الأصغر فكيف بالشرك الأكبر الموجب للخلود بالنار.
وذُكر أيضاً أنّ محمّد بن عبد الوهّاب كان يقول عن النبيّ صلى الله عليه واله وسلم
: "أنّه طارش (يعني الرسول في الحاجة)، وأنّ بعض أتباع هذا الشيخ كان يقول: عصاي
هذه خير من محمّد، لأنّه يُنتفع بها في قتل الحيّة، ومحمّد قد مات، ولم يبقَ فيه
نفع، وإنّما هو طارش ومضى"15. هذا هو الكلام الّذي يهتزّ منه العرش وتتفطّر
السماوات، وتنشقّ الأرض، وتخرّ الجبال منه.. وإذا كانت العصى خيراً من محمّد صلى
الله عليه واله وسلم فلماذا يجب حبّه وطاعته، والإيمان به؟. ولماذا نُكرِّر الصلوات
والتحيّات عليه في الصلوات الخمس، ويُقرن اسمه باسم الله على المآذن والمنابر،
ويُحتجُّ بقوله في كلِّ علم وفن؟.
وبالتالي، فأيّ معنى لقوله تعالى :﴿لِتُؤْمِنُوا
بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً
وَأَصِيلاً * إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللهَ يَدُ
اللهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ
أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً﴾16.
و تُعزّروا النبيّ صلى الله عليه واله وسلم أي تنصرونه، وتوقِّرونه أي تُعظِّمونه،
وتُسبّحوه بكرة وأصيلاً أيُّ تذكرونه في تسبيحكم وصلواتكم بالتحيّات..
وأيضاً أيُّ معنى لقوله تعالى:
﴿إِنَّ اللهَ وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً﴾17.
وعليه فإنّ على الإنسان المسلم أن يلتزم بما ذُكر أعلاه التزاماً وثيقاً، وإلّا كان
مشركاً منكراً للتوحيد قال ابن تيميّة: "إنّ ترك هذه الأمور، وما إليها يتّصل
اتّصالاً وثيقاً بمفهوم التوحيد، ومن فعلها فهو مشرك يحلّ دمه وماله وذراريه، سواء
أفعلها عن علم بتحريمها، أو جهلاً واشتباهاً، لأنّ فعلها يُفضي إلى تكذيب الرسول،
وإن لم يتعمّد الفاعل مُنكَراً"18.
وليس من شكّ أنّهم عدّوا عدم زيارة النبيّ صلى الله عليه واله وسلم وطلب الشفاعة
منه شرطاً في التوحيد، ولم يعدّوا قتل النفس المحترمة والزنى واكتناز الذهب من
منافيات التوحيد والإيمان.
5 - في صفات الله
يجمد الوهّابيّون على ظاهر نصوص الكتاب والسنّة في صفات الله سبحانه، ولم يُجيزوا
تفسير الظواهر وتأويلها بغير ما دلّت عليه الصورة الحرفيّة، بل يعتبرون التأويل
كفراً، لأنّه كذب على الله والرسول، ويرون تنزيه الله بإثبات اليد له والرجل،
والكفّ والأصابع، والنفس والوجه، والعين والسمع، والجلوس والوقوف، والضحك
والتكلُّم، والوجود في السماء، وما إلى هذه من الصفات الّتي وصف الله بها نفسه، أو
جاءت على لسان نبيّه من غير زيادة ولا نقصان.
واستدلّوا على اليدين بقوله تعالى:
﴿بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ﴾19.
وعلى العينين أو العيون:
﴿وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا﴾20.
وعلى الجلوس:
﴿ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ﴾21.
وعلى الوجود في السماء:
﴿ءأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ﴾22.
وعلى الوجه:
﴿فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ﴾23.
وعلى السمع والعين:
﴿هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾
24.
وعلى النظر إليه:
﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ﴾25.
وعلى السير والمجئ:
﴿وَجَاء رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفّاً صَفّاً﴾26.
وعلى النفس
﴿تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلاَ أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِك﴾27.
