سورة العصر
في كنف الوحي
وَالْعَصْرِ, إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ, إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ.
عدد الزوار: 861
بسم اللَّه الرحمن الرحيم
﴿وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3)﴾.
1- شرح المفردات
1- العصر: هو الطرف الأخير من النهار أو هو الزمان.
2- الخاسرون: الخائبون.
3- الحق: ما أرشد إليه دليل قاطع أو عيان ومشاهدة.
2- هوية السورة
• نزلت هذه السورة في مكة، عدد آياتها ثلاثة.
محتوى السورة وفضيلتها
المعروف أن هذه السورة مكية واحتمل بعضهم أنها مدنية ويشهد على مكيتها لحنها ومقاطعها القصيرة.
بلغت شمولية هذه السورة درجة حدت ببعض المفسرين إلى أن يرى فيها خلاصة كل مفاهيم القرآن وأهدافه, بعبارة أخرى: هذه السورة رغم قصرها تقدم المنهج الجامع والكامل لسعادة الإنسان.
تبدأ السورة من قسم عميق المحتوى بالعصر, وسيأتي تفسيره, ثم تتحدث عن خُسران كل أبناء البشر خسراناً قائماً في طبيعة حياتهم التدريجية ثم أستثنى مجموعة واحدة من هذا الأصل العام، وهي ذات منهج له أربع مواد: الإيمان، والعمل الصالح, والتواصي بالحق والتواصي بالصبر, وهذه الأصول الأربعة هي في الواقع المنهج العقائدي والعملي الفردي والاجتماعي للإسلام.
في فضيلة هذه السورة ورد عن الإمام الصادق عليه السلام قال: "من قرأ "والعصر" في نوافله بعثه اللَّه يوم القيامة مشرقاً وجهه ضاحكاً سنه، قريرة عينه حتى يدخل الجنة"1.
وواضح أن كل هذه الفضيلة وهذه البشرى نصيب من طبّق الأصول الأربعة المذكورة في حياته، لا أن يقنع فقط بقراءتها.
في كنف السورة
1- العصر وأهميَّة الزمن
العصر في الأصل الضغط، وإنما أطلق على وقت معين من النهار لأن الأعمال فيه مضغوطة، ثم أطلقت الكلمة على مطلق الزمان ومراحل تاريخ البشرية، أو مقطع زمني معين، كأن نقول عصر الجاهلية أو عصر الإسلام. ولذلك ذكر المفسرون في معنى العصر احتمالات كثيرة:
1- قيل: إنه وقت العصر من النهار.
2- إنه كل الزمان وتاريخ البشرية المملوء بالدروس والعبر.
3- إنه مقطع خاص من الزمن مثل عصر البعثة النبوية المباركة، أو عصر قيام المهدي المنتظر عجل الله تعالى فرجه.
4- بعضهم أرجعها إلى أصلها اللغوي وقال: بأن القسم في الآية بأنواع الضغوط والمشاكل التي تواجه الإنسان في حياته، وتبعث فيه الصحوة وتوقظه من رقاده، وتذكره باللَّه سبحانه، وتربي فيه الاستقامة.
5- وقيل: إنها إشارة إلى "الإنسان الكامل" الذي هو في الواقع عصارة عالم الوجود والخليقة.
6- وقيل: إن الكلمة يراد بها صلاة العصر، لأهميتها الخاصة بين بقية الصلوات، لأنها الصلاة الوسطى التي أمر اللَّه أن يحافظ عليها.
ومهما يكن من شيء، فإن اللَّه سبحانه وتعالى يقسم كثيراً بالزمان، كما في قوله تعالى: ﴿وَالضُّحَى﴾(الضحى:1).
وفي قوله تعالى: ﴿وَالصُّبْحِ إِذَا أَسْفَرَ﴾(المدثر:34).
وما تلك الأقسام بالزمان إلا للإشارة إلى أهميَّة الزمان والعُمر في حياة الإنسان، فعليه أن يعرف جيّداً كيف يستغل عمره في الانتفاع لدنياه وآخرته، ولا يقتله في مضرّة دنياه وآخرته. وإذا تطلّع الإنسان إلى الزمان الذي يعيشه لرآه قصيراً جدّاً، إلا أن غفلة الإنسان عن الآخرة، توهمه أنه سيعيش إلى الأبد.
لو عرف الإنسان كيف تتبدّل خلايا جسده، وكيف يستهلك كل يوم آلاف الخلايا من مخه، دون أن يستعيض عنها شيئاً، وكيف يتسارع ما حوله من أشياء في سبيل الفناء.
لو عرف الإنسان أن عمره بالقياس إلى عمر الأرض التي يعيش عليها اليوم يكاد لا يكون شيئاً مذكوراً.
ولو عرف أن العمر الذي فات لا يعود، فما فات فات، واليوم الذي أنت فيه سيفوت.
ولو عرف أنه مسؤول عن هذا العمر الذي سيعيشه: ﴿وَقِفُوهُمْ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ﴾(الصافات:24).
وقال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم:"لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل اللّه عز وجل عن أربع: عن عمره فيما أفناه، وعن شبابه فيما أبلاه، وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه وعن حبنا أهل البيت"2.
