العلاقة بين الإخوان
زاد المغترب
أولت الشريعة المقدسة مسألة الأخوة بين أبناء الأمة الواحدة والدين الواحد أهمية كبرى نظراً لما تشكله الأخوة من ترابط بين عرى مجتمع المؤمنين، ولا سيما في زمان أصبح فيه التفكك الإجتماعي طارقا للأبواب، حيث تغيب الثقافة الأصيلة...
عدد الزوار: 443
تمهيد:
أولت الشريعة المقدسة مسألة الأخوة بين أبناء الأمة الواحدة والدين الواحد
أهمية كبرى نظراً لما تشكله الأخوة من ترابط بين عرى مجتمع المؤمنين، ولا سيما في
زمان أصبح فيه التفكك الإجتماعي طارقا للأبواب، حيث تغيب الثقافة الأصيلة لتحل معها
الثقافات البديلة والمستوردة بما تحويه من سلبيات العالم الغربي والتي عانى وما زال
يعاني منها، والتي تصب في نهاية الأمر في مصب واحد وهو تفكك المجتمع وانحلاله
وتحويله تدريجياً من مجتمع تربطه العلاقات الإيمانية المخلصة إلى مجتمع قائم على
علاقات مادية ومصالح محدودة وضيقة في جل أموره حيث يصبح الأخ شريكاً تجارياً، والأم
مستشارة قانونية، والأب زبوناً قريباً، وهكذا...
فكيف إذا كان المؤمنون داخل ذلك المجتمع الذي يخشى من أن تنتقل عدواه الإجتماعية
إلى عمق علاقاتنا الإسلامية، فمن هنا يجدر بنا التأمل في النصوص الدينية من ايات
وروايات لنرى كيف جعل الإسلام العظيم العلاقة بين الأخوة في المجتمع عّلّنا بذلك
نوفق للحفاظ على التعاليم المقدسة التي جاء بها لأجل صلاحنا وسعادتنا.
وقد ورد في الحديث عن أمير المؤمنين عليه السلام : "رب أخ لم تلده أمك" 1.
فهنا يشير الإمام عليه السلام إلى أن العلاقة بين المؤمنين تتخطى العلاقة الرحمية
لتشمل علاقة موازية لها، فلا بد من جامع مشترك بين الطرفين فما هو هذا الجامع؟
الجامع هو الإيمان بالله، وهذا ما عبرت عنه الاية الكريمة: ﴿إِنَّمَا
الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَة فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ
لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾
2 .
ثمرة الأخوة
لاكتساب الإخوان فوائد جمة على الصعيد الدنيوي والأخروي؛ فأما على الصعيد الدنيوي
فإن الأخ ملاذ المؤمن عند الشدائد ومنفس كربته إذا ألمّ به ما يحزنه، فعن الإمام
علي عليه السلام : "عليك بإخوان الصدق فأكثر من اكتسابهم، فإنهم عدة عند الرخاء،
وُجنّة عند البلاء" 3 .
وعلى الصعيد الأخروي، فإن للأخ كما تشير لذلك الروايات شفاعة عند الله عز وجل. كما
أن لإتخاذ الأخوة أجراً مستقلاً عن ذلك ففي الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وآله
: "استكثروا من الأخوان فإن لكل مؤمن شفاعة يوم القيامة" 4 .
من صفات الأخ المؤمن
من صفات الأخوة في الإيمان أن يلتفت كل واحد منهم إلى الاخر بالعناية والرعاية
والمواساة حيث تتجلى في الأخوة الإيمانية جميع الصفات النفسية الحسنة والأخلاق
الإسلامية الرفيعة. وسنذكر بعض الروايات التي تتحدث عن الحالة بين الأخوة المؤمنين:
الإيثار: عن الإمام علي عليه السلام لكميل بن زياد: يا كميل المؤمنون أخوه، ولا
شيء اثر عند كل أخ من أخيه 5 .
التعاون: وفي حديث اخر عن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله : المؤمنون أخوة تتكافأ
دماؤهم، وهم يد على من سواهم، يسعى بذمتهم أدناهم 6 .