وعلى الضحك بما رواه ابن تيميّة 28: "إنّ الله ضحك إلى رجلين، يقتل
أحدهما الآخر، كلاهما يدخل الجنّة.. وأيضاً قد ضحك حين دخل آخر رجل إلى الجنّة،
فقال له الرجل: أتسخر بي، وأنت رب العالمين؟"29.
واستدلّوا على الرِّجل بما رواه ابن تيميّة أيضاً في الرسالة الواسطيّة 30:
"لا تزال جهنّم يُلقى فيها، وهي تقول: هل من مزيد؟. حتّى يضع ربّ العزّة فيها
رِجْلَه، فينزوي بعضها إلى بعض، وتقول: قط قط"31.
واستدلّوا على وجود الأصابع بما رواه محمّد بن عبد الوهّاب في آخر كتاب التوحيد
32: "إنّ الله جعل السماوات على إصبع من أصابعه، والأرض على إصبع،
والشجر على إصبع، والثرى على إصبع، وسائر الخلق على إصبع.. ثمّ اعتزّ الله وافتخر،
وقال: أنا الملك، أنا الله، أين الجبّارون؟ أين المتكبّرون؟"33.
فالله يحمل السماوات السبع والأرضين السبع في يده، وهي فيها كحبّة خردل في يد
أحدنا، وهذا معنى قوله تعالى:
﴿وَالأرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾34.
6 - الجبر
قالت الوهّابيّة بالجبر بمعنى أنَّ الإنسان مجبرٌ في أفعاله، فالله خلق الإنسان
وخلق أفعاله وكلّ ما يقوم به من خيرٍ أو شرٍّ.
قال ابن تيميّة: "العباد فاعلون حقيقة، والله خالق أفعالهم.. وللعباد قدرة على
أعمالهم، ولهم إرادة، والله خالقهم، وخالق قدرتهم وإرادتهم، ومع ذلك فقد أمرهم
بالطاعة، ونهاهم عن المعصية" 35. إنّ كلام ابن تيميّة ظاهر في أنّ الله
خالق أفعال الإنسان، وغير خالقها، والإنسان موجِد لأفعاله، وغير موجدها، ففي كلامه
تناقض وتضارب. وكيف صحّ أن يأمرهم بالطاعة وينهاهم عن المعصية مع أن قدرتهم
وإرادتهم هي من قدرة الله وإرادته؟ كذلك فإنّ الانبعاث إلى الطاعة والانزجار عن
المعصية لا يتأتّى إلّا من فاعل مختار.
والحقّ في هذه المسألة الّتي شغلت الأوّلين والآخرين ما قاله الإمام جعفر الصادق
عليه السلام ، وعبّر عنه بقوله: "لا جبر ولا تفويض، وإنّما أمر بين الأمرين"36.
وقد شرح الإمام الرضى عليه السلام معنى هذا القول عندما ذُكر عنده حيث قال: "ألا
أعلمكم في هذا أصلاً لا تختلفون فيه ولا يُخاصمكم عليه أحد إلّا كسرتموه؟ قُلنا إن
رأيت ذلك، فقال: إنّ الله عزّ وجلّ لم يُطع بإكراه، ولم يُعصَ بغلبة ولم يُهمل
العباد في ملكه ، هو المالك لما ملّكهم ، والقادر على ما أقدرهم عليه، فإن ائتمر
العباد بطاعته لم يكن الله منها صادّاً ، ولا منها مانعاً وإن ائتمروا بمعصيته فشاء
أن يحول بينهم وبين ذلك فعل ، وإن لم يحل فعلوه، فليس هو الّذي أدخلهم فيه ثمّ قال
عليه السلام : من يضبط حدود هذا الكلام فقد خصم من خالفه"37.
7 - الحاكم الجائر
يعتقد الحنابلة بما فيهم الوهّابيّة بأنّه لا يجوز الخروج على الحاكم الجائر،
والمستبدّ الفاسد، ويوجبون طاعته والاستماع له، كما جاء في كتاب الأحكام
السلطانيّة، وصاحبه حنبليُّ المذهب. واستدلّوا بقوله تعالى:
﴿أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأمْرِ مِنْكُم﴾38.
