سورة الإنشراح
في كنف الوحي
بسم اللَّه الرحمن الرحيم أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَك َ الَّذِي أَنقَضَ ظَهْرَك َ وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَك َ فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا ً إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا فَإِذَا فَرَغْتَ فَانصَبْ وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ.
عدد الزوار: 419
بسم اللَّه الرحمن الرحيم
﴿أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ (1) وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَك َ(2) الَّذِي أَنقَضَ ظَهْرَك َ(3) وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَك َ(4) فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا ً(5) إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (6) فَإِذَا فَرَغْتَ فَانصَبْ (7) وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ(8)﴾.
1- شرح المفردات
1- نشرح: نبسط.
2- الوزر: الحمل الثقيل.
3- أنقض: أثقل.
4-العسر: الشدة والضيق.
5- اليسر:الراحة.
6- النصب: التعب.
2- هوية السورة
نزلت هذه السورة في مكة: عدد آياتها ثمانية.
محتوى السورة وفضيلتها
المعروف أنّ هذه السورة نزلت بعد سورة "الضحى" ومحتواها يؤيد ذلك، لأنّها تسرد أيضاً قسماً من الهبات الإلهية لرسوله الأكرم صلى الله عليه وآله.
في سورة الضحى عرض لثلاث هبات إلهية بعضها مادية وبعضها معنوية، وفي هذه السورة ذكر لثلاث هبات أيضاً غير أن جميعها معنوية. وتدور السورة بشكل عام حول ثلاثة محاور:
الأول: بيان النعم الثلاث.
الثاني: تبشير النبي بزوال العقبات أمام دعوته.
والآخر: الترغيب في عبادة اللَّه الواحد الأحد.
ولذلك ورد عن أهل البيت عليهم السلام ما يدّل على أنّ هاتين السورتين سورة واحدة كما ذكرنا، ووجب قراءتهما معاً في الصلاة لوجوب قراءة سورة كاملة بعد الحمد.
وبشأن مكان نزول السورة، يتبيّن أنها نزلت في مكة، ولكن آية:
(وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ) حدت بالبعض إلى الاعتقاد أنّها نزلت في المدينة، حيث ارتفع ذكر النبي صلى الله عليه وآله وشاع صيته في كل مكان، وليس هذا الدليل تاماً، لأنّ النبي الأكرم صلى الله عليه وآله ذاع صيته قبل الهجرة رغم كل العقبات والمشاكل وكان الحديث عن دعوته على الألسن في جميع المحافل، كما أن خبر الدعوة انتشر في الحجاز عامة والمدينة خاصة من خلال الوافدين على مكة في موسم الحج.
في فضيلة هذه السورة ورد عن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله أنه قال:"من قرأها أعطى من الأجر كمن لقي محمداً مغتماً ففرج عنه"1.
في كنف السورة
السورة المباركة فيها العديد من الاستفادات منها
1-شرح الصدر
مسألة شرح الصدر وردت في العديد من الآيات القرآنية، ففي سورة الأنعام، الآية:125، قال تعالى: ﴿فَمَن يُرِدِ اللّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاء﴾.
وفي سورة النحل، الآية:106، قال تعالى: ﴿وَلَكِن مَّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًاً﴾.
وفي سورة طه، الآية:25، بخصوص دعاء النبي موسى عليه السلام قال تعالى: ﴿قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي﴾.
وفي سورة الزمر، الآية:22، قال تعالى: ﴿أَفَمَن شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ﴾.
وفي هذه السورة (الانشراح): ﴿أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ﴾.
وهنا نقف على بعض استفادات هذه الآيات:
أ- الهداية وشرح الصدر في الإسلام
فآية الأنعام:125، وآية الزمر:22، تشيران بوضوح أن اللَّه يهدي وينير طريق من شرح صدره للإسلام وآمن بعقيدته (باللَّه تعالى وبالأنبياء ومنهم رسول اللَّه صلى الله عليه وآله واليوم الآخر يوم الجزاء)، أما من شرح صدره للكفر (النحل:106)، وضلَّ عن الإسلام فهو ضيِّق الصدر.
وهذه حقيقة ترونها بوضوح إذا قارنتم بين المسلم الذي شرح صدره للإسلام بكل تعاليمه، وبين الكافر أو المنافق أو الفاسق الذين أقفلوا صدورهم عن الإسلام.
فالصنف الأوّل، منشرح الصدر والعقل، مطمئن الروح، مستقر النفس، والصنف الثاني، ضيق الصدر والفكر، قلق الروح، خائف النفس، وهذه حقيقة لا شك فيها.
ولا نريد أن نأتي بتقارير عن المأزق والضيق الروحي والنفسي والعقلي والحياتي الذي يعيش فيه الصنف الثاني، فالتقارير كثيرة تملأ صفحات الجرائد والمجلات، فهذا يقتل، وذاك ينتحر، وآخر مريض نفسيّاً في المصحّات، إلى آخر الأوبئة الفردية والاجتماعية.
ب- المقصود من "الصدر"
المقصود من الصدر هنا هو الروح والفكر، وهذه الكناية ترد كثيراً، والمقصود من "الشرح" هو اتساع الروح وارتفاع الفكر وانفساح أفق العقل البشري، لأن تقبّل الحق يستدعي التنازل عن الكثير من المصالح الشخصية، مما لا يقدر عليه إلا ذوو الأرواح العالية والأفكار السامية.
