علاقة الزوجين
زاد المغترب
لقد حثَّت الرسالة الإسلامية بشكل كبير على الزواج وبناء الأسرة، بل جعل له الإسلام مكاناً مرموقاً وشامخاً، فالزواج مؤسسة كبرى، ومدرسة في تربية الأجيال، تعلمهم حُسن المبادئ واكتساب الفضائل في مسيرة هذه الحياة الإنسانية...
عدد الزوار: 609تمهيد
لقد حثَّت الرسالة الإسلامية بشكل كبير على الزواج وبناء الأسرة، بل جعل له الإسلام
مكاناً مرموقاً وشامخاً، فالزواج مؤسسة كبرى، ومدرسة في تربية الأجيال، تعلمهم حُسن
المبادئ واكتساب الفضائل في مسيرة هذه الحياة الإنسانية المبتنية على التقوى ورضا
اللَّه تعالى، وفي كنف الأحكام الشرعية التي بيّنها لعباده.
في الروايةٍ عن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله : "المتزوج النائم أفضل عند
اللَّه من الصائم القائم العزب" 1 .
وعن الإمام الصادق عليه السلام : "إن ركعتين يصليهما رجل متزوج أفضل من رجل يقوم
ليله ويصوم نهاره أعزب" 2 .
نظرة لحقوق الزوجين
حقوق الزوجة:
يلخص الإمام زين العابدين عليه السلام حقوق الزوجة فيقول عليه السلام : "وأما
حق الزوجة فأن تعلم أن الله عز وجل جعلها لك سكناً وأنساً فتعلم أن ذلك نعمة من
الله عليك فتكرمها وترفق بها، وإن كان حقك عليها أوجب فإنَّ لها عليك أن ترحمها"
3 .
وتفصيل هذه الحقوق:
1- النفقة: والنفقة تكون من خلال عدة أمور هي:
أ الطعام واللباس: والمقصود بالطعام واللباس أن يكون بما هو المتعارف بلا تبذير ولا شح، بل يكون
الإطعام بما يتناسب مع العرف وبما هو لائق بأمثالها، يقول الإمام الخميني قدس سره :
"فأما الطعام فكميته بمقدار ما يكفيها لشبعها، وفي جنسه يرجع إلى ما هو المتعارف
لأمثالها في بلدها والموالم الوليمة لزواجها وما تعودت به بحيث تتضرر بتركه
...وكذلك الحال في الكسوة فيلاحظ في قدرها وجنسها عادة أمثالها وبلد سكناها والفصول
التي تحتاج إليها شتاء وصيفاً" 4 وزيادة على الكسوة التي هي ثياب البدن
فلو كانت الزوجة ممن يليق بشأنها التجمل حيث كانت من أهل التجمل قبل زواجه منها،
فلو كانت كذلك وجب لها زيادة على ثياب البدن ثياب على حسب أمثالها 5 .
ب السكن:
ومن النفقة أيضاً أن يؤمن الزوج للزوجة مسكناً مناسباً بحالها، فيه المنتفعات
الأساسية، وليس لها أن تشترط أن يكون مملوكاً بل عليه أن يؤمن السكن فقط ولو
بالإجارة.
ويمكن للزوجة أن تطالب بالتفرد أي أن تكون منفردة بالسكن، أي لا يدخل معها في البيت
سواها؛ يقول الإمام الخميني قدس سره "وتستحق في الإسكان أن يسكنها دارا تليق بها
بحسب عادة أمثالها، وكانت لها من المرافق ما تحتاج إليها، ولها أن تطالبه بالتفرد
بالمسكن عن مشاركة غير الزوج ضرة أو غيرها من دار أو حجرة منفردة المرافق، إما
بعارية أو إجارة أو ملك" 6 .
2- الوصال:
المواقعة هي الحق الثاني من حقوق الزوجة، فإنه يجب على الزوج أن يواقع زوجته مرة في
الأربعة أشهر، نعم يستحب له أن يقضي حاجتها، بل الأحوط وجوباً ذلك إذا كانت في معرض
المعصية لو لم يواقعها 7 .
