ضوابط العلاقات
زاد المغترب
قد يختلط الإنسان مع غيره من أبناء جنسه من غير المسلمين، سواء في الدراسة أو العمل، أو بحكم الجيرة...، وهنا ينبغي له أن يلتفت إلى كيفية العلاقة التي تربطه بالاخرين ولا سيما مع اختلاف الجنسين، ويجب أن يكون أحرص على الضوابط...
عدد الزوار: 535
تمهيد
قد يختلط الإنسان مع غيره من أبناء جنسه من غير المسلمين، سواء في الدراسة أو
العمل، أو بحكم الجيرة...، وهنا ينبغي له أن يلتفت إلى كيفية العلاقة التي تربطه
بالاخرين ولا سيما مع اختلاف الجنسين، ويجب أن يكون أحرص على الضوابط في المجتمعات
المتفلتة، لأن هذه الضوابط هي الحواجز التي تحفظه، وتحفظ شخصيته المؤمنة وتضمن له
اخرته، ونشير هنا إلى بعض هذه العلاقات والضوابط:
1- النظر
إن النظر من أسهل المعاصي التي يمكن أن يقع بها الإنسان رغم خطورتها وتأثيرها
السلبي جداً، حتى ورد في الرواية عن أمير المؤمنين عليه السلام : "العيون مصائد
الشيطان" 1 ، فعلى المكلف أن يحذر مكائد الشيطان ومصائده، ويتبع وصية
الرسول الأكرم صلى الله عليه و آله كما روي عنه: "... وإياكم وفضول النظر فإنه يبذر
الهوى ويولد الغفلة، وإياكم واستشعار الطمع فإنه يشوب القلب شدة الحرص، ويختم على
القلوب بطابع حب الدنيا، وهو مفتاح كل سيئة ورأس كل خطيئة، وسبب إحباط كل حسنة..."
2.
ولخطورته شبهته بعض الروايات بالزنا والعياذ بالله ففي الحديث عن الرسول الأكرم صلى
الله عليه و آله : "لكل عضو من ابن ادم حظ من الزنا فالعين زناه النظر" 3
.
حكم النظر
1- النظر إلى المحارم: يجوز للرجل أن ينظر إلى جسد محارمه ما عدا العورة إذا لم
يكن مع تلذذ وريبة، والمراد بالمحارم من يحرم عليه نكاحهن من جهة النسب أو الرضاع
أو المصاهرة، وكذا يجوز لهن النظر إلى ما عدا العورة من جسده بدون تلذذ وريبة
4 .
2- النظر إلى الأجنبية المسلمة: لا يجوز للرجل النظر إلى الأجنبية المسلمة إلا
بمقدار الوجه والكفين من دون ريبة.
3- النظر إلى الأجنبية غير المسلمة: يجوز النظر إلى نساء أهل الذمة بل مطلق الكفار
مع عدم التلذذ والريبة أي خوف الوقوع في الحرام ، والأحوط الاقتصار على المواضع
التي جرت عادتهن على عدم
التستر عنها 5.
4- النظر إلى الصور: النظر للأجنبية غير المسلمة في الصور كالتي في الجرائد أو
التلفزيون، ليس حكمه حكم النظر إلى نفس الأجنبية فلا بأس فيه، إلا مع الريبة وخوف
الفتنة، أو كانت الصورة لمسلمة يعرفها الناظر، والأحوط وجوبا عدم النظر إلى صورة
الأجنبية المعروضة في التلفزيون بالبث المباشر، وأما في البث غير المباشر مما يعرض
في التلفزيون فلا بأس بالنظر إليها من دون ريبة ولا افتتان 6 .
5-
النظر إلى الصور والأفلام الخليعة: ... نظرا إلى أن مشاهدة الصورة الخلاعية المثيرة
للشهوة لا تنفك غالبا عن النظر بشهوة، ولذلك تكون مقدمة لارتكاب الذنب، فهي حرام
7 .
العلاقات والغريزة الجنسية
إن الدين الإسلامي العظيم الذي وضعه الله تعالى ليوفر السعادة للإنسان، تعاطى مع
هذه الغريزة بالوسطية، حيث لم يذهب إلى كبتها كبتا بحيث يولد الإضرار بالفرد، ويخلق
لديه ردة فعل عكسية، وكذلك لم يحرر الإنسان من كل القيود بشكل يوصل المجتمع إلى
التفلّت، بل سلك المنهج الوسط فدعا إلى تلبية ندائها من خلال الزواج الشرعي الذي
يعتبر الإطار الطبيعي لتلبية الرغبات الإنسانية، ففي الرواية عن الرسول الأكرم صلى
الله عليه و آله : "النكاح من سنتي، فمن رغب عنه فقد رغب عن سنتي" 8 .
