يتم التحميل...

الحقوق العامّة

المرأة في القرآن والسنة

لقد اهتمّ الإسلام العزيز بالمرأة أيّما اهتمام، إلى الحدّ الّذي أنزلت سورة طويلة مسمّاة باسم "النساء" في القرآن الكريم. وهذا يدلّ على خطورة وأهمّية العنصر النسائي في المجتمع الإنساني،

عدد الزوار: 292

تمهيد
لقد اهتمّ الإسلام العزيز بالمرأة أيّما اهتمام، إلى الحدّ الّذي أنزلت سورة طويلة مسمّاة باسم "النساء" في القرآن الكريم. وهذا يدلّ على خطورة وأهمّية العنصر النسائي في المجتمع الإنساني، وعلى اهتمام الإسلام بهذا العنصر، إلّا أنّ التاريخ والحاضر قد ظلمها، ولم يلتفت إلى خطورة دورها، فأنقص حقوقها وهدرها. ونحن ذاكرون بعض حقوق المرأة العامّة في الإسلام، عسى أن يكون ذلك دافعاً لردّ بعض الشبهات الّتي قد تعتري بعض الناس حول وضع المرأة في الإسلام.

1 - حقُّ الإرث والدية

يُثير بعض الناس شبهة، تقول: إنّ الدِّين الإسلاميّ قد اضطهد المرأة، وظلمها عندما جعل حظّها من الميراث نصف حظّ الرجل، كما جعل ديتها في القتل نصف ديته، وهذا معناه أنّ قيمة الرجل في الإسلام أعظم من قيمة المرأة؟!

أ - حقُّ الإرث
الجواب: إنّه كما كانت المرأة في العصر الجاهليّ لا يحقّ لها الإرث، بل كانوا يعتبرونها جزءاً من إرث الرجل الميت، فيورِّثها أبناءه، كذلك كانت المرأة الأوروبيّة في القرون الوسطى وحتّى عصر النهضة في القرن التاسع عشر، محرومة من الإرث.

ولكن عندما جاء الإسلام قرّر للمرأة الحقّ في الإرث، وأنّها ليست مالاً كي تورَّث. قال تعالى: ﴿وَلِلنِّسَاء نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَّفْرُوضًا1.

فعلى ضوء هذه الآية الكريمة تمّ تثبيت حقّ المرأة بالإرث، وفي آية أخرى حدّد الله تعالى سهم المرأة بقوله: ﴿يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْن2 ؛ أي أنّ سهم المرأة من الإرث يُعادل نصف سهم الرجل، فالولد الذكر يرث ضعف ما ترثه البنت، ويرث الأخ ضعف ما ترثه الأخت، ويرث الزوج ضعف ما ترثه زوجته... ولكنّ هذا كلّه من حيث المبدأ، إلّا أنّه قد تختلف حصّة الرجل والمرأة في بعض فروع موارد الإرث ومشتقّاتها، بحيث إنّهما يتساويان أحياناً 3، بل وتزيد حصّة المرأة على حصّة الرجل في موارد أخرى. على أيّة حال ليست حصّة الرجل ضعف حصّة المرأة على الدوام.

وأمّا سبب تحديد الإسلام سهم المرأة ـ زوجةً أو أختاً أو بنتاً ـ بنصف سهم الرجل، فهو يعود إلى الوضع الخاصّ بالمرأة في المهر والنفقة. حيث لم يفرض عليها أيّ نفقة أو مهر، فعندما تكون تحت كنف أبيها تجب نفقتها عليه، وبعد أن تنتقل إلى كنف الزوج لا تتحمّل من نفقات حياتها وأسرتها أيّ شيء، بل أوجب الإسلام على زوجها نفقتها ما دامت على عاتقه، كما فرض على الرجل صِداقها ومهرها.

ومن هنا، فما يصل إليها من الميراث يبقى لها وتصرفه فيما تشاء أو تدّخره، بينما ما يأخذه الرجل يُنفقه عليها وعلى عياله، لذا اقتضت الحكمة الإلهيّة أن يُوزّع الميراث للرجل مثل حظّ الأنثيين، تعويضاً له عمّا يُنفقه ويبذله على أسرته.