وتقريب ذلك أنّ الحاكم يصدق عليه أنّه من أولي الأمر الّذين فرض الله تعالى على
العباد طاعتهم، لذلك لا يجوز الخروج عليه حتّى لو كان ظالماً غير مراعٍ لأحكام
الإسلام وتعاليمه، وزعموا أنَّ الخروج على الحاكم المُستخفِّ بدين الله الجائر على
عباد الله حرام، مستدلّين بأنَّ في الخروج تفريقاً لكلمة المسلمين واستبدال الخوف
بالأمن، وبما رواه أبو بكر عن الرسول صلى الله عليه واله وسلم "ستكون فتنة القاعد
فيها خير من الماشي، والماشي فيها خير من الساعي، ألا فإذا نزلت أو وقعت فمن كان له
إبل فليلحق بإبله، ومن كان له غنم فليلحق بغنمه، ومن كان له أرض فليلحق بأرضه، فقال
رجل: يا رسول الله من لم يكن له إبل ولا غنم ولا أرض؟ قال: يعمد إلى سيفه فيدقّ على
حدِّه بحجر"39.
8 - الجاهل غير معذور
إذا خالف الإنسان أمر الله عن جهالة فإنّه يكون مبتدعاً، حتّى لو كان جهله عن قصور
لا عن تقصير، وقالوا: "إذا نطق المسلم بكلمة التوحيد مؤمناً، ثمّ زار القبور جاهلاً
بالتحريم يكون مشركاً، وجهله ليس بعذر"40.
والحقيقة إنّ الجاهل على نوعين، جاهل مقصّر وجاهل قاصر، فالأوّل غير معذور مع قدرته
على المعرفة والتعلُّم والالتزام بما أمر الله، أمّا الثاني فهو معذور لعدم معرفته
أو عدم قدرته على الالتزام بما أمر الله، قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم :
"رُفع عن أمّتي تسعة أشياء: الخطأ، والنسيان، وما أُكرهوا عليه، وما لا يعلمون، وما
لا يُطيقون، وما اضطّروا إليه، والحسد، والطيرة، والتفكُّر في الوسوسة في الخلوة ما
لم ينطقوا بشفة"41.
الخلاصة
ـ ترجع العقائد الوهّابيّة إلى ما ابتدعه أحمد بن تيميّة في القرن الثامن الهجريّ،
وقام محمّد بن عبد الوهّاب بتجديد العهد بها.
أهم عقائد الوهابيّة
ـ اعتبرت التوسّل من مظاهر الشرك.
ـ رفضت مبدأ زيارة القبور.
ـ أن لا يطلب الشفاعة من النبيّ صلى الله عليه واله وسلم.
ـ إنّ الاستغاثة بالنبيّ صلى الله عليه واله وسلم شرك، ولا يجوز مناداته والاستعانة
به بأيّ حال من الأحوال.
ـ الجمود على ظاهر نصوص الكتاب والسنّة في صفات الله سبحانه، ولم يُجيزوا تفسير
الظواهر وتأويلها بغير ما دلّت عليه الصورة الحرفيّة، بل يعتبرون التأويل كفراً،
لأنّه كذب على الله والرسول.
ـ الاعتقاد بالجبر، بمعنى أنَّ الإنسان مجبر في أفعاله فالله خلق الإنسان وخلق
أفعاله وكلّ ما يقوم به من خير أو شر.
ـ يعتقد الحنابلة بما فيهم الوهّابيّة بأنّه لا يجوز الخروج على الحاكم الجائر،
والمستبدّ الفاسد، ويوجبون طاعته والاستماع له، كما جاء في كتاب الأحكام
السلطانيّة.
ـ إذا خالف الإنسان أمر الله عن جهالة فإنّه يكون مبتدعاً حتّى لو كان جهله عن قصور
لا عن تقصير.
*
دراسات في المذاهب الإسلامية, سلسلة المعارف الإسلامية , نشر: جمعية المعارف الإسلامية الثقافية
1-رسالة التوحيد،
ورسالة هذه أربع قواعد، ورسالة كشف الشبهات لمحمّد عبد الوهّاب، وفتح المجيد
لحفيده، وتطهير الاعتقاد من أدران الإلحاد للصنعانيّ وهو من أصحّ الكتب وأوثقها عند
الوهّابيّة، وغير هذه الرسائل والمؤلّفات من كتبهم المعتبرة.