وعنه أيضاً: "ما بني بناء في الإسلام أحب إلى الله من التزويج" 9 .
وقد أكد الرسول الأكرم صلى الله عليه و آله نبي الإسلام وخاتم الأنبياء عليه السلام
، على جيل الشباب بالأخص وحثّهم على الزواج، لأنه في هذا العمر أي عمر الشباب تكون
الغريزة في أعلى مستوياتها فالتحصين بالزواج الشرعي يعصم الشباب عن الوقوع في الزلل
ويمنعهم من سلوك دروب الانحراف. فعن الرسول الأكرم صلى الله عليه و آله : "يا معشر
الشباب من استطاع منكم الباه فليتزوج، فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج، ومن لم يستطع
فليصم، فإن الصوم له وجاء" 10 .
ما وراء الزواج:
حصر الإسلام السبيل لإشباع الإنسان غريزته الجنسية بالاقتران والحياة الزوجية
بالشروط الشرعية، واعتبر كل علاقة أو عمل اخر من خارج هذا الإطار عملاً محرماً
يعاقب الله تعالى عليه، ومن الأمور التي أكد الإسلام على تحريمها:
أ- الزنا:
يقول الله تعالى: ﴿الزَّانِيَةُ
وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلا
تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَة فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ
بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْاخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَة مِنَ
الْمُؤْمِنِينَ﴾.
لقد شدد الإسلام على حرمة الزنا كما يتجلى في الاية الكريمة التي أمرت أن يعاقب
مرتكب هذه الفاحشة أمام النّاس بالجلد لكي يحصل الاعتبار وينتهي الناس عن هذه
الرذيلة التي تضيع الأنساب وتزرع الفساد في المجتمعات، ففي الرواية عن الإمام الرضا
عليه السلام : "حرم الزنا لما فيه من الفساد من قتل الأنفس، وذهاب الأنساب، وترك
التربية للأطفال، وفساد المواريث..." 11 .
وعن أمير المؤمنين عليه السلام : إياكم والزنا فان فيه ست خصال، ثلاث في الدنيا
وثلاث في الاخرة. فأما اللواتي في الدنيا، فيذهب بالبهاء، ويقطع الرزق الحلال،
ويعجل الفناء إلى النار. وأما اللواتي في الاخرة فسوء الحساب، وسخط الرحمان،
والخلود في النار 12 .
كما أن الزنا من أكبر الكبائر كما ورد في الحديث عن الإمام الباقر عليه السلام : في
قوله تعالى: ﴿وَلا
تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً...﴾
13 قال عليه السلام : "معصية" ومقتا "فإن الله يمقته ويبغضه، قال عليه
السلام : ﴿وَسَاءَ سَبِيلاً"﴾ هو أشد الناس عذاباً، والزنا من أكبر الكبائر"
14 .
ب العلاقة بين المثليين:
فقد ورد في الحديث عن الرسول الأكرم صلى الله عليه و آله : "إن أخوف ما أخاف على
أمتي من عمل قوم لوط" 15 .
وقد أمر الله تعالى أن يعاقب فاعل هذا العمل في الدنيا بعذاب شديد ففي الرواية أن
أمير المؤمنين عليه السلام قال لشخص أراد أن يقيم عليه الحد: "يا هذا إن رسول الله
صلى الله عليه و آله حكم في مثلك بثلاثة أشياء فاختر أيّهن شئت، قال: وما هي يا
أمير المؤمنين؟ قال: ضربة بالسيف في عنقك بالغة ما بلغت، أو دهداه من جبل مشدود
اليدين والرجلين، أو إحراق بالنار" 16 .
وفي رواية أن إحدى النساء سألت الإمام الصادق عليه السلام : أخبرني عن اللواتي مع
اللواتي؟ ما حد ما هو فيه؟ قال عليه السلام : "حد الزانية، إذا كان يوم القيامة
يؤتى بهنَّ قد أُلبسن مقطعات من النار، وقنّعن بمقانع من نار، وسربلن من نار،
وادخل في أجوافهن إلى رؤوسهن أعمدة من نار، وقذف بهنَّ في النار، أيتها المرأة!
أول من عمل هذا العمل قوم لوط، فاستغنى الرجال بالرجال، وبقي النساء بغير رجال،
ففعلن كما فعل رجالهن" 17 .