يقول السيّد الطباطبائي في معرض تفسيره لآية ﴿لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ. إنّ التأمّل في سهام الرجال والنساء في الإرث يفيد أنّ سهم المرأة ينقص عن سهم الرجل في الجملة إلّا في الأبوين فإنّ سهم الأمّ قد يربو على سهم الأب بحسب الفريضة ولعلّ تغليب جانب الأمّ على جانب الأب أو تسويتهما لكونها في الإسلام أمسّ رحماً بولدها ومقاساتها ككلّ شديدة في حمله ووضعه وحضانته وتربيته، قال تعالى: ﴿وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا4 وخروج سهمها عن نصف ما للرجل إلى حدّ المساواة أو الزيادة تغليب لجانبها قطعاً.

وأمّا كون سهم الرجل في الجملة ضعف سهم المرأة فقد اعتبر فيه فضل الرجل على المرأة بحسب تدبير الحياة عقلاً وكون الإنفاق اللازم على عهدته، قال تعالى: ﴿الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِم5 والقوام من القيام وهو إدارة المعاش، والمراد بالفضل هو الزيادة في التعقّل فإنّ حياته حياة تعقّلية وحياة المرأة إحساسية عاطفية، وإعطاء زمام المال يداً عاقلة مدبّرة أقرب إلى الصلاح من إعطائه يداً ذات إحساس عاطفي.

و هذا الإعطاء والتخصيص إذا قيس إلى الثروة الموجودة في الدنيا المنتقلة من الجيل الحاضر إلى الجيل التالي يكون تدبير ثلثي الثروة الموجودة إلى الرجال وتدبير ثلثها إلى النساء فيغلب تدبير التعقّل على تدبير الإحساس والعواطف فيصلح أمر المجتمع وتسعد الحياة.

و قد تدورك هذا الكسر الوارد على النساء بما أمر الله سبحانه الرجل بالعدل في أمرها الموجب لاشتراكها مع الرجل فيما بيده من الثلثين فتذهب المرأة بنصف هذين الثلثين من حيث المصرف، وعندها الثلث الّذي تتملّكه وبيدها أمر ملكه ومصرفه.

وحاصل هذا الوضع والتشريع العجيب أنّ الرجل والمرأة متعاكسان في الملك والمصرف فللرجل ملك ثلثي ثروة الدنيا وله مصرف ثلثها، وللمرأة ملك ثلث الثروة ولها مصرف ثلثيها، وقد لوحظ في ذلك غلبة روح التعقّل على روح الإحساس والعواطف في الرجل، والتدبير المالي بالحفظ والتبديل والإنتاج والاسترباح أنسب وأمسّ بروح التعقّل، وغلبة العواطف الرقيقة والإحساسات اللطيفة على روح التعقّل في المرأة، وذلك بالمصرف أمسّ وألصق؛ فهذا هو السرّ في الفرق الّذي اعتبره الإسلام في باب الإرث والنفقات بين الرجال والنساء.

وينبغي أن يكون زيادة روح التعقّل بحسب الطبع في الرجل ومزيته على المرأة في هذا الشأن هو المراد بالفضل الّذي ذكره الله سبحانه في قوله عزّ من قائل: ﴿الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهمْ عَلَى بَعْضٍ6 الآية، دون الزيادة في البأس والشدّة والصلابة فإنّ الغلظة والخشونة في قبيل الرجال وإن كانت مزية وجوديّة يمتاز بها الرجل من المرأة وتترتّب عليها في المجتمع الإنساني آثار عظيمة في أبواب الدفاع والحفظ والأعمال الشاقّة وتحمّل الشدائد والمحن والثبات والسكينة في الهزاهز والأهوال، وهذه شؤون ضروريّة في الحياة لا يقوم لها قبيل النساء بالطبع.