حقوق الزوج
1- حق الاستمتاع:
إن للزوج الحق في الاستمتاع بالزوجة، ويجب على المرأة أن تلبي رغبة الرجل في ممارسة
حقه الطبيعي والشرعي ما لم يكن هناك مانع شرعي كما لو كانت في أيام عادتها الشهرية،
ففي الرواية أنه جاءت امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فقالت: "يا رسول الله
ما حق الزوج على المرأة؟ فقال لها: أن تطيعه ولا تعصيه، ولا تتصدق من بيتها بشيء
إلا بإذنه، ولا تصوم تطوعا إلا بإذنه، ولا تمنعه نفسها وإن كانت على ظهر قتب"
والمقصود بالقتب: رحل صغير على قدر السنام، يوضع على الجمل 8 ، والتعبير
بهذا كناية عن شدة الوجوب في أن تكون الزوجة مستجيبة لزوجها ولو في أحلك الظروف.
2- حق إعطاء الإذن في الخروج من المنزل:
الحق الثاني من حقوق الزوج، هو حق إعطاء الإذن للمرأة فيما لو أرادت الخروج من
البيت، فلا يجوز للزوجة أن تخرج إلا بإذن زوجها. ففي الرواية عن الرسول الأكرم صلى
الله عليه وآله : ... ولا تخرج من بيتها إلا بإذنه، فإن خرجت بغير إذنه لعنتها
ملائكة السماء وملائكة الأرض وملائكة الغضب وملائكة الرحمة حتى ترجع إلى بيتها
9 .
3- حق حسم الأمور الإدارية في الأسرة:
الحق الثالث من حقوق الرجل التي يمكن فهمها بشكل غير مباشر كنتيجة لواجب الإنفاق
المنوط بالزوج، هو حق حسم الأمور التي تتعلق بالإدارة المالية للمنزل.
فعندما قلنا إن الإنفاق في داخل الأسرة من واجب الرجل، فمن الطبيعي أن لا ينفق
الرجل إلا على ما يقنعه ويراه صالحاً.
إن حسم الأمور في داخل الأسرة بالحقيقة له علاقة مركزية بالإنفاق وهذا مثاله في
المسألة المالية، وقد ينسحب إلى المسائل الأخرى كالتربوية أو غيرها لو كانت على
ارتباط بمسألة الإنفاق، فلو اختلف الزوجان في الشؤون التربوية، كأن أراد الزوج أن
يجعل الولد في مدرسة معينة، والزوجة ترى أن يكون في مدرسة أخرى، فالحسم بالنهاية
للزوج، لأنه هو الذي سيدفع في كلتي المدرستين، فقد حمله الإسلام مسؤولية تربية
الأولاد والإنفاق عليهم.
ولهذا يمكن أن نكتفي بالحقين الأولين، أي حق الإستمتاع والإذن بالخروج من المنزل،
إذا اعتبرنا الأمر الثالث نتيجةً طبيعيةً محصَّلةً من خلال هذه الإدارة.
التفاهم قبل الحقوق
إن الأساس في العلاقة بين الزوجين أن تكون مبنية على التفاهم، ومراعاة الاداب
العرفية والشرعية، لا أن يتمسك كل منهما بحقوقه أمام الاخر، إذ أن الرجوع إلى هذه
الحقوق، لا يكون عادة إلا في حالات الخلاف وسوء التفاهم بين الزوجين والتي يستعصي
حلها ضمن جو التفاهم والتسامح، وإلا ففي الحياة العادية التي يسودها التفاهم لا
معنى للرجوع إلى هذه الحقوق، بل العلاقة محكومة بالتفاهم بين الزوجين الذي ينطلق من
المراعاة للمسائل الأدبية والأخلاقية والعرفية وما اتفقا عليه من إدارة شؤونهما.
خطر الزواج الفاشل
كما أن الزواج الناجح هو إحدى العرى الوثيقة لتماسك المجتمع المسلم، فإن للزواج
الفاشل اثاراً على البنية الاجتماعية للمجتمع الإسلامي، وقد تكون في بعض الأحيان
خطيرة ومدمرة، ومن اثار الزواج الفاشل:
1- الطلاق:
إن مسألة الطلاق هي أخطر وأكبر المشاكل الناتجة عن فشل العلاقة الزوجية، والطلاق من
الأمور المكروهة في الشرع المقدس ففي الرواية عن رسول الله الأكرم صلى الله عليه
وآله : "ما من شيء أبغض إلى الله عز وجل من بيت يخرب في الإسلام بالفرقة" 10.