المواساة: فعن رسول الله صلى الله عليه وآله : ألا وإن المؤمنين إذا تحابا في الله
عز وجل وتصافيا بالله، كانا كالجسد الواحد إذا اشتكى أحدهما من جسده موضعا وجد
الاخر ألم ذلك الموضع 7 .
المودَّة: فعن الإمام علي عليه السلام : لا يكون أخوك أقوى منك على مودته 8
.
الإمام علي عليه السلام : يا كميل إن لم تحب أخاك فلست أخاه 9 .
الأخوة الحقيقية
روي عن أمير المؤمنين عليه السلام : ما أكثر الأخوان عند الجفان، وأقلهم عند حادثات
الزمان 10 .
يشير الإمام علي عليه السلام من خلال هذه الرواية إلى أن الصديق لا يعرف بالأخ إلا
في أوقات الشدة فليس كل من ادعى أخوتك هو أخ حقيقي بل لا بد من وجود بعض الصفات
التي تؤكد الأخوة منها أن يقف معك في الشدائد ومنها ما ذكر في الحديث الاخر عنه
عليه السلام :
إن أخاك حقا من غفر زلتك، وسد خلتك، وقبل عذرك، وستر عورتك، ونفى وجلك، وحقق أملك
11
فهذه الصفات هي معيار لكي يتميز من خلاله الأخ الحقيقي عن غيره من أخوان المكاشرة،
وهم الذين يصاحبهم الإنسان في الحالات العادية ولا تكون العلاقة بهم قد وصلت لمرحلة
الأخوة، وهم من تراهم عند الخوان وهو مائدة الطعام وقد لا تراهم في حادثات
الزمان...
حقوق الأخوان
ينبغي الإشارة هنا أن للأخ في الله حقوقاً كثيرة جاوزت الثلاثين حقا قد جمعت في هذا
الحديث الشريف عن أمير المؤمنين عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله
: للمسلم على أخيه ثلاثون حقا لا براءة له منها إلا بالأداء أو العفو: يغفر زلته،
ويرحم عبرته، ويستر عورته، ويقيل عثرته، ويقبل معذرته، ويرد غيبته، ويديم نصيحته،
ويحفظ خلته، ويرعى ذمته، ويعود مرضته، ويشهد ميتته، ويجيب دعوته، ويقبل هديته،
ويكافئ صلته، ويشكر نعمته، ويحسن نصرته، ويحفظ خليلته، ويقضي حاجته، ويشفع مسألته،
ويسمّت عطسته، ويرشد ضالته، ويرد سلامه، ويطيب كلامه، ويبر إنعامه، ويصدق أقسامه،
ويوالى وليه ويعادي عدوه، وينصره ظالما ومظلوما، فأما نصرته ظالما فيرده عن ظلمه،
وأما نصرته مظلوما فيعينه على اخذ حقه، ولا يسلمه، ولا يخذله، ويحب له من الخير ما
يحب لنفسه، ويكره له من الشر ما يكره لنفسه، ثم قال عليه السلام : سمعت رسول الله
صلى الله عليه وآله يقول: إن أحدكم ليدع من حقوق أخيه شيئاً فيطالبه به يوم القيامة
فيقضي له وعليه 12 .
لا تجالس صديق السوء
إن من الذين لا ينبغي أن نعاشرهم كما ورد في أحاديث أهل البيت عليه السلام هم:
1- الأحمق الكذاب:
فقد جاء في الحديث عنه عليه السلام : إيّاك وصحبة الأحمق الكذّاب، فإنه يريد نفعك
فيضرّك، ويقرّب منك البعيد، ويبعّد منك القريب، إن ائتمنته خانك، وان ائتمنك أهانك،
وإن حدّثك كذّبك، وإن حدّثته كذّبك وأنت منه بمنزلة السراب الذي يحسبه الظمان ماءً
حتى إذا جاءه لم يجده شيئاً 13 .
2- صاحب الغاية الدنيوية:
والمراد به الذي يصحبك ليستفيد منك مالاً أو جاهاً أو غير ذلك من الأطماع التي لا
تجعل تلك الصحبة قائمة على أساس التقوى وليس فيها الصدق والإخلاص. وهو الذي سرعان
ما يتخلى عن تلك العلاقة حينما يصل إلى هدفه منك.