لكنّ النساء أيضاً مجهّزات بما يقابلها من الإحساسات اللطيفة والعواطف الرقيقة الّتي لا غنى للمجتمع عنها في حياته، ولها آثار هامّة في أبواب الأنس والمحبّة والسكن والرحمة والرأفة وتحمّل أثقال التناسل والحمل والوضع والحضانة والتربية والتمريض وخدمة البيوت، ولا يصلح شأن الإنسان بالخشونة والغلظة لولا اللينة والرقّة، ولا بالغضب لولا الشهوة، ولا أمر الدنيا بالدفع لولا الجذب.

وبالجملة هذان تجهيزان متعادلان في الرجل والمرأة تتعادل بهما كفّتا الحياة في المجتمع المختلط المركّب من القبيلين، وحاشاه سبحانه أن يحيف في كلامه أو يظلم في حكمه أم يخافون أن يحيف الله عليهم، ولا يظلم ربّك أحداً وهو القائل: ﴿بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ7 وقد أشار إلى هذا الالتيام والبعضيّة بقوله في الآية: ﴿بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهمْ عَلَى بَعْضٍ.

و قال سبحانه أيضاً: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ إِذَا أَنتُم بَشَرٌ تَنتَشِرُونَ *وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُون8 فانظر إلى عجيب بيان الآيتين حيث وصف الإنسان وهو الرجل بقرينة المقابلة بالانتشار وهو السعي في طلب المعاش، وإليه يعود جميع أعمال اقتناء لوازم الحياة بالتوسّل إلى القوّة والشدّة حتّى ما في المغالبات والغزوات والغارات ولو كان للإنسان هذا الانتشار فحسب لانقسم أفراده إلى واحد يكرّ وآخر يفرّ.

لكنّ الله سبحانه خلق النساء وجهّزهنّ بما يوجب أن يسكن إليهنّ الرجال وجعل بينهم مودّة ورحمة فاجتذبن الرجال بالجمال والدلال والمودّة والرحمة، فالنساء هنّ الركن الأوّل والعامل الجوهري للاجتماع الإنساني.

ومن هنا ما جعل الإسلام الاجتماع المنزلي وهو الازدواج هو الأصل في هذا الباب قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ9 ، فبدأ بأمر ازدواج الذكر والأنثى وظهور التناسل بذلك ثمّ بنى عليه الاجتماع الكبير المتكوّن من الشعوب والقبائل.

و من ذيل الآية يظهر أنّ التفضيل المذكور في قوله: ﴿الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهمْ عَلَى بَعْضٍ الآية، إنمّا هو تفضيل في التجهيز بما ينتظم به أمر الحياة الدنيوية أعني المعاش أحسن تنظيم، ويصلح به حال المجتمع إصلاحاً جيّداً، وليس المراد به الكرامة الّتي هي الفضيلة الحقيقية في الإسلام وهي القربى والزلفى من الله سبحانه فإنّ الإسلام لا يعبأ بشيء من الزيادات الجسمانية الّتي لا يستفاد منها إلّا للحياة المادّية وإنمّا هي وسائل يتوسّل بها لما عند الله.

فقد تحصّل من جميع ما قدّمنا أنّ الرجال فضّلوا على النساء بروح التعقّل الّذي أوجب تفاوتاً في أمر الإرث وما يشبهه لكنّها فضيلة بمعنى الزيادة وأمّا الفضيلة بمعنى الكرامة الّتي يعتني بشأنها الإسلام فهي التقوى أينما كانت10.

ب - حقُّ الديَّة:
الديّة هي عبارة عن عوض ماليٍّ عن الإنسان المقتول سواء كان ذكراً أو أنثى، وتكون في الوقت نفسه جزاء وعقوبة للقاتل، كي يرتدع الناس عن اقتراف القتل.
ولكنّ الإسلام قد جعل ديّة المرأة نصف ديّة الرجل، وهذا الجعل والتشريع لا ينطلق من زاوية احتقار الإسلام للمرأة، ولا من زاوية عدم اعتبار قيمتها الإنسانيّة كما يتوهّم البعض.