2-تطهير الاعتقاد، الصنعانيّ، ص 36 الطبعة الأولى، والرسائل العمليّة التسع، ابن
تيميّة، ص 45 وما بعدها طبعة 1957.
3-سنن ابن ماجه،ج1،ص501، باب ما جاء في زيارة القبور.
4-كنز العمّال، المتقي الهنديّ، ج5، ص 125. السنن الكبرى، البيهقي، ج5 ، ص245.
5-م. ن، كنز العمال.
6-تطهير الاعتقاد، الصنعانيّ، ص 30 و 41، ونقض المنطق لابن تيميّة ص 15 طبعة 1951،
وفتح المجيد ص 239 طبعة 1957، واقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أهل الجحيم لابن
تيميّة ص 368 طبعة 1950. وفي صفحة 404 من هذا الكتاب «وإن كان المصلي لا يصلي إلّا
لله، ولا يدعو إلّا الله «فإنّه مشرك».
7-المائدة: 40.
8-الرسائل العمليّة التسع، ابن تيميّة، ص 110 ، و 114 .
9-النساء: 64.
10-يوسف: 97 ـ 98.
11-أبو الفضل السيد أبو المعاطي النوريّ، المسند الجامع، ج3، ص17.
12-تحقيق النصرة ص 114 - 115. رواه عن الطبراني في معجمه الكبير.
13-فتح المجيد شرح كتاب التوحيد،سليمان بن عبد الوهّاب حفيد محمّد عبد الوهّاب، ص
414، طبعة 1957.
14-الصواعق الإلهيّة، سليمان بن عبد الوهّاب، ص144.
15-كشف الارتياب، السيد الأمين، ص 127 الطبعة الثانية، نقلا عن خلاصة الكلام صفحة
230.
16-الفتح: 10.
17-الأحزاب: 56.
18-الرسائل العمليّة التسع، ابن تيميّة، ص 79 .
19-المائدة: 64.
20-هود: 37.
21-الأعراف: 54.
22-الملك: 17.
23-البقرة: 115.
24-المائدة: 76.
25-القيامة: 22 ـ 23.
26-الفجر،: 22.
27-المائدة: 116.
28-كتاب الإيمان، ابن تيميّة، ص230.
29-صحيح البخاري، ج2، ص210، صحيح مسلم، ج1، ص174، ح187.
30-الرسالة الواسطيّة: الموجودة في كتاب الرسائل التسع، ابن تيميّة، ص 136.
31-صحيح البخاري، ج4، ص1835،ح4567 و4568 و4569.
32 انظر رسالة التوحيد، ورسالة هذه أربع قواعد، ورسالة كشف الشبهات لمحمّد عبد
الوهّاب، وفتح المجيد لحفيده، وتطهير الاعتقاد من أدران الالحاد للصنعانيّ وهو من
أصح الكتب وأوثقها عند الوهّابيّة، وغير هذه الرسائل والمؤلفات من كتبهم المعتبرة.
33-البخاري، ج4، ص، 1835، ح4567، مسلم، ج4، ص 2186، ح 2848، 2848.
34-الزمر: 66.
35-رسالة العقيدة الواسطيّة من الرسائل التسع، ابن تيميّة، ص 144.
36-بحار الأنوار، المجلسي، ج4، ص 197.
37-التوحيد ص 361 الحديث 7 من طبعة طهران، باب نفى الجبر والتفويض.
38-النساء: 59.
39-صحيح مسلم،ج8،ص169.مسند احمد،ج5،ص39.سنن ابي داوود،ج2،ص303،ح4256.
40-تطهير الاعتقاد، ص 35 .والرسائل العمليّة التسع، ص 79 .
41-الوسائل ، العامليّ،ج15،ص369.
42-انظر:صريح البيان، تأليف الشيخ عبد الله الهرري المعروف بالحبشي، إصدار جمعية
المشاريع، ط 1990.
43-انظر:مجلة منار الهدى الحبشية عدد3، ص234، النهج السوي في الرد على سيد قطب
وتابعه فيصل مولوي.