لو عرف كل ذلك، لاستغل كلَّ ثانية بل كل جزء ثانية في رضا اللَّه تعالى، ولما خسر عمره.
2- طول الأمل وخسران العمر
من المناسب هنا الحديث عن طول الأمل لارتباطه بخسران العمر لأن من يطول أمله ويحسب أنه سيعيش طويلاً سيقع بالتقصير في العمل فيخسر عمره.
يقول أمير المؤمنين عليه السلام:"إنما أخاف عليكم اثنتين: اتباع الهوى وطول الأمل، أما اتباع الهوى فإنه يصد عن الحق وأما طول الأمل فينسي الآخرة"3.
ومما يشير إلى خطورة طول الأمل، كون هذه الصفة من صفات الكافرين، يقول تعالى واصفاً لليهود: ﴿ّيَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ﴾(البقرة:96).
وقد أوصى أولياء اللَّه بقصر الأمل، يقول رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم:"إذا أصبحت فلا تحدث نفسك بالمساء وإذا أمسيت فلا تحدث نفسك بالصباح، وخذ من دنياك لآخرتك، ومن حياتك لموتك، ومن صحتك لسقمك، فإنك يا عبد اللَّه لا تدري ما اسمك غداً"4.
وقال صلى الله عليه وآله وسلم بعد ما سمع أن أسامة اشترى شيئاً بمائة دينار إلى شهر:"إن أسامة لطويل الأمل والذي نفسي بيده! ما طرفت عيناي إلا ظننت أن شفريَّ لا يلتقيان حتى يقبض اللَّه روحي، ولا رفعت طرفي فظننت أني واضحه حتى أقبض، ولا لقمت لقمة إلا ظننت أني لا أسيغها حتى أغص بها من الموت ثم قال يا بني آدم: إن كنتم تعقلون فعدوا أنفسكم من الموتى، والذي نفسي بيده، إن ما توعدون لآت وما أنتم بمعجزين"5.
ومما يعالج طول الأمل ذكر الموت الايجابي، يقول رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم:"أكثروا هادم اللذات".
قيل: وما هو يا رسول اللَّه؟
قال صلى الله عليه وآله وسلم:"الموت، فما ذكره عبد على الحقيقة في سعّة إلا ضاقت عليه الدنيا، ولا في شدّة إلا اتسعت عليه"6.
وفي ذكر الموت الايجابي أحاديث كثيرة.
"اللهم إني أسألك التجافي عن دار الغرور، والإنابة إلى دار السرور والاستعداد للموت قبل حلول الفوت"7.
3- حتى لا تكون من الخاسرين
إن السعادة الأخروية (والدنيوية طبعاً) هي في الإيمان باللَّه وبأنبيائه ورسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم وتعاليمه واليوم الآخر والثواب والعقاب، ليس الإيمان فحسب، بل العمل الصالح أيضاً.
لذلك يقول تعالى في سورة أخرى:﴿لَّيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَن يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلاَ يَجِدْ لَهُ مِن دُونِ اللّهِ وَلِيًّا وَلاَ نَصِيرًا* وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتَ مِن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلاَ يُظْلَمُونَ نَقِيرًا﴾(النساء:123-124).
جاء في تفسير مجمع البيان وتفاسير أخرى، أن المسلمين وأهل الكتاب كانوا يتفاخرون بعضهم على بعض، فكان أهل الكتاب يتباهون بكون نبيهم قد بعث قبل نبي الإسلام وأن كتابهم أسبق من كتاب المسلمين، بينما كان المسلمون يفتخرون على أهل الكتاب بأن نبيهم هو خاتم الأنبياء "عليهم السلام"، وأن كتابه هو آخر الكتب السماوية وأكملها.
وفي رواية أخرى
أن اليهود كانوا يدّعون أنهم هم شعب اللَّه المختار، وأن نار جهنم لا تمسهم إلا أياماً معدودة كما ورد في سورة البقرة، الآية:80: ﴿وَقَالُواْ لَن تَمَسَّنَا النَّارُ إِلاَّ أَيَّاماً مَّعْدُودَةً...﴾.
وأن المسلمين كانوا يقولون، ردّاً على اليهود أنهم هم خير الأمم، لأن اللَّه قال في شأنهم: ﴿كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ...﴾(آل عمران:110).
ولذلك نزلت الآيتان السالفتان: 124-123 من سورة النساء، ودحضت كل تلك الدّعاوى وحدّدت قيمة كل شخص بما يقوم به.
فليست قيمتك أيها المسلم في أنك تنتمي إلى الإسلام على المستوى الإسمي فحسب، إنما قيمتك عند اللَّه فيما تعمل في هذه الحياة وتلتزم وتطبق من هذا الإسلام العزيز.
*في كنف الوحي، إعداد ونشر جمعية المعارف الاسلامية الثقافية، طـ1 ،ايلول2004م ، ص57-65.
1- مجمع البيان، ج10، ص545.
2- بحار الأنوار، ج7، ص258.
3- أصول الكافي، حج2، الإيمان والكفر، باب اتباع الهوى، ح3.
4- جامع السعادات، النراقي، مج3، ص35.
5- ن.م.
6- ن.م، ص38.
7- مفاتيح الجنان، دعاء ليلة 27 من شهر رمضان.
8- روضة الكافي، ص79، الحديث 33.