فقد ورد عن الإمام الصادق عليه السلام : إحذر أن تواخي من أرادك لطمعٍ أو خوفٍ أو
ميلٍ أو للأكل والشرب، واطلب مواخاة الأتقياء، ولو في ظلمات الأرض، وإن أفنيت عمرك
في طلبهم 14 .
3- الضَّال المُضلّ:
يقول تعالى: ﴿يَا
وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ
الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنسَانِ خَذُولًا َ﴾.
4- البخيل:
فإنه قد جاء عنهم عليه السلام التحذير من صحبته وربما كان لأجل أن المرء يأخذ من
أخلاق أصحابه ويتأثر بهم كما عن النبي صلى الله عليه وآله : المرء على دين خليله،
فلينظر أحدكم من يخالل.
وعن الإمام الصادق عليه السلام : وإيّاك ومصاحبة البخيل فإنه يخذلك في ماله أحوج ما
تكون إليه.
5- الفاسق:
فقد ورد عن الإمام زين العابدين عليه السلام أنه قال لولده الإمام الباقر عليه
السلام :" يا بنيّ انظر خمسة فلا تصاحبهم ولا تحادثهم ولا ترافقهم في طريق..." إلى
أن قال عليه السلام : وإيّاك ومصاحبة الفاسق فإنه بايعك بأكلة أو أقلّ من ذلك.
6- القاطع لرحمه:
وذلك لما روي عنهم عليه السلام : وإيّاك ومصاحبة القاطع لرحمه فإني وجدته ملعوناً
في كتاب الله عزّ وجل في ثلاثة مواضع: قال الله عزّ وجل: ﴿فَهَلْ
عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا
أَرْحَامَكُمْ ...َ﴾،
وقال عز وجل: ﴿وَالَّذِينَ
يَنقُضُونَ عَهْدَ اللّهِ مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَآ أَمَرَ اللّهُ
بِهِ أَن يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ أُوْلَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ
وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ...َ﴾.
7- الجبان:
عن الإمام عليه السلام : لا تصادق ولا تواخِ أربعة: الأحمق والبخيل والجبان
والكذاب... إلى أن يقول عليه السلام : وأما الجبان فإنه يهرب عنك وعن والديه....
8- رهين المداراة:
وهو الذي لا يمكن استمرار الصداقة معه على قواعدها السليمة دون الخضوع إلى كثير من
التكلّف والتجمّل، وذلك ما يكون مع الأشخاص الذين هم سريعو الغضب والانفعال وإذا ما
غضبوا هم لا يغفرون.
قال أمير المؤمنين عليه السلام : ليس لك بأخٍ من احتجت إلى مداراته.
9- مجهول الموارد والمصادر:
يقول الإمام الحسن عليه السلام : لا تواخ أحداً حتى تعرف موارده ومصادره، فإذا
استنبطت الخبرة ورضيت العشرة فاخه على إقالة العثرة والمواساة في العُسرة.
10- الزاهد بأخيه:
ورد عن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله : لا ترغبنَّ فيمن زهد فيك ولا تزهدنّ
فيمن رغب فيك.
11- صاحب البدعة:
جاء عن الإمام الصادق عليه السلام : لا تصحبوا أهل البدع ولا تجالسوهم، فتصيروا عند
الناس كواحدٍ منهم. وروي عن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله : المرء على دين
خليله وقرينه.
*زاد المغترب, سلسلة المعارف الإسلامية , نشر: جمعية المعارف الإسلامية الثقافية
1- غرر الحكم، ح5351.
2- سورة الحجرات، الاية: 10.
3- ميزان الحكمة، الحديث 155.
4- ميزان الحكمة، الحديث 161.
5- بحار الأنوار، ج77، ص269.
6- ميزان الحكمة، الحديث 154.
7- بحار الأنوار، ج74، ص280.
8- بحار الأنوار، ج74، ص165.
9- ميزان الحكمة، الحديث 163.
10- غرر الحكم، ح9657.
11- غرر الحكم، ح3645.
12- وسائل الشيعة، طبعة مؤسسة ال البيت ، الحر العاملي، ج21، ص212.
13- ميزان الحكمة، ح10280.
14- بحار الأنوار، ج71، ص196، ح29.