وللطلاق مفاسد كثيرة ومنها تضييع الأولاد، فإنه لا يختلف اثنان في أن الطلاق مضيعة
للولد، فإن الولد في حاجة دائمة إلى حنان الأم ولا يمكن لأي امرأة أخرى أن تحلَّ
محلَّ الأم في تربية الأطفال، هذا فضلاً عن الاثار النفسية التي تطال روح الطفل
مما يشاهده من بُعْدِ أمه وأبيه والشعور بعدم الطمأنينة التي تبعثها في نفسه
الأجواء الهادئة في الأسرة المستقرة.
2- العنف الأسري:
فإن الزواج الفاشل يسبب حالات العنف الأسري التي تظهر من خلال العنف والاعتداء
بالضرب على الزوج أو الزوجة، وقد يصل الأمر في بعض الأحيان ليطال الأطفال، إذ أن
بعض الأزواج ينفس توتره من شريكه في أطفاله من خلال الضرب، والتعامل السيئ والمشين،
وفي الرواية عن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله : "إني لأتعجب ممن يضرب امرأته
وهو بالضرب أولى منها" 11 ، وعن الإمام علي عليه السلام فيما أوصى ابنه
الحسن عليه السلام : "لا يكن أهلُك أشقى الخلق بك" 12 .
ويتوسع التوتر عند كلا الزوجين ليعيشا في دوامة من التوتر النفسي، والذي يعبر عنه
بالغضب من الوضع القائم، ولا بد من الإشارة هنا إلى سلبية حالة الغضب، واثاره
التدميرية ففي الحديث عن الإمام علي عليه السلام : "الغضب شر إن أطعته دمر" 13
.
كيف نتوقى فشل الزواج؟
هذا العنوان هو الموضوع الأبرز والأهم على الإطلاق في كل العلاقات الزوجية، فمن أهم الأمور التي تجعل الرجل والمرأة يتفاديان الفشل في العلاقة الزوجية:
أ- حسن الاختيار، قبل الزواج من الشريك للاخر الموافق.
ب- حسن العشرة في الحياة الزوجية من الرجل للمرأة، وحسن التبعل للمرأة، من خلال
اعتبار كل من الزوجة والزوج للاخر نعمة من الله تعالى عليه، فعن الرسول الأكرم صلى
الله عليه وآله : "ما إستفاد المؤمن بعد تقوى اللَّه عز وجل خيراً له من زوجة
صالحة" 14 ، والنعمة عادة محل ابتلاء واختبار إما أن يحسن الإنسان فيها
وإما أن يسيء، والنعمة لا تنفع ولا تستمر نافعة إلا إذا تعامل الإنسان معها
بإيجابية وأدى كل منهما ما عليه من واجبات وإلا سيخسر كلا الطرفين إن أساءا
المعاملة مع هذه النعمة الإلهية.
ج- أداء الحقوق الإلهية المتوجبة على كلا الزوجين.
د- تحصين العلاقة من التدخلات الخارجية.
فبمراعاة هذه الأمور يمكن الحفاظ على العلاقة الزوجية وجعلها سكنا ومستراحا ومحلا
لتكامل الرجل والمرأة على حد سواء.
*زاد المغترب, سلسلة المعارف الإسلامية , نشر: جمعية المعارف الإسلامية الثقافية
1- ميزان الحكمة،
حديث 7810.
2- ميزان الحكمة، حديث 7812.
3- ميزان الحكمة، محمدي الريشهري، ج2، ص1185.
4- تحرير الوسيلة، السيد الخميني، ج2، ص 315.
5- تحرير الوسيلة، السيد الخميني، ج2، ص316.
6- تحرير الوسيلة، السيد الخميني، ج2، ص316.
7- من الاستفتاءات المرسلة إلى سماحة السيد علي الخامنئي دام ظله الوارف ، وقد
أجاب عنها بخطه.
8- الصحاح، الجوهري، دار العلم للملايين، ج1، ص198.
9- مكارم الأخلاق، الشيخ الطبرسي، ص214.
10- ميزان الحكمة، محمدي الريشهري، ج2، ص1736.
11- ميزان الحكمة، محمدي الريشهري، ج2، ص1186.
12- ميزان الحكمة، محمدي الريشهري، ج2، ص1187.
13- ميزان الحكمة، محمدي الريشهري، ج3، ص2264.
14- ميزان الحكمة، ج2، ص1184.