ج- معجزة قرآنية علمية
ثبت اليوم علمياً أن الهواء المحيط بالأرض مضغوط وصالح لتنفس الإنسان، ولكننا كلما ارتفعنا قلّت كثافة الهواء ونسبة وجود الأوكسجين فيه، بحيث أننا إذا ارتفعنا بضع كيلومترات أصبح من الصعب أن نتنفّس بسهولة (بغير قناة الأوكسجين)، وإذا ما واصلنا صعودنا ازداد ضيق تنفسنا وأصبنا بالاغماء، إن ذكر هذا التشبيه في سورة (الأنعام:125)، وفي زمن نزول القرآن، قبل أن تثبت هذه الحقيقة العلمية يعتبر واحدة من معجزات القرآن العلمية.
د- في خصوص الآية "ألم نشرح لك صدرك" في سورة الانشراح
بعد أن عرفنا أهمية شرح الصدر للإسلام، ومدى ضرورتها للإنسان المسلم لهدايته وارتقائه الفكري والمعنوي، نعلم مدى أهميّة ذلك للأنبياء والرسل، حيث كلّما كان دور الإنسان أعظم كانت الحاجة إلى شرح الصدر أعظم.
لذلك نرى النبي موسى عليه السلام يدعو ربَّه، عندما أمره بالذهاب إلى فرعون (ربِّ اشرح لي صدري ويسِّر لي أمري).
فلا يمكن لقائد كبير أن يجابه العقبات دون انشراح الصدر، ومن كانت رسالته أعظم (كرسالة النبي صلى الله عليه وآله) كانت الضرورة لشرح صدره أكبر، كي يبلِّغ الناس رسالة اللَّه بفكر واسع، وروح شجاعة صابرة، كي لا تزعزعه الأزمات، ولا تثني عزمه الصعاب، ولا تبعث مكائد الأعداء اليأس في نفسه.
والمتمعن في حياة الأنبياء وخاصة رسول اللَّه صلى الله عليه وآله الذي قال: "ما أوذي نبي مثل ما أوذيت"، يرى مدى تحملهم لأقوامهم وصبرهم على آذاهم.
2- رفع الذكر
يفهم كثير من الناس الإسلام فهماً خاطئاً، فمثلاً: البعض يحسب أن الإسلام يحبس الإنسان في ذاته، ويكبت طموحاته حتى ولو كانت شريفة، ولا يرضى للإنسان أن يكون مشهوراً بالمطلق، هذه النظرة تنفيها العديد من الآيات ومنها هذه الآية، حيث عدّ اللَّه من النعم على رسول اللَّه "رفع الذكر" الذي يعني الاشتهار بالذكر المرتفع الحسن.
فلا ضير أن يكون المؤمن مشهوراً بالفكر الواسع، والأخلاق الحسنة، والفضائل الكريمة، طالما أنها في رضا اللَّه لا رضا الذّات.
فهذا محمد صلى الله عليه وآله الفقير اليتيم أصبح رسول اللَّه، فاسمه مع الإسلام والقرآن قد ملأ الآفاق، وأكثر من ذلك اقترن اسمه باسم اللَّه سبحانه في الآذان يرفع صباح مساء على المآذن، والشهادة برسالته لا تنفك عن الشهادة بتوحيد اللَّه...
وفي الفضائل والمكارم والذكر الحسن فليتنافس المتنافسون.
3- مع العسر يسراً
هذه الحقيقة ينبغي أن تظل في القلوب، خاصة عند الضيق والمشاكل والمتاعب والفقر، لقد أكّد اللَّه تعالى هذه الحقيقة مرّتين، فلن يبقى الفرد ولا الأمة على حالة الضيق، فإن مع الضيق سعة، ومع الفقر غنى، ومع الشدّة فرج، وهذا ما نتعلمه من حياة رسول اللَّه والمسلمين الأوائل الذين كانوا في أشد ضيق، من الحصار الاجتماعي والاقتصادي والنفسي، فأشرق الفرج من بعد العسر.
فالآية تؤكّد صفة التفاؤل في نفس المؤمن، وتبعد عنه هواجس التشاؤم والقلق.
4- العمل الدائم والاعتماد على اللَّه تعالى (فَإِذَا فَرَغْتَ فَانصَبْ * وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ).
ذكر المفسرون لتفسير الآيتين معانٍ:
إذا فرغت من فريضة الصلاة فادع اللَّه واطلب منه ما تريد.
أو عند فراغك من أمور الدنيا ابدأ بأمور الآخرة والصلاة وعبادة الرب.
أو عند فراغك من الواجبات توجه إلى المستحبات التي حث اللَّه عليها.
أو عند فراغك من جهاد الأعداء انهض إلى العبادة.
أو عند فراغك من جهاد الأعداء ابدأ بجهاد نفسك.
أو عند انتهائك من أداء الرسالة انهض لطلب الشفاعة.
أو كما عن الحسكاني، حيث روى عن الصادق عليه السلام في "شواهد التنزيل" في تفسير الآية: إذا فرغت فانصب علياً بالولاية.
أو كما عن القرطبي في تفسيره حيث روى عن بعضهم أن معنى الآية: إذا فرغت فانصب إماماً يخلفك.
ولكن كل هذه المعاني يجمعها معنى عام، وهدفها أن تحث النبي باعتباره قدوة والمسلمين على عدم الخلود إلى الراحة، وتدعوه إلى السعي والعمل الدائم، اعتماداً واتكالاً على اللَّه تعالى.
*في كنف الوحي، إعداد ونشر جمعية المعارف الاسلامية الثقافية، طـ1 ،ايلول2004م ، ص23-30.
1- مجمع البيان، ج10، ص507.
2- مجمع البيان، ج10، ص508.