ج الإشباع الذاتي:
أي أن يشبع الإنسان رغبة الغريزة من دون العلاقة مع الطرف الاخر،
وهو المسمى بالاستمناء، وقد حرم الإسلام هذا النوع من العمل بكل أشكاله وصوره؛ ففي
الرواية أن الإمام الصادق عليه السلام سئل، عن الخضخضة فقال عليه السلام : "إثم
عظيم قد نهى الله تعالى عنه في كتابه .... ولو علمت من يفعل ما أكلت معه، فقال
السائل: فبيّن لي يا ابن رسول الله، من كتاب الله نهيه، فقال عليه السلام : قول
الله: "فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ" 18
وهو ما وراء ذلك، فقال الرجل: أيهما اكبر الزنا أو هي؟ قال عليه السلام : ذنب عظيم
ثم قال للقائل: بعض الذنوب أهون من بعض، والذنوب كلها عظيمة عند الله لأنها
معاصٍ..." 19.
العلاج:
لقد أرشدنا الأئمة عليه السلام إلى حل لمن لا يقدر على الزواج لكي يخفف من الضغط
الحاصل له إزاء فوران هذه الغريزة، وذلك من خلال نفي الأسباب التي تؤدي إلى ثورانها
وذلك من خلال عدة أمور ذكرها الإمام السجاد زين العابدين عليه السلام في رسالة
الحقوق فقال عليه السلام : "... والاستعانة عليه بغض البصر، فإنه من أعون الاعوان،
وكثرة ذكر الموت، والتهدد لنفسك بالله، والتخويف لها به، وبالله العصمة والتأييد،
ولا حول ولا قوة إلا به" 20 .
فذكر الموت يزهد الإنسان في الدنيا ويجعلها أمرا تافهاً في نظره، وأما التخويف لإنه
يجعل في قلب الإنسان منبهاً إلى العاقبة التي تنتظره لو اقترف الفعل الخاطئ،
والدعاء إلى الله تعالى بأن يرفع الهم. فالاعتصام بالله تعالى وطلب العون منه يجعل
الإرادة لدى الإنسان السالك إلى الله تعالى إرادة حديدية لأن الله يعطيه بالدعاء
توفيقاً خفياً وقوةً لم يشعر بها من قبل، وبذلك يعصم النفس عن الانقياد وراء
الشهوات بتوفيق الله تعالى وسعيه إلى طاعته.
2- زواج المغترب
هل يجوز للمسلم أن يتزوج من غير المسلمة؟ وهل يجوز للمسلمة أن تتزوج من غير المسلم؟
أما بالنسبة للمسلم: فإنه يجوز له التزوج من أهل الكتاب زواجاً منقطعاً، والأحوط
وجوباً أن لا يتزوج منهن بالزواج الدائم، وأما الكافرات كالبوذية والملحدة وعبدة
الشيطان...، فلا يجوز له الزواج منهن.
وأما بالنسبة للمسلمة: فلا يجوز لها الزواج من رجل على غير ملتها ودينها، حتى لو
كان كتابياً 21 .
*زاد المغترب, سلسلة المعارف الإسلامية , نشر: جمعية المعارف الإسلامية الثقافية
1- ميزان الحكمة، محمدي
الريشهري، ج4، ص3288.
2- بحار الأنوار، العلامة المجلسي، ج100، ص27.
3- بحار الأنوار، العلامة المجلسي، ج101، ص38.
4- تحرير الوسيلة، السيد الخميني، ج2، ص243.
5- تحرير الوسيلة، ج2، ص242، المسألة: 27.
6- أجوبة الاستفتاءات، السيد علي الخامنئي، ج2، ص39.
7- أجوبة الاستفتاءات، السيد علي الخامنئي، ج2، ص40.
8- مستدرك الوسائل، الميرزا النوري، ج14، ص153.
9- مستدرك الوسائل، الميرزا النوري، ج14، ص153.
10- مستدرك الوسائل، الميرزا النوري، ج14، ص153.
11- سورة النور، الاية: 2.
12- علل الشرائع، الشيخ الصدوق، ج2، ص479.
13- علل الشرائع، الشيخ الصدوق، ج2، ص479.
14- سورة الاسراء، الاية: 32.
15- ميزان الحكمة، محمدي الريشهري، ج2، ص1160.
16- ميزان الحكمة، محمدي الريشهري، ج4، ص2806.
17- جواهر الكلام، الشيخ الجواهري، ج14، ص376.
18- سورة المؤمنون، الاية: 7.
19- مستدرك الوسائل، الميرزا النوري، ج14، ص355.
20- مستدرك الوسائل، الميرزا النوري، ج11، ص157.
21- تحرير الوسيلة، الإمام الخميني قده ، ج2، ص254.