بل المسألة هي خلاف ذلك تماماً، ويعود إلى أسباب وعلل أخرى، منها:
إنّ جسم الرجل أقوى من جسم المرأة، وبه يؤمّن نفقة العيال، ويتحمّل اقتصاد البيت، لذا فإنّ قتل الرجل ـ في الحقيقة ـ قتل لأسرته؛ لأنّه مصدر لرزقها واحتياجاتها، فلذلك كانت ديته ضعف دية المرأة، تغطية لنفقات أسرته، وجبراً لما فاتها من خيره وكسبه، بينما قتل المرأة لا يؤثّر على الأسرة من الناحية الماليّة والاقتصاديّة بشيء؛ لأنّ قيام الأسرة ونفقتها ليس على ذمّتها، فكانت ديّتها تعويضاً عن قتلها فقط.

وربّ قائل يقول: إنّ النساء في هذا العصر يُشاركن بشكل فعّال في كثير من الحقول الاقتصاديّة إلى جانب الرجل، فهل دية هؤلاء النسوة على النصف من دية الرجل أيضاً أم أنّهنّ يتساوين مع الرجل؟!

الجواب: إنّ تشريع القانون الإلهيّ يُلاحَظ فيه الحالات العامّة والغالبة، لا الحالات الفرديّة المحدودة، ولا شكّ في أنّ مجموع الرجال في أيّ مجتمع ـ حتّى في عصرنا هذا ـ أكثر فعّاليّةً ونشاطاً من مجموع النساء. لذا القانون يُطبّق على كلّ الأفراد بلا استثناء حتّى أولئك الّذين لا تتوفّر فيهم حكمة القانون وغاياته، كالرجال غير المتزوِّجين مثلاً.

2- حقُّ التعلُّم
إنّ طلب العلم واكتساب المعرفة والثقافة في الإسلام لا يقتصر على الرجال دون النساء، بل هي دعوة إلى الجميع ومن حقِّ الجميع. فعن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم : "طلب العلم فريضة على كلِّ مسلم ومسلمة"11.

وعنه صلى الله عليه واله وسلم ـ أيضاً ـ قال: "من كانت له ابنة فأدّبها وأحسن أدبها، وعلّمها فأحسن تعليمها فأوسع عليها من نعم الله الّتي أسبغ عليه كانت له منعة وستراً من النار"12.

إذاً من حقِّ المرأة في الإسلام طلب العلم والتزوُّد بالمعرفة، فهذه هي السيِّدة الزهراء عليها السلام قدوة نساء العالمين، كان من ألقابها (العالمة).

ولكنّ السؤال: ما هي ضوابط وأولويّات التعلُّم بالنسبة للمرأة؟

الجواب:
أ- إنّ الإسلام عندما أعطى المرأة حقَّ طلب العلم، فإنّه أراد منها أن يكون ذلك في ظلِّ التمسُّك بحجابها ومراعاة الأحكام الشرعيّة، وعدم التأثُّر بالدعايات الباطلة الّتي تقول بأنّ العلم يتعارض مع حجابها ودينها.

ب- يرى الإسلام ضرورة تعلُّم المرأة وأهميّته، وذلك لجهة ما له من أثرٍ عظيم في تربية أجيال الأمّة. يقول الإمام الخميني دام ظله: "إنّ المرأة كالقرآن كلاهما أوكل إليه مهمّة صنع الإنسان".

من هنا كان من أولويّات طلب العلم بالنسبة للمرأة، هو التزوُّد بالمعارف الإسلاميّة (كالعقائد والفقه والأخلاق)، وبالتحديد كلّ ما يتعلّق بالحياة الزوجيّة والأسريّة.

ج- كما أنّ من أولويّات طلب العلم بالنسبة للمرأة، هو التخصُّص في العلوم الّتي تتعلّق بالنساء، كالتخصُّص في الطبِّ بكافّة مجالاته وفروعه، حيث يترتّب على ذلك أثر مهمّ في المجتمع، ويدفع عن النساء الحرج والاضطرار وعدم الذهاب إلى الرجل مع وجود امرأة طبيبة.

د- أمّا بالنسبة لتعلُّم الفنون: كالخطّ، والرسم، والحياكة وما شابه ذلك، فإنّه لا مانع منه في الإسلام، كما لا يمنع الإسلام المرأة من حقِّ ممارسة الرياضة.

نعم، هناك بعض الفنون أو الألعاب الرياضية حرّم الإسلام مزاولتها، لما فيها من فساد وانحراف وتلويث للكرامة، وذلك من قبيل: الغناء والرقص... الخ.

3- حقُّ العمل والتملُّك
بالرغم من أنّ الإسلام لم يوجب على المرأة الإنفاق على نفسها أو على غيرها، لا في مرحلة وجودها في كنف أبيها، ولا حين تكون في كنف زوجها. ومع ذلك فقد أعطى الإسلام للمرأة حقّ العمل والتكسُّب والاستقلال الاقتصاديّ والماليّ عن الرجل (أباً أو زوجاً)، كما أعطاها حقّ التملُّك والتصرُّف بأموالها بصورة مستقلّة. قال تعالى: ﴿لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبُواْ وَلِلنِّسَاء نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبْنَ13.

وفي حين عرفت المرأة المسلمة حقّها بالعمل والاستقلال الاقتصاديّ منذ ما قبل ألف وأربع مئة عام، فإنّ المرأة الأوروبيّة وبالتحديد الفرنسيّة، لم يُرفع الحجر عنها وعن أموالها إلّا في العام 1938م.

طبعاً، إنّ الإسلام حينما أعطى للمرأة حقّ العمل والتكسُّب، أوصاها بمراعاة الأحكام الشرعيّة والموازين الدينيّة، ومنها تجنُّب الاختلاط المحرّم، وخيرُ نموذج للمرأة العاملة ابنتا شعيب عليه السلام بما تحملانه من عفّة وحجاب، قال تعالى: ﴿وَلَمَّا وَرَدَ مَاء مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِّنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِن دُونِهِمُ امْرَأتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاء وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ14.

ففي قولهما: ﴿وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِير تعليل لقصديهما للعمل، إذ هما لا أخ لهما ولا زوج، كما أنّ أباهما عاجز عن العمل، فأحوجهما الدهر أن تتصدّيا للعمل.

ولكنّ عملهما كان قمّة المراعاة والالتزام بالضوابط الشرعيّة، حيث ـ كما تُشير الآية ـ كانتا تعملان ولا تقفان مع الرِّعاء الأجانب حتّى لا يكون هناك اختلاط محرّم، بل تنتظران حتّى ينتهي الرجال من السقي فتسقيان.

وهنا تساؤل، ماذا لو تعارض حقّ المرأة في العمل مع حقّ الزوج في منعها من الخروج من المنزل؟
يقول الإمام الخامنئي دام الله ظله: "... الرجل يستطيع أن يمنع المرأة من الخروج من البيت بدون إذنه بشرط أن لا يكونا قد اشترطا أثناء العقد شرطاً يخالف هذا الحقّ "حقّ الزوج"... فمتى ما كان هناك شرطاً ضمن العقد فهذا بحث آخر. وإن خلا العقد من أيّ شرط فيجب على المرأة أن تطيع الرجل..."15.

* المراة حقوق وادوار, سلسلة ريحانة , نشر: جمعية المعارف الإسلامية الثقافية


1-النساء: 7.
2-النساء: 11.
3- أي أنّ الاختلاف في الميراث هو في إرث الأولاد والزوجين، أمّا الأبوان فإنّهما يتساويان فيه، إذ نصيب كلِّ واحد منهما السدس ممّا ترك الولد. وهكذا في حالات
أخرى.
4- الأحقاف: 15.
5-النساء:34.
6-النساء: 34.
7-ال عمران: 195.
8-الروم:21.
9-الحجرات: 13.
10-تفسير الميزان، العلّامة الطباطبائي، ج4، ص 217.
11-العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج1، ص 177.
12-المتقي الهندي، كنز العمال، ج 16، ص 452.
13-النساء: 32.
14-القصص: 23.
15-الإمام الخامنئي دام الله ظله، مكانة المرأة في الإسلام، ص 23.

2013-01-08